سليم نصّار يكتب التاريخ بنَفَس حميمي

الكتاب: «خارج الموضوع»,الكاتب والصحافي سليم نصار

مايا الحاج 30 يناير 2016

«خارج الموضوع» (دار الجديد) هو كتاب خارج التصنيف بالدرجة الأولى. تقرأه فلا تدري إن كانت نصوصه سِيراً بيوغرافية أم مقالات صحافية أم ذكريات ولمحات تاريخية. إنه شيء من كل هذه الأشياء، بلا أيّ ادعّاء أو تزلّف، ومن هنا جاء اختيار العنوان «خارج الموضوع».
من مانديلا وهيتلر وموغابي وبرتراند راسل، إلى ابنة ستالين وحقيقة كاميكاز اليابان وسرّ غيبوبة شارون وقَتَلة يوليوس قيصر وطبيب حمّانا الذي أنقذ الصين من البرص، يروي الكاتب والصحافي العريق سليم نصّار التاريخ بأسلوب مغاير. يحكيه بنَفَس حميمي عبر تداعيات الذاكرة الشاهدة على تحولاّت قرن. لا يُقدّم سليم نصّار نفسه مؤرخاً في هذا الكتاب، لكنّ قارئ «خارج الموضوع» يتعرّف إلى أهمّ أحداث القرن العشرين عبر وجوهها الأساسية. وإن لم تكن بعض تلك الوجوه معروفة، غير أنها تختزل بحضورها مواقف وأفكاراً وتيارات شكّلت واجهة القرن الماضي، منهم الطيّار الذي قابله الكاتب في المستشفى الحكومي في طوكيو والذي اعترف له بأنّ خجله من العودة مهزوماً دفعه إلى الاختفاء مدة طويلة من الزمن في غابة نائية ليس فيها سوى الحيوانات. وهو نفسه الذي أخبره عن فرقة الكاميكاز ومهماتها وعقيدتها القتالية التي لا تبتعد عن عقلية الفرد الياباني الذي يؤمن بأن تحقيق مهماته الوطنية جزء لا يتجزأ من تقاليده وواجباته وأخلاقه. أو ابنة ستالين، سفيتلانا، التي التقاها  صدفة في بيت جارته الفرنسية المتزوجة من أمير روسي، في لندن. وشخصية ثالثة استحضرها سليم نصّار وأعاد اكتشافها في هذا الكتاب وهو الطبيب اللبناني، ابن حمّانا، جورج حاتم الذي كان طبيب ماو تسي تونغ ومرافقه، والذي أطلق عليه الصينيون اسم «ما هاي دو». واللافت أنّ هذه الشخصية حاضرة في التاريخ الصيني المعاصر باعتبارها «المُنقذ». فالطبيب اللبناني كان أسّس جمعية طبية لمحاربة مرض البرص الذي انتشر بقوة خلال ثورة 1930، قبل أن ينجح في شفاء الكثيرين وتجاوز هذه المحنة، مما دفع بالزعيم ماو الى منحه الجنسية الصينية تقديراً لخدماته ووفاء لتضحياته، وعيّنه وزيراً للصحة في الصين. وحين طلب نصّار من الطبيب حاتم في ثمانينات القرن الماضي إعداد نبذة عن سيرة حياته بغية معاودة كتابتها، تجاوب معه وحكى له تفاصيل عن حياته طفلاً فقيراً في أميركا قبل أن يصير وجهاً شعبياً، بل استثنائياً في الصين.
«خارج الموضوع» كتاب جميل وسلس يضم بين دفتيه مقالات اختارها سليم نصّار من خزانته الزاخرة، تروي حياةً وأسفاراً ولقاءات مع زعماء وقادة وفلاسفة وشخصيات أخرى ساهمت في كتابة التاريخ المعاصر.