سالزبورغ Salzburg جميلة نمسوية تسكنها روائع الموسيقى

نمسا,سالزبورغ Salzburg,روائع الموسيقى,القاعة الذهبية,Festungskonzerte,التسوّق,دير نونبورغ Nonnburg,صوت الموسيقى,قلعة هوهنسالزبورغ Hohenslalzburg,متحف,منزل,المدينة النمسوية,The Sound of Music

17 يناير 2016

سالزبورغ هذه المدينة النمسوية الحاضنة لأسرار الموسيقى تحت قباب قصورها الباروكية، وفي فضاء متنزهاتها الجميلة، وعند قمم جبال الألب التي تستريح عند أقدامها.
إنها المدينة التي وُلد فيها موتسارت في القرن الثامن عشر، عام 1756، والمشهد الخلفي والديكور الطبيعي لإحدى روائع السينما الهوليوودية فيلم The Sound of Music الذي صُوّر هنا بين تفاصيل سالزبورغ عام 1965.
إذًا، سالزبورغ تنتظرك بكل جمال طبيعتها وأبّهة تاريخها وروائع موسيقاها، وما عليك إلا أن تحزمي حقيبة السفر وتحلّقي نحو عالم مدينة نمسوية مترفة.


يمكن القول إن زيارة سالزبورغ هي تصفح متأنٍ لكتاب القصص الخيالية للنمسا، فلا عجب في أن يندرج وسط سالزبورغ التاريخي منذ عام 1997 ضمن لائحة اليونيسكو للتراث العالمي. فبين موتسارت وفيلم «صوت الموسيقى»، سمفونية وموسيقى زمنان سكن قبلهما وخلالهما وبعدهما عالم من الجمال النمسوي الباروكي عند شمال الألب.
يدخلك الوقوف عند إحدى ضفتي نهر سالزاخ الذي يخترق سالزبورغ، في عوالم المدن الافتراضية، حيث تتراءى أمام ناظريك فسيفساء من القباب الباروكية والأبراج، تشرف عليها القلعة المستريحة عند الجرف، تزنّرها الجبال الشاهقة، فتبدو المدينة لوحة من أعمال المدرسة الانطباعية، تصدح في فضائها ألحان أوبرا «الناي السحري» لموتسارت، ممزوجة بصوت ماريا في فيلم «صوت الموسيقى» وضحكات أبناء الكابتن جورج فون تراب ينطلقون بحرية بين أحضان الطبيعة الخلابة لسالزبورغ.

اكتشفي سالزبورغ سيرًا على القدمين
ليس أجمل من اكتشاف تفاصيل المدن وروحها التاريخي عبر التجوال سيرًا على القدمين. ووسط سالزبورغ التاريخي يدعوك إلى اكتشافه بسخاء ومن دون حواجز، هنا الهندسة المعمارية للفن الباروكي تستريح في كنائس وأبراج وقصور تعيدك إلى زمن البارونات والدوقات، تسمعين حفيف فساتين يتصاعد أثناء رقصة "فالس" تتمايل على ألحانها بخجل جميلات سالزبورغ، ووجوه تبدو مأخوذة بألحان وأحداث أوبرا «دون جيافوني» لموتسارت.

منزل موتسارت
ليس لغزًا أو مهمة صعبة اكتشاف عنوان منزل موتسارت في سالزبورغ، فالمبنى الأصفر الذي يقف في الوسط التجاري العتيق بأبّهة، يدلك إلى خريطة طريقه من دون تيه. ابدئي من الطبقة الثالثة لتتبعي خط حياة موتسارت ومساره الموسيقي.
هنا في الطبقة الثالثة وُلد موتسارت وعاش حتى بلوغه السابعة عشرة من عمره القصير. جولي بين الجدران التي شهدت على ولادته، وراقبت تفتق عبقرية موتسارت الطفل، وربما حزنت لرحيله عنها شابًا في السابعة عشرة إلى فيينا.
هنا في غرفته تجدين المهد الذي هدهده، وربما تهدهدت معه ألحانه، وفي غرفة أخرى وثائق ومنسوخات كتبت بخطه وصور له، تخيلي المشهد وعودي بالزمن إلى القرن التاسع عشر واسمعي النغمات الأولى للموسيقى الصغير وهو يلعب على كمانه الموجود أمامك.
ثم انزلي إلى الطبقة الثانية التي كُرّست لاهتمام موتسارت بالأوبرا، من بينها آلة كلافيكورد التي ألف عليها «الناي السحري»... إنها مفارقة عباقرة التاريخ، من الآلة الوترية خرجت موسيقى أوبرا تحمل اسم آلة هوائية.

متحف سالزبورغ            
بعد جولة في عالم موتسارت، سيري نحو متحف سالزبورغ، القائم في قصر باروكي قديم. يأخذك هذا المتحف إلى ماضي هذه المدينة وحاضرها. فهنا أجنحة مزخرفة تعرض كل التفاصيل المتعلّقة بوجود سالزبورغ، بدءًا من الحفريات الرومانية وصولاً إلى أمراء الأساقفة ورؤسائهم.
ابدئي زيارتك من الفناء المضيء الذي يقدّم معارض دورية للفن، ثم اصعدي إلى الطبقة الأولى حيث يحدق أمراء الأساقفة ورؤساؤهم من على الجدران إلى «ميتوس سالزبورغ» أو أسطورة سالزبورغ، التي تحتفل بالمدينة مصدرًا للوحي الشعري والفني. وتتصدّر المعروضات لوحة كارل شبايتسفغ Carl Spitzweg الشهيرة «نزهة الأحد» التي تعود إلى عام 1841.
وفي جناح الأمير-المطران وStändesaal التي تعرف بغرفة السيادة، حيث اللوحة المبطنة لأمير الأساقفة، تدخلين إلى العالم المخملي الساكن بين الجص الملوّن المشبوك حول اللوحات الجدارية التي تصوّر تاريخ روما وفقًا لتيتوس ليفيوس Titus Livius.
تدهشك لوحة ميلفلوي المنسوجة التي تعود إلى أوائل القرن السادس عشر، المطرزة بخيوط الذهب، أما المفروشات الفلمنكية فتثير شهيتك لاقتنائها.
كما يأخذك الممر البانورامي إلى دواخل ماضي سالزبورغ، بجدرانه الرومانية والفرن الفخاري، ونماذج للمدينة بمختلف مراحل التاريخ.
وفي المتحف أيضًا، ناقوس 35 سالزبورغ الذي يدق عند الساعة السابعة صباحًا والحادية عشرة ظهرًا والسادسة مساء. ويقع في الجهة الغربية للمتحف.

قلعة هوهنسالزبورغ  Hohenslalzburg
مما لا شك فيه أن قلعة هوهنسالزبورغ هي نجمة الصور البانورامية. فعند البحث أو تصفح موقع إلكتروني لسالزبورغ، تظهر هذه القلعة الأيقونية، وكأنها رمز سالزبورغ المستريح على جرف صخري يشرف على نهر سالزاخ، فتبدو على صفحة مياهه لوحة متحركة انطبعت على وجه النهر رغم سرعة جريانه.
فهذه القلعة المشيّدة قبل 900 عام، واحدة من أكبر قلاع أوروبا، والمحافظة على رونقها كما كانت على سيرتها الأولى. من السهل تمضية نصف يوم هنا، تجوبين بين أسوار القلعة وتقفين عند أحد أبراجها لتستمتعي بمشهد نهر سالزاخ والجبال الشاهقة التي تتأمل المدينة ومساراتها عبر الأزمنة.
كانت القلعة في البداية سورًا متواضعًا شيّده عام 1077 جبهاردفون هلفينشتاين في وقت كانت فيه الإمبراطورية الرومانية المقدّسة على خلاف مع البابوية.
أما الهيكل الحالي للقلعة، فيعود في جمال هندسته المعمارية وروعتها إلى بذخ الأمير ليونارد فون كويتشاخ رئيس أساقفة سالزبورغ 1495-1519 والحاكم الإقطاعي الأخير في المدينة.
ولعل القاعة الذهبية بسقفها المرصّع بالذهب المحاكي لسماء الليل المرصعة بالنجوم، تعكس البذخ الذي كان عليه سيد القلعة، فهنا كانت تقام الولائم المسرفة.
كما تضم القلعة متحف الدمى، فضلاً عن متحف الحصن، الذي يعرض 1612 نموذجًا من الآلات والدروع التي كانت تصنع في سالزبورغ في القرون الوسطى. ومن هذا العالم القديم وما يحضنه من ترف الأمراء وروائع موتسارت، انتقلي إلى العالم الحديث الذي صوّرته الشاشة الفضية في فيلم «صوت الموسيقى». لا بد لفضولك من أن يزور الأماكن التي صوّرت فيها مشاهد الفيلم.

دير نونبورغ Nonnburg  والفيلا والسوق... هنا صورت مشاهد فيلم «صوت الموسيقى» الحقيقية
دير نونبورغ هو دير البينديكتين، شيّده القديس روبرت سالزبورغ عام 714 وهو أقدم دير خاص بالنساء فقط في البلاد الناطقة بالألمانية، وأول راهبة سكنت فيه هي القديسة إيرنترودس سالزبورغ، التي يعتقد أنها كانت، إما ابنة أخت القديس روبرت أو شقيقته.
اكتسب هذا الدير شهرته العالمية، من خلال ماريا أوغستا التي لعبت دورها جولي أندروز، في مشهد استدعاء رئيسة الدير ماريا، لتعرض عليها وظيفة مربية لسبعة أطفال، خارج الدير، لأنها تدرك أن حياة الدير لا تناسب ماريا المحبَّة للحرية والموسيقى والمرح. وهكذا انطلقت شهرة الدير عالميًا بفضل العدسة الهوليوودية. وقد تم اختيار الدير لتكون صورته تذكارية على العملة المعدنية النمسوية في 5 نيسان/ أبريل 2006.
صوّرت المشاهد الداخلية في الاستوديو، ولكن مشهد لحظة خروج ماريا من الدير صوّر فعلاَ في الفناء الخارجي الحقيقي له. سوف تفاجئين عندما تجولين في هذا الدير، بأنه لا يطل على المدينة العتيقة كما يظهر في الفيلم، بل على الضاحية الجنوبية لسالزبورغ.
ولكن اللقطات التي تتبع ماريا أثناء ابتعادها عنه والتي تظهر أنها تغطي أنحاء المدينة، إنما هي في الواقع أخذت على تيراس هومبولدت أمام متحف الفن الحديث، والذي منذ عام 2002 يقف على قمة جرف Monchsberg وقد حل مكان المقهى القديم وينكلر.
أما فيلا فون تراب فهي في الواقع مزيج من مكانين استطاعت الكاميرا الهوليوودية أن تخدع الأعين ليبدوا مكانًا واحدًا. فالدرب الذي تعبره ماريا في الحافلة والمظلل بالأشجار الوارفة، وهو درب هيلبرونر Hellbrunner Allee الممتد من جنوب البلدة القديمة. والموقع الحقيقي لفيلا تراب يقع جنوب شرقي البلدة القديمة لسالزبورغ. ومنذ عام 2008 افتتح فندق فيلا تراب في شارع Traunstrase 34.
أما جسر المشاة الذي يتخطاه أبناء تراب، فيقع بالقرب من «موتسارت ستيج»، شمال ساحة موتسارت، ثم انتقلي كما الكاميرا الهوليوودية سريعًا إلى ساحة دوم التي تقع عند كاتدرائية سالزبورغ... وفي متنزّه ميرابل حيث البركة التي تتوسّطها منحوتة حصان فهي تقع في هربرت فون كارايان بلاتز.
أما السوق Kajetanerplatz، فيقع شمال الدير، حيث تتضح مهارات ماريا في التلاعب بالطماطم. وأخيرًا، لا بد لك من مغامرة النزهة في الطبيعة كما فعلت ماريا وأبناء الكابتن، حيث غنوا ورقصوا وسط طبيعة خلابة، وبدا المرج الأخضر بساطًا من الجمال اللامتناهي. إذًا، عليك التوجه إلى قرية ويرفن جنوب مدينة سالزبورغ، في وادي نهر سالزاخ.

التسوّق في سالزبورغ منافسة لترف الموسيقى
التسوّق في سالزبورغ يختصره شارع Getreidegasse حيث بوتيكات دور الأزياء العالمية تتنافس على عرض أفضل ما عندها، وكأنها تنافس ترف الموسيقى في سالزبورغ. في الماضي، كانت طريقة تنظيف هذا الشارع الذي يعود إلى القرون الوسطى غريبة إلى حد ما.
إذ كان كل يوم سبت وقبل أيام الأعياد، يتم استقدام المياه من قناة ألم Almkanal لإغراق كل زقاق وغسل كل الأوساخ وصولاً الى نهر سالزخ. ربما لأن معظم الأروقة الخلابة والممرات الداخلية التي تحتلها المحلات التجارية الفاخرة اليوم كانت اسطبلات ومخازن. عند تجوالك في هذا الشارع، ستجدين أن موتسارت، وفيلم «صوت الموسيقى»، من أبرز الحاضرين في الهدايا التذكارية التي تعرضها متاجر السوق.
هكذا تتصفحين سالزبورغ أماكن تجولين فيها، بين موتسارت والخيال الهوليوودي تفاصيل تلتقطها كاميرتك، وتسجلها ذاكرتك، لتدركي أن التاريخ يختار سطوره وأن لعبة المونتاج الهوليوودية توحد الأمكنة التي تنتقيها.
عيشي لحظات «الناي السحري» و «صوت الموسيقى» ولا تفوتي مشاهدة أوبرا لموتسارت، أو زيارة فيلا تراب الواقعية. من المؤكد أنك ستعودين إلى بلادك وذاكرتك محمّلة بموسيقى تصويرية ترافق مشاهد طبعتها ذاكرتك السمعية والبصرية... إنها سالزبورغ.
معلومات  يمكنك الوصول إلى قلعة سالزبورع خلال 15 دقيقة انطلاقًا من وسط البلدة العتيق، سيرًا، أو ركوب القطار الجبلي الزجاجي الخاص بالقلعة.
 تنظّم في القاعة الذهبية على مدار السنة حفلات موسيقية  Festungskonzerte، أي حفلات القلعة، والتي غالباً ما تعرض أعمال موتسارت

CREDITS

إعداد: ديانا حدّارة