بعض المسلسلات لا ترى من المرأة سوى جسدها: إهانة المرأة على الشاشة!

المرأة, الدراما المصرية, مصر, المرأة المصرية, أحمد عبد الفتاح, ماجدة موريس, ماجدة خير الله, طارق الشناوي, مسلسل

12 أكتوبر 2013

صورة لسيدة أعمال أنيقة بكامل زينتها، وأخرى بجلباب بلدي تجلس في المقهى في حارة ضيقة، وثالثة لراقصة تبدأ حياتها ليلاً، أو مجموعة من السيدات اللاتي يتنافسن على الفوز برجل واحد، نماذج مختلفة للمرأة المصرية على الشاشة الصغيرة، منها ما هو موجود بالفعل في المجتمع ومنها ما خرج من وحي خيال كتاب السيناريو، الذين وضع بعضهم المرأة المصرية في خانة السيدة المقهورة أحياناً، أو فتاة الليل أحياناً أخرى، فإلى جانب النماذج الإيجابية التي سَعتْ للتخفيف من قسوة الصورة السلبية للمرأة ظهرت الأعمال الفنية التي رأت المرأة كعنصر للإثارة أو لجذب المشاهدين، سواء عن طريق الجسد أو الأزياء أو طبيعة الشخصية، أو غيرها من العناصر التي لعب عليها البعض للفت الأنظار والترويج للعمل الفني على حساب المرأة.
«لها» ترصد الصورة التي وصلت إليها المرأة في الدراما المصرية، وكيف تأثرت هذه الصورة بالمجتمع؟ وكيف أثرت به؟، وإلى أي مدى لمست هذه الصورة الحياة الحقيقية للمرأة في مصر؟.


بيت كبير يجمع بين ثلاث سيدات يتنافسن للفوز بليلة مع زوج واحد هو «الحاج متولي»، كانت بداية سلسلة من الأعمال الدرامية التي وضعت جميع النساء في خانة المرأة المقهورة، التي تتمحور حياتها حول رجل يجمع بين الزوجات. تكررت بعدها التجربة الدرامية ذاتها في عدد من الأعمال الفنية، التي تطورت لتحول المرأة إلى عنصر جذب أو إثارة للمشاهدين في أعمال حصرت المرأة في هذا الإطار، كان أبرزها في الفترة الأخيرة مسلسل «الزوجة الرابعة»، الذي واجه انتقادات واسعة كتجربة درامية وصفها النقاد بأنها لا علاقة لها بالواقع المصري.

لم تكن تجربة «الزوجة الرابعة» أو «عائلة الحاج متولي» هي الصورة الوحيدة لصورة سلبية للمرأة، فتعددت الصور للمرأة المقهورة، أو التي تدفعها ظروف المجتمع لعلاقات متعددة، مثل «زُهرة وأزواجها الخمسة» و«العار»، الذي ظهرت فيه النجمة «درة» في دور الزوجة المقهورة، و«كيد النسا» الذي قال عنه نقاد الدراما إنه أساء للمرأة المصرية، وكان أبرز الكتاب الذين تعرضوا لمثل هذه الانتقادات هو السيناريست أحمد عبد الفتاح، صاحب مسلسليْ «الزوجة الرابعة» و«مزاج الخير»، الذي عرض في رمضان الماضي ووضع المرأة كعنصر إثارة تستخدم الجسد لدوافع مختلفة، سواء في دور الزوجة الشابة لرجل يكبرها بسنوات، أو في صورة الراقصة التي تصاحب البطل وتتخذ لها مكاناً سرياً في حياة تاجر مخدرات.


تعدد الزوجات

«أعمالي لا تتعمد إهانة المرأة»، هكذا وصف الكاتب أحمد عبد الفتاح مؤلف مسلسليْ «الزوجة الرابعة» و»مزاج الخير»، أعماله الفنية الأخيرة في مواجهة تصنيفات النقاد للأعمال بأنها عاملت المرأة المصرية على أنها مجرد سلعة، وأضاف: «أعمالي الأخيرة لم تتعمد إهانة المرأة، وكان الهدف منها تكريم المرأة ومناقشة حالة موجودة بالفعل في المجتمع، وهي قضية تعدد الزوجات في مسلسل «الزوجة الرابعة»، وحياة تاجر المخدرات في مسلسل «مزاج الخير»، وهي قضايا مطروحة للمناقشة في الدراما». أما الصورة التي ظهرت عليها المرأة في العملين فيقول عنها عبد الفتاح: «الصورة التي وضعت بها المرأة في العملين كانت مهمة لتحقيق الهدف الدرامي من العمل، وهي صورة موجودة بالفعل في الواقع يجب طرحها مهما تعرضت لانتقادات أو رفض من المشاهدين، وهو الدور الذي يجب أن تلعبه الدراما في المجتمع المصري».


عنصر تجاري

آراء مختلفة خرجت من النقاد لوصف الصورة التي وصلت إليها المرأة في الدراما المصرية، بعضهم رفض تصويرها على أنها سلعة تجارية لتحقيق أعلى نسب للمشاهدة، والبعض الآخر أرجع هذه الصورة لحالة درامية يقتضي طرحها على المشاهد.
الناقدة الفنية ماجدة موريس علقت على الصور السلبية للمرأة في الأعمال الدرامية قائلةً: «بعض المخرجين؛ أو القائمين على الأعمال الدرامية؛ اتجهوا لاستغلال المرأة كعنصر تشويق أو جذب للعمل، ولا يرون منها سوى جسدها، وهو الاتجاه السائد حالياً في السينما أيضاً، والذي بدأ في التركيز على العناصر التجارية التي تروج للعمل وتدفعه لتحقيق أعلى نسب للمشاهدة، أو أعلى الإيرادات في صالة السينما».

وأضافت: «الشكل السلبي للمرأة الذي ظهر في أعمال مثل «كيد النسا» و«الزوجة الرابعة» و«مزاج الخير»، وغيرها من الأعمال، هو ما يرسخ ثقافة شعبية عند القطاع الأكبر من المشاهدين، بأن المرأة عنصر أقل أهمية من الرجل ويمكن إهانته أو احتقاره، على عكس ما تثيره الأعمال ذاتها عند قطاع آخر من المجتمع، الذي يراقب هذه الأعمال كصورة متدنية وصلت إليها الدراما واستغلت المرأة كعنصر تجاري أو سلعة رخيصة يمكن إبرازها في صور مختلفة».

على الجانب الآخر، عبرت ماجدة موريس عن اتجاه إيجابي ظهر في السنوات الأخيرة، وضع المرأة في إطار المرأة الكادحة أو الناجحة في حياتها، مثل مسلسل «ذات»، الذي ظهرت فيه نماذج إيجابية للمرأة المصرية الحقيقية التي استطاعت شق طريقها في العمل بجانب الأسرة ونجحت في التجربتين، ومسلسل «الداعية» الذي ظهر فيه نموذج لامرأة معتدلة استطاعت تغيير مفهوم الرجل المتشدد.
نجحت هذه الأعمال في طرح نموذج إيجابي للمرأة المصرية الكادحة والقوية، وهو الاتجاه الذي كان له الفضل في إحداث التوازن بين الجانبين، واقترب من الصدق في تصوير المرأة المصرية على حقيقتها». 


تشويه

الناقدة الفنية ماجدة خير الله كان لها رأي آخر في وصف صورة المرأة المصرية في الأعمال الدرامية، قالت: «الصورة السلبية التي تظهر عليها المرأة في بعض الأعمال لا تسيء للمرأة وحدها، بل تسيء للرجل أيضاً». وطرحت مثالاً مسلسل «الزوجة الرابعة»، الذي يصور المرأة على أنها زوجة سلبية مقهورة ويصور الرجل أيضاً بالمزواج، أو الذي تتحكم به الغرائز، وهو ما يعكس حالة الجانبين ولا يركز على المرأة وحدها.
وتضيف: «الدراما بطبيعتها هي فن الوصول لجميع الأطراف، ولا يجب أن تقتصر على طرح النماذج الإيجابية فقط، بل يجب أن تطرح جميع الجوانب وتترك للمشاهد حرية الاختيار والحكم على العمل الذي يتابعه، لأن الواقع لا يحتوى على هذا القدر من النقاء، والنماذج السلبية موجودة بالفعل في المجتمع, لكن يجب ألا تكون هي كل الصورة الموجودة».


جميع النماذج

«حالة فنية»، هكذا وصف الناقد الفني طارق الشناوي الأعمال الدرامية التي تناولت المرأة بطريقة مختلفة أو مثيرة كما وصفها البعض، وأرجع هذا التناول للحالة الفنية التي يقتضيها العمل، كما وصف التناول السلبي للمرأة في الدراما بالضرورة الفنية التي يجب أن تركز على جميع النماذج التي تثري العمل الدرامي، سواء كانت سلبية أو إيجابية.
وقال الشناوي: «الدراما عليها طرح جميع النماذج، وخاصةً السلبية التي تثير عند المشاهد قضايا مختلفة، والطبيعي هو أن تناقش الدراما صوراً مختلفة وغريبة وليس فقط النماذج الإيجابية، ولا أرى في الأعمال الدرامية تعمداً في إهانة المرأة بقدر ما تهدف هذه الأعمال لطرح حالة فنية مختلفة».


تجربة إيجابية

«بنت اسمها ذات»، «موجة حارة»، عملان طرحا نماذج نسائية فرضت على المشاهد احترامها، وهما للكاتبة الشابة مريم ناعوم، بعد تجربتها السينمائية المتميزة في فيلم «واحد صفر»، الذي طرح بدوره صورة مختلفة للمرأة المصرية، اتجهت بعدها «ناعوم» لكتابة عملين وضعا المرأة المصرية في إطارها الصحيح، كما وصفهما النقاد بالعملين الذين عكسا الدور الحقيقي للمرأة في مجتمعها، من خلال تناول روايتين لاثنين من أكبر كُتَّاب الرواية، حولتهما «ناعوم» إلى عملين دراميين هما «ذات» للروائي «صنع الله إبراهيم»، و«منخفض الهند الموسمي» لأسامة أنور عكاشة.

وعن أعمالها الدرامية الأخيرة، وما طرحته من صورة إيجابية للمرأة بإجماع النقاد، قالت «ناعوم»: مسلسل «ذات» طرح نموذج المرأة المصرية الحقيقية التي لمست قلوب المشاهدين بصدق، ورأى فيها معظم من تابع المسلسل «أمه» أو شخصية قريبة منه، بما في الشخصية من ملامح حقيقية لامرأة مصرية صادقة تتعايش مع مجتمعها».
وتضيف ناعوم: «تناولت «ذات» من وجهة نظر نسائية، على عكس وجهة النظرة الذكورية، وهو ما أعطى العمل ثراءً وطابعاً مختلفاً كانت السيطرة فيه للأنثى، ونبعت الأحداث من حياتها وتفكيرها».

أما عن «موجة حارة»، الذي عكست فيه «ناعوم» نموذج المرأة القوية التي صورتها في دور الأرملة التي نجحت في تربية أولادها، فكان تجربة أخرى لناعوم وضعها النقاد في نفس الإطار الإيجابي الذي ناقش حياة المرأة المصرية، معتمداً على الجانب الإيجابي بدلاً من اللجوء للجانب السلبي، أو وضعها في إطار آخر يظهر قسوة المجتمع عليها من الجانب الآخر.


دراسات

«صورة المرأة المصرية في الدراما التلفزيونية» هو عنوان إحدى الدراسات التي أعدها قسم الإعلام بجامعة «عين شمس»، وخرجت بنتائج تفيد بأن الدراما المصرية مازالت تحصر المرأة في نطاق الزوجة المقهورة؛ أو فتاة الليل التي تستغل جسدها للوصول إلى أهداف مختلفة حسب السياق الدرامي.
وأفادت الدراسة، التي تناولت المرأة، أن الواقع الدرامي لا يحاكي ما يحدث في الحقيقة، ولا يعبر عن المرأة المصرية التي لا تجد نفسها في الأعمال الفنية، كما توضّح الدراسة التي أجريت على عينة عشوائية من السيدات أنهن لم يجدن أنفسهن في متابعة الأعمال الدرامية التي تناقض واقعهن، فبعضها يصور المرأة على أنها فتاة ليل أو راقصة أو مدمنة أو خائنة، وأظهرت الدراسة أن المرأة التي تعمل بالسياسة تتناولها الدراما بصورة سطحية، وتعتمد على استغلال جسدها في نضالها السياسي، أو غيرها من الصور التي يراها البعض غير موجودة بهذا القدر الواضح في الأعمال الدرامية.

دراسة أخرى بعنوان «العنف الموجه ضد المرأة كما تعكسه الدراما»، طرحها الدكتور «عادل عبد الغفار» الأستاذ بكلية الإعلام جامعة القاهرة، أظهرت وجود استغلال واضح ضد المرأة؛ باعتبارها مادة درامية مثيرة للاهتمام دون وجود مضمون درامي يهدف لمواجهة أسباب العنف ضدها، كما كشفت الدراسة عن تناول المرأة في قالبين، أحدهما يصورها كعنصر للإثارة والإفساد، والآخر يظهرها كضحية للرجل في المجتمعات المهمشة، كالريف والصعيد على عكس الواقع تماماً، وخاصة فيما يتعلق بالمرأة الصعيدية التي تتميز بالقوة والصرامة.

وعلقت المحامية نهاد أبو القمصان، رئيسة المركز المصري لحقوق المرأة، على استخدام المرأة كمادة للإثارة قائلةً: «المسرح الدرامي شهد استباحة لحقوق المرأة في الأعمال الدرامية منذ عام 2010، الذي ظهرت فيه مجموعة من النماذج المسيئة للسيدات والفتيات، بدايةً من مسلسل «أنا عايزة أتجوز»، الذي أساء لشكل الدكتورة المثقفة التي تبحث عن عريس، إلى جانب أعمال أخرى عكست صورة المرأة كعنصر مثير للغرائز والفتن».

 ولفتت إلى أن الدراما المصرية الإيجابية، التي ظهرت لتعكس صورة للمرأة المصرية القوية، هي ما يجب تعزيزها عند التوجه للمشاهد، ونبذ العنف الموجه ضد المرأة في صور درامية تظهرها على عكس حقيقتها، واصفةً هذه الأعمال بنوع آخر من العنف ضد المرأة من خلال الدراما والبرامج التلفزيونية، ونوع آخر من التهميش للمرأة والتقليل من شأنها.
ووصفت الدكتورة عزة كامل، مديرة مركز وسائل الاتصال الملائمة من أجل التنمية «أكت»، الأعمال الدرامية بأنها تستغل المرأة في المشاهد الجريئة؛ التي تعرض على الشاشة لأول مرة لإثارة المشاهدين، على الرغم من عدم الحاجة إليها في سياق العمل الدرامي، سوى لزيادة الإقبال على العمل.

إلى جانب هذه الأعمال هناك أعمال أخرى أظهرت المرأة بصورة صادقة ومحترمة وملائمة لواقعها الاجتماعي، فأحدثت قدراً من التوازن، بجانب الأعمال الفنية التي حصرت المرأة في قالب تقليدي واقتصرت على العنف الموجه للمرأة أو العلاقات الأسرية غير المستقرة، أو إظهارها في صورة راقصة أحياناً أو فتاة ليل أحياناً أخرى، فضلاً عن الأعمال التي طرحت سيدات الأعمال أو سيدات رفيعات المستوى في صورة نساء لجأن لاستخدام الجسد للوصول الىأهدافهن، بصورة مبالغ فيها تغيب الواقع الحقيقي للمرأة المصرية».