مضيفة الطائرة المصرية المختطفة تكشف أسراراً مرعبة: «السيلفي» مع الخاطف كان تكليفاً من السلطات المصرية

الطائرة المصرية المخطوفة,الإسكندرية,القاهرة,سيلفي,الخاطف,مقابلة,خطف,طائرة

فادية عبود (القاهرة) 16 أبريل 2016

في غضون ساعات قليلة على اختطاف الطائرة المصرية التي كانت متجهة من الإسكندرية الى القاهرة وأجبر الخاطف طاقمها على التوجه بها إلى قبرص، تصدرت المضيفة نيرة عاطف مواقع التواصل الاجتماعي بسبب صورتها «السيلفي» مع ذلك الخاطف... وبعد عودتها إلى القاهرة تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي أن المضيفة صاحبة «السيلفي» كان لها دور بطولي مع ركاب الطائرة، ولعبت دوراً أكبر في الكشف عن هوية الخاطف. «لها» التقت المضيفة نيرة عاطف لتروي أسرار وتفاصيل ساعات الرعب التي عاشتها هي ومن كانوا معها في الطائرة.


في البداية أوضحت نيرة أنها تبلغ من العمر 29 عاماً، وهي متزوجة منذ ست سنوات، وأم لطفل اسمه محمود عمره ثلاث سنوات، وقد عملت في شركة مصر للطيران منذ عام 2009، وأكدت أنها لم تلتقط الصورة من أجل الشهرة، بل بتكليف رسمي من السلطات المصرية، وكان أول أسئلتنا لها:

- عندما كنت تشاهدين في الدراما الأجنبية أو العربية مشاهد خطف الطائرات، بمَ كنتِ تشعرين؟ وهل توقعت يوماً أن تكوني ضحية حادث مشابه؟
 لم أتخيل أبداً أن أتعرض لحادث اختطاف طائرة في حياتي. وعندما كنت أشاهد تلك اللقطات في الدراما، كنت أقول إنها ضرب من الخيال، حتى أن آخر حادث اختطاف لطائرة مصر للطيران جرى عام 1997 تقريباً، وكان في قبرص أيضاً، أي قبل التحاقي بالعمل بـ12 عاماً.

- كيف كانت لحظات الاختطاف؟
 تستغرق الرحلة من مطار برج العرب إلى مطار القاهرة 30 دقيقة، وهي مدة قصيرة جداً، وبالتالي على طاقم المضيفات تقديم الخدمات بسرعة نظراً الى ضيق الوقت. وعندما لمحت الخاطف، كنت في الكابينة أعد على عجل بعض الخدمات للركاب، فوجدته يقف الى جواري في الكابينة، فظللت أنظر بدهشة إلى الحزام الناسف الذي كان يرتديه، فعيني تراه لكن عقلي يرفض تصديق الواقع، عندها رجعت خطوات إلى الوراء وسألت أحد أفراد الطاقم: هل رأيت ذلك الرجل؟ فأجابني: «نعم علمنا بالأمر»، فتسمّرت في أرضي وأنا أبكي لا أعلم كيف أتصرف ولا كيف سيكون مصير الطائرة والركاب، ثم عدت إلى مكاني وتابعت تقديم الخدمات الى الركاب حتى لا يشعروا بأي شيء.

- هل علم الركاب بالاختطاف في بادئ الأمر؟
 إطلاقاً، جميع طاقم العمل في الطائرة عمل جاهداً للسيطرة على الموقف، فمثلاً زميلتي ياسمين سبل تولّت أمر الخاطف والتفاوض معه، في محاولة منها للسيطرة على مكان تحركه ليبقى بالقرب منا في الجزء الخلفي من الطائرة، ونقلنا الركاب إلى الأمام بحيث إنه لو قدّر الله ووقع انفجار سيكون الجزء الخلفي هو الأقوى، وكانت مهمتي تقديم الخدمات الى الركاب بصورة طبيعية، تلافياً للإرباك.

- ألم يلاحظ الركاب أمراً مريباً قبل إفصاحكم عن الخطف؟
 شعروا بأن وقت الرحلة قد طال، وفجأة وجدوا أن الخريطة أمامهم قد تبدلت اتجاهاتها من مطار القاهرة إلى مطار لارنكا، فبدأوا يسألونني إلى أين نحن ذاهبون؟ ولماذا تغيرت اتجاهات الخريطة؟ فبدأت أطمئنهم وأخبرهم بأنه حدث عطل فني في الطائرة، وعلينا الهبوط في قبرص لنصلحه. لكن البعض أخذوا يتساءلون، كيف يُصلح العطل في قبرص والقاهرة هي الأقرب! فكنت أتهرب من الرد على هذا السؤال بتغيير الموضوع والتركيز على إصلاح العطل في قبرص.

- كم استغرق من الوقت تحليقكم في الجو؟
 تقريباً ساعة ونصف ساعة بدلاً من نصف ساعة.

- من المؤكد أنها مرت عليكم وكأنها الدهر كله!
 لم أنظر في الساعة وقتها، ولا أعلم كيف مرت تلك المدة، فكل طاقم المضيفين كان مشغولاً بمهمته الجديدة... ياسمين سبل وحازم أبو بكر توليا التعامل المباشر مع الخاطف، فحازم كان حلقة الوصل بينه وبين الكابتن، وياسمين كانت بطلة التفاوض معه والسيطرة على إبقائه في مكانه في الجزء الخلفي من الطائرة، ونيهال كان موقعها في الجزء الأمامي من الطائرة، أما أنا فكنت مع الركاب لتقديم الخدمات وبث الطمأنينة في قلوبهم.

- كيف علم الركاب بأمر الاختطاف؟
 لاحظوا التحركات الكثيرة داخل كابينة الطائرة، خاصةً أننا أسدلنا الستائر، وهذا أمر غير معتاد، فضلاً عن تغيير الخريطة التي أخبرتهم بأننا مضطرون للتوجه إلى مطار لارنكا في قبرص، وفي النهاية استحصالنا على جوازات سفرهم بناء على طلب الخاطف، الذي أخذ منا هوياتنا الخاصة بالعمل أيضاً، فنفذت ذلك بمعية زميلي حازم أبو بكر، وأخيراً أعاد الخاطف جوازات السفر الى المصريين واحتفظ بتلك الخاصة بالأجانب، وهنا كثرت أسئلة الركاب، مؤكدين أن أمراً مريباً يحدث في الطائرة، لكنني استمررت في الكذب عليهم، وقبل هبوطنا في مطار قبرص بـعشر دقائق حاصروني بكثرة الأسئلة، وبدأ كذبي ينفضح إلى أن تدخل «شيف» الطائرة وأخبرهم بأننا مختطفون، والخاطف لا يزال على متن الطائرة، وطالبناهم بالتزام الهدوء حتى نخرج بأقل الخسائر الممكنة، والغريب في الأمر أن الثبات الانفعالي للركاب كان عالياً رغم اختلاف جنسياتهم وثقافاتهم.

- كيف أفرج الخاطف عن ركاب الطائرة بعد وصولكم إلى مطار لارنكا؟
 طوال الوقت كانت ياسمين تحاول إقناعه بالحد من عدد الخسائر في الأرواح، وتؤكد له أن رهينة واحدة مثل مئة أو ألف، فبمجرّد هبوطنا سمح للسيدات المصريات بمغادرة الطائرة، لكنهن رفضن المغادرة من دون أطفالهن. ومع المزيد من التفاوض معه، سمح لجميع الركاب المصريين وطاقم الضيافة الراكب بالمغادرة، واحتفظ بطاقم الضيافة العامل، وكنا ثمانية بالإضافة إلى خمسة ركاب أجانب.

- صفي لنا مشاعر الركاب وقت مغادرة الطائرة؟
 كانت مشاعرهم حميمية جداً، وتبدلت الأدوار فجأة، وأصبحوا هم من يطمئنوننا بأننا سنلتقي على خير، وأنهم في انتظارنا في صالة الوصول حتى نعود إليهم بسلامة، مؤكدين أنهم لن يغادروا قبرص بدوننا، ومن الركاب الذين أثروا فيّ سيدة أصرت على العودة إليَّ وتقبيلي، والتأكيد أننا سنلتقي في صالة الوصول قريباً... راكب آخر جاء ليقبّل جبيني حينما كنت أوصله إلى باب الطائرة في محاولة منه لطمأنتي. أما الراكب الذي لا أنسى فضله فهو الذي كنت أستعير هاتفه بعد تعطل هاتفي، لأحدّث أمي وأختي. بصراحة، جميع الركاب كانوا متعاونين.

- هل كانت مطالب الخاطف سياسية كما أشيع؟
 بغض النظر عما نشر في وسائل الإعلام بدون تصريحات مصادر مؤكدة، فلا أحد يعلم مطالب الخاطف سوى الكابتن، وهو لم يصرح بشيء، والسلطات القبرصية، لأن خطاب الطلبات سلّم إلى الكابتن الذي سلّمه بدوره إلى السلطات القبرصية بعد نزولنا إلى أرض المطار، لكن الخاطف تحدث مع ياسمين عن طليقته الهاربة منه وبناته، وطلب من ياسمين استدعاء طليقته التي لا يعلم عنوانها، كما ظل يتحدث عن صعوبة العيش في مصر، لكن المطالب الحقيقية كانت مع كابتن الطائرة، ولم نكن نملك الوقت الكافي للتحدث في ما تتضمنه، إذ كان هدفنا الأكبر الحفاظ على أرواح الركاب.

- ما سر صورتك «السيلفي» مع الخاطف والتي تصدرت مواقع التواصل الاجتماعي؟
 استدعاني الكابتن الى الكابينة، وطلب مني أن ألتقط صورة مع الخاطف حتى نرسل صورته إلى السلطات المصرية ليكشفوا عليه جنائياً ونعلم من هو؟ وهل هو مجرم أم ماذا؟ وفي أثناء عودتي إلى كابينة الضيافة في آخر الطائرة، كنت أفكر في قرارة نفسي كيف أفعل هذا، حتى طلب مني الراكب البريطاني التقاط صورة للذكرى مع الخاطف، فلم أتمالك نفسي من الضحك، فشر البلية ما يضحك، فاصطحبته ووجدتها فرصة للتصوير معه أيضاً. والمضحك في الأمر أنني عندما أخبرت الخاطف برغبة راكب في التقاط الصور معه، رحب فوراً، والتقطت بدوري صورة معه، وأنا بالطبع لم أفعل هذا لتخليد الذكرى ولا من أجل تصدر مواقع التواصل الاجتماعي، بل لضرورات أمنية، ولا أعلم كيف تسربت صورتي إلى الإعلام ومن ثم إلى مواقع التواصل الاجتماعي.

- أشيع أن الخاطف مختل عقلياً... هل لاحظتِ ذلك في تعاملك معه؟
 بالعكس كان شخصاً واعياً تماماً لما يفعله، وكان مدركاً للتفاوضات ومصراً على تنفيذ مطالبه، حتى أنه بعدما قبل بالمفاوضات على الحد من الخسائر في الأرواح، وأطلق سراح ثلاثة من طاقم المضيفين العاملين على متن الطائرة، وكنت أنا واحدة منهم، طالب بالانتقال إلى تركيا وإلا سيفجّر الطائرة بالركاب الأجانب وباقي طاقم العمل، لكن الكابتن تذرع له بنفاد الوقود من الطائرة، فطالبه بمطالبة السلطات القبرصية بالإمداد بالوقود، واستمرت المفاوضات بالمماطلة حتى أطلق سراح جميع العاملين والركاب الأجانب، وبقي معه كابتن الطائرة الذي خرج من الكابينة وأكد بقاءه معه بعد إطلاق سراح الجميع، ثم عاد إلى الكابينة وأغلقها وقفز من الشباك إلى الأرض، ليبقى الخاطف وحيداً في الطائرة إلى أن سلّم نفسه إلى السلطات القبرصية.

- ألم تشكّكوا للحظة بأن الحزام الناسف غير حقيقي؟
 قواعد السلامة الدولية للطيران تلزمنا بالتعامل مع كل الاحتمالات على أنها حقيقية، حتى لا نضحّي بالأرواح، فضلاً عن أن الأسلاك في الحزام كانت تبدو حقيقية، وكان يهددنا دائماً بالضغط على زر التفجير في يده، وكنا نخشى الانفجار، فضلاً عن مخاوفنا من أن يكون أحد الركاب تابعاً له من دون أن نعلم.

- بمجرد رؤيتك للخاطف وحزامه الناسف، ما أول شيء تبادر إلى ذهنك؟
 كيف سيكبر ابني بدوني؟! وبالفعل نظراً الى تعطل هاتفي، استعنت بهاتف أحد الركاب، وكلمت أختي وأوصيتها بابني وبحسن تربيته، حتى عندما هاتفني زوجي ليطمئن إليَّ ظللت أبكي، وأوصيته بأن يحدّث ابني عني كثيراً، ويؤكد له كم كنت أحبه... ففي تلك اللحظة لم يشغل تفكيري سوى ابني أول فرحتي.

- بعد المغامرة التي خضتها، بم تنصحين كل امرأة عاملة؟
 ألا تستسلم للظروف المحيطة وتترك عملها، فهو كيانها وعلاج اكتئابها كامرأة وأم، وبقليل من تنظيم الوقت والأولويات سيكبر الأبناء ويعتمدون على أنفسهم، وتمر أصعب مرحلة في حياتها.

- في النهاية، ما هو سر نجاحك كأم وزوجة وامرأة عاملة؟
 زوجي، فهو يدعمني كثيراً في حياتي وعملي.

CREDITS

تصوير : أحمد حمدي