دعوة الشيخ العريفي إلى المطربة أحلام عبر 'تويتر' تثير جدلاً دينياً

أحلام, محمد العريفي, دعوة, تويتر, جدل ديني, توبة, صبري عبد الرؤوف, ملكة يوسف زرار, د. صابر طه, د. عبلة الكحلاوي, د. عفاف النجار

28 يوليو 2013

جدل فقهي أثاره قيام الشيخ محمد العريفي بدعوة الفنانة أحلام عبر «تويتر» للتوبة، إذ اعتبر البعض أن النصيحة على الملأ لا تجوز، لما تحمله من إحراج، في حين يرى آخرون أن ما دار بين العريفي وأحلام نوع من الحوار والتناصح الراقي. ويبقى السؤال: ما هي حدود النصيحة المقبولة دينياً؟ وهل يفضل أن تتم بشكل شخصي بدلاً من أن تكون على الملأ؟


تفجرت القضية حين وجَّه الداعية السعودي الشيخ محمد العريفي رسالة إلى الفنانة أحلام، دعاها خلالها إلى اعتزال الغناء قبل شهر رمضان، وأن تسلك درب الدعوة.

كتب العريفي إلى أحلام على «تويتر» نص التغريدة التالية: «أختي الكريمة أحلام، أنت مؤمنة، تحبين ربنا، ألا تجعلين اليوم نقطة تحول في حياتك، ليدخل رمضان على أحلام «الداعية» بدلاً من أحلام «المغنية»، سأدعو لك».

  وردّت الفنانة أحلام على الشيخ «العريفي» عبر حسابها على «تويتر» فكتبت: «جزاك الله عني ألف خير، ادعُ لي شيخنا محمد العريفي، أسأل الله مني ومنك القبول وفي ميزان حسناتك، آمين».

 وفيما أثنى بعض المغردين على دعوة الشيخ العريفي، ولين كلامه في النصيحة والدعوة إلى الله، معربين عن إعجابهم كذلك برد أحلام، وعدم تكبرها على النصيحة، انتقد آخرون النصيحة العلنية ورأوا أنه كان من الأفضل أن تكون شخصية. 


لا للإحراج

 في البداية يؤكد الدكتور صبري عبد الرؤوف، أستاذ الفقه المقارن في جامعة الأزهر، أن التناصح بالحسنى من مكارم الأخلاق التي دعا اليها الإسلام، بل والأديان السابقة عليه، وقد أخبرنا القرآن الكريم عن أنبياء الله عليهم السلام، أنهم كانوا أنصح الناس لخلق الله بالرفق، فقال تعالى على لسان نوح عليه السلام: «أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ» آية 62 سورة الأعراف. كما قال تعالى على لسان هود عليه السلام: «أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ» آية 68 سورة الأعراف، وقال الله تعالى على لسان نبيه صالح عليه السلام بعد إهلاك قومه: «فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لاَ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ» آية 79 الأعراف، وقال تعالى على لسان نبيه شعيب عليه السلام بعد إهلاك قومه: «فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ» آية 93 سورة الأعراف.

 وحذر من قيام البعض بالنصح على الملأ، مما يحول «النصيحة» إلى «فضيحة»، فقال: «الحساب على النية في النصح لله وحده الذي يعلمها، لقوله تعالى: «يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ» آية 19 سورة غافر. وكذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه».

  وأنهى الدكتور صبري كلامه بالتأكيد أن المسلمين الآن في حاجة إلى روح التناصح المخلص، الذي لا يبتغي الناصح منه سوى وجه الله، وكذلك يتقبل المنصوح النصيحة بدون كبر أو عناد، لأنه يدعوه إلى الخير ويأخذ بيده إلى خير الدنيا والآخرة، لهذا فهو يستحق الشكر وليس الصد أو الرفض، لأن من ينصح إنساناً فهو يحبه ويريد له الخير، وليت النصح بين جميع الناس، وليس الشيخ والفنانة فقط، يكون سراً وبعيداً عن أعين الناس، حتى يكون بعيداً عن الرياء أو الكبر من جانب الناصح، وكذلك فهو أفضل للمنصوح، وبالتالي فهو يرفع الحرج عن الطرفين.


التعيير

أما الدكتورة ملكة يوسف زرار، أستاذة الشريعة الإسلامية، فترى أنه رغم نبل مقصد الشيخ العريفي، إلا أنه كان الأفضل أن تكون نصيحته في السر وليس العلن عن طريق «تويتر»، الذي يطلع عليه الملايين، وأعتقد أن السرية في النصح أفضل في تطييب خاطر المنصوح وأكثر تأثيراً، ولعدم التطاول أو النقد على الملأ، لهذا كنا نجد الرسول الله صلى الله عليه وسلم، في دعوة العصاة وتغيير السلبيات أو تصحيح الأخطاء التي تقع من البعض، يقول: «ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا»، دون تصريح باسم الإنسان المقصود، مما يعطيه فرصة أسرع إلى التوبة الصادقة وتصحيح الخطأ الذي عليه، وهنا نجد الغاية نبيلة والوسيلة شريفة ورقيقة ومتوافقة مع احترام إنسانية المنصوح الذي يستجيب بالنصح السري والقول اللين الرقيق.

 وعن الفرق بين النصيحة والتعيير، أوضحت يوسف أن النصيحة تكون في السر، أما التعيير فيكون في العلن، وفي هذا يقول التابعي الفضيل بن عياض: «المؤمن يستر وينصح والفاجر يهتك ويُعيِّر»، وبالتالي فإن النصح الصحيح أو الأفضل يقترن به، لهذا تقول الحكمة المأثورة: «من أمر أخاه على رؤوس الملأ فقد عيّره»، لأن عرض القائم بالتعيير إشاعة العيب في أخيه المؤمن وهتك عرضه وإساءة سمعته بين الناس، لهذا قال الإمام الحسن بن على بن أبي طالب، رضي الله عنهما: «مازال لله تعالى نصحاء، ينصحون لله في عباده، وينصحون لعباد الله في حق الله، ويعملون لله تعالى في الأرض بالنصيحة، أولئك خلفاء الله في الأرض».

 وأشارت إلى أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عدّ بذل النصيحة، خاصة السرية، للمسلمين من أعظم الحقوق، فقال: «حق المسلم على المسلم ست» وذكر منها: «وإذ استنصحك فانصح له». وقال صلى الله عليه وسلم: «وإذا استشار أحدكم أخاه فلينصحه». وبين الثواب العظيم الذي ينتظر الناصح الأمين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عُرض عليَّ أول ثلاثة يدخلون الجنة: شهيد، وعفيف متعفف، وعبد أحسن عبادة الله ونصح لمواليه». وذلك لأنه يكون مخلصاً لله تعالى في النصح، بحيث لا يكون قصده الرياء ولا السمعة ولا لتحقيق غرض دنيوي ولا لإظهار تميز الناصح.

  وأنهت الدكتورة ملكة كلامها بعرض بعض الأقوال عن فضائل النصح السري، الذي لو فعله الشيخ العريفي مع المطربة أحلام لكان أفضل له ولها من النصيحة العلنية، فقالت: «الإسرار بالنصيحة وعدم التشهير والحرص على الستر أشاد به علماء الأمة حتى أن الإمام الشافعي أنشد فيه شعراً فقال:

تعهدني بنصحك في انفراد ** وجنبني النصيحة في الجماعة

فإن النصح بين الناس نوع ** من التوبيخ لا أرضى استماعه

فإن خالفتني وعصيت قولي** فلا تغضب إذا لم تُعط طاعة

ووصل الأمر بالدعاء، والكلام مازال للدكتورة ملكة يوسف، لمن يقدم النصح سراً، كما قال الفاروق عمر بن الخطاب: «رحم الله امرءاً أهدى إليَّ عيوبي. ولا يحملنه شدة الناصح على عدم الانتفاع بالنصيحة». ونفس المعنى قاله التابعي مُسعَّر بن كُدَام: «رحم الله من أهدى إليَّ عيوبي في سر بيني وبينه، فإن النصيحة في الملأ تقريع». والنصح يحب أن يكون برفق ولين، ليجد آذاناً مصغية وعقولاً وقلوباً متقبلة للنصح.


المشاعر

يؤكد الدكتور صابر طه، عميد كلية الدعوة جامعة الأزهر، أن النصح سراً أفضل كثيراً من العلن، بل إن فيه إخلاصاً في النية لله، وحرصاً أفضل على مشاعر المنصوح، وبالتالي فإن الاستجابة تكون أسرع، لهذا جعل العلماء النصيحة نوعاً من أنواع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن لم يكن الناصح على علم بما ينصح به فقد ينهى عن معروف وهو يظن أنه ينهى عن منكر، وقد يأمر بمنكر وهو يظن أنه يأمر بمعروف، ولنا أن نتأمل قصة أمر الله سبحانه وتعالى لنبييه موسى وهارون بالذهاب إلى فرعون وتقديم النصح له بعيداً عن الناس أو العلن، فقال تعالى: «اذْهَبَا إلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى. فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى» الآيتان 43-44 سورة طه. وهذه القصة استفاد منها الخليفة عبد الملك بن مروان عندما دخل عليه رجل فقال له: «عندي لك نصيحة أشد من ضرب السياط، فقال عبد الملك: وأين القول الحسن؟، فأنت لست عند الله أعز من موسى وهارون، وأنا لست عند الله أسوأ من فرعون، فإنَّ الله قال لهما: «فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا».

وأشار الدكتور صابر طه إلى أن الله أمر الناس جميعاً، وفي المقدمة منهم العلماء ، بالقول الحسن، فقال لنا في القرآن الكريم: «وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا» آية 83 سورة البقرة. ولا شك أن من أفضل القول الحسن النصح سراً أو عدم تخصيص المنصوح إذا كانت هناك ضرورة للعلنية، ومن الأقوال المأثورة: «إن نصائح المؤمنين في آذانهم»، وقد لخص الإمام الحسن البصري القضية كلها بقوله: «لو شئتم أن أقسم لكم لأقسمن: إن أحب عباد الله إلى الله الذين يحببون الله إلى عباده، والذين يحببون عباد الله إلى الله، ويمشون في الأرض بالنصيحة». ويقول في مقالة أخرى: «يجب عليك لأهل قبلتك أربع: تعين محسنهم، وتحب تائبهم، وتستغفر لمذنبهم، وتدعو لمدبرهم».

وأنهى الدكتور صابر طه كلامه بالتأكيد على أن عدم الستر وتتبع العورات والنصح العلني ليس المنهج الأفضل في الإسلام، بدليل قول النبي، صلى الله عليه وسلم، عن الستر بوجه عام الذي يعد منه التناصح السري: «من نفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفَّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن فرَّج عن مسلم فرَّج الله عنه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة». وقد بيَّن صلى الله عليه وسلم خطورة الخروج عن الستر، فقال في حديث آخر: «إنك إن تتبعت عورات المسلمين أفسدتهم أو كدت تفسدهم». والحكمة في السرية القضاء على العناد الذي قد يوقعه الشيطان في نفس المنصوح، فلا تؤتي النصيحة ثمارها، لهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم».


حدود

تبدي الدكتورة عبلة الكحلاوي، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر، إعجابها بهذا الأسلوب الراقي في التحاور والتناصح بين علماء الدين وأهل الفن، فقد انطلق الشيخ العريفي في موقفه من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم».

  وتضيف أن للنصيحة في الإسلام مكانة سامية ومنزلة عالية، حتى أن الحديث السابق كأنه جعل مفهوم النصيحة مساوياً للدين كله، وخاصة إذا كانت تنطلق أساساً من حُب الناصح لمن حوله، وشفقته عليهم، ورغبته في إيصال الخير إليهم، ودفع الشر والمكروه عنهم، كما نظن أن هذا دافع الشيخ في نصيحته، بدليل أن المطربة أحلام تلقتها بصدر رحب ولم تبد أي انزعاج، رغم أن الملايين اطلعوا عليها، بل إنها تجاوبت معها وطلبت منه أن يدعو لها بالهداية، وشكرته وكأنها تطبق قوله تعالى: «وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إن اللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا» آية 86 سورة النساء. لكن من الأفضل بلا شك أن تكون مثل هذه النصائح سرية وليست علنية، عن طريق لقاء شخصي أو اتصال هاتفي مثلاً، ووقتها يكون لها تأثير أكبر ووقع أفضل في النفس، وللنصح حدود حتى لا يأتي بنتيجة عكسية، كأن يكون سراً وبكلام رقيق ومقنع وبصيغة الرجاء والحب، وليس الأمر المنفر أو الاستعلاء على المنصوح.

ودعت الدكتور عبلة الكحلاوي علماء الدين وأهل الفن لأن يكون بينهم هذا الحوار الراقي والاحترام المتبادل، بدلاً من الشتائم والاتهامات التي توصل أصحابها إلى ساحات المحاكم والسجون.


الرفق واللين

 ترى الدكتورة عفاف النجار، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية، أن الرفق واللين في دعوة الشيخ للمطربة للتوبة جعلها تشكره، لأنه فهم روح الإسلام في دعوة الآخرين إلى الخير، وهذا النهج حدده القرآن في قوله تعالى: «ادْعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» آية 125 سورة النحل. ولنا أن نتصور الوضع إذا كانت دعوة الشيخ للمطربة عن طريق الهجوم والتهكم والشتائم، فإنه يكون قد خالف ما دعا إليه الإسلام في قوله تعالى: «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ» آية 159 سورة آل عمران.

وأشارت الدكتورة عفاف إلى أن الرفق واللين هو المفتاح السحري الذي يجب أن يتبعه الدعاة إلى الله في نصحهم للآخرين، لهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الرفق لم يوضع على شيء قطّ إلا زانه، ولم يُرفع عنه قطّ إلا شانه»، لهذا فإننا نثني على الأسلوب الراقي في الحوار بينهما، ويذكرنا بما قاله ابن الأثير في تعريفه للنصيحة بأنها «كلمة يعبر بها إرادة الخير للمنصوح له».

 وأضافت الدكتورة عفاف : «أطالب كل الدعاة، أو من لديهم قدر من الصلاح أو العلم، أن يفعلوا مثل هذا الداعية، الذي يذكرني بما تعاهد به الصحابة مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ببذل النصح للمسلمين، وقد قال الصحابي جرير بن عبد الله: «بايعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم». لكني أؤكد أن النصيحة يجب أن تكون بالحسنى، والأفضل أن تكون سراً لا جهراً، ممن يتوسم فيهم الصلاح، فليس كل إنسان أهلاً لينصح الآخرين.