شارف العام على الانتهاء. وهيكل الزمن يستعد لاستقبال سكانه من الأشهر والأيام بين أعمدته اللامرئية، متأملاً احتفال التسلّم والتسليم بين عام يمضي وعام مقبل يستعد للمسير على إيقاعات المدن وحركتها وناسها.
وبدورها تعبر المدن جسور السنين فرحة وهي تجدّد جمالها الذي يزداد بهاؤه كلما تقدّمت بها السنين، فتحتفل كل مدينة على طريقتها، بوداع صاخب تجتمع فيه الأضواء والموسيقى والموائد اللذيذة والثلوج التي تستريح على قرميد بيوتها وشوارع وقمم الجبال التي تزنّرها، فيما بعضها الآخر يودّع العام بأفق أزرق يلامس البحر وأمواجه التي تنتهي رحلتها عند شطآن الزمن.
 فهل ترغبين في وداع السنة بطريقة تقليدية في مدينة صاخبة تنير سماءها الليلية بالأضواء وتصدح في أجوائها الموسيقى؟ أم تريدين الهروب إلى مدينة تستريح على البحر، تستعدّين لحمام شمس ومغامرة السنوركلينغ في عمق الماء؟ ومهما يكن فقد اخترنا لك مدناً حول العالم علها تحقق رغبتك في رحلة وداع سنة ربما حملت لك الكثير من الأمور السعيدة، لتستقبلي سنة أخرى بكل فرح وتفاؤل.

سيدني وتلاعب الأنوار والألعاب النارية الخاطفة للأبصار
إذا لم تزوري سيدني خلال احتفالات رأس السنة سابقًا، فقد حان الوقت لتحزمي أمتعتك وتحلّقي نحو الجزء الأقصى من الكرة الأرضية إلى أوستراليا.
فالرحلة إلى سيدني للانخراط في احتفال رأس السنة سوف تشكّل لك ذكرى لا يمكن توالي الأعوام وبعد المسافات أن يمحوا أيًا من تفاصيلها. فبينما نصف سكان العالم يحتفلون بوداع السنة بين جناحي البرد والثلوج، تودّع سيدني السنة على الشاطئ المحيط بغلاف ليل صيفي مزركش بالنجوم تنثر نورها الفضي على كل تفاصيل المدينة التي بدورها تبادله بالأضواء والألعاب النارية التي ترمي غشاءها على سيدني أوبرا هاوس، وسيدني هاربر بريدج في مشهد يخطف الأبصار.
ربما لن تتمكني من النزول في فندق يشرف على الميناء حيث يمكنك مراقبة الحدث العظيم لوداع رأس السنة من غرفتك، ولكن يمكنك التوجّه الى الميناء مع بداية المساء واحتلال رقعة من العشب للاستقرار فيها، ومراقبة اليوم الأخير للسنة بهدوء من زاوية تختارينها حيث تتمايل اليخوت الراسية على الميناء مودّعة الشمس، وهي تلقي بخيوطها الأرجوانية على سماء صيف سيدني.
ومع لحظات الغسق عند الساعة التاسعة، تبدأ الجولة الأولى من الألعاب النارية المدهشة في وقت مبكر للعائلات في سيدني للاحتفال مع أطفالهم الصغار بوداع السنة قبل الذهاب إلى الفراش. أما عند منتصف الليل فتتحول سيدني ولا سيما مرفئها ودار الأوبرا إلى تحفتين مرصعتين بالأنوار. حينها يبدأ مهرجان الألعاب النارية، وتبدأ الحشود بالهتاف والعد العكسي والتصفيق لقدوم العام الجديد.

جزر سيميلان العائمة في بحر أندمان في تايلاند
ليس أجمل من استقبال العام الجديد على الطريقة التايلاندية غير التقليدية التي تدخلك في متاهة عالم جزرها، وليس أجمل من أن تحملي في صندوق ذاكرتك صورًا من تحت الماء وأرجوحة شبكية تهدهدك على وقع مد وجزر أمواج تلثم رمال الشاطئ بوجل. فيما تستمتعين ليلة إعلان نهاية العام بمهرجان الألعاب النارية تخترق سماء ليل تايلاند.
فبينما تستعدّ معظم دول جنوب آسيا لشقّ طريقها ضد الرياح الموسمية، يستعدّ شاطئ بحر أندمان، في تايلاند، لاستقبال السماء الزرقاء والمياه البلورية الفيروزية التي تبشر ببداية موسم الغطس في جزر سيميلان البكر، ويمكن القول إنها أفضل وجهة لرياضة الغطس في تايلاند. تبعد هذه الحديقة الوطنية البحرية 60 كيلومترًا عن البر الرئيسي، مما ساهم في احتفاظها بالكثير من جمالها الطبيعي فوق الماء وعمقه.
تخيّلي نفسك تمضين إجازة في عز كانون الأول/ ديسمبر في جزر من الغرانيت تغلفها الغابات المطرية، تستريح عند أطرافها شواطئ لؤلؤية تختبئ في بحرها الشعاب المرجانية حيث يسكن المرجان الملون، وقطعان الأحياء البحرية المثيرة للفضول، فما عليك سوى الغوص في عالمها والاحتفال معها بسنة جديدة تنضح بالألوان.

احتفلي بليلة رأس السنة على شاطئ كوباكابانا- ريو دي جينيرو في البرازيل
ثالث اقتراح لوداع السنة ننصحك به، هو استقبال العام الجديد على شاطئ كوباكابانا في ريو دي جينيرو في البرازيل. انضمي إلى الحشود واستمتعي باحتفال روحي ودنيوي في أمسية واحدة مذهلة. فعطلة رأس السنة هي أطول عطلة في ريو دي جينيرو بعد «كرنفال ريو دي جينيرو» الأشهر في العالم. 
يجتمع في أمسية وداع السنة نحو مليوني شخص يحملون حزمة رمال للترحيب بالسنة الجديدة. يبدأ الاحتفال عند الثامنة مساء وتؤدي الفرق الموسيقية عروضها على المنصّات التي ارتفعت على امتداد شاطئ طوله 4 كيلومترات، لتصدح كل أنواع الموسيقى البرازيلية والعالمية.
عند منتصف الليل، يبدأ عرض الألعاب النارية التي تضيء سماء ريو لمدة تصل إلى 20 دقيقة. ويبقى المحتفلون الأكثر جرأة طوال الليل حتى ساعات الفجر الأولى لمشاهدة شروق شمس صباح السنة الجديدة.
خلال احتفال رأس السنة، هناك احتفال فرعي «يمينخا»  Yemanja مصدره قبيلة كاندومبلي الإفريقية التي تحتفل بسيدة البحر عشية رأس السنة.
يرتدي المشاركون في هذا الاحتفال الزي الأبيض ويضعون أمانيهم في مجسمات قوارب صغيرة تبحر في المحيط، فإذا جرّها التيار نحو البحر، فهذا مؤشر الى أن سيدة البحر سعيدة وستحقق أمانيهم. أما إذا عادت المراكب، فهذا مؤشر الى أن أمانيهم لن تتحقق. أما إذا كنت تخشين الحشود، فهناك اختيارات أخرى، مثلاً مراقبة الألعاب النارية من شرفة فندق يقع قبالة الشاطئ تنزلين فيه أو من على متن يخت يرسو في البحر.
للحجز والاستعلام:  www.rioguiaoficial.com.br

بروكسل عاصمة بلجيكا والاحتفال الذي يكاد لا ينتهي
الكل يتطلعون الى الذهاب إلى بروكسل والاحتفال برأس السنة الجديدة، وهي، أي بروكسل، ترحّب بزوارها القادمين من مختلف أنحاء العالم بحثًا عن الاحتفال المترف الذي تشهده. تستقبلك عاصمة بلجيكا والاتحاد الأوروبي بكل الفرح في رأس السنة رغم البرد الذي يغلفها.
فهذه المدينة التي ترتدي ثوب الأنوار طوال شهر كانون الأول، تجعل ليلة وداع السنة واستقبال أخرى، ذكرى لا يمكن برد السنين أن يتغلب على دفئها. كل الاختيارات ممكنة في بروكسل لتبدئي اليوم الأخير للسنة.
في الواحد والثلاثين من كانون الأول، يتحول وسط العاصمة التجاري، إلى مهرجان من الحركة الصاخبة، وتحديدًا الساحة الكبرى، حيث تتنافس المطاعم على تقديم وجبات من المطبخ العالمي، فيما النوادي الليلية تستعد لأمسية لا تنطفئ أنوارها إلا عندما تلوح خيوط شمس العام الجديد.
فيما تتحوّل الساحة إلى معرض أنوار تتراقص على مبانيها التاريخية بواجهاتها ذات النمط النيو- قوطي والتي تزداد بهاء كلما تقدم بها الزمن. وبدءًا من الحادية عشرة ليلاً، تبدأ الفرق الموسيقية عروضها إلى أن توصلك إلى اللحظة التي تبدئين مع الحشود في العد التنازلي لنهاية العام.
لحظتها سوف تنشغل كل حواسك بالمشهد الخيالي الذي يجتاح المكان، الألعاب النارية والموسيقى. فهنا تجتمع كل الطبقات والأعراق والأجيال... الكل يريد أن يستقبل العام بفرح، وقد يستمر حتى ساعات الفجر الأولى.

أدنبره عاصمة اسكوتلندا ومهرجان هوغمانه Hogmanay
يشكّل الاحتفال برأس السنة بالنسبة إلى الاسكوتلنديين أهمية كبرى، ويعملون على إقناع العالم أجمع بأهمية احتفال هوغماني الذي يجتاح أدنبره العاصمة. ففي الواحد والثلاثين من كانون الأول، تمتلئ شوارع مدن وقرى وأحياء على طول اسكوتلندا وعرضها بالناس الذي يتمنون لبعضهم عامًا جديدًا مليئًا بالبركة والسعادة، ويقرعون الطبول للحفاظ على برد الخليج.
عام 1993 قرر مجلس مدينة أدنبره إضفاء الحيوية على مهرجان هوغماني بتنظيم حفلات موسيقية في شارع الأمراء في المدينة وإصدار دعوة مجانية للعالم أجمع إلى هذا اليوم الاحتفالي المهيب، وخلال سنوات تحوّل هوغماني إلى المهرجان الأكثر شهرة في العالم للاحتفال برأس السنة الجديدة، وأكبر مهرجان شتوي في أوروبا، حيث يشارك فيه أكثر من 250 ألف شخص.
تبدأ فعاليات المهرجان في التاسع والعشرين من شهر كانون الأول، وتبدأ المواكب الحرّة يحمل خلالها المشاركون المشاعل النارية، يسيرون على طول شارع رويال مايل، وصولاً إلى كالتون هيل حيث ترسو سفينة طبق الأصل عن سفينة الفايكنغ المشتعلة.
يمكنك المشاركة في هذه المتاهة الاسكوتلندية وتحصلين على مشعلك الخاص لتكوني جزءًا من المسيرة، من طريق شراء قسيمة، قد يوفرها الفندق الذي تنزلين فيها.
في أمسية الثلاثين من كانون الأول «الليلة السابقة» Night Afore يبدأ كرنفال فنون الشارع، والعروض الموسيقية الحية، حينها تطلقين العنان لدخولك في لعبة الموسيقى والفن. أما ليلة رأس السنة فينفجر هوغماني بالحياة، ويتحول وسط أدنبره التجاري إلى شارع فريد من نوعه حيث الموسيقى والرقص والاحتفال بقدوم العام الجديد.
وفي يوم رأس السنة، يمكنك أن تشاهدي دوغمانيه Dogmany وهو سباق مزلاجات تجرّها الكلاب في متنزّه هوليرود Holyrood Park  أو المشاركة في سباق الركض مدة ساعة على مسافة 1,6 كيلومتر نحو شارع رويال مايل.
للاستعلام : www.edinburghshogmanay.com

أثينا عاصمة اليونان احتفال برأس السنة في حضرة التاريخ
تستعد عاصمة اليونان وعاصمة العالم القديم أثينا لرأس السنة بكل أبهة. فعند أقدام هيكل أكروبوليس الذي يصح أن نلقبه بهيكل الزمن، سوف يودّع سكان أثينا واليونانيون والسياح عامًا ويستقبلون عامًا آخر على مرآى ومسمع التاريخ المتناثر كيفما جلت ببصرك في هذه المدينة.
في يوم رأس السنة، يعتبر اليونانيون أن من يشاركهم في تقاليدهم سوف يكون محظوظًا، في ليلة رأس السنة يبدأ الشباب بتقاذف رذاذ الرغوة ويحملون المطارق البلاستيكية ويشاركون في لعبة حرب افتراضية.
فيما يجري سحب اللوتو في هذه الليلة والجائزة الكبرى قد تصل إلى عشرة ملايين يورو، فلم لا تجربين حظك في هذه الأمسية اليونانية!
لا بد من أن تنسي الحمية إذا ما زرت أثينا خلال كانون الأول موسم الأعياد، فالعشاء هو طبق الحبش المحشو بالكستناء والزبيب يزين موائد اليونانيين، ويقدم أيضًا في المطاعم.
أما التحلية فقوامها العسل مثل ميلوماكارونا Melomakarona  وهي عبارة عن كعك العسل والجوز، وديبلز Diples  وهي لفافات العسل المقلية والمرشوشة بالقرفة والجوز. ولكن لا تحملي هم الحمية فليلة رأس السنة الاحتفالات لا تنتهي، عروض موسيقية وعروض مسرحية، وألعاب نارية تشعل سماء أثينا التاريخية.

عادة طريفة: في اليوم الأول للسنة الجديدة، يكسر اليونانيون رمانة على عتبة بابهم قبل دخولهم المنزل، وهذه عادة تعود إلى الإغريق القدماء، ففي رأيهم أن البذور الحمراء البرّاقة تجلب السعادة والرخاء والحظ إلى جميع أفراد الأسرة.