جيهان عشماوي بعد تغلّبها على سرطان الثدي: هي نعمة من الله بدّلت حياتي بشكل تام

سرطان الثدي,جيهان عشماوي,المرض,التفاؤل,الإعلام,الجراحة,علاج,العلاج الكيميائي,يوتيوب

كارين اليان ضاهر 24 أكتوبر 2015

في كثير من الأحيان يكون المرض انطلاقة في الحياة وليس نهاية لها كما قد يظن البعض. كثيرات ممن مررن بتجربة المرض ينظرن إليه كنعمة من الله لعبت دوراً أساسياً في تغيير حياتهن. جيهان عشماوي إحدى المريضات اللواتي كافحن سرطان الثدي، وخرجت منه بنظرة إيجابية وحياة مختلفة تماماً عن نمط حياتها السابقة التي كانت تميل إلى الانطواء والابتعاد عن الناس.
نظرتها الإيجابية إلى الحياة واضحة، وهي تدعو إلى التفاؤل من خلال اهتماماتها الكثيرة وعشقها لمساعدة أخريات انطلاقاً من تجربتها الخاصة.
تجربة مثيرة للاهتمام ملؤها الإيجابية دفعت جيهان إلى العيش بكل ما للكلمة من معنى، فعادت لتنمّي هواياتها وتساعد كل من يحتاج إليها بشكل فاعل انطلاقاً من شغفها الواضح بالإعلام والتوعية من خلاله.


في عام 2007، عندما اكتشفت جيهان عشماوي إصابتها بسرطان الثدي صدفةً  لم تكن قد انتشرت في المملكة العربية السعودية الحملات المكثفة للتوعية حول سرطان الثدي. كان عمرها آنذاك 32 سنة، حين لمست يدها صدفةً كتلة بارزة في ثديها بينما كانت تستلقي على السرير.
تقول جيهان: «كانت الكتلة في الوسط ولم أشعر بأي ألم فيها. مر أسبوع من دون أن أُخبر أحداً عنها، كما لم أقصد أي طبيب، رغم أنني كنت أفكر بالأمر طوال الوقت.
حتى أنني لم أكن أعي وجود كتل حميدة وأخرى خبيثة. أجّلت كثيراً الموضوع، خصوصاً أنني لم أكن أعرف نوع الاختصاص الذي أحتاجه، وكنت أكتفي بالصلاة وأخاف على ابنتيّ. لكن بعد أسبوع، وفيما كنت أشاهد التلفزيون، رأيت طبيبة تتحدث في الموضوع، مما ألهمني للخروج عن صمتي وصرت ألوم نفسي على عدم استشارة أحد الأطباء كل هذا الوقت.
اتصلت بتلك الطبيبة فطلبت مني التوجه إلى طبيبة أخرى متخصصة بالطب النسائي وإجراء صورة شعاعية للثدي. عندما أجريت تلك الصورة كنت وحدي وقد تبين وجود ورم فيها. عدت بعدها وأجريت صورة Ultrasound كما طلب مني للحصول على المزيد من المعلومات. وعندما أخبرتني الطبيبة بالنتيجة، كنت أيضاً بمفردي لأنني لم أشأ أن أخبر أحداً بحالتي.
وطلبت مني الطبيبة اللجوء إلى الجراح ليؤكد التشخيص، لكنها أكدت في المقابل أن الورم ليس كبيراً. تم أخذ خزعة لتحديد نوع الورم وآلية العلاج، وفي الوقت ذاته كنت قد طلبت إجراء الجراحة اللازمة أثناء أخذ الخزعة في حال الحاجة إليها. وهذا ما حصل، فقد تم استئصال الورم الذي تبين امتداده إلى 14 غدة لمفاوية تحت الإبط، مما كان يسبب لي ألماً كبيراً في ذراعي».

ماذا بعد الجراحة؟
كأي حالة أخرى، من الطبيعي أن تختلف حياة جيهان بعد خضوعها للجراحة. أمور كثيرة قد تختلف، سواء في الشكل أو في النظرة إلى الحياة أو في الشخصية.
تقول جيهان: «بعد الجراحة، لاحظت كم تغيّر شكل الثدي بسبب استئصال الورم والحاجة إلى تنظيف ما حوله. وبسبب امتداده تحت الإبط، كان الألم شديداً، لكنني خضعت إلى علاج طبيعي ساهم في تحسن حالتي مع تقدم الوقت. أما بالنسبة إلى العلاج الكيميائي فبدأته بعد شهر من الجراحة. كان صعباً إلى حد كبير، خصوصاً في مرحلته الأولى، أي في الجلسات الاربع الأولى.
ظهرت الأعراض الأقوى في تلك المرحلة، وكانت قاسية جداً فعانيت آلاماً شديدة في المعدة وغثياناً، وتساقط شعري وتغير لون جلدي. عشت أياماً صعبة، لكنني كنت أفكر طوال تلك المرحلة بأنه علاج سيسمح بشفائي من المرض فأعود إلى الحياة الطبيعية من جديد. كانت معركة بالنسبة إلي لأبقى على قيد الحياة، وكان لا بد من الشعور بالألم في تلك المرحلة.
أما المرحلة الثانية من العلاج والجلسات التالية فكانت أقل صعوبة. لكن المؤسف أن إهمال بعض الأعراض التي عانيتها في المرحلة الأولى أدى إلى مشكلة في القلب، فصرت أخضع لعلاج للقلب أيضاً منذ ذلك الوقت، هذا رغم أنني كنت أشكو من البداية مما أعانيه وكانوا يؤكدون لي أن هذه الأعراض طبيعية.
لذلك، أخضع منذ 7 سنوات لعلاج في القلب، علماً أن العلاج الكيميائي يؤثر في القلب بنسبة 1 في المئة من الحالات.

من علاج إلى آخر...
بعد انتهاء مرحلة العلاج الكيميائي، خضعت إلى جلسات العلاج بالأشعة، لكنني تحملته جيداً رغم بعض صعوباته، خصوصاً بعد كل ما عانيته. كما خضعت للعلاج الهورموني لأربع سنوات ونصف السنة، إلى أن بدأت أتعب كثيراً فتبينت عودة المرض في أسفل الظهر وهي حالة ترتبط بسرطان الثدي الذي عولجت منه.
لقد كان منتشراً في العظام. علماً أنني كنت حريصة على إجراء الصورة الشعاعية للثدي كل 3 أشهر ثم كل 6 أشهر، وأُصوّر جسدي كاملاً كل سنة ولم يظهر في الفحوص شيء يدعو للشك. لم أكن أمتلك الوعي الكافي بأن المرض قد يعود، أو أنه قد يصيبني كما كنت أفكر في المرة الأولى.
كنت منشغلة بمتابعة دراستي وبإنهاء العلاج وتناول كل تلك الادوية لأتخلص من المرض وأعالج مشكلة القلب التي أعانيها. كنت أفكر بالمستقبل ولم يخطر لي يوماً أن المرض قد يعود. لكن الأهم أنه لم يتطور بل بقي ثابتاً في مكانه.
لكن بعد  تشخيص حالتي، صرت عاجزة عن المشي وعانيت آلاماً قوية لا تحتمل فخضعت أيضاً لعلاج الأشعة وكنت مُجبرة على ملازمة السرير خلال شهرين. أما الآن فالعلاج الذي وصف لي هو العلاج الهورموني بالحقن».

تحدٍ للذات في العلاج
رغم أهمية دعم المحيطين في مثل هذه الحالة، فضلت جيهان الابتعاد، فكان مرضها وعلاجها وكل الألم الذي عانته بمثابة تحدٍ لذاتها وفق قولها، فلم تشأ أن تشارك الآخرين ما تعانيها في معظم الأوقات. «لم أشأ أن أعذب عائلتي وأزعجها بكل ذلك.
كنت أفضل أن أتحدى نفسي وأن أعيش هذه المرحلة وحدي إلى أن أنتهي منها. لكن بعد التشخيص الثاني، رافقني أخي وأختي لفترة معينة لأنني كنت عاجزة عن المشي، فكنت أذهب على الكرسي المتحرك. لكن ما إن استطعت التنقل حتى عدت أذهب وحدي، فلم يكن أساسياً بالنسبة إلي أن يرافقني أحد.
أعرف جيداً أهمية العامل النفسي في العلاج وتأثيره في تقوية مناعة الجسم. لكن بالنسبة إلي، الدعم المعنوي لا يرتبط حكماً بوجود الأشخاص، إذ يمكنهم ان يقدموا الدعم أيضاً في غيابهم. لم أجد إلى جانبي من يتفهم ما أشعر به. كنت أجد تعاطفاً من عائلتي، وهي معذورة حين لم تكن تدرك حالتي النفسية. مما لا شك فيه أن عامل التوعية بشأن العلاج الكيميائي أساسي وله تأثيره في نفسية المريض.
فالعائلة لا يمكن أن تعرف ما يحصل مع المريضة ما لم يعمد الجسم الطبي إلى توعيتها بهذا الشأن وشرح كل التفاصيل المرتبطة بالعلاج. كانت عائلتي تُفاجأ بردود فعلي وعصبيتي الزائدة أحياناً، فيما كان هذا ناتجاً من العلاج. لم يفهموا أسباب توتري الزائد، مما كان يزعجني إلى أقصى حد ويوترني أكثر فأكثر. لكن بشكل عام، كانت نفسيتي مرتاحة وكنت أنظر إلى المستقبل بإيجابية وكان المحيطون يشجعونني دائماً.

قبل المرض وبعده...
لم تكن جيهان اجتماعية قبل إصابتها بالمرض، وكانت تفضل الانطواء على ذاتها وعدم إخبار الآخرين بمشاكلها، خصوصاً أن حياتها الاجتماعية كانت محدودة لكنها تعترف بأن شخصيتها انقلبت 180 درجة بعد إصابتها
. من البداية كانت ابنة خالتها صديقتها المقربة إذ ترافقها وتدعمها وتقف إلى جانبها.
أما عائلتها فكانت تدعمها بطريقة أخرى: «كان أهلي يتعاطون مع مرضي بطريقة مختلفة فكانوا يتعاطفون معي إلى أقصى الحدود. ولا شك في ان احتواء الأسرة اساسي في المرض، لكنهم لم يفهموا ما أمر به. كانوا يعطفون عليّ أكثر ويحيطونني برعايتهم. لذلك كنت أخفي ألمي وعذابي حتى لا أرى دموع أمي وأبي. لم أكن أريد أن أزيد من عذابهم.
كنت أتناول المسكنات لأتحمل الألم فلا يشعرون بما أمر به. مع مرور الأيام صرت أميل أكثر إلى الحياة الاجتماعية ابتداء من مرحلة العلاج الكيميائي حيث صرت أتحدث مع سيدات أخريات يعشن التجربة ذاتها أثناء العلاج. كانت هؤلاء السيدات يرتحن للحديث معي، والعكس صحيح، إذ صرنا نتكلم عن الأعراض التي نشعر بها وعن الألم والخوف الذي يعترينا، ونتبادل المشاعر.
كانت أعراضنا مشتركة. مع الوقت صرت إذا سمعت بامرأة مريضة أو في العيادة، أكلّمها. أصبحت أعشق المساعدة، وهكذا انقلبت حياتي تماماً، لأخرج مجدداً الى الحياة وأعمد الى مساعدة الأخريات. اختلفت نظرتي الى الحياة وصرت أكتب مقالات في هذا الخصوص.
حتى أنني بتّ أهتم بهواياتي وأنمّيها كالتصوير والدراسة والسباحة والغوص حيث شاركت بحملة لمكافحة سرطان الثدي من خلال الغوص في البحر، وشيئاً فشيئاً تحسنت حالتي. بدأت أنتمي الى مجموعات تطوّعية ولم أكن أعلم أن تأثيري في الناس كبير إلى هذا الحد. صرت أتطلع لأن أصبح إعلامية وأعمل على توعية الناس انطلاقاً من تجاربي.
لا حدود لأحلامي اليوم. أنشر مقالاتي على «فيسبوك» ويُطلب مني نشرها في بعض المواقع، خصوصاً أنها تتضمن مواقف حصلت معي. كما تابعت دراستي. حتى الألم أراه نعمة من الله، فلولاه لما تغيّرت حياتي بهذا النحو إلى الأفضل، ولما تبدلت توجهاتي وتعاملي مع الناس كما ازددت قوة وإصراراً. لم يكسرني المرض كما يحدث للبعض، بل صرت أكثر إيجابيةً.
أثقّف نفسي اليوم لأقوّي الآخرين، حتى أنني خضعت لدورات لتعزيز إيجابية التعايش مع اي أزمة يمكن مواجهتها. أتمنى مساعدة الآخرين من خلال تجربتي، سواء في المملكة أو خارجها، لأن المشاعر الصادقة تبرز بقوة لدى شخص مر بالتجربة نفسها. وأُقدم حالياً برنامجاً على «يوتيوب» بعنوان «أنت بخير»، وهو عبارة عن خواطر، وثمة من دعمني لأحقق ذلك.
وكل حلقة تتضمن شيئاً مختلفاً، لكن يبقى التركيز على الدعم والتثقيف في ما يخص سرطان الثدي. فجزء من رسالتي في الحياة هو مساعدة الناس انطلاقاً من تجاربي الخاصة. الأهم هو التمسك بالحياة والتقدم بخطوات واثقة انطلاقاً من التجارب التي عشناها والتي ملؤها الخير، فضلاً عن التعايش مع أي حالة نمرّ بها لنتغلّب على الألم بالأمل».