«أولاد الغيتو- اسمي آدم» للياس خوري... حكاية فلسطينية ثلاثية الأبعاد

الكتاب: «أولاد الغيتو - اسمي آدم»,للياس خوري,حكاية فلسطينية,ثلاثية الأبعاد

مايا الحاج 23 يناير 2016

حينما يعود إلى فلسطين كأنّه يعود إلى ذاته. هذا ما يشعره القارئ في كلّ مرة يكتب فيها الروائي اللبناني الياس خوري عن فلسطين، مسقط القلب. إنّه يحكي عن الوطن- الحلم لعلّه يغدو حقيقة. هو الوطن المستحيل الذي تُحيله الحكايات ممكناً. وفي روايته الجديدة «أولاد الغيتو- اسمي آدم» نجد أنّ الحكي عند صاحب «سينالكول» هو فعل حياة، ووجود. الشخصيات كلّها تتوالد من الحكايات. الياس خوري هو الشخصية الأولى في العمل. روائي لبناني وباحث يُدرّس في جامعة في الولايات المتحدة الأميركية، يتعرّف عبر تلميذته الصينية الجميلة إلى بائع فلافل إسرائيلي خمسيني وسيم، يدخل معه في مشادة كلامية بعد عرض فيلم مقتبس عن روايته الشهيرة «باب الشمس»، قبل أن يقضي منتحراً في غرفته النيويوركية الصغيرة. تصل إليه دفاتر كان قد كتبها ذاك الإسرائيلي الغريب ليجد فيها مادة إبداعية تتجاوز مقدرته الروائية، فيقرّر أن ينشرها باسمها على أنها جزء ثانٍ من روايته «باب الشمس». يتوقف دور خوري عند مقدمة رواية «أولاد الغيتو» لندخل في مقدمة رواية أخرى تحمل اسم بطلها، وكاتبها الأصلي «آدم دنون». وهنا يكتشف القارئ سيرة آدم، الفلسطيني الذي ادّعى أنه اسرائيلي،
بيد أنه في الواقع أول مواليد «الغيتو» الفلسطيني عقب نكبة العام 1948. ومثلما عاش الإسرائيليون استلاباً نفسياً حين أوجدوا «غيتو» فلسطينياً كالذي خصصه الأوروبيون لهم في وارسو، كذلك عاش آدم معنى الاستلاب، فصار إسرائيلياً مفترضاً بينما هو مجرّد يتيم عاش كل أشكال الظلم في الغيتو وذاق طعم الجوع والعطش. وفي الرواية التي كتبها آدم بالمتكلّم على طريقة السيرة، يستحضر شخصية ثالثة من التراث العربي القديم، هي شخصية الشاعر وضّاح اليمن، فيرسم من خلاله صورة موازية لصورته وبالتالي لصورة وطنه المفقود، فلسطين. يغرق الكاتب في تفاصيل حكاية وضّاح وحبّه المستحيل لروض، ويجعلها مرادفاً لقصة حبّه مع دالية. ثمّ يحكي قصة عطشه الموازية لعطش منال، أمّ آدم بالتبني أيّام الحصار في الغيتو. وتأتي قصة مقتل وضّاح مختنقاً في الصندوق الأسود لتتقاطع وقصة موته المتوقعة منتحراً في غرفته الصغيرة، وبالتالي قصة الكثير من الفلسطينيين الذين قضوا اختناقاً داخل وطن صار أشبه بصندوق.
لا تحتوي رواية خوري على حدث إنما على توالد أحداث أو حكايات، تخرج الواحدة من الأخرى لتشكل في النهاية لوحة مكتملة عنوانها «فلسطين». وتبلغ حكاية آدم ذروتها حينما يسرد قصة اللقاء مع صديقه ومعلّمه القديم، مأمون الأعمى، في إحدى جامعات نيويورك. والمصادفة تحدث حين يُخبره- بعد خمسين عاماً على ولادته- أنه ليس ابن منال والشهيد حسن دنون (وهو يحمل اسمه)، إنما ابن امرأة وجدت ميتة تحت شجرة الزيتون عقب وقوع مجزرة اللد في تموز/يوليو 1948.  «قال إنه رفعني عالياً، وهو يصرخ بالجميع قائلاً إنه وجد هذا الطفل مرمياً تحت شجرة الزيتون في حضن أمه التي فارقت الحياة، ولكن لا أحد توقف ليستفسر، أو ليأخذ الطفل من بين يدي الأعمى... قال إنني ابن شجرة الزيتون».
«أولاد الغيتو- اسمي آدم» رواية من طبقات يغوص فيها القارئ ليكتشف حقيقة المأساة الفلسطينية التي ترخي بظلالها على الفلسطيني من مهده إلى لحده، فيظلّ تائهاً بين وجع الحياة داخل البلاد وخارجها.