حكايات كوندوروشكين لبنان قبل قرن بريشة روسية

الكتاب: «حكايات كوندوروشكين»,الكاتب والصحافي اللبناني,عماد الدين رائف

كارولين بزي 26 ديسمبر 2015

 

 

بعد ربع قرن من توقف الماكينة السوفياتية الضخمة للترجمة، التي عرّفت العالم بشتى لغاته، بالمخزون الهائل للأدباء والشعراء الروس بعصريهما الذهبي والفضي، تناول الكاتب والصحافي اللبناني عماد الدين رائف في كتابه «حكايات كوندوروشكين – لبنان قبل قرن بريشة روسية»، ترجمة قصص كتبها الأديب الروسي ستيبان كوندوروشكين (1874-1919) بالروسية للقارئ الروسي، وعرّبها وقدمها إلى القارئ العربي، في محاولةٍ منه لفتح الباب أمام ترجمات أخرى مماثلة. تنقسم أهمية الدراسة والقصص المعرّبة، التي صدرت في كتاب «حكايات كوندوروشكين – لبنان قبل قرن بريشة روسية»، وفق رائف، أولاً، في البحث عن كوندوروشكين نفسه، الذي اختفى مع الحرب الأهلية الروسية. من هو؟ وما هي تفاصيل حياته الاجتماعية والسياسية؟ ولماذا غاب ذكره طوال الحقبة السوفياتية وإلى اليوم؟ إذ إن قلة من الروس اليوم يعرفون عن حياة ستيبان كوندوروشكين، وإن كانت قصته الوحيدة التي تعاد طباعتها «قارع الأجراس فيديا» تحمل اسمه، وهي قصة مدرسية مخصصة لعيد الفصح، كانت قد نشرت للمرة الأولى في العام 1914.
ويلفت الكاتب إلى أن نُسخ كتب ستيبان كوندوروشكين باتت نادرة، حيث لم تُطبع في الحقبة السوفياتية، وفي روسيا الاتحادية الحديثة وكانت قد نُسيت تماماً. وعلى ندرتها، باتت الدائرة التي تعرف بها ضيقة، وهي موجودة في بعض المكتبات العامة، ومنها المكتبة الوطنية في سان بطرسبورغ.
كما أن ما يتم تداوله عن حياة كوندوروشكين وأعماله هو أجزاء من نبذة كانت قد نشرت في «قاموس غرانات الموسوعي»، في جزئه الحادي عشر عام 1912، وهو قاموس أعلام شهير صدر عن رفاقية الأخوين غرانات في أول مجلداته في العام 1910، واستمر في الصدور حتى أواخر أربعينات القرن الماضي. إلا أن النبذة المتعلقة بكوندوروشكين على أهميتها هي عبارة عن بضعة أسطر كتبت في حياته، ولا تتضمن شيئاً عن السنوات العشر الأخيرة منها.

إن ما يتضمنه الكتاب من بحث عن حياة ستيبان كوندوروشكين، هو أولى المحاولات الفعلية لوضع سيرة له، بعد نحو قرن من الزمن على رحيله المأسوي. وقد جمع الكاتب ما تيسر له من المصادر القليلة عن حياة كوندوروشكين ضمن عناوين يقدمها إلى القارئ العربي قبل أن تجمع وتقدم بالروسية.
وثانياً، في أهمية القصص المترجمة، التي كان إطارها الجغرافي لبنان الحالي، أي الجمهورية اللبنانية بحدود ما بعد 1920. إذ تم اعتماد الإطار الجغرافي للجمهورية اللبنانية في اختيار القصص، لتوجيه الكتاب إلى القارئ اللبناني، وقد كان لبنان بين العامين 1899 و1903، أي الفترة الزمنية المفترضة للقصص مقسماً بين ولاية بيروت والمتصرفية وولاية دمشق. بناء على الإطار الجغرافي، القصص المختارة تم انتقاؤها من مجموعات قصصية هي: «من الترحال في سورية»، صدرت على دفعات على صفحات مجلة «روسكويه بوغاتستفو» بين العامين 1902 و1906، ومجموعة «قصص سورية» 1908،  و«قارع الأجراس» 1914. أسلوب نثر كوندوروشكين سردي وصفي مشهدي، سينمائي إلى حد بعيد، يجسد الأصوات والمشاعر عبر الكلمات... ولعل قصص كوندوروشكين تمثل ظاهرة في نثر تلك الحقبة عن لبنان، حيث معظم ما كان قد كتب هو إما رسائل، أو مذكرات رحّالة وحجاج إلى الأراضي المقدسة، أو نصوص جافة للبعثات العلمية المختلفة.
السمة البالغة الأهمية في القصص هي أن كوندوروشكين ابن فلاحي سمارا (مقاطعة سمارا في روسيا)، يكتب عن مزارعي لبنان الشرقي... يكتب عن الناس كواحد منهم، فلا نظرة استشراقية استعلائية في قصصه، ويظهر ذلك في حبه لاستكشاف العادات المحلية، وتعامله مع محيطه وإلمامه التام بنمط الإنتاج الزراعي وتفاصيل حياة الناس العاديين بعيداً من المدن الكبرى.
ترافق القصص رسوم وزخارف لثلاثة من كبار رسامي الحقبتين القيصرية والسوفياتية في الربع الأول من القرن العشرين، وهم: الفنان يفغيني يفغينوفيتش لانسري (1875-1946)، ودميتري إسيدوروفيتش ميتروخين (1833-1973)، وإغناتي كونستنتينوفيتش مروتشكوفسكي. وتعكس الرسوم والزخارف طبيعة لبنان وقراه وناسه مطلع القرن العشرين.