black file

تحميل المجلة الاكترونية عدد 1091

بحث

ضمائر منفصلة» ديوان جديد: قصائد سلمان زين الدين تتأرجح بين حياة وموت

ضمائر منفصلة» ديوان جديد: قصائد سلمان زين الدين تتأرجح بين حياة وموت

تأتي قصائد «ضمائر منفصلة» للشاعر اللبناني سلمان زين الدين كأنها صرخة في وجه كلّ من أعلن انتهاء القصيدة العمودية. ينظم أبياته معتمداً الوزن والقافية غير آبه بأصوات شعراء النثر الطالعة من كلّ مكان. الشعر أصلاً صار هامشيّ الوجود، فكيف بالشعر الكلاسيكي القديم؟ سؤال يلاحق شعراء لم تجذبهم نثرية القصيدة، قد يحبطهم أو يُغيّر مسارهم، لكنّ صاحب «أقواس قزح» يمضي في مسيرته غير مكترث بمن يغضّ بصره عن هذا النوع من الشعر. لا يتخلّى الشاعر عن القصيدة العمودية، بل إنّه يتسلّح بها كمن يضع خوذة في وجه طوفان قصيدة النثر. فبعد «زاد للطريق» (2002) و «أقواس قزح» (2012)، تأتي مجموعة زين الدين بعنوان «ضمائر منفصلة» الصادرة حديثاً عن دار نلسون، بقصائد لا تبتعد عن أجواء مجموعاته الشعرية السابقة، وإن كان قد أضاف موضوعات جديدة لم يسبق أن طرحها في قصائده.
وزّع الشاعر قصائده على ستة محاور يضعها بأسماء الضمائر المنفصلة، «أنا، أنتِ، هي، أنتَ، نحن، هو أو هي (لغير العاقل)». ويعمد إلى إهداء قصائده الى الأصدقاء وشعراء وأساتذة، «صباح» مُهداة إلى الشاعرة الراحلة صباح زوين، و «سارق النار» إلى الراحل سعيد عقل، و «الأمير» إلى جورج شكور، و «المنار» إلى ريمون قسيس.
تحضر المرأة جهاراً في هذا الديوان، بل يمكن القول إنّ الشاعر احتفى في ديوانه الجديد بالمرأة من خلال استحضار رموز أنثوية سكنت موروثنا الثقافي الإنساني والعربي مثل «حواء» و «عشتار». «وصلت رسائلك الجريئة كلها/ فتلاطمت في خاطري الأفكار/ وغدوت أبحر في خضمّ هائج/ ويكاد يُغرقني به التيّار/ كم كان بحري قبل ذلك هادئاً/ لا المدّ يُقلقني، ولا الإعصار»...
يرسم الشاعر صورة المرأة- الحبيبة في قصائد عاطفية منها «كوثر» و «عناق» و «ضحكة»، فتبدو كائناً مشرقاً تمنح الحياة نوراً والشاعر حبّاً وإلهاماً.
تتناغم قصائد سلمان زين الدين ورسوم أمين الباشا، فتغدو الصورة رفيقة الكلمة ومرادفتها. وعلى رغم حضور الموت كتيمة في بعض قصائد الديوان، تظلّ الحياة هي الحاضر الأقوى. فإنّ فكرة التقمّص التي تمتد على بعض القصائد تجعل للموت معنى آخر. الأرواح تتناقل وتنمو وتستمر، أمّا الإنسان فيغيب من دون أن يرحل. فالروح واحدة لكنّها تُبدّل أجسادها كمن يُبدّل قمصاناً: «هي روحي/ منذ كان الكون كانت./ وستبقى للأبد/ ترتدي القمصان في رحلتها/ من ظلمة العدّ/ إلى نور الأحد» (فتنة الدرب). لكنّ هذا اليقين الذي يواجه به الشاعر قضية الموت في أكثر من قصيدة، لم يلغِ لديه الشكّ والحيرة والأسئلة حول قضايا ما ورائية مثل الموت، وهذا ما يتجلّى واضحاً في قصيدة عنوانها «علامات استفهام»: «هل تُرى نحن نيامٌ/ فإذا متنا انتبهنا؟/ أم ترى نحن شهود/ فإذا ما رثّت القمصان نمنا/ هل نرى في نومنا الحتميّ/ أحلاماً جميلة/ أم  كوابيس طويلة؟»...
ومن هذه الفكرة تتولّد فكرة الزمن التي يشتغل عليها زين الدين في أكثر من قصيدة. كمتصوّف عتيق يتأمل الشاعر حركية الزمن، «يُشخصنه» كأنّه رجل يعرفه، يُناديه ويُخاطبه لئلا يتعجّل ويباغته: «توقّف قليلاً، يا زمان، ولا تجرِ/ ودعني أغنّي ما تصرّم من عمري» (من قصيدة «على صفحة الدهر»).
أمّا متعة الحياة فيراها الشاعر كامنة في الأشياء العصية، كالشعر والحب والحلم، وهذا ما يلمح اليه الشاعر في قصيدة «أفعل التفضيل»: «أجمل الأشياء/ ما يبقى بعيداً،/ دونه خرط القَتَاد/ فإذا منه اقتربنا،/ يمتطي مُهر البُعاد/أجمل الأحلام/ ما يعصى على التحقيق/في زمن محدد/ كلما منه دنونا/ يصبح التحقيق أبعد».
وهو بذلك يصف جمالية اللحظة الشعرية بقساوتها، فيقول: «أجمل الشعر/ هو العاصي على التغليب/ في شكل محدّد/ لا ضفاف الحرف تحويه/ ولا اللفظ المجدد/ خارجاً يجري على المجرى كنهر يتمرد/ هائماً يمضي على الوجه/ كصعلوك مشرد/ فإذا ما رُمتَ يوماً أسرَهُ/ في قصر شعر،/ يهدم القصر، ويصعد»...
 

المجلة الالكترونية

العدد 1091  |  تشرين الثاني 2025

المجلة الالكترونية العدد 1091