الرقم المخيف

هالة كوثراني,الكذب,العمر

هالة كوثراني 26 أغسطس 2015

لا يمكن أن تكذب. لا تعرف الكذب ولا تلجأ إليه ولا تصدّقه ولا تؤمن به، إلا حين يرتبط الحديث بعمرها. عندها فقط تكذب بسلاسة. وربما جهّزت للسؤال المتعلّق بسنّها مجموعة من الإجابات واختارت بتأنٍ السيناريو الذي يبدو صريحاً و«طبيعياً»، لكنّّه ليس سوى تلاعب بالرقم المخيف، الرقم الذي لن تعترف به ويختصر ببساطة عدد سنوات وجودها في ملعب الحياة. لا أفهمها. مسألة السنّ هذه عقدتها. لا أفهم كيف يمكن لامرأة مثلها مثقّفة، وتبدو قويةً، أن تخاف من حقيقة سنّّها، من عدد أعوام عمرها وألا تفخر به. فهي لم تجلس يوماً في البيت لتعدّ الساعات أو تنتظر منقذاً من الأيام حين تتشابه. فما سبب كذبها على ذاتها واهتمامها بنظرات الآخرين؟ ولم هذه الحساسية تجاه الاعتراف بالسنّ الحقيقية؟ وما الذي يمكن أن يفضحه الرقم؟ الرقم صامت لا يعبّر. لا يقول أي شيء، لا يحكي الإنجازات ولا الخيبات ولا يسرد قصص الطموح أو وجع الصدمات. لقد تغيّر أسلوب حياة النساء الناضجات. فسنّ الأربعين على سبيل المثال تسمح الآن بانطلاقة جديدة، ببداية ثابتة جميلة مدعومة بنضج راكمته الأعوام والخبرات. قد ترتبط البداية بعمل جديد، وربما باختيار العمل الذي طالما أردناه بعد أعوام من ممارسة العمل الذي اكتفينا منه بتحقيق الاستقرار المادي. لا يدين الرقم ولا يبرئ. لا يحكي الحكايات، ليس جزءاً أساسياً من السيرة. هو جزء من الحقيقة التي لا أفهم الرغبة في تعديلها. أعرف مَن عادت إلى الجامعة في الخمسين لتكمل حلمها بنيل شهاة الدكتواره، ومن عادت في الأربعين إلى هواية الطفولة، رسم الكاريكاتور. فلننس الرقم ولنركّز على الأفعال. في كل المراحل الوقت ليس في صالحنا، وتحديه مطلوب كي يكتمل الإنجاز.