باتريسيا كاس تُحلّق إلى عالم بياف وزمنها...

باتريسيا كاس, مهرجانات بيت الدين, لبنان

22 أغسطس 2013

صور الأسطورة الفرنسية «الصغيرة» إديث بياف بالأبيض والأسود تسكن الخلفية، أمّا النجمة الشقراء الممشوقة القدّ فتُضيء مسرح القصر الشوفي الكبير.
امرأتان لا تتشابهان التقتا في ختام مهرجانات بيت الدين، وسافرتا بنا نحو عوالم أخرى يصعب إيجاد مثيل لها في واقعنا الراهن.


اختارت باتريسيا كاس أن تحطّ رحالها أخيراً في «بيت الدين» بعد جولة عالمية تستعيد من خلالها أروع أغنيات إديث بياف، في ذكرى مرور خمسين عاماً على رحيلها.
ولا عجب في أن تغصّ مدرّجات قصر بيت الدين العريضة بهذا الكمّ من الحشود المنتمين إلى فئات عمرية مختلفة. ففي تلك الأمسية الختامية، وجد الجمهور اللبناني الفرنكوفوني فرصته لكي يستمتع بنجمتين من زمنين متباعدين. صاحبة الأغنية الشهيرة La vie en rose «الحياة الوردية» حضرت بصورها وأغنياتها التي أدّتها النجمة الفرنسية الشهيرة باتريسا كاس بإتقان وحرفية.
فهي لم تستعِد بصوتها أغنيات بياف فحسب، وإنما استحضرت حياتها ومآسيها وروحها، من غير أن تُقلّدها صوتاً، أو حضوراً.
اختارت كاس أن تُغنّي لإديث بياف أعمالها المعروفة عالمياً، لكنّها اختارت أيضاً من ريبيرتوار بياف الكبير (أكثر من 400 أغنية) أعمالاً أقلّ شهرة، حتى يتعرّف الجمهور إلى أغنيات جديدة لم يكن يعرفها جيداً.

استهلّت كاس الحفلة بأغنية جميلة لبياف تتمنّى فيها أن يطول عمر مَنْ تحبّ. ومن ثمّ أدّت أغنية «باريس»، بعدما احتلّت شوارع باريس ومقاهيها خلفية المسرح.
وظلّ الجمهور مُصغياً بصمت، إلى ان أدّت كاس أغنية «لافول» التي تمايل الجمهور على أنغامها السريعة ورافقوها تصفيقاً.
ومع أغنية بياف الأشهر «الحياة الوردية» La vie en rose، دخل الجمهور في حالة من التماهي الكلّي مع الحالة، فشاركوا كاس في أدائها الأغنية، ومن ثمّ طلبت منهم غناءها بمفردهم.
وبعدما أُعجبت بأدائهم، طلبت منهم المشاركة في أغنية أخرى على أن تُغنّي النساء جملة والرجال أخرى، لكنّها أكّدت أنّ النساء يغنين بأسلوب أفضل. هكذا، نجحت كاس في كسر الحاجز الذي يفصلها عن الجمهور اللبناني الذي لم تقف أمامه منذ 19 عاماً.
فمرّرت أثناء الحفلة الكثير من التعليقات الساخرة والنكات. وبعدما طالبها بعض المعجبين من الجيل الجديد بأداء إحدى أغنياتها الخاصة، قالت إنها تُهدي الليلة إلى روح بياف واكتفت بالغناء لها.

وأثناء أدائها إحدى الأغنيات، عُرضت مشاهد تمثيلية تشاركتها كاس والممثل الفرنسي المعروف ألان دولون، الذي أحبّ أن يُكرّم صديقته الراحلة في ذكرى رحيلها.
واختارت أيضاً كاس أن تُمثّل مشهداً غنائياً من المسرحية الوحيدة التي أدّت بطولتها، إرضاءً لصديق حياتها الكاتب والمسرحي والفنان جان كوكتو.

من حضر الحفلة، يُمكن أن يلمس ذكاءً حادّاً عند كاس التي جعلت من الحفلة أشبه باستعادة لحياة بياف، وليس أغنياتها فقط. ففي إحدى الأغنيات، وضعت كاس قفازات الملاكم وغنّت أغنية حزينة في إشارة منها إلى العلاقة الدرامية التي جمعت بياف بالملاكم الفرنسي العالمي مارسيل سيردان.
ومن ثمّ أدّت بعض الأغنيات التي عالجت فيها بياف كاركتيرات مختلفة، ومنها المرأة التي جُنّت بعدما هجرها زوجها من أجل امرأة أخرى، والرجل المتسكّع في الطرق، وغيرها.

صوت باتريسيا كاس المتميّز ببحتّه، برغم قوته، يختلف في نوعه عن صوت بياف التي يعتبر العالم أنّ فرنسا لم تنجب مثلها حتى الآن، لكنّ موهبة كاس الكبيرة سمحت لها بأن تنقل الجمهور إلى زمن بياف وعالمها، من غير أن تنسخها، أو تُقلّدها.