صلاح السعدني: هناك تقارب كبير بين البيئة التي نشأتُ فيها وبيئة مسلسل 'القاصرات'

مسلسل القاصرات, صلاح السعدني, مقابلة, داليا البحيري, مسلسل

09 أغسطس 2013

يخوض الفنان المصري المخضرم صلاح السعدني تجربته التلفزيونية الجديدة «القاصرات» من انتاج شركة O3 Production المنضويَّة تحت مظلة مجموعة MBC. المسلسل من تأليف سماح الحريري، وإخراج مجدي أبو عميرة، ويشارك فيه إلى جانب السعدني داليا البحيري، ياسر جلال، نهال عنبر، عايدة رياض، لقاء سويدان، جيهان قمري، صفاء جلال، عزة مجاهد، رشوان توفيق، خالد محمود، إلى جانب النجمات الصغيرات اللواتي يجسدن «القاصرات» وهنَّ منة عرفة وملك زاهر، ومي الغيطي وحنان عادل وآية رمضان.

مع صلاح السعدني كان لنا هذا الحوار حول طبيعة شخصية «عبد القوي» التي يؤديها، وسر اختياره لـ «القاصرات» ليشارك به في موسم الدراما الرمضانية، إلى جانب رؤيته للدراما المصرية وسر ابتعاده عن السياسة.


- في البداية حدثنا عن الأسباب التي ساهمت في تحمّسك لتجربة «القاصرات» كي تخوض بها غمار موسم الدراما الرمضانية لعام 2013؟
أنا شديد السعادة بالعمل التلفزيوني «القاصرات» خاصة أنه جاء في ظلِّ ظروف إنتقالية مرتبكة في مصر تؤثّر على مجريات الحياة السياسية والاقتصاديَّة والإجتماعيَّة، وتلقي بظلالها وسلبياتها على الصناعة الفنية. فمنذ بوادر الثورة وحتى الآن أصبح هناك حيرة شديدة في اختيار نوعيَّة الأعمال التي يمكن تقديمها في ظل هذه الفترة، والحمد لله وُفّقت بوجود عمل رائع مثل «القاصرات».

- كان هناك عمل قبل «القاصرات» كنت قد تعاقدت على المشاركة فيه، ما مصيره الآن؟
كان الكاتب عصام الشماع قد أقترح عليَّ إعادة تقديم رواية «السمَّان والخريف» للأديب نجيب محفوظ بعدما حوّلها إلى مسلسل. ووجدت هذه الرواية مناسبة جداً للفترة الحالية لأنها تتحدث عن مصر عقب ثورة 52 وسيطرة الجيش- الذي يجب أن يبتعد عن السياسية والحكم، ووجود شخصية وفدية مثل عيسى الدباغ تم إقصاؤها وتشويهها. وكان تشابه الظروف الحالية مع تلك الفترة، إلى جانب التصريحات الكثيرة التي انتشرت أخيراً حول نجيب محفوظ، ومحاولات إقصاء بعض الكتاب والاتجاه نحو التيار السياسي الديني وما يعقبه من كوارث... كل هذا أعطانا الدافع القوي لتقديم هذه الرواية، وبالفعل صورنا ست حلقات فقط من العمل ثم توقفنا.

- لماذا لم تكمل «السمَّان و الخريف» و اتجهت إلى «القاصرات»؟
وجدنا أن «السمّان والخريف» يحتاج مزيداً من الجهد والوقت والدراسة الدقيقة كي نستطيع تقديمه على الوجه الأمثل، ولكن الفكرة ما زالت قائمة. وخلال المناقشات والاجتماعات حول كيفيَّة تقديم رواية الأديب نجيب محفوظ، اتصل بي المخرج مجدي أبو عميرة وقال لي إن هناك مسلسلاً جيداً ويريد مني قراءة النص، وبالفعل عندما وصل إليّ «القاصرات» فوجئت بموضوع شديد الأهمية يُناقش قضيَّة شديدة الخطورة سواءً في مصر أو في أمتنا العربية بشكل عام، وهو موضوع زواج الفتيات الصغيرات دون سن الرشد.

- بما أن مشكلة زواج «القاصرات» كانت منتشرة قديماً بشكل كبير كعادة بين أهل القرى والصعيد في مصر، فهل تعرّضت على المستوي الشخصي لمثل هذه الموروثات داخل الأسرة؟
أنا شخصياً صلاح الدين عثمان محمد السعدني، نشأت في الريف حيث كانت الفتاة تتزوج بمجرد وصولها إلى سن البلوع كعادة أهل الريف. كنت الابن العاشر والأصغر بين أشقائي، وشقيقي الأكبر هو الكاتب الكبير محمود السعدني. وحالياً لم يتبقَ منهم غيري، الله يرحمهم ويرحمنا جميعاً. كانت لي أخت أكبر من أخي محمود الذي كان يحتلُّ الثاني من حيث الترتيب، وقامت أمي بتزويجها في سن 12 عاماً، وهو ما حدث لوالدتي كذلك عندما كانت في مثل عمرها، وهي عادة المجتمع المصري في ذلك الزمان سواء في الريف أو الصعيد أو البدو، وكذلك أيضاً في المجتمعات العربية. وبالتالي أنجبت أختي الكبرى ولداً وبنتاً  قبل ولادتي، أي كانا أكبر مني سناً بحوالي 8 سنوات وكانا يناديانني «خالي صلاح»، ورفضت ذلك وأصررت على أن يقولا لي صلاح فقط. أذكر أنه عندما كنت في المرحلة الابتدائية كان لي شقيقتان تكبرانني في السن، ومع زيادة الوعي والتفتح وتغيير مصر بعد ثورة الزعيم عبد الناصر، كنا نشكك في كلام والدتي في كونها تزوجت في عمر 12 عاماً ونداعبها قائلين «مش معقول أكيد انت اتجوزتي في الأربعين»، وكانت تغضب من ذلك وتحلف على كتاب الله.

- هل يناقش مسلسل «القاصرات» قضية الزواج المبكر بحكم عادة المجتمع بشكل عام أم يركز على استغلال الفتيات ومعاملتهن كسلع في الأحياء الفقيرة كما في الواقع الحالي؟
بالطبع زواج القاصرات له شقّان، الأول هو زواج الفتيات الصغيرات بشكل عام والذي كانت أمي إحدى ضحاياه، والثاني هو زواج الرجل الكبير المُسنّ من بنت صغيرة عبر شرائها بالمال مستغلاً فقر أسرتها. نجد في المسلسل أن المؤلفة سماح الحريري تناولت القضية من النواحي الاجتماعية والاقتصادية والعلميَّة والنفسيَّة والدينيَّة. وبالمناسبة أنا أحيّيها على هذا المجهود الكبير في الكتابة، وعلى النّص المتميز الذي يعدُّ من أفضل النصوص التي قرأتها منذ سنوات.

- حدثنا عن تفاصيل دورك في «القاصرات» وصفات الشخصيَّة التي تجسدها؟
أجسّد دور رجل ثري، صعيدي، متقدم في العمر، يدعى «عبد القوي»، يمتلك وفرة من المال والجاه، وبالطبع لديه اعتلال نفسي ما. وقد حرصت على الاستعانة بأحد الاختصاصيين لمعرفة ماذا يحدث لرجل في مثل عمر «عبد القوي» الذي تجاوز الـ 65 ويشعر بأن قدراته الجنسية تكاد تضمحلّ، فوجدت أن بعض المسنين قد يلجأون إلى المركبات الطبية أو الوصفات الطبيَّة التي يجدونها عند العطارين. لكن «عبد القوي» إكتشف أن الوسيلة الفضلى بالنسبة إليه تكمن في البنات الصغيرات، وهو ما يشير إلى أنه مختل نفسياً، وهو بالمناسبة شخصية خفيفة الظلّ.

- صف لنا بعض المشاهد التي تأثرت بها خلال تعاملك مع الفنانات الصغيرات «القاصرات»؟
في أحد المشاهد شعرتُ برعب لوجود شخصية مثل «عبد القوي» لديه الجرأة على لمس فتيات قاصرات ينتمين إلى سن حفيداته وأحفاده. وفي أحد المشاهد، كان عليّ الاقتراب من «ملك» ابنة أحمد زاهر فوجدت وجهاً ملائكياً بريئاً، وشعرت بالقرف والغثيان من شخصية «عبد القوي».

- تقبّل الناس صلاح السعدني في أدوار الشر والطيبة ولكن دور «عبد القوي» وبحسب ما قلت «يثير الاشمئزاز»، ألم تخشَ عواقب ذلك على المتلقي؟
طيلة حياتي لم أخشَ تقديم أي دور، فأنا أقدم فناً ويجب أن تصل ملامح الشخصية التي أتقمّصها إلى المشاهد كما هي، وأنا «مش هفصّل دور مخصوص ليّ»...

- في ذكرى شقيقك الكاتب الساخر الكبير محمود السعدني ماذا تريد أن تقول؟
محمود السعدني حالة خاصة، ومن الصعب جدًا لأجيال قادمة أن تأتي بأحدٍ مثله، فلم أرَ أحداً لديه قدرات محمود السعدني من حيث الذكاء الحاد وامتلاك الحس الفكاهي الظريف والحضور الانساني. لا مثيل له بحقّ، ولقد عرفت الكثير من ظرفاء مصر مثل كمال الشناوي، وعباس الأسواني والد علاء الأسواني، ومأمون الشناوي، ولم أجد من يفوقه في ظرفه، بالإضافة إلى قدرته على القيادة وجمع الناس وذلك لكونه صحافياً كبيراً، والحقيقة أن السياسة هي ما أفسد حياة محمود السعدني.

- هل هذا هو سر ابتعادك عن السياسة رغم أنك محلل وقارئ جيد للأحداث؟
أكره السياسة لأنني بسببها مُنعت من التمثيل لفترة طويلة وتأخرت عن أبناء جيلي وفُصلت من الإتحاد الإشتراكي رغم أنني لست عضواً فيه! وذهبت إلى الاستعلامات لكنني كنت سعيداً لأنهم أرسلوني مع توفيق الحكيم ويوسف إدريس وأحمد بهاء الدين. وخلال حكم الرئيس محمد أنور السادات، كنت ممنوعاً من العمل أو الاقتراب من مبني التلفزيون، ولولا عملي في أعمال خليجية لكانت تلك الحقبة نهاية لحياتي الفنية. هذه التجربة السيئة التي مررت بها لمدة 10 سنوات جعلتني أكره السياسة بشدة.

- ما سبب رفضك لسيطرة التيار السياسي الديني على الحكم في مصر؟
أقمنا ثورة 25 يناير لنغيّر مقاييس الحكم في مصر، ونفتح البلاد على العالم، ونسير نحو التطور، وكان هدفنا منافسة أوروبا واليابان وكوريا وغيرها من الدول المتقدمة وليس منافسة الصومال أو ما يسمى «جمهوريات الموز» في أميركا الجنوبية أو دول سيطر عليها التيار الديني، فجميعها كانت تجارب أدت إلى أحداث كارثيَّة.

- ما رؤيتك للدراما المصرية بشكل عام في ظل الظروف الحالية؟
مصر في حالة ارتباك، ولا يوجد رؤية محددة لأي شيء. الفن والدراما يفتقدان وجود كاتب قصة مثل يوسف ادريس، أو كاتب مسرح في حجم الفريد فرج. نحن في انتظار تشكّل عالم جديد لا يمكن وصفه قبل مرور 3 أو 4 سنوات لتتكوّن معالمه.