فريدا كاهلو السوريالية واقعاً وفناً...

فريدا كاهلو,إنسانة استثنائية,الجندر,الذكورة,مزيجاً من الرجولة والأنوثة

مايا الحاج 25 يوليو 2015

من يُشاهد صورها ورسومها أو يقرأ كتباً عنها ويتابع أفلاماً أُنجزت عن حياتها، لا يمكنه إلاّ التوصّل إلى أنّ فريدا كاهلو هي إنسانة استثنائية. أقول إنسانة وليس امرأة، لأنّ فريدا الثائرة تخطّت مسألة الجندر، شكلاً وفعلاً، قبل كلّ الحركات النسوية الثورية. لم تخجل فريدا بالذكورة التي في داخلها، بل افتخرت بها وأخرجتها إلى العلن، فكان وجهها مزيجاً من الرجولة والأنوثة. شعر أسود مزدان بالورود، حاجبان كثيفان وملتصقان، شاربان خفيفان مخطوطان فوق شفتين رقيقتين. وهكذا كانت شخصيتها أيضاً، خليطاً من أنثى وذكر، عرفت كيف تظهر بالصورة التي أحبّت أن ترى نفسها فيها، لا كما يحبّ الرجل أن يراها. فابتكرت «موضتها» لتصير أيقونة في الفن والحياة والموضة على حدّ سواء.

تحدّت المفاهيم الجادة فنياً ورسمت بأسلوب سوريالي سمّته واقعياً بقولها: «لم أرسم أحلاماً قطّ، إنما أرسم واقعي فقط». اسم فريدا كاهلو وحده يُحدث صخباً شديداً. تُدقّق في ملامحها فتجد سيرتها محفورة في كلّ ناحية من جسدها. إنها المُشرقة والحارّة تُشبه إلى حدّ بعيد الشهر الذي ولدت فيه وماتت (6 تموز/يوليو 1907 وتوفيت في الشهر ذاته من عام 1954). وهكذا كانت ألوانها أيضاً: صيفية، دموية، ملتهبة.
امرأة لا تعرف الثبات. تتنقّل في علاقاتها مثلما تتنقّل بين الألوان. تُثقل جسدها النحيف بالورود والسلاسل والأساور كأنها غجرية طالعة من خيم الرحّالة البدو. عاشت فريدا كاهلو حياتها كمن ينتقم من الموت. وكانت لها تجارب عدةّ مع موتٍ اتخذ في حياتها شكل نوم أُجبرت عليه بعد إصابتها بشلل الأطفال، ثم تعرضها لحادث شاحنة أقعدها سنة كاملة في السرير، يلفّها جصّ أبيض كأنها ممدّة في كفنها. لكنّ الحياة التي تغلي في داخلها جعلتها تتغلّب على هذا السكون القسري، فأخذت ترسم صورتها المنعكسة في مرآة السقف العالي. هكذا اكتشفت فريدا شغفها بالرسم، لتصير أشهر رسامة أنثى في زمنها وأهمّ الفنانين في العالم على مدار الأزمنة.
لم تفصل المكسيكية فريدا كاهلو حياتها عن فنها، بل جعلتها محوراً رئيساً فيه. فرسمت نفسها واتخذت من القدر والواقع تيمةً أساسية في لوحاتها، هي التي تمكنت من تجاوز قدرها بالفن والإبداع.
كثيرون تأثروا بفريدا كاهلو وقلدوها فنياً، ولكن يصعب على أيّ شخص أن يُقلّد كاهلو من الناحية الشخصية، لأنّ ما عاشته خلال حياتها القصيرة نسبياً لا يليق إلاّ بامرأة من خامة فريدا نفسها. أمّا وجهها الاستثنائي فكان محور بورتريهات كثيرة رسمها فنانون حاولوا كشف التباس ما في هذا الوجه وشيء من سريته. وقد اشتغلت الفنانة التشكيلية الشابة ماريا نصرالله على شخصية فريدا من خلال بورتريه جميل تضمنه معرضها الفردي الأول «عيون إن حكت». وفي حوار مع «لها»، قالت ماريا إنّ «فريدا من الشخصيات العالمية التي تركت أثراً كبيراً في مجال الرسم والتشكيل، لكنّ حياتها بكلّ المشاكل والتعقيدات التي عرفتها ساهمت في أن تكون امرأة مؤثرة أيضاً على المستوى الإنساني». وأضافت في هذا السياق: «المحطات التي مرّت بها فريدا من شلل الأطفال إلى حادث الشاحنة التي دهستها... جعلتها تقضي ردحاً من حياتها على السرير، مما أوجد لديها حالة نفسية صعبة، انعكست على طبيعة حياتها. ولكن بدلاً من أن تنعزل وتتقوقع على ذاتها، برزت لديها رغبة في الظهور ولفت الأنظار نحوها. أخذت ترتدي ملابس غريبة، تُزيّن شعرها بالورود، تضع الكثير من الأكسسوارات التي تُكرّس حضورها على المستوى الشكلي، لا المعنوي فقط. ومرّة وبينما كنت أطالع كتاباً يحكي سيرتها، لفتتني حادثة طريفة تحكي عن فريدا التي دخلت يوماً من الأيام إلى عرض موسيقي كبير. كان الهدوء يعمّ المكان وصوت الآلات وحدها يلفّ الصالة، وما إن دخلت فريدا حتى أوقف العازفون وصلتهم الموسيقية بعدما أصدرت أساور فريدا وسلاسلها ضجةَ طغت على صوت الموسيقى. وهذه الحادثة من بين أخرى تؤكد حبّ فريدا للحياة وللظهور، على رغم كلّ الآلام التي عرفتها وعاشتها».
وعن سرّ اهتمام الفنانين برسم وجه فريدا، أجابت ماريا نصرلله: «لهذه الفنانة كاراكتيرها الخاص. شخصية مستقلة تُميّزها عن الآخرين. هي عاشت مشاكل نفسية صعبة، تعرّضت لخيانات وأقدمت على ممارسات شاذة، وكلّ هذا التعقيد كان يتبدّى على صفحة وجهها التي تختزل بملامحها تخبطات هذه الفنانة وعمقها. هي رسمت نفسها، والآخرون أيضاً رسموها وفي كل مرة كانت تظهر في شخصية فريدا أشياء جديدة لأنها غنية من الداخل».
تستخدم ماريا نصرالله مواد مختلفة في عملها، وهي رسمت لوحة فريدا بالألوان الزيتية، إضافة إلى أقمشة زيّنت بها شعر فريدا. وعن الجديد الذي لعبت عليه ماريا نصرالله في لوحة فريدا كاهلو، تقول: «حاولت الإضاءة على تفاصيل معينة كانت تصنع شخصية فريدا، منها: الورود التي تُزيّن شعرها، الأساور والخواتم، الملابس. وفنياً، لعبتُ على خلفية اللوحة بحيث اخترت لها ألواناً كثيرة تعكس المزاج الذي توحي به فريدا كاهلو. ولم أكن لأتغاضى أيضاً عن التعابير الدقيقة في وجهها، خصوصاً في منطقة الحاجبين والفم، لا بهدف نسخ الصورة وإنما لترجمة عالمها الجوّاني الخطير».