«السماء تهرب كلّ يوم» رواية أولى كاتيا الطويل ترسم أنصاف أبطال بأحلام لا تكتمل

كتاب,السماء تهرب كل يوم,كاتيا الطويل

مايا الحاج 12 مارس 2016

لا تقدّم كاتيا الطويل في روايتها الأولى «السماء تهرب كلّ يوم» (نوفل، هاشيت- أنطوان) أبطالاً، إنما أنصاف أبطال. كأنّ الكاتبة لم تستطع أن ترسم شخصياتها كاملةً في لحظة هروبها، وهي لحظة خاطفة، متعجّلة. فاستحالت الشخصيات مجرّد أطياف بلا معالم واضحة.  «نصف ثائرة»، «نصف مسلم»، «نصف سارق»... هكذا تضع الطويل العناوين الداخلية لروايتها كي تكرّس لعبتها في وضع القارئ أمام شخصيات تعيش أزمات، مع الداخل والخارج، فتظلّ عالقة في النصف حيث الاكتمال يستحيل وهماً.
تتقدّم الشخصيات عبر فصول متشظية تنسجم وحالة التشظي التي تعيشها هذه الشخصيات. أولئك الهاربون من ماضيهم وأخطائهم ونزواتهم وكبواتهم يلتقون معاً في مكان واحد. إنها كنيسة بعيدة ونائية، غير محددة المكان. هناك، نجد المرأة الجميلة المتحررة التي هربت من بيئتها الرجعية واحترفت الفن لتصير نجمة محبوبة إنما من دون شريك أو بيت حميم، وكذلك الشاب الطموح الذي واجه تطرّف أخيه وأنقذ شقيقته كي تحقق أحلامها من دون أن يؤمّن لها بديلاً من دفء الأسرة وحنوّها. نجد أيضاً السارق الهارب من خطيئته، والمتطرّف الذي يفشل في إتمام مهمة تفجير نفسه. هؤلاء جميعاً إنما يجدون لحظة هاربة أيضاً على المقعد الخشبي لعلّهم يرتاحون من تعب المسير. ومن مشهد الاستكانة العابرة (لشخصيات لا تعرف كيف تستكين) تنطلق أحداث الرواية، ونقول أحداثاً في وقت تكاد تخلو فيه الرواية من الأحداث.
أمّا الراوي فهو ذاك المقعد الخشبي المهترئ في الكنيسة النائية. هو أيضاً نصف بشري، إذ غدا راوياً عليماً يمسك طرف السرد من بداية الرواية حتى نهايتها: «مصائبي سببها الناس. كل الناس مصائبهم الناس… أنا مقعد خشبي مهترئ صرت أُشبه البشر…».
يجمع الراوي (المقعد) قصص هؤلاء الهاربين ليقدمها في فصول منفصلة/ متصلة لا تكتمل إلاّ في نهاية الرواية.
يصف الراوي الشخصيات بأوصافها الاجتماعية والنفسية الدقيقة. ينقل حركات أجسادهم المتوتّرة المضطربة: «شعرتُ بقبضتها القوية مشدودة على عنقي تحاول نقل ألمها واختناقها إليّ»، ثمّ «عادت إلى الضغط على عظامي الخشبية المهترئة»، كأنه يريد أن يصوّرهم في حالة اعتراف لا تخلو من رهبة يليها إحساس بالتطهّر، ولو كان عابراً.