الطلاق على الورق فقط والزواج مستمر!

الطلاق على الورق فقط,الزواج مستمر,مصالح شخصية,مكسب مادي,شرعية استمرار الحياة

القاهرة - أحمد جمال 21 فبراير 2016

بعض الأزواج والزوجات يقررون التحايل على القانون بطلاق صوري على الورق فقط، يحققون من خلاله مصالح شخصية، فيكونون على الورق مطلَّقين، بينما في الواقع تستمر بينهم الحياة الزوجية الطبيعية! قد تكون المصلحة في مكسب مادي تحصل عليه الزوجة كمطلقة أمام أجهزة الدولة، أو في إعفاء ابنها من الخدمة العسكرية باعتباره الراعي لها بعد الطلاق... لكن ماذا يقول علماء الدين عن هذا الطلاق الصوري، ومدى شرعية استمرار الحياة الزوجية بعده؟


سأل أحد الأزواج مفتي مصر الدكتور شوقي علام، عن حكم الشرع في ما سبق أن قام به قبل سنوات، من تطليق زوجته على الورق فقط في المحكمة أو عند المأذون، في حين استمرت الحياة الزوجية بالاتفاق العرفي حتى يحصل ابنه على إعفاء من الجيش لرعاية والدته.
وفي قضية مماثلة، جاءت سيدة إلى المفتي تطلب فيها حكم الشرع في ما فعلته – وتفعله غالبية الزوجات - بحصولها على الطلاق الصوري من أجل اكتساب مميزات اجتماعية ومساعدات تقدمها الدولة للمطلقات، كالمعاش مثلاً، فضلاً عما تحصل عليه المطلقة من تبرعات أهل الخير في المؤسسات الدينية والاجتماعية، في حين تستمر الحياة الزوجية بشكل طبيعي!
ولذلك أصدر الدكتور شوقي علام فتوى جديدة، حرّم من خلالها تطليق الزوجة طلاقاً صوريّاً، ثم إرجاعها بالاتفاق العرفي، من أجل إعفاء الابن من الجيش أو الحصول على مساعدات خيرية من الدولة أو أهل الخير.
 وأضاف: «لا يجوز شرعاً مخالفة القوانين الوضعية طالما أن لا تعارض فيها مع أحكام الشرع، ولهذا يعد الخارج عليها آثماً شرعاً لمخالفته قول الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا» (آية 59) سورة «النساء».
وأشار الدكتور شوقي علام، إلى أنه إذا وثّق الطلاق عند المأذون، فإنه يكون طلاقاً محسوباً ومعتدّاً به شرعاً وقانوناً، ولا بد من أن يكون الرجوع على يد المأذون لئلا تضيع الحقوق، إذ لا يجوز التحايل على القوانين التي تجرّم الطلاق الصوري، ونحن نفتي بأنه يقع حتى وإن اختلفت حوله آراء بعض الفقهاء القدامى والمعاصرين، بحجة أن التوثيق ليس شرطاً في الزواج أو الطلاق، وإنما العبرة بما ينطقه الرجل من ألفاظ يثبت بها زواجه أو ينهيه بالطلاق.

زوجة محرّمة
يؤيده في الرأي الدكتور عبدالله النجار، عضو مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر، حيث يؤكد أن الطلاق الصوري نوع من التحايل والخداع المرفوض شرعاً، ولهذا يخشى فاعله أن يتم الإبلاغ عنه أو فضح أمره، لأنه يعرف أن ما فعله مجرم قانوناً، ومن ثمَّ يكون مجرماً شرعاً، لأن وراءه مصلحة غير مشروعة، ويخاف فاعلها أن ينكشف أمره، ولهذا يروى أن رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) قال للصحابي وابصة: «جئت تسأل عن البر والإثم؟ قال: قلت نعم. فجمع أصابعه فضرب بها صدره، وقال: استفتِ نفسك، استفت قلبك يا وابصة – ثلاثاً - البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك». وفي رواية أخرى «البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس».
ويشير الدكتور عبدالله النجار إلى أن الإسلام يحارب كل الوسائل غير المشروعة، التي فيها تحايل لنيل حق ليس من حقك، ولهذا فإن الطلاق الصوري ممقوت ومنبوذ شرعاً، ويجب الابتعاد عنه لما فيه من مخالفات شرعية، ولهذا قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك».
وينهي الدكتور النجار كلامه، مؤكداً أنه لا يصح إلا الصحيح، بمعنى أن الزواج أو الطلاق العلني والرسمي – وليس الصوري - هو أسلم الطرق من الناحية الشرعية والقانونية، ولهذا فإن الإسلام يرفض الطلاق الصوري ويعتبره واقعاً من الناحية الشرعية، لأن لا بد من معاملة الجاني بعكس مراده أو هدفه ليرتدع، فيكون الردع بأن يُحسب الطلاق الرسمي الموثّق طلاقاً حقيقياً، وبالتالي تُحرَّم عليه زوجته، لأنها تحولت إلى مطلقة ويجب على الحاكم تنفيذ هذا الحكم، لأن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.

مرفوض شرعاً
 يؤكد الدكتور أحمد أبو الوفا، كبير الأئمة في وزارة الأوقاف، أن هذا الطلاق الصوري لا يرضاه الله تعالى، ولا رسوله (صلّى الله عليه وسلّم)، ولا الرأي العام، ولهذا نجد القائمين به يخفونه عن الناس، لأنهم يعلمون أن ما يفعلونه خطأ وأخذ لحقوق الغير واستحلال لمال الآخرين، من خلال المساعدات الخيرية للمطلّقة صورياً أو مخالفة القانون بإيجاد مبرر غير واقعي لعدم التحاق الابن بالقوات المسلحة، مع أن الجندية شرف في الدفاع عن الأمة، ولهذا فإن التهرب منها خيانة ويجب تفعيل القاعدة الشرعية «درء المفسدة مقدم على جلب المنفعة».
ويضيف الشيخ أبو الوفا: «المسلم الحق هو من يتحرى الحلال ويحرص على الصدق والشفافية في القول والعمل، ولا يبحث عن ثغرات القانون لارتكاب مخالفات تخدم مصالحه فقط على حساب المجتمع (سواء على مستوى الأفراد أو الجماعات)، لأن الاستيلاء على حق الغير أو التهرب من واجب ديني أو وطني بالكذب أو استباحة ما ليس له، أمر يرفضه الشرع، ولهذا قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): «إياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً، وعليكم بالصدق فإن الصدق بر، والبر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً».  وينهي الشيخ أبو الوفا كلامه قائلاً: «أحذّر من يحترفون هذه السلوكيات الملتوية والمنحرفة، بأن الله سبحانه وتعالى سيكشف أمرهم ويفضحهم في الدنيا والآخرة وعلى رؤوس الخلائق، وإن نجحوا في التحايل في الدنيا فستكون فضيحتهم في الآخرة، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، ولهذا نذكّرهم بقول الله سبحانه وتعالى: «وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إلى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ» (آية 281) سورة «البقرة».

العبرة بنطق الطلاق
يقول الدكتور محمد المنسي، رئيس قسم الشريعة في كلية دار العلوم في جامعة القاهرة، إن رغم رفضه الفكرة جملة وتفصيلاً، يرى بعض الفقهاء أن القضية خلافية، حيث إن توثيق الطلاق أو الزواج لا علاقة له بكونه حلالاً أو حراماً، وإنما العبرة بما يتلفظ به الرجل عند زواجه أو طلاقه. ولهذا فإن ما تم الانعقاد به وهو التلفظ بألفاظ الطلاق، وليس التوثيق هو ما ينحل أو ينتهي به عقد الزواج؟؟؟، وهو أن ينطق الزوج بألفاظ الطلاق صراحة من دون اشتراط التوثيق أيضاً. وهذا الرأي الفقهي، رغم التحفظ عليه في عصرنا الذي خربت فيه الذمم وقلّ الوعي الديني، هو رأي يُحترم، خاصة أنه قائم على أدلة شرعية لا يمكن إغفالها.
ويشير الدكتور المنسي إلى ضرورة ابتعاد الأزواج والزوجات عن التفكير بأن الطلاق الصوري سيحل لهم مشكلات أو يجلب لهم منافع، لأنه على أفضل الوجوه فيه شبهة من الناحية الشرعية، حيث اختلف الفقهاء في كون هذا الطلاق الصوري يقع أو لا يقع، وبالتالي يُحرّم الزوجان على بعضهما بعضاً، ووجوب التعامل بينهما على أنهما مطلقان، ووجوب مؤخر الصداق ومفارقة الزوجة لبيت الزوجية. ويدعو الدكتور المنسي من يفكرون في التحايل من طريق «الطلاق الصوري»، استناداً إلى الفقهاء القائلين بعدم وقوع الطلاق طالما لم يتم التلفظ بألفاظه صراحة، إلى التفكر في قول رسـول الله (صلّى الله عـليه وسلّم): «إن الحلال بيّن وإن الحـرام بيّن وبينهما أمور مشتبهات لا يعـلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فـقـد استبرأ لديـنه وعـرضه، ومن وقع في الشبهات وقـع في الحرام، كـالراعي يـرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجـسد مضغة إذا صلحـت صلح الجسد كله وإذا فـسـدت فـسـد الجسـد كـلـه، ألا وهي الـقـلب».

شبهات شرعية
تؤكد الدكتورة إلهام شاهين، أستاذة العقيدة في كلية الدراسات الإسلامية للبنات في جامعة الأزهر، أن الطلاق الصوري قضية جدلية، لا بد من أن يتم طرحها على المجامع الفقهية لإصدار فتاوى شاملة وجامعة حولها، بحيث يُحسم الجدل في شأنها، وهذا المطلب بإحالة القضية الى المجامع الفقهية أمر مطلوب شرعاً، باعتبارهم أهل الذكر الذين أمرنا الله باللجوء إليهم وسؤالهم عن اختلافنا حول مسألة فقهية، حيث يقول الله تعالى: «وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ» (آية 7) سورة «الأنبياء».  وتوضح الدكتورة إلهام أن اجتهادها الشخصي هو أن هذا الطلاق عليه شبهات شرعية، بدليل أن الغالبية العظمى من أبناء الأمة الإسلامية يرفضونه بالفطرة السوية، لما فيه من التحايل والخداع، بصرف النظر عن كون هذا الطلاق يقع أو لا يقع من الناحية الشرعية. وهذا الإجماع من الرأي العام الإسلامي على رفضه يعد دليلاً على عدم تقبله من الناحية الشرعية، لقول النبي (صلّى الله عليه وسلّم): «إن الله لا يجمع أمتي على ضلالة ويد الله مع الجماعة». وتنهي الدكتورة إلهام كلامها، مؤكدة ضرورة معاقبة الخارجين على إجماع الأمة، التي يجب أن تتصف كل تعاملاتها بالصدق والشفافية، بعيداً من التلاعب والبحث عن ثغرات لتحقيق مصالح شخصية، حتى لو كانت على حساب تعاليم الدين أو أمن الوطن والمواطن وحقوقهما، لأن التهرب من واجب أو الاستيلاء على حق ليس من حقك فيه إضرار بالآخرين، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، فمثلاً حصول المطلّقة صورياً على تبرعات من المؤسسات الخيرية أو الشؤون الاجتماعية هو نوع من أكل أموال الدولة والناس بالباطل، وقد نهانا الشرع حيث قال الله تعالى: «وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إلى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقاً مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ» (آية 188) سورة «البقرة».

تحذير
تحذر الدكتورة عبلة الكحلاوي، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في بورسعيد في جامعة الأزهر، الأزواج والزوجات الذين يلجأون الى الطلاق الصوري، من عقاب الله، وهو أشد من عقاب القانون الذي يتهربون منه، بل إن من يفعل أو تفعل ذلك ويقلدهما الآخرون، يقول عنهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً».
وترى الدكتورة عبلة، أن الدعوة إلى الطلاق الصوري هي بلا شك نوع من الدعوة إلى الضلالة، لما فيه من عدم الصدقية، ولهذا فإننا نخشى أن يكون القائمون أو القائمات بهذا النوع من الطلاق يعيشون معاً في الحرام، وبالتالي لن تنفعهم أموالهم ولا أولادهم شيئاً، لهذا قال الله تعالى: «لَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاء لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ» (آية 94) سورة «الأنعام».  وتختتم الدكتورة عبلة كلامها مؤكدة أن الحقَ أحقُّ أن يتبع، والصدق في القول والعمل ينجي من عذاب الله في الدنيا والآخرة، ولهذا قال الله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِين» (آية 119) سورة «التوبة». ويكفي من يفعل ذلك أو يدعو إليه أن يكون ممن قال فيهم الرسول (صلّى الله عليه وسلّم): «من سنّ في الإسلام سنّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سنّ في الإسلام سنّة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء».

حق يراد به باطل
«الويل كل الويل لمن شجع على هذا النوع من الطلاق الصوري»، هكذا بدأت الدكتورة أماني عبدالقادر، الأستاذة في كلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، كلامها، وأضافت: «لا قيمة لما يستند إليه هؤلاء بأن التوثيق لا دخل له في مشروعية هذا الطلاق، فهذه مقولة حق يراد بها باطل، وظاهرها الرحمة والحلال وباطنها العذاب والحرام، لأن الشرع يُقر الأعراف والقوانين السوية التي تنظم حركة المجتمع، ولهذا قال الله تعالى: «خُذِ الْعَفْوَ وَاْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ» (آية 199) سورة «الأعراف».
وتشير الدكتورة أماني إلى أن «التوثيق»، من الناحية الشرعية، سواء للزواج أو الطلاق، لا يؤثر في الحلال أو الحرام، لكنه أمر أقرّه ولي الأمر محافظة على الحقوق – خاصة للزوجة – من الضياع، بسبب ضعف الوازع الديني لدى بعض الأزواج في عصرنا، ولهذا فإن الأزواج والزوجات الذين يلجأون الى الطلاق الصوري يرتكبون إثماً عظيماً، ويكفيهم أن يكونوا ممن قال الله فيهم: «لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ» (آية 25) سورة «النحل».
وتحذر الدكتورة أماني من يفعلون ذلك، استناداً إلى بعض الآراء الفقهية للفقهاء القدامى، الذين لم يكن في عصرهم توثيق أصلاً، فكان الزواج أو الطلاق يتم بالكلمة فقط، لكن هذه الكلمة كانت أقوى عندهم من ألف كلمة مكتوبة وموثّقة، لأنهم كانوا يخشون الله ويبتعدون عن شبهة الحرام، خاصة في ما يتعلق بالأعراض. أما في عصرنا الحالي، فإن هناك توثيقاً لإثبات الحقوق، ومع هذا نجد من يتحايل على التوثيق من خلال الطلاق الصوري.

تنشئة خاطئة
وعن التفسير الاجتماعي لهذه القضية الجدلية، يشير الدكتور محمود عرفان، أستاذ الاجتماع في جامعة الفيوم، إلى أن تراجع التنشئة الدينية الصحيحة أساس كل الفساد في المجتمع، لأن القيم والأخلاق تراجعت وحلّت محلها «الفهلوة» واستحلال الحرام، حتى وصل الأمر إلى الأعراض وليس الأموال فقط، حيث يرضى بعض الأزواج والزوجات العيش معاً في الحرام، بعدما لجأوا الى الطلاق الورقي أو الصوري فقط.
ويشير الدكتور محمود إلى أن منظومة الأخلاق في خطر عظيم، ولا يجني ثمارها المرّة القائمون بها فقط، بل كل من عرف بالخطأ أو الفساد ولم يبلّغ عنه، لأن السلبية المجتمعية تشجع على الفساد، حتى يصل الأمر إلى أن يكون الرجل مطلقاً زوجته في المحاكم ويعيش معها في بيت الزوجية وكأن شيئاً لم يكن، ويسكت المجتمع عن هذا الخطأ، مما يشجع الآخرين على تقليده طالما نال من مخالفته هذه مصلحة دنيوية، مثل حصول مطلقته – شكلياً – على تبرعات من أهل الخير، وتسجيل اسمها في معاشات المطلّقات، أو نجاحها في الحصول لابنها على تأجيل أو إعفاء من الخدمة العسكرية، باعتباره الكفيل الوحيد لها كمطلقة تحمل ورقة طلاق رسمية من المحكمة، في حين تعيش هي حياة زوجية مستقرة.
وينهي الدكتور محمود عرفان حديثه، مؤكداً أن الإصلاح الحقيقي لأي خلل في المجتمع يبدأ من الأسرة، التي يجب أن تعلّم أبناءها وبناتها التمييز بين الحلال والحرام منذ الصغر، فينشأ الصغير على خشية الله في السر قبل العلن، وبالتالي يكون منضبطاً بالضوابط الشرعية في الحلال والحرام في حياته كلها، وليس باحثاً عن ثغرة قانونية يحقق بها مصالح شخصية محرّمة شرعاً وقانوناً.