إجراءات صارمة ضد المتاجرين بـ 'الزواج الأبيض'

الزواج, المغرب, قضايا المرأة

02 نوفمبر 2013

أكدت مصادر في وزارة العدل المغربية أن ست سيدات سعوديات تزوجن برجال يحملون الجنسية المغربية، عام 1433هـ، موضحة أن عقود النكاح تمت في محاكم المملكة، فيما بلغ عدد زيجات السعوديين من مغربيات في العام نفسه 77 زيجة. وأوضحت المصادر أن هناك شروطاً خاصة لزواج السعوديات من رجال أجانب، أقرّتها وزارة الداخلية، وهي ألا يقل عمر السعودية عن 25 عاماً، وإذا كانت على قرابة بالخاطب، كأن تكون ابنة خاله من الدرجة الأولى وثبت ذلك، فيجب ألا يقل عمرها عن 21 عاماً. أما إذا كانت مطلّقة فعليها إرفاق صورة من صك طلاقها، وصورة من بطاقة العائلة لوالدها إذا كانت مضافة فيها، أو نسخة من سجلها المدني ونسخة من بطاقة الأحوال إن وجدت، كذلك إرفاق صورة مصدقة من إقامة طالب الزواج الأجنبي سارية المفعول وإثبات عمله من الجهة التي يعمل على كفالتها. كما يشترط على الرجل السعودي الراغب في الزواج من أجنبية تحقق البنود التي وضعتها وزارة الداخلية لإتمام الزواج، وهي ألا يقل عمر مقدم الطلب عن 30 عاماً، وإذا كانت هناك صلة قرابة بينه وبين العروس، فيجب ألا يقل عمره عن 25 عاماً، ولا تعبَّأ الاستمارة لمن لديه زوجة إلا إذا كان مطلقاً أو زوجته متوفاة أو لديها عاهة أو مرض يحول دون المعاشرة الزوجية ويثبت ذلك بتقرير طبي. وعلى السعودي إرفاق صورة من صك الطلاق إذا كان مطلقاً ومضى على طلاقه ستة أشهر، وإذا كانت المخطوبة غير السعودية تقيم داخل المملكة فعلى الخاطب إحضار صورة من إقامتها سارية المفعول، كما يجب على الراغب في الزواج إرفاق إثبات يؤكد أنه يعمل، ويوضح مقدار دخله الشهري. 


وكانت مجموعة من الدراسات التي أجريت بخصوص زواج المغربيات بالأجانب، بيّنت أن نسبة هذا النوع من الزواج قد ارتفعت إلى 60 في المئة من المغربيات يُفضّلن الارتباط برجُل فرنسي على مستوى الدول الغربية، وبسعودي على الصعيد العربي، وفق آخر الإحصاءات الرسمية الواردة في هذا الباب. أما على المستوى العربي فاحتلّت السعودية صدارة الدول العربية التي ارتبطت مغربيات بمواطنيها، تلتها مصر، الجزائر، الإمارات، تونس والبحرين، بينما تقل نسبة المغربيات المتزوجات من رجال من ليبيا، فلسطين والأردن، وتـُسجّـَل في هذا الباب نسبٌ أقلَّ بكثير في كل من سلطنة عمان، سورية، السودان، لبنان، العراق وقطر.


مشاكل كثيرة للزواج المختلط

من جهة أخرى، تعاني الكثير من المغربيات اللواتي كـُتِب على جبينهنّ الزواج والانفصال بغير المسلمين بعد فترة بمشاكل كثيرة، إذ يجد الطرفان نفسيهما عرضة للتجاذبات العاطفية واختلافها، كنتيجة حتمية لاختلاف الدّين والمعتقد والتقاليد والتربية، والتي غالباً ما تنكشف بوادرها الأولى مع قدوم أول مولود، فتكون البداية بعدم اتفاقهما على الاسم  ورفض الأب أسماء عربية، خاصة منها ذات الدّلالات الدينية، مما يجعلهما يختلفان حول تحديد الاسم لابنهما المولود حديثا: هل سيكون عربياً أم أجنبياً؟

 كما يختلف الزوجان حول الإعذار أو الختان الذي يعتبره الأجانب انتهاكاً لحقوق الطفل وتدخلاً في تحديد هويته الدينية التي يمنحونه حق اختيارها بعد البلوغ، بخلاف المسلمين، الذين يرون الختان ضرورة. وغير هذا من المشاكل التي تدخل في صميم العلاقة الزوجية، والتي لا يمكن أن تؤكدها «وثيقة إسلام» يُدلي بها الزوج من أجل الحصول على الموافقة على الزواج، ومن ثمة توثيقه لدى السلطات المغربية.

قد تعترض الزواج المختلط عوائق تجعل استمراره مستحيلاً، مما يدفع أحد الطرفين إلى طلب وضع حد لهذه العلاقة التي قد ينتج عنها أبناء. فبخصوص النفقة، عادة ما يلجأ الزوج الأجنبي بعد الزواج بمدة قصيرة إلى التحجّج بضرورة الذهاب إلى بلده، قصد الاطلاع على أعماله، مثلاً، فيسافر دون عودة ويترك زوجته وولده -إنْ وجد- دون نفقة، مما يضطر الزوجة لإقامة دعوى للمطالبة بنفقتها ونفقة أبنائها، غير أنها تنتظر أشهراً، إنْ لم نقل أعواماً، بسبب تعذر تبليغ المدعى عليه -الزوج- لأنّ التبليغ يتم بالطريق الدبلوماسية. وحتى إنْ تيسَّر التبليغ  بعد أشهر طويلة، فإنه يستحيل تنفيذ الحكم الصادر على الزوج في الخارج، لأنّ الأمر يتطلب مجموعة من المصاريف، كما أنّ التنفيذ يتم بالطريقة الدبلوماسية التي تتطلب أشهراً. وينتهي هذا إلى إهدار حقوق مجموعة من الزّوجات والأبناء، إلا انه بعد أن تشتدّ أزمة عدم الإنفاق على الزوجة، فإنها تحاول وضعَ حد لهذه التجربة الفاشلة، عن طريق تقديم طلب التطليق للشقاق أو عدم الاتفاق أو للغيبة، لأنّ الطلاق يتعين أن يتقدم به الزوج.

ففي التطليق للشقاق أو لعدم الاتفاق، لا بُدّ من حضور الزوج، وهو ما يتعذر حصوله إذا كان قد عاد إلى بلده، ونقف أمام صعوبة التبليغ مرة أخرى، لأنّ الأمر يتم بالطرق الدبلوماسية التي تطول مدتها.
أما التطليق للغيبة فلا بد فيه من تغيّـُب الزوج عن زوجته مدة تزيد عن سنة، وعلى الزوجة إنجاز ملفّ يسمى «موجب غيبة»، وتستدعي المحكمة الزوج، وإذا كان مجهول العنوان، فإنّ المحكمة تتخذ مجموعة من الإجراءات لتبليغ دعوى الزوجة إليه، منها النشر في جريدة يومية، وإذاعة الدعوى ثلاث مرات في الإذاعة الوطنية، وبعد ذلك يعيّن قيّم عن الزوج، يُجري بحثاً بمساعدة النيابة العامة، فإنْ لم يحضر الزوج طلقت المحكمة زوجته عليه. لكنّ التطليق للغيبة يأخذ -هو الآخر- وقتا طويلاً لكثرة إجراءاته وتعقدها، إن كان الزواج قد تم في المغرب ووفق القانون المغربيّ، أمّا إذا تم في الخارج ووفق القانون الأجنبي فإنّ أهمَّ مشكلة تواجهه الزوجة إذا كان الزواج مدنياً وتم الطلاق في الخارج هي أنّ المحاكم المغربية ترفض تذييلَ هذه الأحكام بالصيغة التنفيذية، لكون الزواج ينافي النظام العامّ المغربي.

وبخصوص الحضانة، فإنها تعطى للأم بعد انتهاء العلاقة الزوجية، بموجب المادة الـ171 من مدوّنة الأسرة، وتستمر إلى حين بلوغ المحضون سنَّ الرشد القانونية للذكر والأنثى، غير أنه يحق للمحضون الذي أتم الخامسة عشرة سنة أنْ يختار من يحضنه من أبيه أو أمّه، غير أنّ أهمَّ مشكلة تُطرح في حالة الزواج المختلط هي في الحالة التي يكون فيها الزوجان يقيمان خارج المغرب ويستعمل الزوج وسائلَ احتيالية لترحيل الزوجة إلى المغرب والاحتفاظ بالأبناء، وكذلك بكل الوثائق الخاصة بالزوجة والأبناء، فتتعذر على الزوجة المطالبة باسترجاع الحضانة أو يلجأ الزوج إلى توريط الزوجة في «قضية فساد»، مثلاً، تـُدان بسببها فيتم إسناد الحضانة إلى الزوج وفق القانون.

وأوضح جمال الدين ريان رئيس حركة المغاربة الديمقراطيين المقيمين في الخارج، أن هناك العديد من المشاكل الاجتماعية والقانونية والشرعية المترتبة على زواج المغربية بالأجنبي، لِما لذلك من تأثيرات على الأبناء، خاصة أبناء الجيلين الثاني والثالث، وتتعلق المشاكل بما هو تربويّ أكثر مما هو مادي، فالفتيات المغربيات اللواتي يتزوجن من أجانب يعلمن أنّ الزوج الأجنبي غير المسلم لم يُسْلم إلا شكلياً، وأنّ البيانات التي يدلي بها ليست سوى بيانات كاذبة في معظم الحالات، مع العلم أنّ غالبية من يتزوجن بأجانب لا يعرفن الحكم الشّرعي في هذا الزواج، لذلك يجب اتخاذ الإجراءات القانونية الضرورية لتقنين زواج المغربية بالأجنبي. وإذاْ كان قانون منح الأم المغربية الجنسية لأبنائها قد حلّ جزءاً من مشاكل هؤلاء الأبناء، فإن معاناة المغربية المتزوجة بأجنبي تتواصل مع أولادها الذين يفقدون، في أحيان كثيرة، الأوراق الرسمية الضرورية لتسجيلهم في المدارس والمعاهد التربوية، بسبب هروب الأب وتخليه عن الأسرة.
وطالب ريّان  بتنظيم لقاءات توعوية منتظمة، داخل المغرب وخارجه، بهدف إظهار حقيقة الزواج المختلط، إضافة إلى إدراج مادة «فقه الأسرة» في مختلف مناهج التعليم، مع تخصيص برامج إعلامية لنشر الوعي بقدسية الزّواج وخطورته.


إجراءات صارمة ضدّ المتاجرة بالزواج

في المقابل، بدأت العديد من الدول الأوربية اتخاذ إجراءات صارمة في ما يخص التجمعات العائلية، لكن رغم أنها انتهجت أسلوب عدم التساهل في منح الجنسية بسرعة للمتزوجين  حديثاً وقد حدّدت خمس سنوات أو أكثر لضمان استمرار الأجانب، فإن أغلب المقبلين على الزواج الأبيض يلجأون إلى التحايل.
فالعديد من الفتيات المغربيات الحاصلات على وثائق الإقامة في هذه الدول الأوروبية ما زلن يتاجرن بما يسمى الزواج الأبيض الذي صار «مهنة» عند من يجنون من ورائه دخلاً مهماً خصوصا مع فصل الصيف الذي يتزايد فيه الإقبال على هذا النوع من الزواج وتتلهّف فيه نفوس الشباب إلى العبور إلى الضفة الأخرى.

ثمة فتيات كثيرات يرغبن في هذا النوع من الزواج للحصول على مكسب مادّي، يأخذن نصيباً منه ويتركن بعضاً منه لمساعدة أسرهن،  غير أن هناك العديد  من الفتيات الأخريات، يكنّ تحت سلطة آبائهن الذين يدفعوهن إلى هذا النوع من الزواج.
وهناك أيضاً طرف ثالث يستفيد من هذا الزواج، هن نسوة تخصّصن في الوساطة لهذا النوع من الزواج، أصبحن يقمن بدور الخاطبات فيعرضن العرسان على العروس والعكس صحيح، يتجوّلن بين المنازل ليعرضن هذه الخدمة على معارفهن، ويبحثن عن الفتيات العاملات في الخارج، ويحاولن إقناع أوليائهن بهذا النوع من الزواج الذي سيدرّ عليهن دخلاً جيداً.

بيد أن صفقات «الزواج الأبيض» لا تنتهي غالباً كما تشتهي أنفس أصحابه، فقد شهدت المحاكم المغربية عشرات القضايا موضوعها الرئيسي «الزواج الأبيض»، تقدمت بمعظمها نساء حضرن من دول غربية يحملن وثائق رسمية لطالما حلمن بها لتغيير أوضاعهن الاجتماعية. غير أن كل أحلامهن ضاعت في خضم بحثهن عن حلول لتورطهن في هذا النوع من الزواج.
ففي بعض الأحيان ترتبط فتاة بزوج أجنبي بغية الحصول على الإقامة فقط، لكنها تفاجأ بأن الزوج «الشكلي» يعرض نفسه كزوج حقيقي، ولكن  وفي معظم هذه الحالات لا يكون هناك تكافؤ بين الزوج والزوجة، كأن يكون فارق السن كبيراً بين الطرفين، أو يكون مقعداً أو مصاباً بمرض عضال وفي حاجة إلى من يرافقه ويقدم له خدمات طبية ومنزلية، فتتحول الزوجة الى ممرّضة وخادمة على الدوام.
وقد يماطل الزوج «الشكلي» في فك رابطة الزوجية لأسباب عدة، فيمارس ابتزازه على الزوجة الباحثة عن إقامة قانونية فقط، خاصة إذا كان عاطلا عن العمل، فيجدها فرصة سانحة لابتزاز ضحيته والحصول على مبالغ مالية تغنيه عن البحث عن وظيفة. وللوصول إلى هذا المبتغى، يطلب هذا الزوج «الافتراضي» مبلغاً مالياً كبيراً نظير فك ارتباطه، ولكن غالبا  ما تعجز الفتاة عن سداد المبلغ.


إسبانيا والمغرب... الأزمة الاقتصادية تؤجّج طمع أبناء الزواج الأبيض

من جهتها، تمكنت الشرطة الإسبانية من وضع يدها على شبكة ضخمة تنشط في مجال الزواج الأبيض، وتتعامل أساساً مع «زبائن» مغاربة.
وأفادت مصادر إعلامية إسبانية أن أفراد الشبكة كانوا موزعين على مدن إسبانية عدة، وتمكنوا من الحصول على موافقة مواطنات إسبانيات على إبرام عقود زواج صورية مع مهاجرين مغاربة مقابل مبالغ تراوح بين 3 آلاف و6 آلاف يورو.

واستغلّت الشبكة الرغبة الملحّة للشباب المغاربة في الوصول إلى الجانب الإسباني والعمل هناك بشكل قانوني، والوضع الاقتصادي المتأزّم لمعظم الأسر الإسبانية الذي جعل مجموعة من الفتيات يقبلن بفكرة الزواج الأبيض بغية تحصيل مبالغ مالية إضافية.
من جهتها، كشفت الشرطة في مدينة باليرمو عاصمة جزيرة صقلية الإيطالية، أنه في إطار تفكيك شبكة متخصّصة في الزواج الأبيض بين مواطنات إيطاليات ومهاجرين مغاربة، أوقف خمسة إيطاليين بتهمة التحايل وتسهيل الهجرة السرية، بالإضافة إلى تهمة «تعدد الأزواج» بالنسبة إلى سيدتين من الموقوفين وذلك بجمع إحداهما بين ثلاثة أزواج مغاربة في وقت واحد في حين «اكتفت» الثانية بزوجَين.

وأورد الموقع الإلكتروني لصحيفة «كورييري ديلا سيرا» أن التحريات انطلقت قبل أربع سنوات عندما تقدم أحد المهاجرين المغاربة لدى مكتب الأجانب في باليرمو لتسوية وضعه القانوني في إطار التجمع العائلي بزوجته الإيطالية التي تزوجها في المغرب بعقد مغربي، إلا أن تحريات الشرطة أفضت إلى كون الإيطالية زالت متزوجة برجل آخر، لتنكشف في ما بعد خيوط الشبكة التي كان يقودها شخص سبق له أن تزوج بمهاجرة مغربية وله معارف في المغرب، ويشتبه في أنه تولّى ترتيب العديد من الزيجات بين إيطاليات ومغاربة يرغبون في الحصول على الإقامة في إيطاليا مقابل مبلغ عشرة آلاف يورو عن كل زواج. واستطاعت الشرطة الإيطالية كشف عشر حالات بتعاون أحد المهاجرين المغاربة بعد تيقنه من استحالة الحصول على بطاقة الإقامة رغم دفعه ما لايقل عن سبعة آلاف يورو. ولا تستبعد الشرطة أن تكون الشبكة قد نظّمت زيجات أخرى لم تتمكن من كشف النقاب عنها. وذكرت مصادر مطّلعة أنه بالإضافة إلى العقل المدبّر، ألقي القبض على أربع نساء إيطاليات، منهن اثنتان عقدتا قرانهما على أكثر من مهاجر مغربي في الوقت نفسه، فاستطاعت روزا كوكوتسا أن تجمع بين ثلاثة مغاربة، في حين أن مواطنتها فابيولا كاروزا متزوجة من مغربيين.