معرض بيروت في دورته الـ59 الكتاب في مواجهة أزماتنا الإنسانية
بعد معارض عربية، منها معرض الشارقة والكويت والجزائر، جاء دور معرض بيروت الدولي للكتاب في دورته الـ59، ليضع القارئ أمام مُساءلة جديدة: هل لا تزال للكتاب مكانته في عالمنا؟ في الواقع، يصعب إيجاد الجواب الملائم عن هذا السؤال. فما تمرّ به الدول العربية من حروب وأزمات وتخبطات يجعل من فعل القراءة ترفاً زائداً. إقصاء الكتاب من حياتنا قد يكون أودى بنا إلى كلّ هذه المشاكل العصيبة، لأنّ العلم والثقافة والمعرفة لا يمكن أن تقود الشعوب إلاّ نحو خلاصهم الحقيقي. ولكنّ ما نعانيه اليوم من موت السوريين وتشرّدهم، وأزمات اللبنانيين ونفاياتهم، وحروب العراقيين وفقرهم، يعيدنا إلى ضرورة إنتاج قراءة جديدة لواقع تحضر فيه الحرب بدلاً من الكتاب، والتعصبّ من الثقافة. فإلى أي مدى يمكن هذه المعارض أن تصحّح المفاهيم المبعثرة وتُعيد ترتيب الأولويات؟ لا يبدو أنّ معارض الكتب العربية تملك هذه القدرة، لكنها على أيّ حال تظلّ مُتنفسّاً يتنشّق من خلاله المثقفون نسائم الحرية في عالم مقفل على همومه.
من يزور معرض الكتاب العربي في بيروت، لا يجد أنّ حاله تختلف كثيراً عن حال المدينة الغارقة في مشاكلها وروتين أيامها. فالمعرض تخلّص من كلّ أهداف أيّ معرض كتّاب متحولاً إلى ساحة تُقام فيها تواقيع الكتب. ولا شكّ في أنّ دور النشر، والكتّاب أيضاً، يحرصون على هذه العادة لأنّها تضمن بيع عدد من النسخ التي تكاد تضاهي كلّ ما يُباع من الكتاب على مدار موسم، وأحياناً، عام كامل.
من الكتّاب اللبنانيين المعروفين الذين شاركوا في الدورة الـ59 من المعرض، ثمة رشيد الضعيف في رواية جديدة عنوانها «ألواح»، وعباس بيضون «خريف البراءة»، وإيمان حميدان «خمسون غراماً من الجنة»، وفواز طرابلسي في كتاب فكري/ سياسي عنوانه «الطبقات الاجتماعية والسلطة السياسية في لبنان» (دار الساقي)، وأنطوان الدويهي في روايته «غريقة بحيرة موريه» (الدار العربية للعلوم- ناشرون)، وجمانة حدّاد «الجنس الثالث» (نوفل، هاشيت- أنطوان) وغيرهم. ومن الكتّاب العرب الذين شاركوا في المعرض، هناك الجزائرية أحلام مستغانمي التي وقّعت مجموعتها الشعرية «عليك اللهفة»، والكاتب السوري خالد خليفة عبر رواية جديدة عنوانها «الموت عمل شاق» (نوفل، هاشيت/ أنطوان)، والتونسي كمال الرياحي في روايته «عشيقات النذل» (دار الساقي)، وميلود يبرير «جنوب الملح» (دار الجديد)...
واللافت أنّ أدب الطفل والفتيان كان حاضراً بقوة في هذه الدورة، فكانت الروائية السورية لينا هويان الحسن قد وقعت روايتها الأولى للفتيان «الصقر غنّام» عن (دار الآداب)، وأيضاً وقعت الكاتبات فاطمة شرف الدين ولوركا سبيتي ومنى يقظان كتابهن «سمسم في بطن ماما» عن دار الساقي. والشعراء الشباب باتوا يحجزون لأنفسهم مساحة خاصة في المعرض من خلال مجموعات شعرية جديدة، ومنهم: محمد ناصر الدين «سوء تفاهم طويل» (دار النهضة العربية)، ومهدي منصور في ديوانين عن «شركة المطبوعات للتوزيع والنشر»، وزهرة مروة في ديوان «الموت على دفعات» (دار المؤلف)، إضافة إلى الشعراء الكبار والمكرسين مثل شوقي بزيع «إلى أين تأخذني أيها الشعر» (دار الآداب)، وجهاد الزين في «شلل مستطير» (دار الجديد)، ويوسف بزي في «فم الغرب» (دار رياض الريس). وندى الحاج «تحت المطر الأزرق» (منشورات ضفاف) وغيرهم.
واحتوى المعرض هذا العام على جناح خاص للرقميات والكتب الالكترونية، وشاركت للمرّة الأولى مدرسة الليسيه فرانسيه من خلال جناح خاص، أطلقت خلاله مسابقة القصة القصيرة وقدّمت فيه ندوات ونشاطات مختلفة، منها لقاءات أدبية وشعرية وموسيقية وفنية مع الشاعر حسن عبدالله، ونجلا جريصاتي خوري، ومع الفنان رودي رحمة، والحكواتي خالد جمال النعنع وغوى علام. وتميزت هذه الأنشطة بمشاركة تفاعلية بين الضيوف والطلاّب من المدارس التابعة للبعثة الفرنسية العلمانية (غران ليسيه، ليسيه فردان، ليسيه عبدالقادر، الإنجيلية الفرنسية، والليسيه فرانسيه في مختلف فروعها).
أخيراً، مهما قصّرت معارض الكتب في بيروت وعواصم العالم العربي في أداء دورها في تفعيل الثقافة داخل المجتمع، يظلّ وجودها محورياً بغية ترسيخ حضور الكتاب في حياة عربية تحتاج الى متنفس معرفي أمام ظلامية «داعش» وأشباهها.
شارك
