الوزيرة التونسية سميرة مرعي فريعة: أتركوا المرأة تحلق عالياً فتنبذ الأجيال الجديدة العنف والتطرّف

سميرة مرعي فريعة,المرأة المعنّفة,المرأة التونسية,الانتحار,التسرّب المدرسي,المرأة العربية

ضحى السعفي (تونس) 11 يوليو 2015

عنف التطرّف ضرب تونس. قبل استهداف السياح الأجانب في فندق سوسة وتصدّر أخبار تونس عناوين الصحف والمواقع الإلكترونيّة سألنا عن عنف يمارس ضد النساء. في ظل ارتفاع أعداد النساء المعنّفات في تونس، وتعدد قضايا التحرش الجنسي، وظاهرة انتحار الأطفال التي طفت على السطح أخيراً من دون أن نغفل الأعداد المخيفة للتسرب المدرسي... سألنا وزيرة المرأة والأسرة والطفولة سميرة مرعي فريعة عن خطط وزارتها لمجابهة هذه الظواهر التي باتت تهدد مستقبل الأسر التونسية والأجيال القادمة خلال الحوار الآتي.


- حدّثينا عن كيفية انتقالك من عالم الطب إلى عالم السياسة؟
تشرّبت حب السياسة منذ أيام الدراسة، وكلّما هممت بالدخول الى هذا المعترك، يمنعني والدي مؤكداً لي ولإخوتي أن التحصيل العلمي ونيل الشهادة أهم خطوة في الحياة العملية، ويقول: بعد نيلك الشهادة العلمية افعلي ما تريدين. وبالفعل، دخلت هذا المعترك بعدما نلت شهادة الطب وتخصصت بالأمراض الصدرية، وكنت من مؤسسي «حزب آفاق تونس»، ثم أصبحت نائبة في المجلس التأسيسي التونسي، تقلّدت بعدها منصب وزيرة المرأة والأسرة والطفولة.

- كشفت نتائج المسح التونسي حول العنف ضد المرأة أن 47.6 % من النساء اللواتي تتراوح أعمارهن بين 18 و64 عاماً تعرضن على الأقل لشكل من أشكال العنف في حياتهن... هل وضعت وزارتكم استراتيجية معينة لمكافحة هذه الظاهرة؟
الرقم مخيف جداً، ونحن وضعنا فعلاً استراتيجية كاملة من أجل مكافحة هذه الظاهرة المُقلقة، علماً أن الرقم مرجح للارتفاع لأن هذه الإحصائية قد مضى عليها وقت طويل، وحالياً تعكف جهة أخرى تابعة للوزارة على إعداد دراسة جديدة تشمل إحصاءات حديثة ستخرج الى العلن آخر كانون الاول/ديسمبر المقبل. كما وضعت الوزارة اليوم مشروع قانون يتعلّق بالقضاء على العنف ضد  المرأة سيُقدم قريباً الى مجلس نواب الشعب للبت فيه، إضافة الى مشروع قانون آخر يتعلّق بإحداث مراكز لحماية النساء ضحايا العنف.

- هل لديكم إحصاءات عن عدد النساء المعنفات في مراكز الإيواء؟
ستستغربون إذا قلنا إنه لا يوجد في كل تونس مركز إيواء عمومي، باستثناء مركز واحد خاص، وقد افتتح الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي مركزاً عمومياً للإيواء ولكنه لم يبدأ العمل حتى الساعة، ونعكف حالياً على دعمه بكفاءات من أجل تمكين المرأة من الاستقلال بنفسها والابتعاد عن معنفها.

- بمَ تنصحين المرأة المعنّفة؟
أن تظهر مشكلتها الى العلن وألا تسكت على وضعها، أو ترضخ لمعنفها. يجب على كل امرأة تمرّ بهذه الظروف أن تتخذ قراراً بالبعد عن مصدر الأذى، لأن العنف قد يتحول إلى قتل أو تشويه وهو لا يقتصر على الضرب فقط بل يشمل أيضاً الأذى المعنوي والنفسي واللفظي والتضييق المالي وغيرها، والمصيبة أن هناك شريحة واسعة من المعنفات يعدن إلى معنفهن بمجرد أن يستسمحهن بحجة أن لا ملجأ يذهبن إليه.

- كيف تشخّصين واقع المرأة التونسية عربياً؟
المرأة التونسية تحظى بالاحترام أينما حلّت، ومعروف عنها عربياً أنها مثقفة وتعمل بجد، ولها من المكتسبات القانونية والاجتماعية ما تُحسد عليه، ولكن يجب أن تواصل الحكومة التونسية فعلياً دعم المرأة وتسير على نهج مؤسس مجلة «الأحوال الشخصية» الزعيم السابق الحبيب بورقيبة.

- ما رأيك في ظاهرة الانتحار التي بدأت تطاول شريحة واسعة من الأطفال؟
نعم، هي ظاهرة محيرة فعلاً، ووزارة المرأة وضعت حالياً استراتيجية لمحاربة هذه الظاهرة بالتعاون مع وزارات أخرى، لأن مجابهة هذه القضية تتطلب عملاً جماعياً كبيراً، بدءاً بالمربي وطبيب المدرسة، مروراً بأهل الطفل، ووصولاً إلى المحيط الاجتماعي ككل. كما أن لوسائل الإعلام أهمية كبيرة في نشر التوعية اللازمة من ومضات دعائية وبرامج حوارية تدفع الطفل للحديث عن مشكلته وطرحها على الجهة التي تستطيع حلها، وهكذا دواليك.

- حالياً تعيش تونس على وقع قضية «يافا وحيفا» الفتاتان الشقيقتان اللتان اغتصبهما رجل ستيني، الأولى تبلغ 8 أعوام والثانية 4 أعوام وهددهما بالقتل في حال كشفتا الأمر. لو كنت مكان القاضي، بمَ تحكمين على المغتصب؟
من يرتكب هذا الفعل لا بد من أن يكون إنساناً مريضاً غير طبيعي، ولو كنت مكان القاضي، أحكم بالسجن المؤبد من دون تخفيف، مع العلم أن الإحصاءات الرسمية الأخيرة اثبتت ارتفاع حالات التحرّش الجنسي إلى 6,3 في المئة، ما يعني ضرورة دق ناقوس الخطر في كل وزارات الدولة للتصدي لهذه الكارثة الأخلاقية.

- وهل هناك نية لإنشاء مراكز ثقافية ورياضية للأطفال في كل المناطق؟
نعم، لقد بدأنا إنشاء مراكز ثقافية رياضية يجتمع فيها الأطفال بعد المدرسة للعب واللهو وتفريغ الطاقات بطرق سليمة وإيجابية، ونعد حالياً فريقاً للعمل في المراكز التي هي قيد البناء، وتؤسس تونس حالياً خمسة مراكز في أماكن متفرقة من البلاد، الى جانب إنشاء صندوق للطفل من أجل مساهمة رجال الأعمال والمنظمات المدنية المعنية بالطفولة فيه لضمان وجود المراكز في كل البلاد.

-  وماذا عن مشكلة التسرّب المدرسي او الانقطاع المبكر عن التعليم؟
التسرّب المدرسي هو صداع موجود في كل الدول العربية تقريباً، ويعود أساساً إلى الوضع الأسري والاجتماعي المتردي، وهذه المشكلة تٌعد من أولويات الدولة حالياً بحيث بتنا أمام أرقام مخيفة حول هذه الظاهرة التي يجب مقاومتها وفرض قوانين ردعية تعاقب كل ولي أمر على ترك ابنه خارج أسوار المدرسة.       

- ظاهرة «الانقطاع المبكر عن التعليم»، هل تعتبرينها فشلاً حكومياً  أم فشلاً اجتماعياً؟
ربما تكون فشلاً حكومياً وفشلاً اجتماعياً معاً، إذ يتحمل مسؤولية هذه الظاهرة كل الأشخاص المرتبطين أساساَ بالطفل، ويجب على الأطراف المعنيين تحمل مسؤولياتهم كاملة لمقاومة هذه الظاهرة.

- تعتز المرأة التونسية بمكتسباتها التي تحققت سابقاً وبالمكتسبات الموجودة في الدستور، ولدينا 31 في المئة من النساء في مجلس نواب الشعب، وعضوات في الحكومة، هل تجدين أن هذه المكتسبات ترتقي الى المستوى المطلوب؟
للأسف لا، ما زالت المرأة التونسية برأيي بعيدة من مواقع القرار، ولو نالت المرأة حظها في هذه المواقع، لربما كان وضعها أفضل مما هو عليه الآن، فقد بينت الدراسات أن المرأة عندما تكون موجودة في مواقع السلطة، يتراجع مستوى الفقر وتخف المشاكل الاجتماعية.

- برأيك في أي المجالات تتفوق المرأة على الرجل؟
بعد تجربتي الشخصية في العمل في عدد من المراكز والمناصب، أجد أن المرأة تتحمّل الصعوبات أكثر من الرجل بحيث تعمل بجد في الأراضي الزراعية، كذلك في المؤسسات والشركات من دون كلل أو ملل، حتى أن بعض النساء يعملن وهن حوامل ويستمررن في العمل حتى يوم المخاض... ما يفسر نجاح المرأة في أي مكان تشغله مهما كانت قيمته.

- قد يسأل البعض كيف نجحت تونس في تكريس حقوق المرأة رغم أنها تنتمي إلى هذا الوطن العربي الذي يتذرع دوماً بقضايا العادات والتقاليد والمحرّمات، ولكن ظلت تونس مع ذلك سباقة في مجال حقوق المرأة. ما هو السر برأيك؟
في تونس وُجد الزعيم الحبيب بورقيبة، وهو الذي أعطى حق التصويت وأطلق مجلة «الأحوال الشخصية» منذ عام 56 ، أي قبل إعلان الجمهورية، يعني أنها كانت من الأولويات. وهذا هو السر الحقيقي. ولكن المرأة التونسية من الشمال إلى الجنوب تمتلك شخصية وإرادة قوية وتحب العمل وتبحث عن الاستقلالية وترفض الرضوخ... ربما هذا ما ساعدها في أن تدافع بشراسة عن حقوقها وتبحث دوماً عن المساواة في كل المجالات الحياتية.

- ما هي رسالتك اليوم الى المرأة العربية بشكل عام؟
يجب على المرأة أن تنمّي ثقتها بنفسها، لأن لا فارق بين الرجل والمرأة في كل المستويات، ونرى ذلك في المجتمعات الغربية المتحضرة، وعلى المرأة أن تصل إلى مراكز صنع القرار، ويكون لها وجود فعلي تحت قبة البرلمان وتشارك في كل المجالات الاقتصادية والتكنولوجية والطبية ولنتركها تحلّق عالياً من أجل بناء جيل قادر على النهوض مجدداً والإقبال على الحياة ونبذ العنف والتطرف والإرهاب... جيل يحب التطور والعيش في رقي، لا أن يتخلف ويصبح محط سخرية الأمم.

- في الختام، قمت بتكريم الفنانتين لطيفة وماجدة الرومي، هل يعني ذلك أن لديك ميولاً فنية؟
كرمت لطيفة باعتبارها سفيرة الطفولة في العالم العربي وتعمل معنا على مشروع لدعم صندوق الطفولة. أما ماجدة الرومي فقد كرمتها لأنها زارت تونس في فترة صعبة بعد الهجوم على متحف باردو الأثري الذي راح ضحيته عدد من السياح الأجانب، كما أنني أحب فنها وأسلوبها وأخلاقها، وهي أيضاً كالفنانة لطيفة سفيرة للمحبة حول العالم العربي.