'ثقافة مصر في المواجهة'... سجال الراهن والمستقبل

كتاب, القاهرة, الثقافة العربية, بهاء طاهر, رفعت سلام, حمدي أبو جليل

24 أكتوبر 2013

جاء مؤتمر «ثقافة مصر في المواجهة» الذي عُقد في القاهرة أخيراً، باعتباره مؤتمراً عاماً للمثقفين المصريين، ليجدد السجال حول راهن الثقافة المصرية ومستقبلها، خصوصاً بعدما شهد البلد ثورتين في غضون عامين.


وفي هذا الاتجاه رأى الرئيس الشرفي للمؤتمر الروائي بهاء طاهر أن المشاركين في هذا الحدث يؤمنون بأن عنوانه لا يتعلق بالمرحلة التى نعيشها فحسب، ولكنه يحدد دور الثقافة المصرية منذ بدء نهضتنا الحديثة؛ حيث خاض المثقفون المصريون كل المعارك التي حررت مصر من عباءة العصور الوسطى المتخلفة إلى آفاق الحرية والحداثة.

وأضاف صاحب رواية «الحب في المنفى» في بيان ختامي للمؤتمر أن هذا المؤتمر يأتي كامتداد طبيعي لجهود المثقفين، ودفاعاً عن حرية المصريين في صياغة مستقبلهم كما تجسد في وقفتهم مع جموع الجماهير المواطنين خلال موجتي الثورة الشعبية العظيمة في 2011، و2013، التي أعلنت تصميم المصريين على تحقيق الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية.


أداء باهت

وفي هذا الصدد لاحظ الشاعر والمترجم رفعت سلام، تعليقاً على المؤتمر وما دار فيه وما انتهى اليه من توصيات وقرارات، أنه بدلا من تأكيد الدعوة- التي رفعها المثقفون لسنوات طويلة- لإعادة هيكلة وزارة الثقافة، وإعادة صياغة «المجلس الأعلى للثقافة»، ورفع الوصاية البيروقراطية عن كاهل المثقفين والمبدعين، وتحجيم- أو إلغاء- الرقابة على الأعمال الإبداعية، وبخاصة السينمائية والتلفزيونية، تحول المؤتمر إلى «مكلمة» استهلاكية، لا أكثر.

وقال الناقد الأدبي الدكتور يسري عبدالله، إن المشهد الثقافي المصري الراهن يعاني من عوار يمكن تلمسه في الأداء الباهت لوزارة الثقافة والتي كانت المتخلف الوحيد عن المعركة ضد جحافل المتطرفين والإرهابيين، مع أن مواجهة التطرف تبدأ بالأساس من هناك.

وذهب مدير النشر في الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة السابق الروائي والشاعر صبحي موسى إلى أنه إذا كان منظمو المؤتمر أخطأوا بالموافقة على عقده في مقر المجلس الأعلى للثقافة وردهاته المكيفة، فيجب ألا يخطئوا باستئمان المؤسسة ورجالها على أحلامهم، وعليهم أن يعتبروا مؤتمرهم هذا في حالة انعقاد دائم، لإيجاد حلول عملية وبسيطة يمكن أن تتبناها الدولة وتدعوهم لتنفيذها من خلالها.

وقال الروائي حمدي أبو جليل إن المؤتمر كان ينبغي أن يناقش ويحدد ما يمكن أن تفعله وزارة الثقافة في المواجهة الحاسمة مع التيارات الظلامية، وماذا يمكن أن تفعله لإنقاذ نفسها وأنشطتها ومنتجاتها الفنية من حالة الموات الشعبي التي تعانيها، ومن هنا كان لا يجب أن يكون مؤتمراً عادياً للجمهور، وإنما مؤتمراً أو ورش عمل تجمع المثقفين العارفين بأحوال الثقافة والمسؤولين للبحث عن مشروع كفيل بوضع منتجات الثقافة وعروضها وأنشطتها وأماكنها عموماً على خريطة الناس اليومية.


استقلال المثقف!

ومن جانبه، أكد بهاء طاهر أنه مثلما كانت الثورة تعبيراً تلقائياً عن طموح الشعب المصري، فإن موقف المثقفين ودعوتهم إلى هذا المؤتمر جاءت تعبيراً حراً وتلقائياً عن إحساسهم بمسؤوليتهم نحو شعبهم العظيم، فلم يخضع هذا الملتقى لأي نوع من أنواع الوصاية من أي جهة حكومية أو غير حكومية، وكان بذاته إعلاناً عن استقلال المثقف عن السلطة الحاكمة ليتوجه بولائه إلى المواطن صاحب السلطة الحقيقية والباقية!

وأضاف أن هذا التوجه تعزز بأن المشاركين في المؤتمر مثلوا الأجيال والتيارات الفكرية كافة، كما مثلوا أقاليم الوطن من الحضر والريف، بما في ذلك من طال تجاهلهم، وأثرى ذلك التنوع قدرة المؤتمر على التعبير بصدق عن مشاكل الواقع وعن آمال المستقبل، وساعد على ذلك أن مناقشاته جرت بحرية تامة، فلم يصادر أحد على رأي زميل آخر، وتم التعامل مع الاختلاف في الآراء باعتباره مصدر غنى للحوار لا مجالاً للعراك والنزاع، إيماناً بأن الجميع يسعون لتحقيق الهدف الأساسي للمؤتمر وهو أن تكون الثقافة سلاحاً فعالاً في معركة النهوض والتقدم.

ولاحظ بهاء طاهر أنه إلى جانب المناقشات التي دارت في الجلسات، فقد قبل المؤتمر الأوراق والأبحاث كافة التي تم تقديمها إليه، ونوقشت مناقشة مستفيضة جرى خلالها التعبير عن مختلف الآراء.

وأكد أن المشاركين في المؤتمر اتفقوا على أن الهوية ليست قضية تخضع للجدل ولكنها تعبّر عن نفسها في شكل تلقائي من خلال المعايشة المجتمعية التي تعبر عن التنوع في إطار وحدة طبيعية دون أن تصهر أو تذيب التنوع الخلاق لمكونات المجتمع بل تثري بالتفاعل في ما بينها تلك الوحدة التي تشكل الهوية الموحدة للمجتمع.

وذكر في البيان الختامي أيضاً أن المشاركين في المؤتمر رأوا أن المعارك التي خاضها الشعب المصري فى ثوراته المتعاقبة ونضاله السلمي على امتداد قرنين من الزمان، كانت صراعاً حقيقياً يحمى حقوق الأفراد وحرياتهم في إطار دولة مدنية تتحقق فيها المساواة في إطار المواطنة والعدالة الاجتماعية والديموقراطية الحقيقية.

كما رأى المشاركون، بحسب البيان الختامي نفسه، أن حرية الإبداع تتحقق باستقلال المثقف عن سلطة الدولة واستقلال الثقافة عن كل أشكال الضغط السلطوي أو المجتمعي، وأن تلك الحرية هي التي تضمن ازدهار الفكر وقدرته على إحداث تغيير إيجابي في المجتمع بمقاومة عوامل الاستبداد والقهر واستئصالها من الدولة والمجتمع.

ورأى المشاركون في المؤتمر-كذلك- أن ثقافة المواجهة تعني في النهاية توفير حرية كاملة للمبدعين والمثقفين، باعتبار تلك الحرية تمثل مسؤولية يقع على عاتق المثقفين حمايتها وتوجيهها لخدمة أسمى الأهداف الدائمة للثقافة، أي الحق والخير والجمال في وطننا ليصبح منارة يشع نورها على وطننا العربى وعلى العالم بأسره.