زينة صوفان: الأبواب المغلقة والفرص الضائعة لا تعرف التمييز بين الرجل والمرأة

زينة صوفان,الإعلامية اللبنانية,تلفزيون,عمل الإعلامي,مذيعة,تلفزيون المستقبل,برنامج,التدريس,بيروت,التقديم التلفزيوني,برامج

لها (دبي) 31 مايو 2015

لا تشبه مسيرة الإعلامية اللبنانية زينة صوفان، التي تقدم حالياً برنامج «خارطة المال» على شاشة تلفزيون «دبي» سواها من الإعلاميات اللبنانيات اللاتي خضن تجارب عدة بعيداً عن الوطن على أكثر من صعيد.
فصوفان التي اقتنصت فرصتها الأولى في تلفزيون «المستقبل» في بيروت، وخبرت العمل الإعلامي مراسلة لوكالة «رويترز»، قبل أن تعود إلى الشاشة عبر قناة «العربية» الإخبارية، ثم تلفزيون «دبي»، تمتلك أيضاً شغفاً أكاديمياً قادها إلى التدريس في الجامعة- لمرحلة غير قصيرة - قبل أن تعود الى ميدان الإعلام بتفرّغ كامل في محرابه.
وما بين الواقع والطموح، والحياة في دبي، والحنين إلى بيروت، والإخلاص لمهنة الإعلام، ومتطلبات الأسرة، وثنائيات أخرى عدة، دار حوار «لها» مع صوفان التي أكدت رغم شغفها الشديد بمهنتها، أنها غير معنية بـ «توريث» المهنة لصغيرتيها نورا وهيا... وغيرها من التفاصيل.


- بين الإيقاع السريع للعمل الإعلامي، خصوصاً حينما تتعلق الإقامة بمدينة عصرية مثل دبي، والحياة العائلية الخاصة، يبقى التوفيق بينهما في إطار الممكن أم المستحيل؟
يبقى في إطار الممكن وإن تطلّب الأمر جدية عالية في مسألة إدارة الوقت، فكل يوم له جدول أعماله، وفي معظم الأحيان لا أملك رفاهية تأجيل عمل الصباح الى المساء أو اليوم الى الغد. 

- إلى اي مدى يمكن أن يكون تفهم الزوج - في حالتك - لطبيعة عملك معيناً على ذلك؟
لم يكن هذا الموضوع مصدر قلق لي يوماً من الأيام. علاقتي بزوجي شراكة فعلية لا يعلو فيها طرف على آخر. كلانا يتفهم طبيعة عمل شريكه، وكل واحد منا سند للآخر، لا سيما في الأيام الصعبة... وكل عمل تتخلله أيام صعبة.


لا توريث

- ألا تراودك فكرة أن تصبح ابنتك مثلاً يوماً ما مذيعة، او تسلك مسار العمل الإعلامي؟
لا يعنيني توريث المهنة لإحدى ابنتيّ. أهتم أكثر بأن أنقل معرفتي الى أصحاب الدماء الجديدة ممن يعملون معي ويمتلكون الشغف بالمهنة. فإن تمتعت نورا أو هيا يوماً بهذا الشغف فسيسعدني أن أكون معلمة لهما. 

- منذ فترة ليست بالقصيرة كان يتم التعامل مع مجال المال والأعمال على أنه أقرب إلى المذيع الرجل، وبأنه جاف ولا يتناسب مع نعومة المرأة المذيعة، ما رأيك؟
هي جملة مواقف مبنية على سوء فهم لمدى صلابة المرأة وقوتها، وسوء فهم لطبيعة مجالات المال والأعمال على حد سواء. وأنا على كل حال لم أشعر بأن باباً أُقفل في وجهي ذات يوم لأنني امرأة، منذ بدأت مسيرتي من أكثر من عشرين عاماً، وفي الوقت نفسه لم تفتح لي أبواب إضافية لأنني امرأة، فالأبواب المغلقة لا تعرف التمييز بين الرجل والمرأة.

- الى أي مدى تشعرين بأنك مدينة للصدفة في حياتك، سواء المهنية أم الخاصة؟
الصدفة أجمل ما في الحياة، فهي تكسر الروتين وتُحدث التحوّلات في المسار وتضيف عناصر التشويق والإثارة إلى حياتنا، تماماً كالإثارة التي تخلقها أغنية نحبها تذاع على الراديو فجأة، فوقعها في النفس أجمل بكثير منه على شريط مدمج أو «آي بود»، والصدف في حياتي كانت من نوع الأغاني المفاجئة على المذياع، أكثر منها من نوع الفوز بالجائزة الكبرى في مسابقة الراديو، نجاحي في كل جوانب حياتي كان نتيجة عمل دؤوب وجهد مستمر لا كلل فيه.


بين «المستقبل» وتلفزيون «دبي»

- تنتمين الى مدارس مختلفة على الصعيد العملي في الإعلام مثل تلفزيون المستقبل، رويترز، العربية، تلفزيون دبي... حدثينا عن تأثير ذلك، وخصوصية تلك المحطات في حياتك؟
تلفزيون «المستقبل» كان مرحلة التعرف على عالم الإعلام ومجتمعه في لبنان، كان مرحلة التصادق مع الكاميرا والانبهار بالعمل الميداني والرغبة في المزيد. أما وكالة «رويترز» فكانت بمثابة مرحلة الدراسة الجامعية العليا، ففيها صقلت شخصيتي الصحافية والتقطت أدوات المهنة وأدركت جدية العمل الصحافي وخطورته.
أما قناة «العربية» فكانت منصة رائعة للانتشار، وتنفيذ ساعات الطيران على الهواء التي هي شرط أساسي للتفريق بين مشروع المذيع والمذيع الناضج المكتمل، وأخيراً تلفزيون «دبي» كان مرحلة النضج التي حصلت فيها على اعتراف بكامل مؤهلاتي على شكل ساعة تلفزيونية ائتمنتني عليها إدارة القناة.
في تلفزيون «دبي» استعدت شغفي الأصلي بالتلفزيون عندما سمح لي العمل بمساحة حرية واسعة فصرت أقارب عملي بعقلية ريادة الأعمال بعيداً عن عقلية الوظيفة.

- كيف تسعين لأن يكون برنامج «خارطة المال» دوماً غير تقليدي على النحو الذي نلمسه بالفعل في إعدادك وتقديمك له؟
«خارطة المال» هو فرصتي للتعلم وتحقيق قيمة مضافة، فلماذا أهدرها؟ كل أسبوع هو فرصة للغوص في ملفات جديدة تجعلني أنا شخصياً أكثر علماً وثقافة، وكل أسبوع هو فرصة للتعرف إلى خبراء ومتخصصين وملهمين جدد يضيفون قيمة الى حياتي وحياة متابعي برنامجي، ولا أعتبر أنني أقوم بعمل استثنائي، بل أمارس مهنتي كما ينبغي لأي إعلامي محترف أن يفعل.


لا لأنصاف الحلول

- ماذا أضاف لك التدريس في الجامعة، وهل ما زلت تواظبين عليه؟
التدريس في الجامعة كان تجربة رائعة، لكنها عبثت بالنظام الدقيق لجدول أعمالي، إذ أردت أن أكون الى جانب تلامذتي طوال الوقت فمنحتهم الأولوية المطلقة، وبدأت أشعر بالتقصير في جوانب أخرى من حياتي، بينما مشكلتي أنني لا أقبل بأنصاف الحلول ولا أسمح لنفسي بقبول مهمة لن أؤديها على أكمل وجه.

- من الوطن إلى السعودية إلى القاهرة إلى الوطن، ثم دبي، وبينها محطات، كيف أثر ذلك في تكوين زينة صوفان الإعلامية والإنسانة؟
أعتقد ان التنقل بين بلد وآخر والاندماج في مجتمعات مختلفة يؤديان الى الانفتاح الذهني ويخرجان من حياة المرء شبح الأحكام المسبقة والتعصب الأعمى، وهذه كلها تتغذى على الجهل وقلة المعرفة بالآخر، وهذا الاتزان مطلب أساسي في شخصية الراغبين في خوض غمار العمل الإعلامي... فانعدامه سبّب الكثير من الرداءة التي تطالعنا على الشاشات اليوم.


مع الجيش الأحمر

- ماذا عن الطموح المهني؟ وهل ترين نفسك بعيداً عن عالم المال والأعمال؟
ما حققته اليوم لم يكن نتيجة اهتمامي بالمال والأعمال، بل لشغفي بالعمل الصحافي والتلفزيوني، وهو الشغف نفسه الذي حملني الى قرى لبنان النائية لإعداد فقرات سياحية، وحملني أيضاً الى الجنوب اللبناني إبان المجازر والحروب، وهو ما دفعني للكتابة عن العنف المنزلي وعن الجيش الأحمر الياباني، والتحري عن مسلمي تايلند، وأهالي ضحايا أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر.
وحين غصت في عالم البورصات العربية قبل عشر سنوات تملكتني حماسة التداول وأصابتني حمى المؤشرات... شغفي بالمادة التي أتحدث عنها هو نتيجة لشغفي بعملي الإعلامي وليس العكس.

- ماذا تقرأين، وكيف تقضين وقت فراغك وأنت في مدينة عالمية مثل دبي؟ 
وقت فراغ؟! ماذا تعني هذه الكلمة؟ في الأسابيع العادية ليس ثمة أوقات فراغ، فأيامي قائمة على توازن دقيق بين تلبية احتياجات العمل والأسرة واحتياجاتي الشخصية التي تشمل الاهتمام بلياقتي ومظهري وصحتي، بينما في العطلات يختلف الوضع بالطبع، فهناك وقت للسياحة في الخارج والاستمتاع بما تقدمه دبي في الداخل، وهناك أيضاً وقت لقراءة رواية جديدة ولاحتساء القهوة مع الأصدقاء من دون النظر في الساعة.


بيروت انتصارات... وخيبات

- تشتاقين الى بيروت؟
في كل مرة أخرج من مطار بيروت الى الشارع، تنتابني مشاعر الشوق الى هذه المدينة الاستثنائية.

- متى كانت آخر زيارة، ومتى الزيارة المقبلة... وبماذا تحلمين لبيروت؟
أنا لا أنقطع عن بيروت، أزورها كل بضعة أشهر وإن لأيام قليلة، غالباً ما تكون في عطلة نهاية أسبوع. لا أحلم عندما يتعلق الأمر ببيروت لأنني أحبها كما هي بانتصاراتها وخيباتها... بأناسها وأرصفتها ومقاهيها. أنا مَدينة لبيروت بالكثير وأحمل بعض مركباتها في شخصيتي، وهي مركبات تلازمني دائماً حتى في ترحالي بعيداً عنها. 

- إلى اي مدى ترين أن الأحداث العربية الحالية ترتبط بشكل أو بآخر بعالم المال والأعمال؟
كل أحداث العالم مرتبطة بعالم المال والأعمال، إما أن الاقتصاد حركها في الأساس أو أنه المتحكم في مسارها تالياً، ولكل أزمة سياسية أو أمنية أو اجتماعية أو صحية أو غيرها شق اقتصادي يمكن أن يتعلق بإيرادات النفط أو بتوزيع الثروة أو بصناعة السلاح أو بالاستثمار في التعليم أو بتوظيف الإناث أو باستيراد الدواء! 


شكوك جدية

- من أبرز الإعلاميين الذين ترين أنك استفدت من خبرتهم، وهل لك مثل أعلى، وشخصية عالمية في مجال التقديم التلفزيوني؟
أنا مَدينة بالكثير لصحافي إنكليزي كان مديري في وكالة «رويترز» منتصف التسعينات من القرن الماضي، وقد تعلمت منه أصول المهنة وطورت في ظله أدوات استشعاري الصحافية. كان أندرو ترنوفسكي يكبرني بثلاثين عاماً وكان قاسياً جداً، وكثيراً ما كنت أستاء من ملاحظاته القاسية فألوذ بنافذة في حجرة التلفزيون لأبكي قبل العودة الى مكتبي لإعادة كتابة تحقيق صحافي للمرة الثالثة او الرابعة.
لكنني اليوم أدرك في قرارة نفسي أنه نتيجة العمل الشاق قد ترسخت في داخلي ثقة كانت الرافعة التي حملتني من مرحلة إلى أخرى في حياتي المهنية. أما على صعيد الشخصيات العالمية في مجال التلفزيون فيعجبني جون ستيوارت وريتشارد كويست لأنهما غير قابلين للتقليد. 

- كيف ترين مسار زينة، لو لم تكن خلف كاميرات برامج التقديم التلفزيوني الآن؟
كنت سأمارس مهنة أخرى أبذل فيها كل جهدي وأعمل بإخلاص. أما ماهية هذه المهنة فليس لدي أي تصور، كما أن لدي شكوكاً جدية في أنها كانت ستسعدني كما يسعدني العمل الإعلامي.