لوزان مدينة سلام تتكئ على بحيرة جنيف

لوزان,مدينة,بحيرة جنيف,Leysin,Le Kuklos,Cully,Cruise,سويسرا,لوحة,الإنسان

كارولين بزي (لوزان - سويسرا) 15 نوفمبر 2015

ككروم العنب زُرعنا في Cully. غرقنا مع قرص الشمس الذي انسحب ليلامس سطح بحيرة جنيف التي تحيط بمدينة لوزان من كل حدب وصوب.
ومن Leysin إلى Le Kuklos حيث قمم جبال الألب تحيط بمطعم زجاجي لا يمنعك من مشاهدة بخار الهواء الذي ينعش أنفاسك بنقاء حياة يمكن أن تكررها في رحلة في بحيرة جنيف خلال توجهك بـ Le Suisse Cruise إلى Cully... أما في لوزان التي تجمع كل هذه المكونات الخيالية، بين شوارع قديمة الطراز ومبانٍ تسبح في بحيرة جنيف مع شعب اختار الدقة والمرح مبدأً لحياته فلن تشعر إلا بالسلام... 


ما إن وصلتني الدعوة من وكالة السياحة السويسرية لزيارة مدينتي لوزان ومونترو، حتى استرجعت مباشرةً دور سويسرا في استضافتها أبرز مؤتمرات السلام في العالم، مثل مؤتمري لوزان وجنيف، وجمال هذه المدن وفق ما أخبرتني إحدى صديقاتي التي كانت تعمل مضيفة طيران.
فسويسرا من أجمل الدول التي يمكن رؤيتها من الطائرة، حيث المساحات الخضراء الشاسعة، بالإضافة إلى أنني من عشاق الشوكولا، ومن المعروف أن الشوكولا السويسري من ألذ أنواع الشوكولا وأفضلها في العالم... كل هذه العوامل شجّعتني على الالتحاق بهذه الرحلة التي تضم نحو 139 صحافياً من مختلف دول العالم، وذلك لرؤية بلاد السلام والجمال. ومنذ صغري وأنا أسمع أن لبنان سويسرا الشرق، ما أثار فضولي للتعرف على سويسرا الغرب.
وكانت شركة وسائل النقل في سويسرا قد أرسلت إليّ بطاقة Swiss Pass -Class A، لكي أتنقل بموجبها في مختلف وسائل النقل مجاناً.

بشوق كبير، توجهت في الصباح الباكر من بيروت إلى جنيف لاكتشاف ما تخبئه لي رحلتي مع زملاء لم ألتق بهم وربما لن ألتقيهم مجدداً.
ما إن وصلت إلى مطار جنيف حتى استقللت القطار المتجه الى لوزان. «الشعب السويسري على ما يبدو متعاون»، هذا أول ما قلته في نفسي عندما كنت أستوضح منهم عن محطة القطار ومواعيده. كنت مأخوذة بروعة الطبيعة الموزعة على ضفتي القطار، إذ يمكنك رؤية بحيرة جنيف إحدى أكبر بحيرات أوروبا الغربية من خلال إحدى نوافذ القطار، ومن الجانب الآخر ترى الجبال الخضراء الممتدة على طول الطريق المؤدية الى لوزان.
وصلت إلى لوزان بعد نحو 45 دقيقة، الطقس كان ملبداً بالغيوم، والسماء على استعداد لتأذن لأمطارها بالسقوط، فنحن على أبواب الشتاء. مع زخات المطر الخفيفة، اتجهت إلى إحدى زوايا محطة القطار في لوزان بحثاً عن طاولة الاستقبال التابعة لوكالة السياحة السويسرية.
عندما وجدتها، أخذت بطاقة تعريف كانت بمثابة هوية مع جدول رحلتنا ومظلة حمراء وُزعت على جميع الزملاء الذين قدموا من نحو 35 دولة من مختلف أنحاء العالم. خلال عبوري الشارع في طريقي إلى المترو الذي سيقلّني إلى Delice متجهة نحو فندق Carlton  في لوزان، التقيت زملاء من بلجيكا، فساعدني أحدهم في حمل أمتعتي الثقيلة وصولاً إلى المترو، ومن المترو انطلقت إلى Delice، بينما اتجه زملائي البلجيكيون نحو Ouchy، أي مسافة محطتين من Delice. لعل أصدقاء الرحلات الصحافية هم أسرع من يمكن أن تتعرف إليهم في حياتك. لا نملك وقتاً للتعارف، لذا علينا أن نتحول إلى أصدقاء كي نستغل كل لحظة في التعرف إلى ثقافات عدة وعادات وتقاليد مختلفة ومشابهة.

عند مدخل الفندق، التقيت زميلاً طلب مني أن أضع أمتعتي في الغرفة لنذهب الى الغداء. وبالفعل دخلت الغرفة، وضعت أمتعتي وبدّلت ملابسي في أقل من خمس دقائق وذهبنا لتناول الغداء. في طريقنا الى المطعم، نادتنا إحدى الزميلات الهنديات التي عرفت أننا ضمن الرحلة من خلال بطاقة التعريف التي نحملها والمظلة الحمراء التي تحمينا من الأمطار الخفيفة، وانضمت إلينا لتناول الغداء.
بعد الغداء، عدنا أدراجنا لنبدل ملابسنا ونستعد للذهاب الى المتحف الأولمبي. في الرواق كان ينتظر بعض الزملاء، وصل المرشد المعتمد من وكالة السياحة السويسرية في الوقت المحدد، إذ إن مواعيد الشعب السويسري دقيقة كدقة ساعاتهم الشهيرة. مشياً على الأقدام قصدنا المترو الذي يبعد خمس دقائق من الفندق. إلى مرفأ Ouchy كانت وجهتنا، حيث يقع المتحف الأولمبي.


لا تنس التوقيع على لوحة «الهدنة الأولمبية من أجل عالم أفضل»

من اللافت أن نجد عند مدخل المتحف الأولمبي، وعند مقدمة كل سلّم اسم لاعب فاز بميدالية ذهبية على مدى مئة عام من الألعاب الأولمبية. في الداخل التقينا جميع الزملاء (عددهم 138) الذين أتوا من ألمانيا وبريطانيا، بلجيكا والإمارات، الهند وروسيا وكوريا والصين وغيرها العديد من دول العالم... في البداية نُظم مؤتمر صحافي تحدث خلاله الرئيس التنفيذي للمكتب السياحي لمنطقة بحيرة جنيف عن المساحات الخضراء التي تغطي هذه المدينة، وأشار إلى أن لوزان ضمن الإقليم الذي يتحدث باللغة الفرنسية، اذ تنتشر في سويسرا لغات أربع. فإلى جانب الفرنسية، هناك الإنكليزية والإيطالية، بالإضافة إلى لغة رابعة تنطق بها قلة من الشعب السويسري وهي غير معروفة عند العامة.
كما تطرّق مدير الخطوط الجوية السويسرية الى نظام السفر البري السويسري، مؤكداً أن الشعب السويسري يعشق نظام السفر عبر القطار. تخلل المؤتمر الصحافي عرض لبعض مقاطع الفيديو التي ترصد مسار مندوبي رحلة وسائل الإعلام العالمية، وما يميز المدن السويسرية التي سنزورها ولا سيما لوزان. زيارتنا إلى المتحف جاءت لمناسبة مرور 100 عام على تأسيسه في لوزان.

في المتحف يُعرض عدد كبير من ملابس اللاعبين والأدوات التي كانوا يستخدمونها في ألعابهم منذ انطلاق الدورة الأولى للألعاب الأولمبية، بالإضافة إلى المشعل الأول الذي أُضيء خلال الألعاب الأولمبية. لا يقتصر دور المتحف على العرض، وإنما يحوي ألعاباً قمنا باختبار بعضها، ولكن على مرتاد هذا المتحف ألا ينسى توقيع اسمه على لوحة «الهدنة الأولمبية من أجل عالم أفضل»، كما فعلت أنا.
بعد التجول في المتحف، صعدت إلى الطابق العلوي من أجل تناول العشاء مع جميع الزملاء. ومن أبرز الأطباق المحبّبة إليّ، الأجبان وهي تدخل في إعداد أغلب الأطباق السويسرية. غادرت المتحف وسرت مع بعض الأصدقاء مشياً على الأقدام إلى ميناء Ouchy ثم تنقلنا في شوارع لوزان، وتفقدنا تلك البلدة القديمة والراقية بحيث تضم أجمل آثار الفن القوطي في أوروبا.
(الفن القوطي كان نوعاً من فنون العصور الوسطى، تطور في فرنسا في منتصف القرن الثاني عشر ميلادي، وانتشر في جميع أنحاء أوروبا الغربية وسيطرت فنونه على منطقة شمال الألب). ثم استقللت المترو في وجهتي إلى Delice لأبيت ليلتي في الفندق.


حين يحافظ الإنسان على الطبيعة الجميلة

في الصباح الباكر تناولت طعام الفطور، وبالمترو توجهت الى مرفأ Ouchy لألتقي جميع الزملاء حيث تم تقسيمنا ضمن الجدول الذي اخترنا الالتحاق به. انضم إلى مجموعتنا نحو 15 شخصاً، وانطلقنا بالحافلة إلى Castle Aigle ، وهو أحد المواقع التراثية الوطنية في سويسرا، وقد كان في البداية يأخذ شكل تحصينات وتحول لاحقاً إلى مركز القلعة، وقد ذُكر بارونات «ايغل» للمرة الأولى عام 1179، كما أُعيد ترميم القلعة التي تحيط بها مساحات شاسعة من كروم العنب، في القرن الرابع عشر. خلال طريقنا إلى القلعة لا يمكن العين أن تغفو للحظة، إذ إن جمال الطبيعة التي أبدع الخالق في تكوينها، قد حافظ الشعب السويسري عليه جيداً وجعله مصدراً للراحة والاستجمام، حتى انه انعكس على ثقافة هذا الشعب الهادئ والمرح، مما يُشعرك بالطمأنينة.
وصلنا إلى قلعة Aigle وتجولنا في أرجائها. وبعد الجولة، قصدنا كروم العنب ومن ثم البلدة التي تعرفنا على معالمها، والتي رغم صغر مساحتها، برز بديعاً فيها تناسق الطبيعة مع البيوت القديمة الطراز. تناولنا في البلدة شرابها التقليدي مع بعض الجبن، ثم صعدنا من جديد إلى الحافلة قاصدين بلدة Leysin.

من Leysin إلى La Bernuese التي ترتفع عن سطع البحر 2084 متراً، ولكن هذه المرة بالمقصورة الهوائية، أي telefric، حيث بخار الهواء يحاصرك من كل حدبٍ وصوب. إلى القمة وصلنا... إلى المطعم البانورامي  Le Kuklos، الذي يتكئ على Leysin.
ولكن على مرتاد المطعم ألاّ يُفاجأ إذ يدرك أنه بدأ تناول طعامه في ناحية، وعند الانتهاء تُشرف طاولته على مكان آخر، فالطبقة العلوية من المطعم تدور بزبائنها لكي يطل قاصد Le Kuklos على كل الأنحاء المحيطة به، وخصوصاً القمم الجبلية وأبرزها Mont Blanc. الغداء كان من ألذ الأطباق التي تناولتها، ففي طبق غني بمختلف أنواع الخضار، ثمة قطع البطاطا المسلوقة والمقلية والمحشوة بأنواع الجبنة السويسرية.
تناولت طبقي ثم ارتشفت القهوة اللذيذة. وبالمقصورة الهوائية رجعنا الى Leysin وعدنا أدراجنا إلى فندق Carlton. فترة الراحة لم تتجاوز الساعة، بدّلنا خلالها ملابسنا وإلى ميناء Ouchy كانت وجهتنا، لتكون رحلتنا البحرية عبر Le Suisse Cruise  إلى مدينة Cully التي كانت في السابق بلدية في الإقليم السويسري من Vaud (اقليم Vaud ثالث أكبر الأقاليم السويسرية من حيث الكثافة السكانية والرابع من حيث المساحة)، كما انها كانت عاصمة منطقة Lavaux حتى عام 2006، وتحولت إلى جزء من منطقة  Lavaux-Oron، وهي تتكئ على بحيرة جنيف.
لعل Cully من أجمل الأماكن الريفية التي يمكن زيارتها، اذ ركبنا الباص الذي نقلنا إلى داخل البلدة بشوارعها الضيقة وأبنيتها المتلاصقة على جوانب الطرق. في ساحة البلدة، استقبلنا رئيس البلدية ووزير الشباب والرياضة السويسري. بعد تناولنا قطع الجبنة السويسرية مع بعض المقبلات التقليدية، ولجنا في ممرات ضيقة والتقطنا العديد من الصور قبل أن نصل إلى المكان الذي جُهز لنا لتناول العشاء وقد استغرق تحضيره وقتاً طويلاً، إذ عملت وكالة السياحة السويسرية بالتنسيق مع بلدية Cully منذ كانون الثاني/يناير 2015 على تجهيز هذا المكان الشبيه بالحلم. بين كروم العنب زُرعت طاولات تكفي لنحو 200 شخص، لتناول العشاء عند بحيرة جنيف الرائعة.
وصلنا إلى المكان الأكثر سحراً، حيث وزعت علينا بطانيات لتقينا من البرد الذي بات يشتد مع غياب الشمس. تناولنا العشاء ثم الحلوى والقهوة، إلا أننا كنا نتمنى أن يطول الليل لكي نبقى في هذا المكان الرائع. لم تكن لمشهد غرق قرص الشمس في بحيرة جنيف وخلف جبال الألب مصطلحات يمكن أن تصف هذا الشعور الذي يصحبك إلى عالم آخر مليء بحقيقة أجمل من الخيال. بعد العشاء عدنا بالباص إلى ميناء Ouchy، ولكننا لم نكن نرغب في قضاء آخر ليلة لنا في لوزان نائمين، فتمشيت برفقة بعض الأصدقاء على ضفاف بحيرة جنيف. وفي طريقنا إلى المترو، وجدنا أن لا مواعيد للمترو حتى الصباح الباكر، فتجولنا في أروقة لوزان الراقية مشياً على الأقدام، قبل أن نصل الى الفندق ونمضي فيه ليلتنا الأخيرة استعداداً للسفر إلى مونترو... 

CREDITS

شكر خاص : وكالة السياحة السويسرية على الدعوة، وفندق Carlton في لوزان على الاستضافة