مارسيل خليفة: لولا دواوين محمود درويش لما كان أحد يعرفني

مارسيل خليفة,محمود درويش,أعمال الفنية,العود,القضية الفلسطينية,قصائد,المسرح,مهرجان الموسيقى العربية

محمود الرفاعي (القاهرة) 12 ديسمبر 2015

لم يتردّد في تلبية دعوة الأوبرا المصرية إلى المشاركة في مهرجان الموسيقى العربية، وكعادته أبدع وتألق وتفاعل معه الحضور.
الفنان مارسيل خليفة يتحدث معنا عن أحوال الموسيقى العربية، وكيف نجح في الوصول للعالمية، وعلاقته بقصائد محمود درويش، كما يكشف لنا الكثير من أسرار طفولته، وكيف تصالح مع فكرة الموت، والمفاجأة التي يُعدّها مع ولديه.


- لماذا وافقت على المشاركة في مهرجان الموسيقى العربية الذي أقيم أخيراً بدار الأوبرا المصرية؟
الوقوف على مسرح دار الأوبرا المصرية فخر لأي فنان عربي، فنحن كفنانين علينا أن نشارك وندعم الفعاليات الفنية الجيدة، وندعو الناس إلى الاستماع للموسيقى والأغنية العربية الأصيلة، ونعيد لأذهانهم الكلمة الجميلة التي فقدت بريقها مع مرور الزمن، فنحن الآن في حاجة ماسة إلى إعادة تنوير العقول بالموسيقى التي تعدّ مرآة الشعوب، فإذا أحببت أن تتعرف على مدى تقدم مجتمع ما ورقيّه، عليك أولاً أن تدرس مستوى الفن الذي يقدمه، فلا يوجد بلد يحترم آدمية الإنسان لا يهتم بفنونه وموسيقاه التي يقدمها.

- هل تؤيد فكرة إهداء مهرجان الموسيقى للشاعر الراحل عبدالرحمن الأبنودي؟
 بكل تأكيد، وهل هناك اسم أفضل من الراحل عبدالرحمن الأبنودي لكي تهدي الدورة اسمها إلى روحه، فالأبنودي لم يكن مجرد شاعر قدّم أغنيات وسيرة هلالية، إنما هو صوت مصري أصيل جاء من المناطق النائية لكي يثبت أن الفن في أي مكان بالكون يولد مع الإنسان مهما اختلفت الظروف ومهما واجه من صعوبات، فأنا أحب الأبنودي شاعر الربابة الذي لا يعوض، ومصر خسرت الكثير مع رحيل هذا المبدع، وأتمنى أن يظل اسم هذا الرجل محفوراً في ذاكرة كل المصريين والعرب.

- ما تقييمك لفكرة الغناء مع أوركسترا مصرية لأول مرة؟
 تجربة مختلفة وجريئة بالنسبة لي، ربما وجدت صعوبة في البداية لكوني لم أعتد أن تصاحبني أوركسترا مصرية في الغناء، لكن بالتدريب تخطينا كل الصعوبات، واجتهدنا في العمل وخرجت الحفلة في أحسن صورة، علماً أنني لم أكن أتصور أن الدورة الحالية من مهرجان الموسيقى ستكون بهذا الإبهار، الذي شاهدته على وجوه الحضور وشعرت به منذ اللحظة الأولى لقدومي، رأيت إبداعاً في التنظيم والتصوير التلفزيوني والنقل على الهواء، كما فوجئت بوجود فقرة خاصة للعزف على الربابة قدّمها العازف حسن معتز، ولكل ذلك، أحب أن أشكر المنظمين ودار الأوبرا المصرية على حسن تعاونهم معي.

- ما الأغنية التي طلبها منك الجمهور المصري خلال تواجدك بدار الأوبرا؟
 أغنية «منتصب القامة أمشي»، فالجمهور المصري يحبها كثيراً، ولذلك غنّيتها عقب تكريمي من جانب إدارة المهرجان، وأحببت أن يشاركني الجمهور في غنائها، وهذه الأغنية كان لها في مصر شكل خاص ورونق مختلف، وهي تعزف مع أوركسترا موسيقية يصاحبها صوت الربابة مع تفاعل الجمهور المصري العظيم.

- ما تقييمك لحال الموسيقى العربية؟
حال الموسيقى العربية لا يختلف كثيراً عن حال السياسة التي نمر بها، فنحن كشعوب عربية خسرنا في السياسة وفي الفن وفي كل شيء، وما نراه الآن هو فن لا يمثل الشعب العربي، فالجمهور الآن لا يشاهد في الكليبات سوى السيارات الفارهة والهواتف الحديثة والفتيات اللاتي يجرين وراء المطرب لكي يظهرنه بمظهر النجم.
حتى الأغنية العادية أصبحت مفرداتها بدون أي معنى ولا تهدف لأي شيء، فكل ما نشهده الآن ما هو إلا تشويه للموسيقى العربية التي صنعت مجدنا وتاريخنا العربي، فنحن العرب الذين كنا نمتلك في يوم من الأيام قامة فنية كبيرة، مثل سيد درويش، وصل بنا الحال اليوم لنشاهد هذه الكوارث في الفضائيات، فأطلب من هؤلاء أن يكونوا رحماء بنا كمشاهدين ومتفرجين.

- ما هي المشاكل التي تواجه الموسيقى العربية؟ وكيف نواجهها؟
المشاكل التي تواجه الموسيقى العربية يصعب بسطها في إجابة على سؤال، فهذا يلزمه دراسة طويلة، تواجه موسيقانا مشاكل متعددة وشائكة، وهي في حاجة إلى منظمات ودول لكي تعيدها إلى موقعها الأصلي، فعلى الجيل الحالي من الموسيقيين مثلاً، أن يبدأ بوضع مشروع موسيقي خاص به، فالناس بأمسّ الحاجة إلى الفن الهادف، ولذلك يجب على الأوبرا في كافة الدول العربية أن تسمح بممارسة التجارب الموسيقية الجديدة، وأن تحسن التعامل مع الشباب، وتعطيهم الفرصة لكي يجربوا، وأن تنظم لهم ندوات وتمدّهم بالمقترحات.

- من أين يأتي مارسيل خليفة بموسيقاه؟
إنه الشغف، فإذا لم يكن هناك شغف فلن يكون هناك إبداع، ولابد أن يكون الفنان شغوفاً بجمال الطبيعة والكون، فالموسيقى الطبيعية لابد أن تحرك المشاعر والأحاسيس مع كل نسمة أو لمسة تحدث في الحياة، أصوات العصافير وهبوب الرياح مثلاً تجعل الإنسان قادراً على تقديم موسيقى، كما أن الإنسان بحالته هو نغمة منذ أن يخرج من رحم أمه إلى أن يدفن في الأرض.

- كيف وصلت بأعمالك الشرقية إلى الغرب؟
 العالم الخارجي لن يتقبلك إذا كنت تقدم ما يقدمه، فالعالمية ليست تقليد الغرب، إنما هي أن تكون مغرقاً بمحليتك، فإذا حاولت أن تنافس الغرب في ما يقدمه فلن تنجح، لكن إذا استطعت أن تثبت لهم فنك الذي تحمله بمحليتك تكون حينها قادراً على أن تكون عالمياً، وكل ما فعلته هو أنني غرقت في محليتي، والعالم الآخر أحب الموسيقى الشرقية لأن ناسه يسعون دائماً إلى الاستماع للأعمال الجيدة والمحترمة.

- كيف مزجت بين العود الشرقي والعود الغربي في أمسيتك الموسيقية «جدل»؟
 لم يكن مزجاً بالمعنى الصحيح، إنما كان حواراً موسيقياً عن آلة العود، والعمل أحدث ضجة لأن الناس اعتادوا أن تكون أعمالي عن مدن مثل حلب أو بيروت أو طنجة، لكن هذه المرة فكرت في أن أقدم عملاً خاصاً عن العود صاحب الفضل عليَّ، وقررت ألًا تكون الأمسية نصاً بل موسيقى، قد لايستهوي هذا الأمر العرب لأننا شعوب تحب الكلمة وتحبذ أن نوجه الأغاني بنص الكلام، لكن الموسيقى تجعلك تتخيّل بلا حدود. وفكرة الأمسية تدور حول عودين يتناقشان في وضع كل واحد منهما، وقد شهدتها 70 مدينة في العالم.

- ألا تشعر بالرهبة حين تخرج إلى الغرب وتعزف لهم؟
 إحساسي واحد، فلست ذاهباً لأعطيهم خدمة اجتماعية، بل أنا في تبادل ثقافي معهم. لقد وقفت خلال سنوات أعمالي الفنية على أعلى وأعظم مسارح العالم، سواء ألبرت هول بلندن أو شانزليزيه باريس وأوبرا هاوس سيدني، وكان إحساسي مثله في دمشق أو إسطنبول أو المغرب.

- ما هو المسرح الذي تتمنى أن تقف عليه؟
 أحلم بأن يكون هناك مسرح كبير في بلدي لبنان أقف عليه، لكن للأسف لبنان يعيش عذابات مريرة، فهناك ناس لا يجدون طعام يومهم! وعموماً أي مسرح أتشرف بالوقوف عليه، لأنني لا أحضر إلى المسرح الذي سأقدّم عليه عملي بعد أن تنتهي كل الترتيبات، بل أصل قبل الجميع بمن فيهم أعضاء الفرقة، لكي أشم رائحة المسرح والكراسي وأدقق النظر في كل ما حولي، كما أنني أحب أن أرى التقنيين والفنيين وهم يقومون بتركيب أجهزة الإضاءة والأصوات، وأن أتبادل معهم الحديث.

- كيف ارتبط اسمك بالشاعر الكبير محمود درويش؟
 قبل اندلاع الحرب في لبنان كنت مراهقاً يحب الموسيقى وقد تخرج في معهد الكونسرفتوار، وحين اشتعلت الحرب لم يكن لديَّ مكان أذهب إليه لكي أطلق موسيقاي، فانعزلت في قريتي الصغيرة، ولم يكن يوجد في منزلي سوى دواوين محمود درويش، فرُحت أجلس في المنزل وأعمل على تلحين تلك القصائد.
ظللت أفعل ذلك لسنوات، ثمُ بدأت مشكلتي السياسية تظهر في قريتي، فأنا ميولي يسارية، كما أنني كنت متعاطفاً مع القضية الفلسطينية إلى أقصى الحدود، فقررت أن أرحل وأن أصدر أول أسطوانة خاصة لي.
بعد سنوات عديدة من إطلاق الأسطوانة تقابلت مع محمود درويش لتبدأ صداقتنا الحميمة، وظللنا لما يقرب من عشر سنوات لا نفترق، وعشنا معاً في مدينة باريس. وقدمنا خلال تلك الفترة أجمل القصائد التي عشقها الناس ولا يزلون، فلولا دواوين هذا الرجل لما كان أحد يعرف مارسيل خليفة، ولما كنت الآن تجري هذا الحوار معي.

- ألم تجد صعوبة وأنت تلحن قصائد محمود درويش؟
 إطلاقاً، قصائد محمود درويش من أسهل القصائد التي كنت ألحنها في حياتي. ما أكثر ما كنت أرى محمود درويش الشاعر يكتب قصائده ويلحّنها، لكنه لم يكن يكشف لحنها بل كان يتركها لكي أكتشفه أنا، وكل قصيدة من قصائد درويش مختلفة، فهناك قصائد قوية ثورية وأخرى حميمة. أحسّ أنني ومحمود ولدنا لكي نتعامل معاً.

- هل ترى أن الفنانين العرب تناسوا القضية الفلسطينية مع ثورات الربيع العربي؟
 نحن كأمة عربية يجب ألا ننسى أبداً القضية الفلسطينية، لأنها قضية وطن، قضية العالم العربي بكامله، مرتبطة بنا كشعوب هذه المنطقة، فنحن نعيش مع وطن تم اغتصابه، وأهله وأفراده منتشرون في كافة دول المنطقة، إنها كارثة مازلنا نعيشها، ويجب على الجميع أن يظل يفكر فيها ولا ينساها.

- أعلنت من قبل أنك منذ رحيل والدتك لا تتقبل فكرة الموت، هل تخلصت من هذا الإحساس الآن؟
 الآن أصبحت متصالحاً مع فكرة الموت، لأن هذا واقع ليس بيد أحد أن يغيره، ربما في الماضي وأنا صغير جلست سنوات طويلة لكي أتصالح معه، فمع وفاة أمي، وأنا شاب، تغيرت حياتي جذرياً، وظللت ما يقرب من أربع سنوات أحاول فيها التصالح مع فكرة الموت.

- متى كانت أول مرة عزفت فيها العود؟
 أتذكر أني في صغري كنت أقرع بأواني المائدة في المنزل مستعملاً الصحون والطناجر والملاعق وسواها، وكانت أمي مولعة بي وتقول لأبي «إن هذا الولد سيكون فناناً»، وأتذكر أن والدي طلب ذات مرة من صديق له ذاهب إلى سوريا أن يشتري لي أرخص آلة موسيقية، وهي العود، وأعطاه 25 ليرة سورية، وانتظرنا كثيراً إلى أن جاء الرجل بالعود، يومها أقمت فرحاً في المنزل، وظللت أعزف رغم أنني لم أكن أعرف ما هو العود، إلا أن الجميع كان سعيداً بعزفي، من بعدها ذهبت إلى مدرس لتعليمي العود.

- هل كان في عائلتك أحد يعزف؟
 كان جدي يهوى الموسيقى لكونه عمل في صيد السمك.

- كيف اكتشفت براعة ولديك بشار ورامي الموسيقية؟ وماذا ستقدمون لنا؟
 رامي وبشار هما اللذان اكتشفا مبكراً مساحات صوتيهما وجمال الموسيقى فيهما، وقررا أن يندمجا معاً في الموسيقى بموهبتيهما، وسنقدم في أمسية بيروتية، باكورة عمل مشترك، من تأليفنا.

- ما هي أعمالك الفنية الجديدة التي تحضر لها؟
 هناك أكثر من عمل قيد الإعداد، منها حفلة ستقام قريباً مع الأوركسترا السيمفونية في أوبرا بروكسل، وسأقدم فاصلاً من العود ومجموعة من القصائد مكتوبة للأوركسترا السيمفونية.