الدراما السورية... هل تقدم الواقع كما هو؟

الدراما السورية,المسلسلات,الدرامية السورية,المخرج سمير حسين,الدراما,المخرج تامر اسحاق,الكاتب أحمد حامد,الفنانة هبة نور,الفنان د. سامر عمران,حقيقة فنية,الفنانة مرح جبر

لها (دمشق) 15 فبراير 2015

هي معادلة معقدة قد يختلف حولها كثيرون، بخاصة في ما يتعلق بآلية تعامل الدراما مع الواقع، وأمام هذه الجدلية يبرز العديد من الأسئلة: إلى أي مدى يُقدّم الواقع (مهما اشتدت قساوته) بصيغة فنية راقية مقنعة وبعيدة عن المباشرة عبر الأعمال الدرامية؟ وهل تكتفي هذه الأعمال بتوصيف ما يجري أم يحاول مبدعوها أن يبثوا فيها رؤاهم النابعة من صميم الحياة والتي تعكس موقفاً من قضية تلامس وجع الناس؟ كيف يتم تقديم الواقع عبر المسلسلات الدرامية السورية؟ هل تنقل الواقع كما هو أم تحاول تجميله أم أنها تنبش المكامن المؤلمة فيه؟ أسئلة حارة توجهنا بها إلى عدد من المخرجين والكتّاب والممثلين في محاولة لتلمس إجابات شافية عنها، والحصيلة نرصدها عبر السطور الآتية...


المخرج سمير حسين: مشروعية أي عمل أن يُستمد من الواقع على ألا يشبهه

- هل من وظيفة الدراما أن تنقل الحياة كما هي أم أن تعيد إنتاجها وفق وجهة نظر مبدعيها؟
هو أمر يحمل الكثير من الالتباس، ولا أعتقد أن هناك مشروعية لأي عمل إن لم يكن مُستمداً من الواقع على ألا يشبهه، فإن كان يشبهه فهي مصيبة. وهناك شرط درامي وتكثيف للغة الحوار واللغة البصرية التي نقدمها.
وكي يحمل العمل صفة الصدقية ينبغي تقديمه بمفردات مشابهة للواقع وموجودة فيه فنعالجها بطريقة تتناسب مع الشكل الفني.
إننا لا نصور الواقع كما هو، بل نستلهمه، وليس معنى ذلك أننا نجمّله ولكن هناك صيغة فنية تتلاءم مع تركيبة مجتمعنا بحيث لا تخدش ولا تسيء كما يحدث في الكثير من الأعمال.

المخرج تامر اسحاق: الأعمال الساخنة والحارة واقعية... والحياة فيها الأبيض والأسود
قدم المخرج تامر اسحاق مجموعة من الأعمال التي أثارت الكثير من الجدل، ومنها: «صرخة روح» و«الخبز الحرام» و«العشق الحرام» التي تناولت موضوعات تتعلق بالخيانة الزوجية والمخدرات وسفاح القربى والدعارة... الأمر الذي دعا نقاداً كثراً إلى القول إن ما عُرض يفوق بكثير ما هو موجود في الحقيقة.
يقول اسحاق: «ما عرض في هذه الأعمال موجود فعلاً، وميزة الدراما السورية أنها تحكي عن مجتمع نعيشه. هناك تجميليات في الدراما، ولكن عندما نخوض في موضوعات حارة وساخنة نحكي عن أمور حقيقية. ففي الحياة الواقعية هناك الأسود والأبيض، الشر والخير، فالمجتمع بما فيه من متطلبات عند الشباب والفتيات يفرضها التطور والتكنولوجيا، يعرف مشكلات مختلفة وجديدة لم تكن موجودة، فينبغي ألا نتعامى عنها.
في السنوات الأخيرة بدأت الرقابة تنفتح على أمور من المهم الحديث عنها. فقد اعتدنا أن تُطبع معظم الأعمال الدرامية العلاقات باللون الوردي، وبالتالي حتى تدخل إلى اللون الأسود تحتاج إلى وقت».

الكاتب أحمد حامد: إذا لم يشر العمل إلى الخطأ بهدف إصلاحه فهو يساهم في خراب المجتمع
عن رأيه في تعامل الدراما مع الواقع وإن كان من حقها أن ترجح الكفة لديها لعرض الجانب السلبي منه أم عليها تحقيق التوازن، تحدث الكاتب أحمد حامد قائلاً:
«في المجتمعات لا تبطل الخيانات والاساءات والرشاوى التي يقوّمها القضاء الذي وجد نتيجة لها. وضمن هذا الإطار أرى أن المبدع (كاتب، رسام، موسيقي، فنان...) مهمته توجيه الرادار لديه إلى هذه الأخطاء لتقويمها. ولكن للأسف ما يحدث عندنا أننا نشير إليها وتبقى كما هي، لذلك وصلنا إلى هذه المرحلة.
إن لم يكن العمل الدرامي بالعموم يشير إلى خطأ بقصد اصلاحه فهو يساهم في خراب المجتمع، وللأسف هناك أعمال عرضت وكانت مؤذية. وهنا أقول أنه حتى الأعمال التي طرحت موضوع المخدرات قد أساءت، لأن المشاهد يرى ما هو سلبي، لذلك تحتاج هذه الأعمال إلى دقة، فعلى العمل الدرامي أن يلتقط كل الأخطاء ويقدمها بقصد الإفادة والنُصح».

الفنانة هبة نور: يجب عرض الواقع في الدراما كما هو بإيجابياته وسلبياته
حول آلية عرض الواقع عبر الشاشة الصغيرة تؤكد الفنانة هبة نور أن لا بد من عرض واقعنا كما هو بما يحمله من إيجابيات وسلبيات، وتكمل كلامها قائلة: «مما لا شك فيه أنه يقع على عاتق الدراما تسليط الضوء على مكامن الخطأ في حياتنا، بخاصة أن هناك العديد من القضايا الاجتماعية السلبية التي لم يتطرق إليها أحد، فلا بد من تناولها لتظهر إلى الناس، أما ما هو إيجابي وجميل فنعرضه حتى من دون تجميل أو روتوش»...

الفنان د. سامر عمران: هناك حقيقة وحقيقة فنية
حول العلاقة الجدلية بين الواقع والفن والصدقية وعن مهمة الفن وسط ذلك كله، يتحدث الفنان والمسرحي د.سامر عمران قائلاً:
«عبر حياتي كلها لم أر الفن واقعاً، وإنما هو اعادة إنتاج للواقع بصيغة فنية وهنا تكمن خصوصيته، فهناك حقيقة وحقيقة فنية. حتى وإن كنت تقدم مسلسلاً يرصد الحياة بمعناها الزمني الكامل، يبقى هناك شكل فني يقدّم إلى الناس، فلا يمكن أن يكون زمنه زمن الحياة، وبالتالي هو ليس كالحياة وإنما رصد للجانب الجوهري منها. ويظهر هذا الأمر بشكل أكبر في السينما والمسرح».
وحول المفارقة بين أعمال تسعى إلى تجميل الواقع وأخرى تسعى إلى رصد الثغرات في المجتمع، يقول: «يعتمد ذلك على المادة الفنية الدرامية المُقدمة وما هو مكتوب فيها، فيمكن أن تقدم عملاً فنياً يسلط الضوء على الجانب السلبي من المجتمع وتحقق من خلاله صدمة عند الناس، ويمكن في بعض اللحظات إجراء بعض التجميل لغاية فنية».

الفنانة مرح جبر: أحداث أي عمل يجب ألّا تكون مفبركة بل من صلب الحياة
تقول الفنانة مرح جبر: «الكاتب الجيّد يُقدم شخصيات موجودة في الحياة، وينبغي أن تعتمد الكتابة لديه على الدراسة النفسية للإنسان، فللنفس البشرية مراحل في التعامل معها وفق ظروفها، وبالتالي يأتي النص نتيجة دراسة كما توضع الشخصيات بشكل مدروس وليس عشوائياً. ففي النهاية الأحداث المُقدمة في العمل ينبغي ألا تكون مفبركة وإنما من صلب الحياة».