عبادي الجوهر: رحيل زوجتي صدمني وأصبحت أباً وأمّاً لبناتي

عبادي الجوهر,صدمني,العشرات,العود,الدكتوراه الفخرية,مصر,المواهب الغنائية,الأغنية الخليجية,الأغنية العربية,المطربين,الساحة الفنية

محمود الرفاعي (القاهرة) 19 مارس 2016

عندما كان صغيراً لم يخطط لأن يصبح أحد أهم نجوم الغناء الخليجي، فقد كان يتمنى ارتداء بدلة الضابط، لكنه احترف الغناء وتألق فيه، وأطلق عليه الجمهور لقب «أخطبوط العود». الفنان عبادي الجوهر يتحدث عن صدمته برحيل زوجته، والأغنية التي عبر فيها عن إحساسه بفقدانها، وكيف أصبح أباً وأمّاً لبناته... كما يتكلم عن أحوال الأغنية الخليجية، وحصوله على الدكتوراه الفخرية في مصر، والأصوات التي تعجبه.


- بعد أكثر من أربعين عاماً على وجودك في الساحة الفنية، ما الذي لا يزال عالقاً في ذهنك قبل مرحلة النجومية؟
ولدت في كنف عائلة بسيطة، وعشت يتيماً، فوالدي محمد الجوهر توفي بعد ولادتي بثلاث سنوات، وربّتني والدتي مع شقيقي عبدالرحمن، إلى أن توفيت وأنا في عمر الـ 19 عاماً.
وخلال هذه الفترة من حياتي لم أكن أخطط لأن أصبح فناناً، وحين كان يسألني الناس عن طموحاتي المستقبلية، كنت أُجيبهم بأنني أريد أن أصبح ضابطاً في العسكرية السعودية، لكن الظروف أو قل الصدفة هي التي قادتني إلى احتراف العزف والغناء، فأتذكر أنني أول ما بدأت التعلم على العود، كنت أجلس لأكثر من تسع ساعات يومياً من أجل العزف، وأذكر أن أول أغنية عزفتها كانت أغنية «الهوى ما ترحمونا».

- بعد رحيل شقيقك عبدالرحمن وزوجتك أم سارة فكرت في الاعتزال، فهل تجاوزت هذه المرحلة حالياً؟
رحيل أخي ومن ثم زوجتي كان بالنسبة إليّ كالصدمة، لكنها سنّة الحياة وسنّة الله في خلقه، وفي داخل كل إنسان مساحة للحزن، ويفقد أعزاء وسيظل يفقد أعزاء إلى أن يموت بدوره، لكن بعد فترة تخف الصدمة، وأشعر الآن بأن حزني قد خفّ، لكنه لا يُنسى، فما من إنسان يستطيع أن ينسى أهله.

- هل كانت زوجتك قادرة على استيعاب عملك؟
كانت رحمها الله إنسانة أكثر من رائعة، وتتفهمني سريعاً، مثلاً من أبرز عيوبي الملل، فأملُّ بسرعة من كل شيء، من الأكل، ومن عدم السفر، ومن ديكور غرفتي... فكانت تساعدني وتحاول أن توفر لي الراحة التامة، خصوصاً أنها كانت تدرك أن طبيعة عملي كفنان مزعجة، فأسافر باستمرار وأترك البيت لأسابيع وشهور، كما أسهر طويلاً من أجل تسجيل الأغنيات وإحياء الحفلات، ومع ذلك كانت تستوعبني، وتقف الى جانبي حين يستوقفني المعجبون والمعجبات لكي يلتقطوا صوراً معي، وكنت أسألها: هل تنزعجين من ذلك؟ فتردّ: على العكس، أحزن حين لا أرى أحداً يتصوّر معك.

- هل أنت راضٍ عن دورك كأب لبناتك؟
أعتقد أنني أديت رسالتي كأب بشكل سليم، بعدما فعلت كل ما في وسعي وفي حدود إمكانياتي، وبما كان يسمح لي الوقت للبقاء بقربهن.
وأجد أنني قد ربّيتهن تربية صالحة، والنتائج كانت مرضية للغاية، بعدما أدخلتهن جميعاً الى الجامعات وتفوقن في دراستهن، واحداهن تزوجت وجعلتني جداً الآن، وفي الفترة التي رحلت فيها والدتهن كنت بالنسبة إليهن الأب والأم، كما فعلت معي أمي بعد رحيل والدي، وسأظل الى جانبهن إلى آخر يوم في عمري، فهن بناتي اللواتي أنعم الله عليَّ بهن، وأتمنى أن أراهن دائماً في أفضل حال.

- هل غنيت لزوجتك بعد رحيلها؟
قدمت أغنية بعنوان «الجرح أرحم»، وعبرت فيها عن حزني لفقدان زوجتي التي عشت معها سنوات طويلة.

- لماذا لم تفكر في الزواج من بعدها؟
فعلت مثلما فعلت أمي بعد وفاة أبي، كان عليَّ ألا أفكر في الزواج ثانيةً وأضع نصب عينيَّ مستقبل بناتي، فأنا وفيّ لهذه السيدة التي أتمنى من الله أن يرحمها ويدخلها الجنة، لما فعلته في حياتي وحياة بناتها.

- ظهرت في فترة كانت مليئة بكبار المطربين من أمثال أم كلثوم وعبدالحليم ووردة وفايزة أحمد ووديع الصافي وصباح وفيروز وطلال مداح، هل كان النجاح بينهم صعباً؟
إطلاقاً، لأنني أرى أن ظهوري وسط هذه الكوكبة من المطربين قد ساهم كثيراً في نجاحي، فهذا الأمر يعبّد الطريق أمام المواهب الحقيقية للظهور والانتشار السريع، بل إنهم كانوا يساندون المواهب، ومن هنا لم أجد صعوبة في تحقيق النجاح وإثبات وجودي في عصر العمالقة في مصر والوطن العربي.

- ما تقييمك لحال الأغنية العربية الآن؟
بالتأكيد، الأغنية العربية الآن لا تسر أي شخص، إذ أصبحنا في عصر تُشاهد فيه الأغاني من دون الاستماع إليها، لأن الأغاني الحالية خالية من المضمون، ولا تحمل أي رسالة، على عكس ما تربينا عليه في الأجيال الماضية، بداية من عصر أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب وعبدالحليم حافظ، حتى القنوات الفضائية أصبحت لا تهتم بالمضامين الراقية والمحترمة، وتعرض كل الأشكال، في وقت كان ينبغي عليها أن تقدم محتوى راقياً ومحترماً للجمهور. وأتمنى أن يراعي الجميع أهمية الحفاظ على الأغنية العربية وإعادتها الى سابق عهدها.

- هل تقصد أن الأغنية العربية انهارت خلال السنوات الماضية؟
أبداً، فهناك أسماء فنية تحافظ على اختياراتها وتحترم ذائقة الجمهور، وتحرص دائماً على تقديم كل ما هو جديد، لكنني أقصد هنا القنوات والإذاعات التي أصبحت تعرض أعمالاً لا تحمل أي مضمون. وأعتقد أن المسألة بيد وزارات الإعلام العربية، والمحطات التلفزيونية المتخصصة، والرقابة على المصنفات الفنية... فهم قادرون على إعادة تنظيم تلك القنوات، خصوصاً أننا في الوطن العربي نملك رصيداً كبيراً من الفنانين الحقيقيين، الذين يعملون حالياً على إعلاء شأن الأغنية العربية ويحرصون على المحافظة عليها، وعلى كل القنوات ووسائل الإعلام أن تهتم بأعمالهم وتعرضها، لأنها أعمال تتضمن محتوى ورسالة هادفة.

- هل تعارض التطور الموسيقي الذي يحدث حالياً والأشكال الموسيقية المختلفة التي ظهرت على الساحة؟
بالتأكيد أنا لست ضد التطور والحداثة في الموسيقى والفن عموماً، لكن بالنسبة إليّ، يجب ألا نستغني في الموسيقى عن آلات التخت الشرقي كالعود والناي والقانون، فالتجديد أمر طبيعي وأساسي، وينبغي له أن يحدث، لكن يجب أن يكون بعيداً تماماً عن الأشياء الرئيسية والأساسية في الموسيقى، وعلينا كعرب أن نحافظ على هويتنا الفنية العربية، من دون أن ننكر قيمة التكنولوجيا التي ساعدتنا كثيراً في مجال التسجيلات الفنية، شرط أن تبقى قيمتها في حدود مساهمتها في تطوير أغنيتنا العربية من دون إلغاء هويتها الشرقية.

- كيف ترى حال الأغنية الخليجية الآن؟
الأغنية الخليجية باقية ما دام هناك فنانون كبار يستطيعون المحافظة عليها، ويسعون إلى تقديم الكلمة المهذبة والجمل اللحنية الخاصة، التي تحمل بين طياتها الهوية الخليجية من أمثال الفنان الكبير محمد عبده وعبدالمجيد عبدالله وراشد الماجد وعبدالله الرويشد.

- مَن هن المطربات العربيات اللواتي تحب الاستماع إلى أغنياتهن؟
هناك عشرات الأصوات التي أحب دائماً مرافقتها في الغناء، أمثال السورية أصالة نصري التي غنيت معها أخيراً، والمطربة أنغام وآمال ماهر التي قدمت معها دويتو غنائياً أكثر من رائع، كما أحب كل من يقدم الفن الجيد والهادف والملتزم بالطرب العربي الأصيل.

- والمطربون؟
هناك عدد كبير من المطربين الخليجيين الذين أحب الاستماع إليهم، مثل محمد عبده وعبدالله الرويشد، كما أنني من هواة الاستماع إلى أغاني الزمن الجميل، وأستمع أيضاً إلى كل الأعمال التي تقدم على الساحة، فليس هناك فنان لا أستمع اليه، سواء كان من خلال التلفاز أو الإذاعة أو عبر شراء أسطواناتهم الموسيقية.

- ما رأيك في برامج اكتشاف المواهب الغنائية التي انتشرت أخيراً؟
هي تفتح الباب أمام المواهب، لكن اختيار الفائزين تتدخل فيه عوامل أخرى بخلاف الموهبة، فمثلاً تصويت الجمهور تدخل فيه اعتبارات الجنسية أكثر من الموهبة الحقيقية.

- هل لجان تحكيم تلك البرامج صالحة بالفعل لاختيار المواهب الغنائية؟
بدون ذكر أسماء، هناك بالفعل عدد من هؤلاء الفنانين يصلحون لاختيار المواهب، نظراً الى امتلاكهم الخبرة الكبيرة في عالم الأغنية، لكنْ في المقابل هناك عدد كبير لا يصلح لذلك، وقد تم اختيارهم لكونهم فقط شكلاً جميلاً يضاف إلى اللجنة.

- كيف حافظ عبادي الجوهر على نجوميته كل هذه الفترة؟
الغناء هو عنوان حياتي، فلا أستطيع أن أبتعد عنه مهما حصل، ولذلك أعمل ليل نهار من أجل فني وجمهوري، كما أعمل من أجل الحفاظ على مكانتي التي حققتها، ولا بد لي من أن أتابع آخر ما وصلت إليه الموسيقى. إضافة إلى ذلك، لا أضع حاجزاً بيني وبين جمهوري أو مع وسائل الإعلام، فمنذ أن ظهرت على الساحة الفنية لم يساعدني مدير أعمال أو حتى متحدث باسمي، لأنني أحب أن أتعامل مع الناس بشخصي.

- ما تعليقك على منحك الدكتوراه الفخرية في مصر منذ أشهر قليلة؟
خلال مشواري الفني الطويل الممتد لأكثر من أربعين عاماً، مُنحت أعلى وأغلى الأوسمة والجوائز، لكن هذا التكريم سيظل علامة فارقة في حياتي، لأنه جاء من أكاديمية فنية تحمل عبق التاريخ، فآخر شهاداتها الفخرية منحت لموسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب في عام 1975، مما يدفعني اليوم الى المزيد من العمل والاستمرار في هذا المجال، ويحفزني وزملائي المكرّمين على مواصلة طريق النجاح، وتقديم أعمال فنية جديدة تليق بمستوى المستمع العربي، وتستحق أن تخلّد في ذاكرته، لذا أشكر الأكاديمية وأشكر جمهور مصر وإعلامييها الذين ساندوني وفرحوا بمنحي هذه الدكتوراه.

- هل صحيح أنك تمتلك العشرات من آلات العود في منزلك؟
هذا الكلام غير صحيح، ربما تم إطلاقه لأن لقبي هو «أخطبوط العود»، وكل ما أمتلكه هو أربع آلات من العود أحب العزف عليها، لكن لا بد من الاعتراف بأنني أهوى اقتناء وشراء هذه الآلة الجميلة، كعود الموسيقار محمد القصبجي المصنوع في عام 1911، الذي اقتنيته منذ ثمانينيات القرن الماضي، وعزفت عليه أغنية واحدة، وهناك أيضاً عود الفنان السعودي الكبير طلال مداح الذي نلت شرف الاحتفاظ به.