في السعودية: حين يحدث تأخّر في الإنجاب...

تقنيات طبية,المعتقدات الخاطئة,العمليات,المستشفيات,المراكز الخاصة,كل البشر,التلقيح الاصطناعي,أطفال الأنابيب,وحدة الإخصاب

ميس حمّاد (جدة) 14 فبراير 2015

(يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ* أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ)، هي حكمة الخالق في الإنجاب، فمنهم من لديه البنين والبنات ومنهم من يتمنى سماع أصواتهم في المنزل، ليظل حلم الإنجاب يراود بعض السيدات، وقد يتحوّل إلى سراب كلما تقدمت السيدة في السن.
ويبقى هذا الهاجس قائماً لدى بعض الأزواج إلى أن يلجأوا إلى الطب كحلّ أخير. وبعد أن كانت زيارة العيادات النسائية  «تابو» لتخوّف الرجل أو المرأة من البوح بأن لدى أحدهما مشاكل.
إلا أن التعامل مع هذا الأمر بات سهلاً، إذ نجد الأزواج على استعداد تام لاستشارة المختصين.
في هذا التحقيق تستعرض «لها» قصصاً حقيقية لأشخاص حُرموا من الإنجاب، ولكن الله منّ عليهم بعد اللجوء إلى تقنيات ساعدتهم في سماع صوت طفل يلفظ «أمي، أبي».
كما التقينا استشاري أمراض النساء والولادة والحمل والعقم، وأطفال الأنابيب والمناظير ورئيس وحدة الإخصاب والذكورة في المركز الطبي الدولي في جدة الدكتور فواز إدريس الذي أكد أنه «لا توجد إمرأة عاقر، بل «مجرد تأخر في الإنجاب»


«تمنّينا طفلاً فرزقنا الله ثلاثة»
سالم عبد المحسن متزوج منذ ثلاث سنوات. حاول وزوجته الإنجاب في شكل طبيعي، لكن عبثاً. يقول: «جرّبنا علاجات كثيرة، لكن الحمل الطبيعي لم يحصل، وكانت زوجتي خائفة من مسألة أطفال الأنابيب، لأنها كانت تقرأ عنها على الإنترنت.
توجّهنا إلى طبيب أوضح لنا هذه التقنية وبدأ تحضيرنا لعملية أطفال الأنابيب، وفي المساء عدنا إلى المنزل ونحن نسأل الله أن ينجح هذا الحمل».
عاد الزوجان إلى الطبيب فأخبرهما أن الزوجة حامل بخمسة توائم، واقترح عليها إسقاط ثلاثة أجنّة خوفاً على صحتها، إلا أن الزوجين اتفقا على إسقاط إثنين فقط، فوافق الطبيب وأنجبت ثلاثة أطفال ذكور بصحة جيدة.
تقول فاطمة: «أصبح عمر أطفالي  ست سنوات، وهم أجمل هدية رزقنا إياها الله عز وجل. تحمّلت أشهر الحمل المتعبة والوزن الزائد. وما إن وضعت وسمعت صوت الثلاثة حتى انهمرت دموعي ورحت أشكر ربي بصوتٍ مرتفع، واليوم أراهم يكبرون أمامي وأخشى عليهم من نسمة الهواء».

«سمنتي الزائدة منعتني من إنجاب طفل آخر»
نسرين محمد تزوجت قبل ثلاث سنوات وتم الحمل بشكل طبيعي «ورزقنا طفلة جميلة سمّيتها نور. وعندما أصبح عمرها سنتين، رغبنا في الإنجاب مرة أخرى، لكن الحمل لم ينجح، وبعد تسع محاولات فاشلة وكانت ابنتي قد بلغت 11 سنة، بدأت تلقي العلاج الطبي، لكن الأمر لم ينجح، واستمريت في العلاج لمدة ست سنوات إلى أن اقتنعت بأن التلقيح الاصطناعي سيكون ملاذي الأخير. ولأنني كنت أعاني السمنة، لم تنجح ثلاث عمليات تلقيح، وتركت وزوجي الأمر بيد الله، فهو وحده القادر على أن يهبني جنيناً».

«سأواصل السعي مهما كلفني الأمر»
أما مها صالح وزوجها عبد الله فقصتهما مختلفة، فهي إمرأة تعدّت الأربعين ولم تنجب. تقول: «طالما أنني أملك الإمكانات الفيزيولوجية، ولدي مقومات الإنجاب، سأواصل السعي في هذه المسألة، مهما كلفني الأمر. لن تتوقف رغبتي في سماع صوت طفل يناديني ماما». 
مرّت مها بتجربة طفل الأنابيب ثلاث مرات، مع لجوء إلى الطب الشعبي، والطب البديل، والطب التقليدي، «وقد كلفني هذا الأمر 200 ألف ريال، إضافة إلى نفقات السفر خارج السعودية، ومحاولات الإنجاب في مراكز متخصصة. إلا أن كل تلك المحاولات باءت بالفشل، ومازلت أحاول».
وقال زوجها عبد الله: «من الممكن أن أتزوج بأخرى لأنجب أطفالاً، لكن زوجتي ترفض هذا الأمر، وتنعتني بالأناني. أنا أخشى عليها من تلك العمليات التي لم تجدِ نفعها، فأنا غير موافق على هذه العمليات المكلفة، ولولا دموع زوجتي لما رافقتها إلى أي مركز أو عيادة إخصاب».

 


في وحدة الإخصاب والذكورة وأطفال الأنابيب في المركز الطبي الدولي  في جدة، التقينا الدكتور فواز أديب إدريس:

هل لنا بنظرة عامة ومختصرة على الوسائل الطبية المساعدة للإنجاب؟
عندما يحدث تأخر في الإنجاب، نبدأ إجراء التحاليل والأشعة اللازمة ونقدم للزوجين ثلاثة خيارات
في الطريقة الأولى، نعطي الزوجة منشطات للمبيض (حبوب أو إبر) لزيادة إنتاج عدد البويضات، مما يؤدي إلى رفع احتمال الحمل. وعندما يصل حجم البويضات إلى نحو 17- 22 ملم، نحدد يوم الجماع، وهذه الطريقة تفيد الزوجات اللواتي يعانين اضطراباً في التبويض، كما تفيد في الحالات التي تستدعي تحديد يوم الجماع، كأن يكون الزوج في مدينة أخرى بعيداً عن زوجته، أو في حال تعدّد الزوجات على سبيل المثال، أو في حال وجود بعض الحالات النفسية أو المرضية التي تتطلب إنقاص عدد مرات الجماع، وغيرها من الحالات.
أما الحقن أو التلقيح الاصطناعي ففكرته تبدأ بتنشيط المبيض لزيادة عدد البويضات (من واحدة إلى ثلاث) وعند بلوغها الحجم المناسب، نحقن عينة السائل المنوي للزوج داخل الرحم، طبعاً بعد فصل الحيوانات المنوية القوية عن غيرها. يجب علينا عند اختيار هذه الطريقة التأكد من سلامة قناة فالوب وتحليل السائل المنوي.
وهذا النوع من العلاج، يفيد حالات الطريقة الأولى، إضافة إلى فائدته بالنسبة إلى الأشخاص الذين يعانون مشاكل في الانتصاب، كما يمكنه تجميد عينات السائل المنوي لاستخدامها لاحقاً في حال تعذر إعطاء عينة يوم الحقن، سواءً كان ذلك لأمور نفسية أو لظروف اجتماعية.
أما في حالة ضعف الحيوانات المنوية أو انسداد قناة فالوب، فالطريقة الأمثل للحمل هي استخدام تقنية أطفال الأنابيب (مع إجراء الحقن المجهري أو من دونه). تعتبر هذه التقنية الأكثر نجاحاً مقارنة بالطرق الأخرى، ويمكن استخدامها (إضافة إلى الأمثلة السابقة) مع حالات تأخّر الحمل غير المعروف السبب، بطانة الرحم المهاجرة، تقدم عمر الزوجة وغيرها من الحالات.
أثناء دورة العلاج ننتج العديد من البويضات من طريق إبر التبويض المنشطة، وعند وصول البويضات إلى الحجم المطلوب، نسحبها خارج جسم الزوجة، ثم نضع ما يقارب 100 ألف حيوان منوي حول كل بويضة ليتم تلقيحها بأحدها (أو حقن كل بويضة بحيوان منوي واحد في حالة الحقن المجهري).
وعندما تتكون الأجنّة وتبدأ الانقسام نرجعها إلى رحم الزوجة حيث مكان الانغراس، علماً أن عملية السحب لا تستدعي استخدام بنج عام أو تنويماً في المستشفى، كما أنه لا يتوجب بقاء الزوجة في السرير أشهراً عدة  كما يعتقد البعض.

أطفال الأنابيب تقنية يتفاوت نجاحها من مركز إلى آخر، فهل هناك تقنيات تساعد في إنجاح هذه العمليات؟
نعم هناك أمور عدة تساعد في تميز بعض المراكز عن الأخرى كاستخدام أحدث الأجهزة والحاضنات والمحافظة على نقاء جو المختبر من الميكروبات وكل ما قد يؤثر في جودة الأجنّة. أما بالنسبة إلى تقنيات زيادة فرص إنجاح أطفال الأنابيب، فهناك ثلاث وسائل، أولاها ترقيق جدار الجنين باستخدام الليزر، فالجنين عند تكونه يكون عبارة عن خلايا محاطة بجدار يجب أن يتخلص منه قبل أن يتمكن من الانغراس في جدار الرحم، وعليه يقوم الليزر بترقيق جدار الجنين، حتى يسهّل عليه عملية الخروج من الجدار المحيط به.
أما التقنية الثانية فهي ما يسمى صمغ الأجنّة، ويوضع مع الأجنة لزيادة قدرتها على الانغراس في جدار الرحم. أما التقنية الثالثة فهي الإبر الصينية التي يجريها طبيب متخصص قبل إرجاع الأجنّة وبعده، وذلك لإرخاء عضلات الرحم وزيادة كمية الدم المتدفق إليه، مما يساعد في زيادة فرصة إنغراس الجنين.

ماهي نسب نجاح تقنية أطفال الأنابيب؟ وما هي الأسباب التي قد تُفشلها؟
نسبة الحمل الطبيعي في الشهر الواحد هي حوالي 20 في المئة، بينما تصل نسبة نجاح أطفال الأنابيب في الدورة العلاجية الواحدة إلى 30-35 في المئة، كمتوسط عالمي، غير أن هذه النسبة تتفاوت من مركز إلى آخر وفق الإمكانات والتقنيات والجودة، ففي مركزنا حققنا نسبة نجاح تتراوح ما بين 60 و65 في المئة للحمل الإكلينيكي ( وليس الحمل الكيميائي) عند السيدات دون 35 عاماً.
 أما في ما يتعلق بأسباب عدم النجاح، فهناك بعض الأمور التي يجب التأكد منها كسلامة تجويف الرحم وخلوه من اللحميّات والألياف وغيرها من الأسباب. يمكن الخضوع  لمنظار رحمي لفحص تجويف الرحم، غير أن الطريقة الأسهل هي استخدام أشعة SIS، وهي عبارة عن أشعة سونار مع حقن سائل بسيط (وليس صبغة) داخل الرحم.
من الأسباب الأخرى لعدم النجاح، ضعف جودة الأجنّة، والتي تعتمد على جودة الحيوانات المنوية، والبويضات، وكذلك المركز المعالج. من أهم الأسباب أيضاً خبرة الطبيب في إرجاع الأجنّة.

هل يؤثّر تقدم السن على نجاح التلقيح الاصطناعي أو أطفال الأنابيب؟ وكيف يمكن قياس ذلك؟
بكل تأكيد، فكلما تقدمت المرأة في العمر أو تخطّت الـ 35 سنة قلّت جودة البويضات، ولكن لكل قاعدة استثناء، فقد تجدين شابة في سن 20 عاماً وتعاني ضعفاً شديداً في عدد البويضات وجودتها، بينما تجدين في المقابل امرأة تفوق الـ 40 عاماً وتتمتع ببويضات قوية.
وللقياس، هناك أموراً عدة، منها على سبيل المثال قياس مستوى هورمون FSH أو AMH، وهناك أيضاً أشعة الـسونار لفحص ما نسميه بدايات التبويض (AFC) وهي الجريبات التي تحوي البويضات والتي قد تكبر عند تناول منشطات التبويض.

من يحتاج إلى أطفال الأنابيب؟
تأخر الحمل ليس بمرض ولكن الإنجاب رغبة يطمح إليها كل البشر أو معظمهم، غير أن لكل واحد ظروفاً واستراتيجيات وخطط حياة، فقد يختار البعض تأجيل الإنجاب إلى حين الانتهاء من الحصول على شهادة أو عمل معين، بينما لا يتزوج آخرون إلا من أجل الإنجاب، وعليه فإن دورنا (بعد الله) هو مساعدة الناس في تحقيق رغباتهم.
أطفال الأنابيب والحقن الاصطناعي وكل التقنيات، وسائل للوصول إلى الإنجاب، غير أن لكل وسيلة حسنات ومساوئ، وكذلك نسبة نجاح خاصة بها، وبالتالي يختار الناس الوسيلة التي يرغبون، حتى يصلوا إلى الهدف.

هل نستطيع القول إنه لا يوجد عُقم بين الناس، وأن كل البشر قادرون على الإنجاب؟
بالطبع لا، فنحن مؤمنون بقوله تعالى (ويجعل من يشاء عقيماً)، غير أن معظم الحالات التي كانت يطلق عليها كلمة عقم هي مجرد حالات «تأخر في الإنجاب»، وهذا هو الوصف الذي أفضل استخدامه مع مراجعي.
فعلى سبيل المثال، هناك رجال يعانون انعداماً في الحيوانات المنوية داخل السائل المنوي، ولكن قد نستطيع الحصول على بعض الحيوانات المنوية عند إجراء خزعة للخصية، وكل ما نحتاجه لإجراء حقن مجهري هو حيوان منوي واحد. في المقابل، توجد بالتأكيد حالات عقم ومنها على سبيل المثال السيدات اللواتي لا ينتجن بويضات رغم استخدام جرعات عالية من إبر التنشيط، وكذلك الرجال الذين يعانون انعداماً في الحيوانات المنوية حتى رغم إجراء خزعة الخصية الاستكشافية (بالمايكروسكوب). 

ذكرت دراسة سعودية أن نسبة نجاح أطفال الأنابيب في أفضل المراكز في السعودية، وصلت ما بين 35 إلى 50 في المئة، وعندما يتكرر الفشل، تصبح  نسب النجاح ضئيلة. ما مدى صحة هذه الدراسة؟
النسب التي توصلنا إليها في مركزنا حالياً هي أعلى من هذه النسب، كما ذكرت سابقاً فإن نسبة نجاح أطفال الأنابيب لدينا عند السيدات دون 35 سنة تتراوح ما بين 60 و65 في المئة، في المحاولة الواحدة، كما أنه ومن ناحية إحصائية، كلما زادت المحاولات زادت فرص النجاح.

هل تحوّلت هذه العمليات إلى تجارة في بعض المستشفيات والمراكز الخاصة؟
للأسف هناك عدم صدقية في كل المجالات المهنية، وليس في المجال الطبي فقط، فالخير والشر وجدا منذ بداية البشرية. غير أنه قد لا تكون نية بعض الأطباء خداع المرضى ولكن قد يختار البعض منهم المجاملة خوفاً على مشاعر الزوجين، غير أنني أعتقد أن مصارحة الزوجين بتفاصيل العلاج والنتائج هي الأفضل.


ماذا عن المعتقدات الخاطئة في مجال تأخر الحمل؟

هناك الكثير من الأمور ومنها على سبيل المثال:

  • اعتقاد البعض بأهمية تناول أطعمة معينة أو فيتامينات معقدة، غير أن المثبت طبياً فقط هو الفيتامينات المضادة للأكسدة ( C و E).
  • اعتقاد البعض بأهمية استخدام مسيلات الدم كالأسبرين والهيبارين أو حتى استخدام الكورتيزون، وغيرها من الأدوية غير المثبتة أهميتها طبياً في ما يختص بتأخر الإنجاب وأطفال الأنابيب.
  • اعتقاد البعض بوجود أدوية تزيد سرعة أو عدد الحيوانات المنوية، غير أن المناسب في هذه الحالات هو اللجوء إلى تقنية أطفال الأنابيب بالحقن المجهري.
  • اعتقاد البعض بأهمية الراحة التامة والامتناع عن الحركة بعد إرجاع الأجنة.

CREDITS

تصوير : محمد يحيى