أحمد عدوية: سحبتُ الميكرفون من عبد الحليم حافظ وعلاقتي توطدت به خلال علاجه في لندن

أحمد عدوية,الميكرفون,لندن,العندليب الأسمر,مواقع التواصل الاجتماعي,اعتزال,الأغنية المصرية,المطرب,الألبوم,الساحة الغنائية

محمود الرفاعي (القاهرة) 22 نوفمبر 2015

عندما غنى جالساً في آخر حفلاته، انزعج الكثيرون وتساءلوا عن حالته الصحية، ليعترف لنا أحمد عدوية بأنه بالفعل لم يعد قادراً على الغناء وقوفاً، ورغم ذلك هو يُعدّ ألبوماً جديداً.
عدوية يتحدث عن فترة غيابه الطويلة وعودته إلى الغناء من جديد، وتجربته مع رامي عياش، وأفضل من قدم أغنياته في رأيه، كما يتكلم على ابنه محمد، وحقيقة منعه ابنته وردة من الغناء، ودور زوجته في حياته، واعترافات أخرى يدلي بها للمرة الأولى في حوارنا معه.


- انزعج عدد كبير من جمهورك بعدما ظهرت أخيراً وأنت تغنّي جالساً مع نجلك محمد في حفلة في الساحل الشمالي، فما آخر تطورات حالتك الصحية؟
 الحمد لله، أنا بخير وصحتي جيدة، وأطمئن كل جمهوري إلى أنني سأعود اليهم قريباً بألبوم غنائي جديد، وظهوري جالساً في الحفلة مع نجلي محمد جاء لعدم قدرتي على الغناء واقفاً لفترة طويلة، فكان لا بد من أن أغني وأنا جالس، والجمهور تقبل الأمر وتفاعل معي.

- لماذا غبت عن الساحة الغنائية لأكثر من 25 عاماً وقررت أن تعود اليوم؟
 أسباب غيابي مرتبطة إلى حدّ كبير بالأحوال التي مرّت بها صناعة الأغنية في مصر والوطن العربي، حيث إن حال الإنتاج في الوقت الراهن يختلف جذرياً عن وقت نشاطي الفني الذي نشأت فيه، فخلال فترة السبعينات والثمانينات كانت شركات الإنتاج لا تعد ولا تحصى، والجميع يسعى إلى ضم المطربين والأصوات الجيدة، وكانت الأصوات قليلة مقارنة بعدد المنتجين، أما الآن فبالعكس، إذ لا يوجد إنتاج فيما عدد المطربين في الوطن العربي تجاوز المليون، وأصبح الجميع يهرب من الإنتاج ويذهب إلى طرح أغنياته وأعماله عبر شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي.
إضافة إلى ذلك، هناك ندرة في مواهب الكلمة واللحن، فخلال الفترة التي غنيت فيها كانت هناك حالة توهج في عناصر الأغنية، وكان الشعراء والملحنون أشهر من المطربين، وهو أمر لم يعد قائماً الآن، فربما تسمع 100 أغنية ولا تعرف صاحب الكلمات والألحان.
ولا أنكر أنني قد شعرت في فترة ما بالشبع الفني والغنائي، بعدما قدمت كل الألوان والأشكال الغنائية، وخلال هذه الفترة تعرضت لوعكة صحية قوية جعلتني ألتزم البيت لفترة طويلة، وأثّرت في جسمي ولساني، ولم أستطع التغلّب عليها إلا في الفترة الأخيرة، وقتها قررت أن أعاود الغناء بأي شكل، وتعاقدت على طرح ألبوم غنائي جديد.

- ألا يساورك القلق من أن تكون نوعية أغنياتك غير مناسبة للجمهور الآن؟
إطلاقاً، فرغم اختفائي لفترة طويلة، أمتلك جمهوراً من الأطفال والشباب، ورأيت عدداً كبيراً منهم في حفلي الأخير، فحينما طرحت أغنية «الناس الرايقة» مع المطرب اللبناني رامي عياش لا تتخيل مدى الحب والسعادة التي شاهدتها في وجوه الناس الذين كانوا يقابلونني في الشوارع وفي الأماكن التي أذهب إليها، وهي كانت السبب الرئيسي والدافع وراء قراري بالعودة مرة أخرى إلى الغناء، ومن بعدها قدمت أغنية «المولد» مع نجلي محمد عدوية في ألبومه الأخير.
وما أسعدني أيضاً، إعلان أعضاء فرقة «وسط البلد» الغنائية رغبتهم في أن أشاركهم الغناء في إحدى أغنياتي القديمة، وأعدنا العمل على أغنية «قرقشنجي». كما أن هناك عدداً كبيراً من المطربين الشباب طلبوا مني أن أغني معهم، لكنني لم أجد الفرصة بعد.

- ألم تخش عائلتك من المجهود الذي سيقع عليك حينما تعود إلى الغناء وإحياء الحفلات؟
بالعكس، فزوجتي هي التي تشجعني على العودة إلى الغناء، بل كانت تقف بجواري وتحضّر معي الأغنيات الجديدة وتختار الأفكار والأشكال الغنائية، وهي صاحبة فكرة طرح ميني ألبوم، فهذه السيدة العظيمة هي سندي الحقيقي ودائماً كانت تواجه ظروفاً قاسية وصعبة في الحياة من أجلي، ومع ذلك تغلبت على كل الصعوبات وظلت بجواري لكي تساعدني، فأنا لا أستطيع أن أنكر أو أبخس مجهودها معي، والأمر ينطبق على ابني محمد وابنتي وردة.

- ما الجديد الذي تقدمه في الألبوم الجديد؟
الألبوم لن يتضمن عدداً كبيراً من الأغنيات، إذ استقر الرأي على طرح ست أغنيات فقط، والأغنيات التي اخترتها حتى الآن «100 بوسة ونص» و «كلمني شكراً» و «الشنطة»، وهناك ثلاث أغنيات سأقدمها بطريقة الموال، لكنني لم أنته بعد من إعدادها.
الفكرة في الألبوم أنه متنوع، فهناك أغنيات مثل التي اعتاد البعض سماعها مني، وهناك أغنية أو اثنتان مختلفتان تماماً، ولم أقدم مثلهما من قبل، وأعتقد أنها كلها ستحقق نجاحاً كبيراً، خصوصاً مع الجيل الجديد، لأنها ممزوجة بالإيقاعات والتوزيعات الموسيقية التي تواكب العصر الحالي للأغنية.

- مع من تتعاون في الألبوم؟
رغم قلة عدد الأغنيات التي ستطرح داخل الألبوم، فضّلت أن أتعاون مع كبار شعراء الأغنية المصرية وملحّنيها، خصوصاً أن بعضهم يمتلك أفكاراً وجملاً «مجنونة»، مثل التي اعتدت تقديمها خلال السنوات الماضية، فسأتعاون مع الشعراء بهاء الدين محمد وأيمن بهجت قمر وممدوح صلاح ومصطفى السويفي.
أما الألحان فستكون مع محمد النادي وحسين محمود ويسري الحامولي وممدوح صلاح وعمرو مصطفى، والتوزيع من نصيب باسم منير ومجدي داود وأحمد العسال. وهناك مفاجأة لحنية سيقدمها نجلي محمد في إحدى الأغنيات التي سنؤدّيها في دويتو جديد، وسيكون مختلفاً تماماً عن دويتو «المولد» الذي قدمناه من قبل.

- كيف ترى شكل الأغنية الشعبية الآن؟        
هناك اختلاف كلي في شكل الأغنية الشعبية حالياً، عما كنا نقدمه في منتصف القرن الماضي، فالذوق العام تغيّر والحالة المجتمعية اختلفت.
كنا نقدم الأغنية الشعبية الأصيلة التي تعبّر عن ظروف المناطق الشعبية حينها، وهي مستمدّة من واقعنا الحقيقي الذي كنا نعيشه، وحتى لو كانت المصطلحات التي نستخدمها غريبة، كانت تعبر بصدق عن حال المواطن المصري المهمّش، لكنّ ما يقدم الآن لا علاقة له بالواقعية والشعبية، وأصبحت الكلمات مسفّة إلى أبعد مدى، فتلك الأغنيات يستحيل أداؤها في المنازل أو الأفراح لاحتوائها على إيحاءات غير مقبولة.

- ألم تغضب لارتباط أغنيتك «بنت السلطان» بالمطرب راغب علامة لدى الجيل الحالي أكثر منك؟
إطلاقاً، راغب علامة صديقي، وتربطني به علاقة جيدة، ولطالما أشدت به عندما كان يغني، وخلال عملنا في فرنسا كنا نقدمها معاً على المسرح، وحين استأذنني الموسيقار الراحل حسن أبو السعود بأن يتغنى راغب حصراً بالأغنية لم أتردد، بالعكس كنت سعيداً جداً، لأن أغنياتي أصبحت تاريخاً، وأصبح كبار مطربي الوطن العربي يستعينون بها.
وللعلم، راغب هو من أفضل المطربين الذين تغنوا بأغنياتي، والأغنية معه كان لها مذاق جميل وطعم خاص، وأتمنى له التوفيق.

- اسمك الحقيقي لا يتضمّن كلمة «عدوية»، فأنت أحمد موسى علوي. من أين جاءتك تلك الكلمة؟
خطأ مطبعي، فمع أول أسطوانة صدرت لي وهي «السح الدح أمبو»، اتفقت مع المنتج على أن يكتب اسمي على الأسطوانة «أحمد علوي» فوافق، لكن حينما تم تصميم الأسطوانة أخطأ العامل وقرأ كلمة «علوي» على أنها «عدوية».
لا أنكر أنني في بداية الأمر غضبت كثيراً، لأنه غيّر اسمي تماماً، لكن المنتج تفاءل بالموضوع ونصحني بترك الاسم بهذا الشكل، خصوصاً أنه في ذلك الوقت كانت هناك أغنية ذائعة الصيت للفنان الراحل محمد رشدي بعنوان «عدوية»، فأخذت بنصيحة المنتج بالإبقاء على الاسم.
وحققت الأسطوانة نجاحاً فاق التوقعات، وبيعت بكثرة، لدرجة أن المنتج قال في ما بعد إن النجاح ليس بسبب الأغنية بل بسبب الاسم.

- هل صحيح أنك مطرب المليون ألبوم؟
هذا صحيح، فمبيعاتي في بداية فترة غنائي تخطت المليون أسطوانة وليس ألبوماً، حيث حينما ظهرت لم يكن هناك شرائط كاسيت، بل كانت أسطوانات كبيرة يتم تشغيلها على جهاز الغرامافون، وخلال تلك الفترة حققت أسطوانتا «السح الدح أمبو» و «بنت السلطان» مبيعات لا حصر لها، فاقت حاجز المليون أسطوانة، وهو الأمر الذي كان السبب في كراهية عدد كبير من الفنانين لي، لأنني أصبحت أعمل في جميع المقاهي والملاهي الليلية، وأصبحت فقرتي هي الرقم واحد، كما أن أجْري ارتفع كثيراً.

- البعض يتهمك دائماً بالترويج لمصطلحات لا معنى لها وتخدش الذوق العام مثل أغنية «السح الدح أمبو» و «قرقشنجي»، فما ردّك؟
هذا اتهام باطل وأرفضه، لأنّ كل أغنية منهما لها معنى، لكنني قدمتها بشكل مختلف، فـ «السح الدح أمبو» أغنية خاصة للأطفال، حيث «السح» تعني البكاء بشدة، و«الدح» تعني الإعياء، و«أمبو» تعني المياه، وإذا أكملت الأغنية فستفهم المعنى المقصود.
أما أغنية «قرقشجني»، فكلماتها تقول: «قرقشنجي دبح كبشه، يا أحلى مرقة لحم كبشه»، «قرقشنجي» تعني الجزار، و«كبشه» هو الخروف، أي أن الجزار ذبح الخروف وأن الطعام الذي صُنع من لحم الخروف كان ذا مذاق رائع.

- اتهمت أيضاً بأنك لم تغنّ للوطن إطلاقاً في حين أنك حققت ثروة مادية منه؟
هذه اتهامات باطلة، وهدفها التقليل من شأني ومحاربتي في ذلك الوقت، لكوني كنت ناجحاً ولم أكن أرد على من يدّعي ذلك، مركّزاً فقط على جمهوري وما كان يريد مني، فمثلاً أغنية «أم حسن» قالوا عنها إنها أغنية خفيفة، وآخرون اتهموها بأنها تافهة ولا معنى لها، لكن هذه الأغنية حينما كتبها الشاعر كان يقصد بها مصر، ورمزنا بحسَن إلى الصعيدي وابن البلد، وأردنا أن نبعث رسائل من خلال الأغنية بأن الله سيحمي مصر من الحسد وكل الأضرار التي يحاول البعض إلحاقها بنا، خصوصاً أن تلك الفترة كانت فترة حروب ومشاكل سياسية.

- هل كان فنانو جيلك ينظرون إليك على أنك كنت سبب الإساءة الى الأغنية المصرية والعربية؟
لا، فكل من حولي كان يدعمني ويقول لي لا تشغل بالك بتلك الانتقادات التي تحاول التقليل منك وقتل عزيمتك وإصرارك، وكل أهل الفن والموسيقى كانوا يتغنون بموهبتي ويشيدون بها، فعبدالحليم حافظ كان يقول لي دائماً: «غني وما يهمكش كلام الناس»، والموسيقار محمد الموجي كان يصرح دائماً بأن صوتي فيه «شقى»، أما أكثر التصريحات التي كانت تدفعني وتقوّيني فهو قول موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب: «عدوية صوت يتيم»، وكان يقصد بذلك أنه الصوت الوحيد الذي كان قادراً على الغناء بهذا الشكل ولا يوجد منافس له.

- مَن أفضل المطربين الشعبيين على الساحة الغنائية حالياً؟
حكيم هو أفضل من يتغنى بالشعبية، واستطاع أن ينقلها إلى العالمية. وهناك أصوات عدة واعدة وقوية في الساحة، منها محمود الليثي وهدى وطارق الشيخ الذي يمتلك حنجرة رائعة، كما أن شعبان عبدالرحيم وسعد الصغير يقدمان أعمالاً أكثر من رائعة.

- هل كنت سبباً في اعتزال ابنتك وردة للغناء؟
لا، وردة طلبت أن تبتعد عن الغناء تلقائياً، وتحجبت وتزوجت في ما بعد، ولم يكن لي أي دخل في الموضوع.

- هل ساعدت نجلك محمد على احتراف الغناء؟
محمد يمتلك موهبة غنائية، ومن صغره استطاع إثبات موهبته، فلولا تلك الموهبة لما استكمل نجاحاته حتى الآن، كما أنه يملك شركة إنتاج مزدهرة.

- كيف يتعامل أحمد عدوية الآن مع أحفاده؟
أجمل نعم الله عليَّ هي الأحفاد، فأنا عندي ثلاثة أحفاد، وهم أحمد ومنى من نجلي محمد وياسين من ابنتي وردة. وحينما أقول إنهم أغلى ما عندي في الدنيا، فهذا ليس كلاماً والسلام، فأنا لا أستطيع أن أعيش بدونهم، وإذا طال غيابهم عني أذهب إليهم وألعب معهم. وذات مرة، جمع حفيدي أحمد زملاءه بالفصل وغنى لهم «السح الدح أمبو»، ولما ضبطت مديرة المدرسة التلاميذ وهم يغنون في الصف، وبّختهم وطلبت من أحمد إحضار وليّ أمره، ولم تكن تعلم وقتها أنه حفيدي، وحين أخبرني محمد بما حدث، قررت أن أذهب أنا بنفسي بدلاً من والده إلى المدرسة، وحين قابلتُ المديرة استقبلتني بحفاوة ولم تصدّق أنه حفيدي، ثم أشادت بصوته قائلة «ابن الوز عوام».
ومن وقتها وأحمد يجمع زملاءه في المدرسة كل يوم ويغني لهم، كما أنني أحببت هؤلاء الأطفال وطلبت منه أن يحضرهم إلى المنزل، وبالمناسبة، حفيدي يمتلك صوتاً جميلاً مثل أبيه وجده.


العندليب الأسمر

- تداول البعض أخيراً على مواقع التواصل الاجتماعي صورة تجمعك بالعندليب الأسمر عبدالحليم حافظ. هل كان بالفعل يكره نجاحك كما تردد؟
عبدالحليم حافظ «الله يرحمه»، كان رجلاً عظيماً وأخاً كبيراً وصديقاً مخلصاً، فعلاقتنا قوية للغاية، وتلك الشائعات كانت تتسرب من أجل إشعال الخلافات بين أهل المغْنى في ذلك الوقت.
علاقتي مع حليم توطدت خلال فترة علاجه في لندن، حيث مكث هناك فترة طويلة فيما كنت أنا أعمل في أحد الملاهي الليلية، ومن أشاع أنّ هناك خلافاً بيني وبين حليم لا يعلم أنه كان يصطحبني معه أحياناً في الأفراح التي كان يحييها.
وأذكر أنه مرة كان يحيي فرحاً في أحد الفنادق الكبرى في القاهرة، وكان يتغنى بأغنية «خسارة خسارة»، فسحبت الميكرفون منه ورحت أغني «السح الدح أمبو»، فانتاب حليم ضحك هستيري على ما فعلته، فيما أصررت أنا على أن يغني معي الأغنية، وهذا ما فعل.

CREDITS

تصوير : صبري عبداللطيف