فيروز نسطاس: الدمى التي صنعتها تحمل جزءاً من روحي

فيروز نسطاس,الدمى,مظاهر الحياة السريعة,الممزوجة بالخيال,مصممة في مجال دراستها,متخصصة في هذا المجال

11 أكتوبر 2015

كانت تخاف من دخول بيت العائلة وحدها بسبب النظرات الباردة التي توجّهها إليها الدمى ولكنها اختارت أن تتخصص في مجال  صناعتها. فيروز فوزي نسطاس (28  عاماً) من بيت جالا قضاء محافظة بيت لحم، حاصلة على بكالوريوس سينوغرافيا وتعمل كمصممة في مجال دراستها وصانعة ومحركة دمى ومعلمة تاريخ مسرح وسينوغرافيا، تتحدث لنا عن كونها أول امرأة متخصصة في هذا المجال في فلسطين.

ولدت في الانتفاضة الأولى وهذا ما حرمني وحرم الأطفال في تلك الفترة من الطفولة الطبيعية المتعلقة باللعب في الحارة أو في الحدائق ومن الرحلات المدرسية وغيرها من النشاطات الاجتماعية، الأمر الذي جعلني أكثر تعلقاً بالبيت والمحيط الخاص بي، ومن ناحية أخرى والدي كان فناناً ونحاتاً كلاسيكياً وكان ينحت مستخدماً الصخر وبيتنا عبارة عن متحف صغير لأعماله».
وأضافت: «كانت عيون التماثيل التي تراقب ببرود كل تحركاتنا داخل البيت ترعبني في صغري وهي نفسها العيون التي حملت قصصنا وحكاياتنا حتى كبرنا وهي نفسها التي تساعدني في رسم عيون وملامح ووجوه الدمى التي اصنعها بنفسي».
وعن سبب دراستها للسينوغرافيا قالت: «قبل أن ابدأ بدراسة السينوغرافيا بسنوات كنت متدربة في مسرح الحارة. والعالم الافتراضي الذي كنت أبتكر، على خشبة المسرح كان يساعدني على أن أدخل العالم الحقيقي المؤلم لي كمراهقة فلسطينية».
وأضافت : «بدأت دراستي في جامعة بيت لحم في قسم العلاج الطبيعي، وفي احد الأيام تلقيت اتصالاً هاتفياً من مديرة مسرح الحارة أخبرتني فيه عن توافر مقاعد دراسية مقدمة من وزارة الثقافة في عدة دول عربية من بينها دمشق، وبعد محادثات طويلة مع عائلتي حصلت على دعمهم الكامل، وأسهمت تجربتي في المسرح والرسم في جعلي أتقَّدم لدراسة السينوغرافيا بالرغم من أنني لم أكن على دراية كاملة بهذا التخصص في ذلك الوقت، وتقدمت للامتحان ونجحت، وبدأت بالإعداد للسفر».
وتابعت: «ومن الذكريات التي تجعلني ابتسم أنني ما زلت محتفظة بلوحة الرسم التي قدمتها لوزارة الثقافة الفلسطينية وقد طلب مني في فترتها أن أرسم الصورة المتخيلة لأغنية عبد الحليم حافظ ( قارئة الفنجان)».
لم يخلُ المشوار الفني من عوائق واجهت فيروز حيث قالت: «واجهتني بعض العوائق التي كانت بالنسبة لي محفزاً أكثر منها عائقاً. ومنها أن معظم الطلاب في تخصصي كانوا خريجي فنون جميلة أو محترفي فن الرسم والنحت في الوقت الذي كنت فيه مجرد مبتدئة، ولكن هذا الضعف كان حافزاً ودافعاً كي أعمل أكثر وأقدم مشاريع ووظائف أكثر وأتوجه إلى رفوف المكتبة والقراءة، إضافة إلى أن الحب والترحيب من قبل الأصدقاء في دمشق، والجو المريح والعائلي ساعدتني في تخطي الإحساس بالبعد والغربة عن أهلي وأصدقائي».
كان لها دمية صنعتها بيديها وأسمتها فيكتوريا وهي من الدمى القريبة إلى قلبها. «إذا لم نضع في العمل الفني شيئاً من روحنا فهو لن يكون لنا، وكل الدمى التي صنعتها تحمل جزءاً من روحي، ولكن الدمية فيكتوريا لديها خصوصية أكثر من غيرها لأنها لا ترتبط بعمل فني بل بذكرى شخصية».
تواجه فيروز صعوبة في توفير المواد الخام وتقول: «أول مشكلة وأهمها عدم توافر المواد الخام اللازمة لهذه  الصناعة وهناك بحث دائم ومستمر عن المواد البديلة، وقد لا تكون بنفس الجودة وبالتالي فإن الدمى العملاقة تحتاج لصيانة دورية ودائمة، وأما المشكلة الأخرى فهي توافر محركي الدمى فهذه المهنة تحتاج إلى جهد عضلي وفكري وخلفية في العمل المسرحي».
وحول طبيعة عملها الحالي قالت: «موظفة بدوام كامل في مسرح الحارة  وتحديدا في مشروع مركز الحارة لتدريب الفنون الأدائية، حيث أدرب على فن السينوغرافيا وأحاضر في مادة تاريخ المسرح، وأتابع الأعمال المتعلقة بالملابس والسينوغرافيا للإنتاج المستمر في نفس المسرح».
وأضافت: «وفي حقل التعليم أحاضر في ماده تاريخ المسرح في أكاديمية الدراما التابعة لمسرح القصبة في رام الله، ولدي بالشراكة مع زميلي مخرج الأفلام مأمون الهريمي محل لعرض وبيع الحرف والصناعات اليدوية الفلسطينية (كُشتبان) حيث أتابع الأمور المالية والمشتريات للمحل، بالإضافة إلى أنني أقوم ببعض الأعمال الحرة هنا وهناك، وفي الوقت الحالي أعمل مع مؤسسة الأنوف الحمراء في فلسطين كمستشارة للأطباء المهرجين فأعمل معهم لتطوير زيهم الخاص».
وعن تكريمها في وقت سابق قالت: «لا ادري إن كان فوزي بجائزة أفضل سينوغرافيا ضمن مهرجان طقوس المسرح في الأردن يعد تكريماً أو لا، ولكني اعتبره كذلك، كما أن مسرح الحارة لا يترك فرصة إلا ويعبر فيها عن امتنانه وتقديره لأعمالي التابعة لهم».
فيروز تعمل في صناعة الدمى الكبيرة والصغيرة وتقول: «اصنع الدمى المختلفة التقنيات والمواد والأحجام، فمن دمى الأصبع للقفاز حتى دمى الطاولة للماريونيت (دمى الخيوط)  والدمى العملاقة التي قد تصل إلى ٥ أمتار،  وقد حاولت الاستفادة من عدة مدارس في فن التصنيع والتحريك والالتحاق في عدة ورشات في دول مختلفة لأحصل على أكبر قدر من معرفة التقنيات المتنوعة».
وعما تعني لها الدمى قالت: «كإنسانة.. هي العالم الإفتراضي الآمن الجميل المليء باللعب الذي أستطيع أن أنقل إليه الأطفال والكبار على حد سواء ولو لفترة زمنية قصيرة، والذي انتقل بدوري معهم إليه في المرحلتين، ففي مرحلة التصنيع أشعر بمتعة خالصة، وفي مرحلة التحريك التي تخلق هذا العالم الممتع يبعدني عن التفكير في الوضع الاجتماعي أو السياسي في وطني، وفي خضم الضجيج المستمر في حياتي، أحاول التفرُّغ  بين الفترة والأخرى للعمل على مشروعي الصغير، قطعة خشبية صغيرة متحركة تختبئ فيها شخصيات من الدمى تصحو لتتجول بين الأطفال الذين يمكن أن يكونوا في المدارس أو المخيمات الصيفية أو غير ذلك من التجمعات، وأبني الحدوتة من القصص الشعبية الممزوجة بالخيال الجميل الساذج البعيد عن مظاهر الحياة السريعة والملوثة بالهموم».
فيروز تكتب نصوصاً للدمى، وتقول: «في أغلب الأحيان، أقوم بتصنيع الدمى لصالح مسرح يقوم بإنتاج ما، وبالتالي يكون هنالك نص أبني عليه شخصية الدمية وطريقة تحريكها وزيّها وغير ذلك، أما بالنسبة للدمى العملاقة فهي ملكية مسرح الحارة.
وعن العروض خارج فلسطين قالت: «بالنسبة للدمى العملاقة في الوقت الحالي لا عروض. فالإجراءات القانونية على المعابر تمنع ذلك. والحدود معقدة للغاية والخوف من خسارة الدمى في الجمارك وقائمة المحظورات الطويلة، كل ذلك يسبب لي ولمسرح الحارة التردد إزاء قبول أي دعوة للدمى خارج الوطن، أما بالنسبة للدمى الصغيرة الحجم، فلا أرى أي مانع للمستقبل القريب من ترتيب عروض لها خارج فلسطين».
وختمت فيروز حديثها قائلة: «أنا في مرحلة التعلم والتأثر بعدة مدارس ومصممين، ولكن في يوم من الأيام سيكون لدي أسلوبي واختياراتي الخاصة بي، أما الفرقة التي أعتبرها مثلي الأعلى في نقل الأحلام من خلال عالم الدمى فهي فرقة فيليب جانتيه، وصانع الدمى الياباني سوتا ساكوما الذي كنت محظوظة للتعلم لديه ولو لفترة قصيرة، وهذا أثّر فيّ وفي طريقة نظرتي إلى دمى الماريونيت».