«التعصّب الرياضي» تشجيع قد يقود إلى عواقب وخيمة

ملاعب كرة القدم,المقاهي,المباريات,كرة القدم,الرياضة,التشجيع,هوس التشجيع

عزيزة نوفل (جدة ) 03 مايو 2015

عيون مترقّبة، وأعصاب مشدودة، صراخ وحماسة، قد تصل الى درجة القفز والرقص، ذلك ما عهدنا رؤيته خلف مدرجات ملاعب كرة القدم، وفي المقاهي عند حضور المباريات، وما إن  يفوز أحد الفرق حتى تظهر مراسم الاحتفال بتزيين السيارات، والتهليل بشعارات النادي الرابح في أرجاء المدينة. تلك هي مظاهر الفرح التي تبديها غالبية جماهير كرة القدم. لكن من ناحية  أخرى قد يكون هناك سبّ وقذف علني ومظاهر سخط وأحياناً تتطور الأمور الى عراك بالأيدي يصاحبه تخريب وتكسير لبعض الممتلكات، وتوجيه الاتهامات بالتقصير الى اللاعبين أو الحكام بشكل مبالغ فيه ويتجاوز نطاق الأدب، تعبيراً عن عدم تقبّل خسارة فريقهم. إنها وبكل بساطة ثقافة تعصبية تسيطر على شريحة كبيرة من مشجعي كرة القدم والرياضة بشكل عام. نطرح في هذا التحقيق بعض طقوس التشجيع التي تصل إلى التعصب ونختتم بآراء إعلاميين واختصاصيين لتحليل أسباب تلك الممارسات وأخطارها...

أُشجّع رياضة كرة القدم ولا أمارسها

التشجيع وأجواؤه الحماسية، واجتماع الأصحاب في المقاهي أو في احد البيوت أو حتى الاستراحات، جو يعشقه الكثيرون. فالتشجيع بالنسبة اليهم لا يعني أبداً حب ممارسة الرياضة التي يشجعونها. ففؤاد ناصر( 23 عاماً)، لا يفوّت مباراة من دون خلق جو من الحماسة والتنافس بينه وبين أصدقائه، وسواء أكانت مباراة نواد محلية أم مباريات لفرق أوروبية وعالمية هي موجودة ضمن جدول أولوياته واهتماماته. وإن لم يكن فؤاد من ممارسي رياضة كرة القدم، فهو يرى أنه على مدى سنوات تشجيعه لهذه الرياضة، اكتسب خبرة في تكتيك اللعب ودراية بأخطاء بعض اللاعبين في المباريات، حيث يعبّر بكل صراحة عن رأيه في المباراة وأداء اللاعبين من دون انتهاك أو تجريح، ويرى في نفسه نموذج المشجع المتعقل البعيد عن التهور وخوض النقاشات الحادة، كما أنه يستطيع التحكم في انفعالاته وتقبل ربح فريقه أو خسارته بروح رياضية.

تشجيع عائلي ينقلب إلى خلاف

وفي أحد المواقف الحرجة ، يروي عبد الله ياسر(29 عاماً)، حادثة طرده من بيت خاله قائلاً: «اعتاد أفراد العائلة على التجمع في بيت خالي الكبير والشبان بشكل خاص لمتابعة أهم مباريات كرة القدم، وذلك لاشتراكه بالقنوات الرياضية، إضافة الى وجود مساحة كبيرة تتسع للجميع، شريطة عدم إزعاج المقيمين في المنزل أثناء التشجيع. وفي مباراة حماسية كنت أنا وخالي نداً لند بحيث يشجع كل منا فريقاً مختلفاً، وبدأت مشاعر الفرح تنتابني عندما سجّل الفريق الذي أُشجعه هدفاً ثانياً في المباراة، وأخذت أشير بسخرية إلى أداء لعب الفريق الذي يشجعه خالي، مما جعله يفقد أعصابه بطريقة هستيرية، ويطلب مني مغادرة المكان على الفور، ولكن سرعان ما هدأت الأمور وتصالحنا بشكل ودّي. تلك الحادثة جعلتني أعي أن لا بد من تمالك النفس أثناء التشجيع لضمان عدم حدوث خلافات».

هوس التشجيع انتقل إلى الأطفال

أبو سليم (34عاماً) مشجع يهوى نشوة الفوز، وتشاركه زوجته الاهتمامات الرياضية نفسها، ويرى أن من النادر جداً وجود زوجة تشارك بالتشجيع ومتابعة المباريات، وأصبح عشقهما للنادي نفسه عبارة عن هوس انتقل الى أبنائهما الذين لم يبلغ الكبير بينهم الـ12 عاماً. يتفنن أبو سليم بانتقاء ملابس أبنائه والرسم على وجوههم عند كل مباراة يخوضها النادي المفضل لعائلته، كما يصطحبهم في كثير من الأحيان إلى مدرجات الملاعب للتشجيع، ورؤية اللاعبين بشكل مباشر، فحبّه لرياضة كرة القدم جعله يهتم كثيراً بدعم أبنائه وتسجيلهم في نواد لتدريبهم على اللعب، وهذا ما عزز لديهم فكرة احتراف كرة القدم. ويرى أبو سليم في ذلك أثراً ايجابياً لأولاده وشغلاً لأوقات فراغهم برياضة مفيدة ومسلّية.

مباريات تؤثر في مزاج متابعيها

أما نايف سعيد(26 عاماً)، فيؤكد أنه يتحوّل الى شخص آخر وقت التشجيع، بحيث لا يتمالك نفسه ولا يتحكم في أعصابه ، وقد تخرج منه تلقائياً كلمات السب والشتم من دون سابق إنذار، حتى أن حالاته المزاجية تتغير وفق فوز فريقه أو خسارته، وهذا ما يؤثر كثيراً في علاقاته الأسرية، وفي عمله أيضاً، ويعتقد نايف أنه لا يمكنه التخلي عن شغف أو هوس التشجيع مهما حدث.

تشجيعي فريقاً بعينه لا يحتم معاداة فريق آخر

قلة الوعي وتدني مستوى الثقافة يشكلان سبباً للتعصب الرياضي. كانت تلك وجهة نظر رشيد منير( 35 عاماً)، الذي يرى أن التعصب الشديد وقله احترام الآخرين نابعان من وجود إعلام رياضي يستفز الجماهير أحياناً ويدفعهم الى الخوض في التعصب الأعمى وتفشيه بطريقة مبالغة. فالانتماء الى فريق معين يجب ألا يدفع الشخص لأن يقلل من قيمة أو احترام أحد من الخصوم، كما أن وجود رقابة ووضع ضوابط وعقوبات من شأنه أن يحد من مسألة التمادي في التعصب الرياضي. 

حُطّم زجاج سيارته لأنه وضع شعار ناديه المفضل

الانتماء الى ناد معين قد يسبب مشاكل، فشيماء علي(25 عاماً)، لطالما تعرض زوجها للمشكلات بسبب انتمائه الى ناد محلي معروف، حيث إنه في احدى المرات فوجئ  بتحطيم زجاج سيارته لوضعه شعار النادي الذي يشجعه، هذا عدا الخلافات والمشادات الكلامية التي يخوضها بسبب تعصبه الشديد لناديه المفضل،  الأمر الذي يجعلها قلقه في كل مره يذهب زوجها لتشجيع فريقه في الملعب أو في المقهى.

التعصب في التشجيع مردّه الأهل والأصدقاء

يرى لاعب المنتخب السعودي وعضو الاتحاد سابقا والمدرب في مدرسة الاتحاد لكرة القدم الكابتن  محمد أمين، أن التشجيع السلبي متأصل منذ زمن بعيد وينتقل من جيل الى جيل سواء محلياً أو عالمياً. فالأطفال يراقبون ذويهم وأقاربهم وهم يشجعون بحماسة زائدة، وأحياناً بالانفعال والتكسير والسب، فتتكوّن لديهم فكرة أن التشجيع الرياضي يعني التعصب والانفعال. وتؤثر أيضا بيئة المدارس في الشباب والمراهقين الذين يتبادلون عبارات السخرية والانتقاد  مما يؤدي الى مشادات كلامية وعراك بالأيدي. والأدهى أحياناً، وجود فئات عمرية كبيرة في مدرجات الملاعب تبالغ بردود أفعالها أثناء التشجيع، مما يؤدي إلى حالات إغماء، إضافة الى قيام البعض بتحطيم سيارات مشجعي الفريق الآخر خارج مدرجات الملاعب. ويُعبر أمين عن استيائه من هذا الأمر لأن الكثير من المشجعين يفتعلون مشكلات ويفقدون أعصابهم، بينما هم كلاعبين يعتبرون أنفسهم زملاء ولاعبين في منتخب واحد وإن كانوا من نواد مختلفة.

وعن أهم أسباب زيادة التعصب لدى الجمهور، يضيف أمين أن بعض الإعلاميين والصحافيين في المجال الرياضي قد يُحدثون بلبلة إعلامية بقصد الإثارة والتشويق، ما يثير المشادات والمشاكل بين الجماهير واللاعبين وبين إدارات النوادي. وحرصاً على زيادة الوعي، لا بد من أن يلعب الإعلام وكذلك أفراد الأسرة دوراً مهماً في تركيز فكرة التشجيع الإيجابي والروح الرياضية في تقبل الربح أو الخسارة.

حيادية الإعلامي في أرائه وتعليقاته تُنمّي الروح الرياضية لدى الجمهور

وتعقيباً على رأي الكابتن أمين، ترى الصحافية أمل باقازي أن الإعلام الرياضي المحلي ذو سلطة قوية ونفوذ واسع ومهم، وهذا ما جعله يؤثر أحياناً في قرارات رؤساء أندية، إضافة إلى تأثيره في الجماهير بشكل مستفز يشحن روح التعصب ويولّد المشاكل. والمثير في الموضوع أن كثيراً من رؤساء الأندية يستغلون المنابر الإعلامية والبرامج الرياضية لإشعال المنافسة والإثارة، وخصوصاً قبل المباريات مع محاولات لتدبير المكائد للفرق المنافسة لضمان فوز فرقهم، وبذلك تتفاقم مشكلة التعصب الرياضي بين الجماهير.

وتعتقد باقازي أن ثقافة التشجيع يجب أن تكون مبنية على احترام كل الأطراف والتعبير بأساليب راقية ومن دون مغالاة. وهي كإعلامية ومشجعة لرياضة كرة القدم،  تحاول دائماً نشر آرائها الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي بإنصاف ومن دون تحيز، لأنها ضد التعصب والتقليل من شأن أحد الفرق لافتعال المشاكل.

فيصل مشاري :مرض التعصب الرياضي بحاجة إلى مضاد حيوي

وفي رأي آخر، يعتقد الإعلامي الرياضي فيصل المشاري أن التعصب الرياضي مسألة قديمة ولها مسببات كثيرة وغير محصورة في فئة معينة. فمن الممكن أن يسبب تصريح مستفز لرئيس ناد معين مشاكل وخلافات بين جماهير الفرق الأخرى ولاعبيها. هنا يأتي دور الإعلامي في نقل التصاريح بطريقة لا تثير البلبلة. وهذا لا ينفي وجود إعلاميين وبرامج فضائية رياضية تشحن الجماهير، فالمسألة عموماً تعود أسبابها إلى جهات ،أهمها المجتمع والجماهير والإعلاميون، وكذلك إدارات النوادي والعاملون فيها.

ويرى المشاري أن ما ساهم في انتشار التعصب الرياضي هو تفشي استخدام مواقع التواصل الاجتماعي واستغلالها لنقل أفكار مغلوطة، وأحياناً نشر تعليقات يجري فيها التهجم بالسب والقذف على حكام ولاعبين ورؤساء نواد، من خلال حسابات وهمية. ولعدم وجود ضوابط أو عقوبات تردع المسيئين، تتفشى عدوى التعصب الرياضي المذموم من دون  حدود، حيث نجدها في الملاعب والشوارع والمقاهي، وعلى الفضائيات والمواقع الإلكترونية. ويؤكد المشاري أن الحل يكمن في التعاون مع كافة الجهات، من وزارة الإعلام وهيئة رعاية الشباب والرياضة، من خلال تصميم منظومة أو مشروع يهدف إلى مكافحة التعصب الرياضي، والعمل على تكثيف الرقابة وفرض العقوبات، إضافة إلى التوعية. 

نقل ثقافة الهمجية في التشجيع إلى الجيل  الجديد

تعليقاً على ما يحدث في الملاعب، يشير الاستشاري النفسي الدكتور محمد الغامدي إلى وجود غرائز متأصلة في داخل الإنسان  عموماً، وتعد غريزة العدوان أو الغريزة الدفاعية، من الغرائز والدوافع الإنسانية التي تختلف حدتها من شخص لآخر، والأشخاص يختلفون في طريقة تصريف هذه الغريزة، ومن وسائل  التصريف السوي مثلاً، الدفاع عن الوطن والتمسك بالآراء والمعتقدات، بطريقة يتحكم فيها الشخص بنفسه وبانفعالاته ليعكس رقيه ورقي تربيته ومكانته الاجتماعية.  ولكن للأسف هذا ما لا ينطبق على المتعصبين الرياضيين الذين يتجاوزون حدود الأدب واللياقة، والأدهى أنهم ينقلون ثقافتهم الهمجية في التشجيع إلى الأطفال الأصغر سناً، ناشرين بذلك الألفاظ البذيئة والأسلوب غير الحضاري في التعامل.

ويعتقد الدكتور الغامدي أن السبب الرئيسي لتمادي هؤلاء المتعصبين هو غياب الضوابط أو العقوبات، إضافة إلى أن للمخدرات  أثراً بالغاً في زيادة شريحة هؤلاء المتعصبين، وزيادة حدة انفعالاتهم الهمجية، ففكرة وضع ضوابط وتحديد سن قانونية لدخول أماكن التشجيع، وفرض عقوبات على من يسيئون الأدب وقت التشجيع، هي من مسؤولية هيئة رعاية الشباب والرياضة للحد من تزايد السلوكيات المشينة والحوادث المأسوية.