عطر يخرق القواعد ALAÏA PARIS ترجمة جديدة لأسلوب عز الدين علايا

عزالدين علايا,شركة علايا,ماري سالاماني,العطر

ليلى حمداوي (باريس) 12 سبتمبر 2015

«رائحة الماء البارد المتناثر على الطبشور الساخن»، تلك هي رؤية المصمم الفرنسي التونسي الأصل عزالدين علايا ومفهومه لعطره الأول. إنها استعادة لذكريات طفولته للماء المتناثر خارجاً على حائط ساخن جداً، والرطوبة، والتفاعل بين البارد والساخن عند التقائهما. هذه الرؤية تظهر فرادة إبداع هذا المصمم.

بعد الكثير من التوقعات المسبقة، ها هو العطر الأول من عزالدين علايا بين أيدينا. يجمع العطر بين البريق الفني لصانعة العطور الشابة ماري سالاماني والتصميم الفريد للقارورة من جانب مصمم المفروشات مارتن سزيكلي، ويجسّد الإبداع والعظمة اللذين اشتهر بهما عزالدين علايا. وبدل أن ينطلق العطر من مساحة مقيدة بشروط السوق، جاء ثمرة حب حقيقية ونتيجة العديد من المناقشات الطويلة حول طاولة طعام، حيث تم تبادل الأفكار والخواطر مع فريق عمل علايا. إلا أن ماري سالاماني هي من تولت قيادة السفينة في ما يتعلق بابتكار هذا العطر الجميل. قيّم علايا إنتاج فريقه الإبداعي، فيما كان مصوره باولو روفرسي وشركاؤه المبدعون جزءاً من هذه العملية.

أين تولد هذه الأفكار؟

طاولة الطعام التي ذكرناها موجودة في قلب شركة علايا. كل يوم، يجتمع فريق العمل لتناول الغداء في هذه الغرفة المركزية داخل مستودع كبير يعود إلى القرن التاسع عشر ويتضمن مقرّ ماركة الأزياء علايا. الطاولة الزجاجية المستطيلة محاطة بكراس بيضاء صمّمها المهندس الفرنسي ماليه ستيفنز. والمستودع عبارة عن منزل خاص، بقدر ما هو مصنع، وبوتيك، ومحترف، ومعرض فني. إنه يضجّ بالنشاط، لكنه هادئ وساكن في الوقت نفسه. يجلس السيد علايا على كرسيه عند رأس الطاولة، ويكون هذا الاجتماع اليومي حافزاً للإبداع والفيض الفني المعروفين لديه.

«حين شرعنا في ابتكار العطر سوية، تحدثنا عن العواطف. لا نملك الكلمات نفسها لوصف العواطف، ولذلك عندما طُرح السؤال عن عطر الأناقة، جاءت أجوبة كثيرة بعدد الأشخاص الجالسين حول الطاولة. لكنها في النهاية طريقة جيدة لفهم توقعات السيد علايا بصورة أفضل»، تقول ناتالي هيلوين كامل، مديرة التسويق التي عملت مع مصممين مثل إيسيه مياكي، وشكّلت الرابط بين المصمم والأسواق.

إنتاج علايا

لا يتدخل المصمم عادة بهذا القدر في ابتكار عطره، لكن بالنسبة إلى علايا، استحال التفكير حتى في شركة أخرى لصناعة عطره. تقول ناتالي هيلوين كامل عن علايا إنه «ديكتاتوري وإنما بطريقة إيجابية. يريد نوعية ممتازة». كانت ناتالي صلة الوصل بين علايا وماري سالاماني. «أعمل عادة لمدة 3 إلى 4 أشهر قبل أن أقدم العطر إلى المصمم، لكنني فهمت مع السيد علايا أنه إذا لم يتدخل شخصياً من البداية، فسيكون صعباً جداً عليه اللحاق بعملية الابتكار. هكذا، فهمت حاجته إلى المشاركة فوراً». في البداية، عرضت ناتالي على علايا 10 إلى 12 تركيبة مختلفة للفكرة الأساسية، وانجذب فوراً إلى أحد ابتكارات ماري سالاماني. قال لي: «أريد معرفة ماهية هذا العطر. أريد التحدث مع هذا الشخص». انضمت إلينا ماري في الاجتماع التالي... وبدأنا العمل معاً.

جمال من الداخل والخارج

القارورة أنيقة، باللون الأسود الكحلي، مع غطاء ذهبي فخم متلألئ. ثمة صفوف زخرفية للأشكال الهندسية التي يشتهر بها علايا تتراقص حول جوانب القارورة. إنها تحفة فنية محاطة بالغموض ومغلفة بالجمال. كان يمكن أن تبصر النور من قبل، لكن النتيجةأتت حابسة حتماً للأنفاس. تظهر العارضة جنيفر فان سينوس في الحملة الإعلانية، لا سيما أن قسماتها اللافتة غير الاعتيادية وشخصيتها القوية تجعل منها الخيار المثالي لمثل هذا العطر الجريء والجذاب والفاتن. يستحيل تقريباً وصف العطر بحد ذاته، وهذا بالضبط ما أراده علايا. امتلك رؤية واضحة جداً في ما يتعلق بعطره الأول. تتحدث ماري سالاماني عن العملية الفريدة لابتكار هذا العطر، حيث توجب عليها التأكد من عدم إمكانية التعرف على أي مكوّن. «كلما استطعنا عزل مكوّن، توجّب علينا تغيير شيء ما. لم يشأ تحديداً أن يتمكن أحد من التعرف إلى أي زهرة، ولا سيما الأزهار البيضاء. الفكرة كانت عدم التمكن من سرد «رواية» من خلال العطر، وإنما التقاط رؤية علايا فقط. «إذا كان هناك إلهام من أي نوع، فإنها ذكريات طفولته لتناثر الماء البارد على حائط ساخن جداً. الرطوبة. والتوازن بين الروائح الباردة والساخنة».

ابتكار السحر

«حصلنا على شرح أولي حول ابتكار عطر يشبه الماء. مثلما ترش الماء على وجهك للشعور بالانتعاش. أخبرنا حكاية جدّته وهي ترش الماء على حائط ساخن جداً في تونس، ثم بدأنا نفهم الإحساس الذي نبحث عنه. بارد جداً وساخن جداً...» تقول ناتالي هيلوين كامل: «أعتقد أنه أراد التركيز خصوصاً على الأناقة، ولا سيما رؤيته لماهية العطر بالنسبة إليه. لا يمكن أن يكون العطر قوياً جداً، أو مهيمناً جداً. لا يمكن أن يصل إلى الغرفة قبل السيدة. لا بدّ من أن يتمكن المرء من الرؤية عبر العطر. فهو ليس مثل شاشة أو حاجز... بالنسبة إليّ، تنبع أناقة العطر من حقيقة عدم هيمنته. لا بد من أن يكون شيئاً متوازناً جداً. كان يبحث عن الإدمان. الإدمان على الروائح العلوية. الإدمان على الرائحة التي تبقى ثابتة بعد مرور ساعتين... قال إنه أراد أن تدمن المرأة العطر، كي تستعمله من الصباح إلى المساء. لا بد من أن ينشئ العطر طقساً محدداً - مثل رش الماء على الوجه - بحيث ترغب النساء في تكراره مرات عدة...».

ولادة أسلوب علايا

الغموض هو أمر اعتدنا عليه مع عزالدين علايا. فالمصمم المشهور معروف بإبقاء تصاميمه مخبّأة خلال أسبوع باريس للموضة، ولا يعرضها إلا حين يشعر بأنه مستعد لذلك (في أغلب الأحيان، قبل أسابيع قليلة فقط من هذا الحدث الفخم). بدأ تاريخ علايا في التصميم في عالم الاستعراضات، إذ كان يصمم ملابس الاستعراضات المسرحية المتكلفة في باريس. عرف باسم «ملك التماسك» (The King of Cling)، واشتهرت تصاميمه بالتركيز على المنحنيات الجذابة في جسم المرأة. بالفعل، نربط بين اسم علايا والمشدّات المقطوعة باللايزر، والدقة الهندسية وطريقة إلباس المرأة العصرية بأسلوب المرأة القوية. يعمد علايا دوماً إلى كسر القالب، ويبتكر قواعده الخاصة، ويتجاهل الجدول الزمني المحيط به. والواقع أن أسلوبه المبتكر في تصاميمه الجميلة قوي وحاضر أيضاً في هذا العطر الذي يبدو فوراً غريباً وعصرياً، ومتجذراً في الوقت نفسه في الحنين والأناقة السرمدية.

تتحدث ماري سالاماني عن الطبيعة المتقلبة للعطر. «في كل مرة أشم فيها العطر، تصلني رائحة مختلفة. ليس دوماً العطر نفسه. هذا الصباح، قمت برش القليل منه وشممت رائحة الفلفل الأخضر... بعد ذلك، لفتتني الروائح الحيوانية. كلما تشمّ العطر، تجده مختلفاً ومتبدلاً». لطالما برز عنصر الجاذبية في تصاميم علايا، إذ يميل إلى اعتبار نفسه «بنّاء» بدل مصمم أزياء، وغالباً ما تتم صناعة تصاميمه اللافتة للكشف عن الجمال اللافت لجسم المرأة مع التعبير عن الجاذبية والحرية والروح المغناج. يبدو هذا العطر وكأنه يحتفل نوعاً ما بهذا الجزء من عمل علايا أيضاً. فهو يملك نوعية ممتازة تجعله آسراً ومثيراً، بحيث يشكّل الإضافة المثالية لأي فستان يحمل توقيع عزالدين علايا.

أحب عزالدين علايا أيضاً فكرة الربط بين الحنين والذكريات ومفهوم الرائحة. لم يشأ فقط ابتكار عطر يحاكي ذكريات طفولته، وإنما أراد أيضاً عطراً يبقى مع الناس. يحب كيفية ربط نساء معينات بعطورهن، ومدى قوة ذلك الرابط. يحب إخبار القصص والتعبير عن افتتانه للعلاقة بين النساء وعطورهن أثناء الاجتماعات حول طاولة الطعام.