عنف الأطفال في ما بينهم جرائم تدق ناقوس الخطر

عنف الأطفال,جرائم,الخطر

26 سبتمبر 2015

العنف عند الاطفال ظاهرة قديمة متجددة، تزداد يوماً بعد يوم بفعل اتساع البيئة الحاضنة لها، إذ بات العنف يحاصرهم من جميع الاتجاهات، ولا نبالغ إذا قلنا إنه بات مرافقاً لقوتهم اليومي. فالمشاهد العنيفة في مختلف وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي ووسائل التسلية الإلكترونية وغير الإلكترونية باتت أمراً عادياً محبباً ومشوقاً بالنسبة إليهم، خصوصاً إذا لم تحظ بمراقبة الأهل وتوجيههم.
ولأن العنف لا يولّد إلا عنفاً مشابهاً أو أكثر، فإن بعض الأولاد غير الخاضعين للإرشاد والتوجيه يتبنونه سلوكاً ونهجاً في حياتهم، ويفتخرون به وبنتائجه.
قد لا يمر يوم من دون أن نسمع عن حوادث وجرائم ارتكبها أولاد بحق بعضهم بعضاً، منها ما اقتصر على الأذى الجسدي، وأدى بعضها الآخر إلى القتل، إذ باتت المخيّلة العنفية عند الولد أوسع، والوسائل متوافرة، والبيئة الحاضة ملائمة أكثر، مقابل انعدام الضوابط والقوانين الرادعة.
ضحايا العنف الأطفال من جانب أطفال آخرين في لبنان كثر، وقصصهم لا تعد ولا تحصى، وخصوصاً في المدارس والأزقة والشوارع... مجلة «لها» تناولت هذه الظاهرة مع المعالجة النفسية الدكتورة رندى شليطا، وألقت الضوء على أنواع عدة من العنف بين الاطفال، والذي أدى بعضه إلى القتل والبعض الآخر إلى الإيذاء الجسدي والنفسي. سعيد م. (8 سنوات) عُذب واغتُصب من جانب جاره (13 سنة)، مصطفى جمعة (7 سنوات) قضى نتيجة لعب عنيف مع رفاقه، ومحمود العاصي (9 سنوات) عُذب وقُتل على يد ولد آخر لم يتجاوز الخامسة عشرة من عمره.


محمود العاصي ضحية عنف مدبّر     
فُقد الطفل محمود العاصي ابن السنوات التسع من أمام منزله في منطقة بشامون، تلك المنطقة القريبة من مدينة بيروت والمعروفة بطبيعتها الحرجية. كان ذلك في شهر رمضان الماضي، إذ افتقده أهله ولم يجدوه، وشعروا بقلق كبير عليه، مما دفعهم الى تبليغ السلطات الأمنية عن اختفائه، والتي بدورها تحركت على الفور للبحث عنه في كل مكان في المنطقة، وعممت صورته ومواصفاته على كل مراكزها. مرّ الليل ثقيلاً على أهل محمود وكانوا يتوسمون خيراً بعد هذا الانتظار الطويل والمرير.
دام البحث عن محمود طوال ساعات الليل، وتحركت خلالها كل الاجهزة الامنية والدفاع المدني في المنطقة. وفي ساعات الفجر الأولى وقع الخبر المفجع كالصاعقة على الاهل، عندما أبلغ أحدهم عن العُثور على الولد جثة هامدة في مبنى قيد الإنشاء في أحراج المنطقة. لم يكن من السهل الوصول إلى المكان بالسيارة، مما اضطر القوى الأمنية والطبيب الشرعي للسير على الأقدام مسافة نصف كيلومتر لبلوغ المكان. وتبين بعد الكشف على جثة الطفل أن منفذ الجريمة كان حاول خنق الضحية بسلك معدني، إلا انه عدل عن ذلك وفق تقديرات الطبيب، وعاد وقضى عليه بضربه بآلة حادة على مؤخرة الرأس أدت إلى نزف حاد.  المعاينة الاولية للطبيب الشرعي لم تفد بتعرض الطفل للاغتصاب، كما لم يتبين السبب الرئيسي للقتل. 
لكن وبعد توسع القوى الأمنية في التحقيق، تم إلقاء القبض على القاصر ع. ف. عواضة (14 سنة) وهو مكتوم القيد للاشتباه به بعدما غيّر في مضمون إفادته. وكان الشخص الأخير الذي شوهد برفقة الضحية وفق شهود العيان، كما أوقف شقيقه ع. ف. عواضة (19 سنة) لأن الأول قاصر. وأفيد بأن عواضة اعترف بالجريمة وكان يقصد اغتصاب الضحية.
«لها» حاولت جاهدة الاتصال بوالدة محمود والوقوف على تفاصيل الجريمة، إلا أن حالتها النفسية لم تسمح لها باستعادة تفاصيل الفقدان والقتل. واحتراماً لرغبتها بعدم التطرق الى الحادثة، لم يصرّح والدها (جد الضحية) بشيء بدلاً منها، مكتفياً بالقول: «مصيبتنا كبيرة جداً، والله يساعد ابنتي لتتجاوز هذه الازمة بسلام». كما شجب بشدة هذا الفعل الإجرامي الذي قضى على حفيده، ورفض اعتبار المعتدي قاصراً فلا يُعاقب كغيره من المجرمين، واختتم حديثه بالتأكيد: «ابن الرابعة عشرة في نظر الدين والشرع بالغ وعاقل ويجب أن يحاسب على فعلته، خصوصاً أن ما ارتكبه فظيع وبشع».

مصطفى جمعة: لعب رفيقيه العنيف أدى إلى وفاته
قصة مصطفى تختلف عن باقي قصص الاولاد. هو طفل في السابعة من عمره، يحب الفرح واللهو واللعب كثيراً، وهذا الحب ربما قاده إلى الموت. تقول نعمت، والدة مصطفى: «هو بطبعه يحب اللّعب، ويحب رفاقه كثيراً، وخصوصاً هذين التّوأمين اللذين تسببا بوفاته. هما من عمره وكانا معه في المدرسة، تربطنا بعائلتهما صداقة متينة، إذ كنا نتبادل الزيارات دائماً، ونسهر معاً. أمهما سيدة طيبة جداً ووالدهما أيضاً. أما هما فكانا يتمتعان بحركة زائدة وأسلوب عنيف أو مبالغ به في اللّعب (ورشنة زائدة)». تتابع نعمت: «أذكر في أحد الأيام وبينما كانا يلعبان مع مصطفى في منزلي، أنني فوجئت بهما يلفّان جسديهما بسجادة الغرفة. ومرة أخرى وقبل حادثة وفاة ابني بخمسة أشهر، تسبب أخوهما الأكبر بشج رأسه عن غير قصد، كنا نسهر في منزلهما مع عائلتهما، وفجأة خرج ابني من غرفتهما يبكي والدم يسيل من رأسه، وسارعنا به إلى المستشفى وتم تقطيب الجرح قطباً عدة. يومها قالا إنه وقع إثر تدافع وارتطم رأسه بحافة الدراجة... تجاوزنا الموضوع ولم تهتز علاقتنا بالعائلة بسبب هذه الحادثة».
هذه الأحداث والوقائع قد تبدو شبه عادية وطبيعية بين الاولاد، وخصوصاً من هم في مثل سن مصطفى ورفيقيه، ولكن ما ليس طبيعياً ومتوقعاً أن يؤدي هذا اللّعب إلى الوفاة، وبطريقة بشعة ومؤلمة كما حصل لمصطفى. تروي نعمت تفاصيل الحادث المؤسف الذي أدى إلى وفاة ابنها بكل أسى، وتقول: «في ذاك اليوم المشؤوم، كان مصطفى ينتظر زيارة رفيقيه بفارغ الصبر، وكأنه كان ينتظر قدره. كان يسأل منذ الصباح الباكر عن موعد حضورهما، لأنه كان يحبهما كثيراً.
ولما حضرا مع عائلتهما في المساء، خرج معهما كالعادة للّعب في شرفة المنزل المقابلة للغرفة التي نسهر فيها مع أهله. لم تكن الشرفة مكشوفة أو غير آمنة بالنسبة الينا، بحيث عززناها بستائر زجاجية لنتفادى مخاطرها كوننا نسكن في الطابق الثامن، كما لم يكن الأولاد يلعبون بمفردهم من دون متابعة من شخص راشد، فالخادمة التي تعمل لديّ كانت تراقبهم من باب المطبخ الذي يطل على الشرفة. في تلك الليلة كان كل شيء جيداً ويسير بشكل طبيعي، ولم نلحظ أي حركة لافته تدعو إلى القلق.
ولكن عند الساعة العاشرة، وقبل موعد انتهاء زيارة العائلة لنا بـ 10 دقائق، سمعنا صوتاً قوياً يشير إلى أن شيئاً ما قد كسر. للوهلة الأولى ظننت أن الأولاد ركلوا الكرة عالياً وارتطمت بثريا الشرفة فأوقعتها. سارعت للخروج من باب المطبخ، فوجدت الخادمة تحاول النهوض عن الكرسي وتصرخ وتقول «مصطفى وقع وصار تحت»، صُدمت ولم أستوعب كلامها، كيف صار تحت؟... فخرجت لأجد زجاج الشرفة مكسوراً والتوأم يحاولان النظر من فتحته إلى الاسفل ليريا أين وقع مصطفى. ركض والدهما وأرجعهما الى الخلف بسرعة كي لا يسقطا بدورهما، وأُصبت أنا بالذهول ولم أعد أستوعب ما يدور حولي، فيما سارع زوجي والخادمة إلى مدخل المبنى ليبحثا عن مصطفى، فوجداه خارج سور المدخل جثة هامدة مضرجة بالدماء».
كيف وقع هذا الحادث؟ وكيف كسر زجاج الشرفة التي سقط منها مصطفى؟ تقول نعمت: «وفق التحقيقات التي أجريت، وإفادة الخادمة التي كانت تراقب الأولاد في تلك الليلة، تبين أن التوأم كانا يلعبان مع مصطفى بطريقة عنيفة، وأن الخادمة حذرتهما أكثر من مرة بالتوقف عن أسلوب اللعب هذا فلم يمتثلا لكلامها، وتابعا لعبهما وصراعهما معه إلى أن ركله أحدهما برجله، فيما دفعه الثاني بقوة نحو زجاج الشرفة، مما أدى إلى ارتطام رأسه بالزجاج وكسره وإحداث فتحة فيه أدت الى وقوعه منها ووفاته».
لم يتقبل أهل التوأم هذه الافادة، واتهموا الخادمة بالكذب، وهدّدوها فيما لو أفادت بأن ولديهما دفعا مصطفى نحو الزجاج، كما علّموا الولدين أن يقولا انه وقع بمفرده إثر تعثّره بلعبة، وأن الخادمة لم تحذرهما من عدم اللّعب بهذه الطريقة. وطلبوا الادعاء على صاحب المبنى والوكيل الذي التزم تركيب الستائر الزجاجية، لأن فيها خللاً  أدى إلى كسرها بهذه السرعة. إلا أن التقرير الطبي ونتيجة التحقيق الجنائي أفادا بأن مصطفى توفي نتيجة تلقيه ضربة قوية على الرأس، وأن التوأم اعترفا لدى المرشدة الاجتماعية المختصة بأخذ إفادة الاولاد في المخافر بأنهما ضرباه وركلاه، وغالطا كلام أهلهما وأكدا أن الخادمة حذرتهما وطلبت منهما التوقف عن هذا اللّعب العنيف لكنهما لم يمتثلا...
أُقفل المحضر بالإفادة بأن التوأم ولدان يتمتعان بحركة زائدة (ورشنة)، وأنهما بتدافعهما أديا إلى التسبب بوفاة مصطفى، وتُركت لأهل الضحية حرية الادعاء على والدهما والمطالبة بالتعويض عن الضرر الذي تسببا به لأنهما قاصران ولا يمكن محاكمتهما ومعاقبتهما. رفض والد مصطفى ووالدته الادعاء على والد التوأم ومطالبته بالتعويض لأنهما يريا أن مال الدنيا كله لن يعوضهما عن ابنهما، كما لم يريدا تكبيد الأب أموالاً كثيرة وهو رب عائلة وغير مسؤول بشكل مباشر عما حصل. لقد تقبّلا قضاء الله وقدره رغم حزنهما وحرقتهما على ولدهما. هذه الحادثة أدت إلى قطيعة بين العائلتين بسبب ما حصل ونتيجة سوء تصرف أهل الولدين بعد الحادث. تحاول نعمت إبعاد أولادها عن التوأم وإخوتهما، لأنهما لا يزالان في المدرسة نفسها التي يدرس فيها أولادها، وهي تتمنى لو يتركانها، لأن وجودهما يشكل لها ولأولادها أسى وحزناً. هي لا تحمل في قلبها حقداً نحوهما، بل تراهما طفلين مثل أولادها، ولكن مجرد رؤيتهما يشكل لها ولعائلتها غصة، ويجعلها تفكر بأنه لو قدّر لمصطفى العيش لكان الآن في مثل سنّهما وصفهما وفرحهما. صورة مصطفى وقصصه وحركاته لا تغيب عن العائلة وأحاديثها وستبقى بالنسبة اليهم ذكرى أليمة لا يمكن تجاوزها أو نسيانها.

سعيد م.: عنف واغتصاب
أُحضر سعيد ابن السنوات الثماني إلى المستشفى في حالة يرثى لها، بعدما تعرض للضرب والاغتصاب من جانب جار له يكبره بخمسة أعوام، وكان يعاني نزفاً في مخرجه، وكدمات في مختلف أنحاء جسمه. تقول والدة سعيد: «لم يخطر لي يوماً من الايام أن يتعرض ابني لهذا النوع من العنف والأذى، فلطالما كان يخرج هو وإخوته للّعب أمام المنزل مع رفاقه وجيرانه، وكنت أشعر بأن الحي آمن وجميع سكانه يعرفون بعضهم ولا يمكن أن يتعرض أولادي للأذى أو الاعتداء من أحد الجيران».
تروي والدة سعيد تفاصيل الحادث بكثير من الحزن والعصبية والتوتر، وتقول: «اعتاد ابني سعيد الخروج من البيت وبشكل يومي للعب بالكرة مع رفاقه في فسحة مجاورة لبيتنا. وفي أحد الأيام خرج صباحاً كعادته وطال غيابه لساعات عدة مما أثار قلقي، فأرسلت شقيقه الأكبر ليتفقّده، ولما لم يجده، سارعت أنا وزوجي وبعض الجيران للبحث عنه في الحي والاماكن المجاورة التي يمكن أن يلعب فيها مع رفاقه. وبعد البحث والتدقيق والسؤال، وجدناه في مبنى قديم مهجور وفي حالة يرثى لها، إذ كان يرتعد من الخوف والألم ولا يقوى على الوقوف على رجليه. حملناه وسارعنا به إلى المستشفى، وهناك تبين لنا أن الطفل تعرض للضرب والاغتصاب».
رفض الطفل الافصاح عن اسم الفاعل بدافع الخوف والتهديد، لكن بعد حضور القوى الأمنية والتحقيق في الحادث، تبين أن جاره الذي يسكن في المبنى المجاور لبيته والبالغ من العمر ثلاثة عشر عاماً استدرجه إلى ذلك المبنى المهجور وضربه واغتصبه وهدده بالقتل في حال أخبر عنه. الجاني توارى أياماً عن الأنظار وحاول نكران فعلته، ولكن القوى الامنية استطاعت القبض عليه، وهو يخضع حالياً للمحاكمة بجرم الضرب والاغتصاب. أما الطفل فقد خلّفت هذه الحادثة في نفسه وجسمه الطري آثاراً وآلاماً تحتاج الى علاج ووقت طويل كي تندمل.
حتى اليوم لا تتقبل أم سعيد ما حصل لابنها، كما لا تصدق ان ذاك الفتى الذي كان يُظهر كل الود والصداقة لابنها ممكن أن يفعل به ما فعله. تقول: «فقدت الثقة بالناس، بالصغار قبل الكبار، لم أعد أشعر بالأمان لأننا بتنا في زمن انعدمت فيه القيم والأخلاق والروادع الدينية والقانونية». تتمنى أم سعيد أن يلقى الجاني جزاءه على فعلته كي يكون عبرة لغيره، كما تتمنى ان يتجاوز ابنها هذه الازمة، ويستطيع اكمال حياته بسلام.

المعالجة النفسية الدكتورة رندى شليطا: لا وجود لطفولة بريئة من دون توجيه ورادع وقوانين، وتربية صالحة
ترى المعالجة النفسية الدكتورة رندى شليطا «أن العنف موجود عند الاولاد، وهو غير بعيد عن عالمهم، خصوصاً انهم يعيشون في بيئة حاضنة وخصبة جداً له. فهم يمارسون العنف، ويفكرون بطريقة عنيفة، ويحاولون امتلاك كل شيء من طريقه. وإذا نظرنا إلى سلوك الأولاد في المدراس والحوادث الناتجة منها، خصوصاً بين الفئة العمرية الممتدة ما بين الأربع والعشر سنوات فسنصاب بالذهول، ولولا مراقبة الاساتذة والمعلمات وضبطهم الاولاد، لكنا شاهدنا نسبة حوادث خيالية». وتضيف: «عادة تربية الاهل والسلطة والقانون تشكل الرادع الذي يعلّم الاولاد كيفية التصرف ويبعدهم عن مسار العنف. وفي حال لم يتم توجيههم وتربيتهم بشكل سليم فسيستمرون في العنف ويطورونه. من المعروف أن الأولاد لا يملكون دوماً رادعاً ذاتياً، وعندما يرون الأهل يضحكون لفعل قاموا به كاستخدام العنف للحصول على ما يريدون، أو نصب فخ لإخوتهم من أجل بلوغ غايتهم، سيزيد عنفهم وسيتفننون به، في وقت لا ينتبه الاهل الى هذا الموضوع بل يخبرون الناس عن أفعال اولادهم كنوع من الذكاء وخفة الظل».
من الخطأ القول إن الولد شخص بريء وبعيد كل البعد عن العنف، وخير دليل المشاكل التي تحصل بين الإخوة بدافع الغيرة والانانية والسعي للحصول على كل شيء. لا وجود لطفولة بريئة من دون توجيه ورادع وقوانين، وتربية صالحة على القيم والاخلاق. يجب تعليم الطفل مبادئ المساواة والعدل، وتعويده بأن له الحق والمكان كغيره، ويمكنه الحصول على حقه من دون عنف. عادة، عالم الاولاد مسكون بالعواطف السلبية التي لا تتمتع بالمنطق ولا بالعقل.
وتشرح شليطا أسباب تطور العنف لدى الاطفال إلى هذا الحد، موضحةً «أن الالعاب ووسائل التواصل الاجتماعي والاعلام والافلام كلها مليئة بصور العنف، والطفل يرى مشاهد قطع الرؤوس شبه عادية وبشكل يومي على التلفزيون والانترنت، ويلاحظ منذ الصباح سلوكيات قاسية وعنيفه مع أهله أو رفاقه بينما يلعبون... في الوقت الذي لا يرى فيه سلطة رادعة وقوانين جدية تطبّق على ممارسي العنف ومرتكبي الجرائم، وهذا دافع أساسي يقوده نحو العنف. حتى في تصنيفه الاشخاص، يحاول الطفل التفكير بشكل عنيف: «هذا جيد مثلي يستحق الحب، وذاك مجرم يستحق الإعدام والقتل والتعذيب». وترى شليطا أن لا حل لظاهرة العنف إلا بالتربية الصحيحة والخضوع للقانون، وإعادة الثقة بالسلطة الرادعة. فأسلوب العقاب والإعدام لا يحل الازمة، لأن النمط العنيف موجود بين الناس، ولا يمكننا قتلهم  جميعاً، بل يجب العمل عليهم وإعادة تأهيلهم وتربيتهم من جديد بعيداً من العنف حتى يستطيعوا الاندماج بالمجتمع.
 أما بالنسبة الى الاطفال فعلى الاهل توعيتهم وتوجيههم وتعزيز القيم الانسانية والاخلاقية لديهم حتى يبتعدوا عن السلوك العنيف. وتضيف: «انالقهر والحرمان يؤديان إلى العنف، لذلك نجد أغلب الاولاد المحرومين يتجهون نحو العنف، خصوصاً اولئك الذين يشاهدون غيرهم ممن يعيشون حياة أفضل، في وقت يعيشون هم في حرمان وفقر مدقع. وهذه فكرة فلسفية عميقة دفعت الصين الى تحديد عدد الاولاد بطفل واحد لكل عائلة، لأن الفقر والحرمان وعدم التربية الصحيحة كلها أسباب تؤدي إلى مجتمع عنيف ومشاكل اجتماعية خطيرة». وتختتم د. رندى شليطا حديثها بالقول: «الحل يكمن في التربية وإعادة بناء القيم وتفعيل دور القانون ودعم المؤسسات الرادعة لتفرض سيطرتها وتعيد الثقة بالدولة والمجتمع».