برامج الهواة... والطفل المعجب

برامج الهواة,الطفل,المظهر,الأطفال,برنامج مواهب,الموسم الثاني,الموهبة,مشاهدة,برامج,ذا فويس كيدز

ديانا حدّارة 23 أبريل 2016

ما من شك في أن برنامج «ذا فويس كيدز» The Voice kids  قد جذب الكبير والصغير، لتشكّل أمسية السبت جلسة عائلية ممتعة يشارك فيها الأطفال أهلهم في إبداء رأيهم في أحلى صوت طفل. لقد قدّم هذا البرنامج للطفل نوعًا راقيًا من البرامج الفنية التي تحاكي أحلامه وطفولته.
فهؤلاء الأطفال يشبهونه في الشكل والمضمون، هم تلامذة مدرسة أطفال ومراهقون، تخطوا حاجز الخجل ووقفوا على المسرح وشاهدهم ملايين الناس، وأمام لجنة تحكيم استبعدت بعضهم فحزن الطفل المشاهد لأنه أحب هذا الهاوي، وبعضهم ربح ففرح، وراح يدعمه ويصوّت له.
ولكن بعض الأطفال المشاهدين تعدّى إعجابهم بهؤلاء الأطفال الهواة أن صاروا يحلمون بأن يقفوا مكانهم، بعضهم صار يغني ويعمل على إقناع أهله بأن صوته جميل ويريد المشاركة في البرنامج في الموسم الثاني... فغاصوا في أحلامهم رغم عدم واقعيتها.
فلماذا كل هذا التوق إلى المشاركة في هذا البرنامج؟ وإلى أي مدى يؤثر نوع كهذا من برامج الهواة في الطفل والمراهق على حد سواء؟ وهل يحاكي فعليًا واقع الطفل؟
عن هذه الأسئلة وغيرها تجيب الاختصاصية في علم نفس الطفل كالين عازار.


هل يمكن اعتبار برنامج «ذا فويس كيدز» مساحة لأحلام  الطفل المشاهد؟
نجح هذا البرنامج في كونه ليس مجرد برنامج ترفيهي يستمتع الأطفال بمشاهدته والكل يربح، وإنما لأنه برنامج جدّي الفائز فيه هو أحلى صوت.
وهو بذلك بعث إلى الطفل رسالة مهمة على الصعيد النفسي، وهي أن في إمكانه دخول المنافسة وقبول مبدأي الربح والخسارة، خصوصًا أن الأطفال المشاركين هم أقران له يشبهونه، تلامذة صغار، لديهم موهبة الصوت، بعضهم بكى لخسارته وبعضهم الآخر فرح، ومنهم من انتابته رهبة المسرح، فلم يؤدِ أغنيته بشكل يظهر جمال صوته، واعترف بخوفه بعدما خرج، وهذه رسالة مهمة للطفل المشاهد، وهي أنه أحيانًا قد يمنعه الخوف والتوتر من الأداء الجيّد أثناء الامتحان أو الاختبار، وأن حلمه قد يتحقق، وأنه ليس نهاية العالم إذا ما أخفق، بل عليه خوض التجربة مرة أخرى

إلى أي مدى يحاكي هذا النوع من البرامج أحلام الطفل وطموحه، وما هي إيجابياته؟
بداية هناك أطفال لا يهتمون بهذا النوع من البرامج، لأن أهلهم كذلك، فيما هناك أهل يتابعون هذه البرامج، وبالتالي فإن الطفل سوف تشدّه. وبرنامج مثل «ذا فويس كيدز» يمسّه مباشرة، والغناء هو نوع من العلاج النفسي الذي يساعد الطفل، ولا سيما الخجول وغير الواثق بنفسه على كسر حاجز الخجل.
ومن إيجابياته أنه جمع العائلة، فمن الطريف أن يستعدوا للسهرة بتحضير الفشار والعصائر ويتحاوروا على الأصوات، كل منهم يبدي رأيه في صوت، ويسمحوا للطفل بالحلم في أن في استطاعته تحقيق أحلامه.
مثلاً ربما لن تنجح في الغناء، ولكن لديك موهبة أخرى يمكن أن تبرع فيها إذا ما نمّيتها وطوّرتها. فالطفل إذا كان لديه حلم وتمسّك به فهذا يعني أن في إمكانه تحقيقه، خصوصًا إذا كانت لديه موهبة، مما يحفّزه على تطويرها وتعزيزها، والطفل يرى من خلال الأطفال النجوم قدرتهم على النجاح بسبب الثقة بأنفسهم والأهداف التي يضعونها، وإمكانية النجاح في تحقيقها.

كيف يمكن الأهل الاستفادة من برامج كهذه؟
من المفيد أن يبعث الأهل رسالة إلى طفلهم عبر مشاهدة نوع كهذا من البرامج، مثلاً قد يقول الطفل: «ليتني أظهر على التلفزيون، ليتني أعرف الغناء».
هنا يمكن الأهل أن يسلّطوا الضوء على نقاط قوة الطفل، أن يشرحوا له أنّ هناك أطفالاً تظهر موهبتهم في سن صغيرة، فيما آخرون تظهر موهبتهم في  سن الرشد، وأن هناك مستويات مختلفة، ويسألوه مثلاً «برأيك ما هي نقاط قوتك وتريد أن تطورها»! أن يستفيد الأهل من الحوار والرغبة التي يبديها الطفل لمنحه طموحًا.

هناك أهل لا يمنعون أطفالهم من مشاهدة هذا البرنامج فيما لا يرغب آخرون في ذلك، ويعتبرونها ملهاة. فهل تصرّفهم صحيح؟
علينا أن نعرف لماذا يمنعون أطفالهم، هل لأنه يُعرض في وقت متأخر يتزامن مع موعد ذهاب الطفل إلى السرير! علمًا أنه كان يعرض في عطلة نهاية الأسبوع، فإذا كانوا لا يرغبون في تغيير الطقس المسائي، عندها يمكن تسجيل الحلقة للطفل ونحافظ على روتينه اليومي.
أما الحجة بأن نوعاً كهذا من البرامج يؤثر في أدائه المدرسي، خصوصًا إذا كان الابن في بداية مرحلة المراهقة، أو في سن المراهقة، فأنا لا أوافقهم الرأي إطلاقًا.
فهو عندما يصبح لديه نجمه المفضّل ويحب التعرف إليه وقد يضع «بوستر» له في غرفته، فهو لا يؤذي أحدًا، بل على العكس يمكن الأهل أن يبيّنوا لابنهم، سواء كان طفلاً أم مراهقًا، أنه في سنّه يمكنه أن يبرع في شيء ما يحبه، ويخص طفولته أو مراهقته. ولكن التفسير له مهم بأن هناك لجنة تحكيم ومنافسة، وعليه أن يمر بهذه المراحل مثله مثل الراشد، وإذا كان على قدر شروط البرنامج قد يصل.

بعض الأطفال يبالغون في حلمهم رغم أن ليس لديهم الموهبة. فماذا على الأهل أن يفعلوا، هل يردّونهم إلى أرض الواقع أم يجارونهم في أحلامهم؟
إنها مرحلة وتمر، ولا يجوز منع الطفل من الحلم، على الأهل أن يتذكّروا تاريخهم، مثلاً عندما كنا صغارًا، ونشاهد حفلة تتويج ملكة جمال، كم مرة ادّعينا أننا نضع التاج ونحيي الجمهور!
إنه حلم اللحظة الذي ينتهي بعد فترة قصيرة، فلماذا نريد أن نمنع الطفل من الحلم الذي يستمر لمدة أقصاها أسبوعان وبعدها ينسى؟ أمّا إذا دام الحلم والرغبة في تحقيقه لمدة شهر مثلاً، ولم يكن موهوبًا، ولئلا يدخل الأهل في صراع معه، فيمكنهم إذا كانت لديهم الإمكانيات المادية، أن يسجلوه في درس الغناء، ويرى بنفسه كم هو صعب إن لناحية التحضير والدرس وحفظ النوتات، والالتزام بالوقت. إذا أحبّ والتزم فهذا جيد، ما يعني أن الأهل ساهموا في بلورة موهبة ابنهم الفنية، وعليهم أن يعزّزوها. أما إذا لم تكن لديه موهبة الغناء وأصرّ، فيمكن أن يجعلوه يشارك في دفع رسوم التسجيل، مثلاً «تريد أن تنتسب إلى صف الغناء، عليك أن تقتصد من مصروفك وتضعه في الحصّالة إلى حين ادّخار المبلغ المطلوب الذي يخولك التسجيل في صف الغناء».
وإذا غيّر رأيه بعدما اكتشف أنه فعلاً لا يميل إلى الغناء، فهذا جيد بالنسبة إليه شخصيًا لأنه استطاع أن يدرك أن ليس لديه موهبة الصوت وصار يعرف ماذا يريد فعلاً وفي الوقت نفسه توطّدت علاقته بأهله، لأنهم لم يحطموا آماله وأحلامه، بل شجعوه، مما يعزز ثقته بهم. قد تكون فكرة عابرة في النهاية، هو طفل لا يمكن التركيز على حلمه المتغيّر، ولا يمكن منعه من الحلم

الجائزة الكبرى التي نالتها الرابحة دفعت أطفالاً كثرًا إلى التفكير في الجائزة أكثر من الموهبة، كيف يمكن الأهل أن يكبحوا رغبة المنافسة لأجل النقود؟
هذا يستند إلى سلوك الأهل التربوي وأهمية النقود في العائلة، فإذا كان الأهل ممن يشدّدون على أهمية النقود في الحياة، فإن من الطبيعي أن يفكّر الطفل في الطريقة السهلة التي تساعده في جمعها.
ولكن إذا لم يكن الأهل كذلك، في هذه الحالة لا يعرف  الطفل عن الكيفية والإجراءات والمراحل التي مرّ بها الطفل الفائز ليحصل على جائزته، فالطفل مثل الراشد يفضل الطريق السهل. لذا من المهم أن يشرح له الأهل، أن النقود لا تأتي بالسهل، وأن هذه الفائزة حصدت الجائزة نتيجة لاجتهادها.
ويمكن الأهل اغتنام الفرصة، خصوصًا إذا كان الطفل ممتازًا في المدرسة ولديه الكثير من الطموح، بأن يحفّزوه على نجاحه، لأن في إمكانه الحصول مثلاً على منحة مدرسية، ويشرحوا له «إذا كنا موهوبين فإن هذا امتياز يمكن أن نطوّره لنكون ناجحين أكثر وفرحين ومثقفين.
والغناء في سنّك لن يكون عملاً نعتاش منه، ويمكن أن نغني بين الأصدقاء والأقارب». وبموازاة ذلك عليهم دعمه في نجاحه المدرسي، لأنه الأساس في الوصول إلى ما يطمح إليه. فمن دون الشهادة لا يمكن النجاح، وعليهم أن يؤكدوا أن الفن بصورة عامة ليس مسألة سهلة، بل هناك مشوار طويل مثله مثل أي اختصاص آخر.

الأهل في المجتمع الشرقي في غالبيتهم يتوقعون لأبنائهم مستقبلاً رائعًا من خلال اختصاص معين يحلمون بأن يدرسه ابنهم. وقد يستهزئون بالأطفال ذوي الموهبة الفنية أو الرياضية، أو ربما يستهزئون بطفلهم «أنت لست موهوبًا». فهل هذا تصرف صحيح؟
بالفعل قد يصاب الأهل بخيبة أمل ليس من طفلهم بل بسبب توقعاتهم، فهم يخططون لمستقبل ابنهم وفي غالب الأحيان يرونه في المهنة التي يريدونها له، في حين أن هذا الابن قد تكون لديه موهبة لا تناسب تطلعاتهم، فيحاولون كبتها بدل بلورتها.
لذا أنصح الأهل في هذه الحالة أن يأخذوا في الاعتبار موهبته التي قد تجعل منه شخصًا ناجحًا في الحياة، فالناجحون في الحياة هم في غالبيتهم الذين أحبوا مهنتهم، وليس أولئك الذين فرضت عليهم. وبالتالي فإن الاستهزاء بحلم الطفل مضر، بل يمكن الأهل اغتنام الفرصة والتحقّق مما إذا كان طفلهم موهوبًا في مجال ما والقول له إن في إمكانه تطويرها، بل تشجيعه على ذلك، ولمَ لا! أما المقارنة بينه وبين الطفل الذي يغني في البرنامج والقول له «هو يقدر أما أنت فلا»، فهذا مضر بنفسية الطفل، لأنه يشعره بالعجز وعدم الثقة ويصبح تقويمه الذاتي متدنّيًا، بدل ذلك عليهم أن يقولوا له مثلاً «ألا تحب أن تكون مثله جريئًا يعمل على تحقيق حلمه رغم أنه لم يفز» ما أريد قوله وكما ذكرت سابقًا، أن على الأهل أن يتذكّروا طفولتهم وأحلامهم، ويدركوا أن أبناءهم كذلك لديهم أحلامهم الصغيرة، ومشاهدة البرنامج هي إسقاط لجزء من أحلامهم.

في حال أصرّ الطفل أو المراهق على المشاركة في الموسم الثاني وليس لديه موهبة غناء. ماذا على الأهل أن يفعلوا؟
يمكنهم الموافقة على طلبه، فهو قد يصاب بخيبة أمل ولكن المشاركة كانت قراره، وبالتالي يتعلّم أنه أحيانًا قد تكون لدينا خيارات خاطئة، وأنه يجدر بنا ألا نتوقف عندها ولا يجدر بها أن تعيق تقدّمنا، فلنبحث عن هدف آخر في استطاعتنا تحقيقه طالما أن الأهل متوافرون في الوقت المناسب، ويسمحون له بخوض هذه التجربة ويدعمونه ويشجعونه، ويحبونه في كل الأحوال، سواء نجح أو فشل، فلا مشكلة طالما لن تؤذيه على الصعيد النفسي.

متى يصبح تعلّق الطفل ببرنامج مواهب حالة مرضية؟
في أوقات استثنائية عندما يمنع البرنامج التلفزيوني الطفل من القيام بروتينه اليومي، فهذا مؤشر الى مشكلة أخرى، مثلاً ليس لديه بديل ولا يقوم بأي نشاط آخر، يهمه أن يتعلق بشيء ما، هنا دور الأهل في تقديم المساعدة بالتعاون مع المعلمة.

ماذا عن التأثر بالمظهر؟
هذه الأمور قد تحدث وهذا طبيعي، ولكن يمكن الأهل أن يلفتوا نظر الطفل إلى أنه فريد ومميز عن الطفل- النجم المعجب به، وأن يختار أسلوبه الخاص به، لا أن يصبح صورة طبق الأصل عنه، أين المشكلة في أن يشعر بأنه نجم! للأهل دور كبير في تعزيز ثقة الطفل بنفسه.

لاحظت أن بعض الأطفال بكوا لأن الموهبة التي أحبوها لم تفز. فهل رد الفعل هذا طبيعي؟
الطفل وفيّ في طبعه، ومن الطبيعي أن يبكي لأن الموهبة التي صوّت لها لم تفز، فهو تعلق بالطفل الموهوب الذي يشبهه ويطمح لأن يكون مثله، وهذا مؤشر جيد إلى أنه صادق في وفائه لأصدقائه وبأنه سوف يكون شخصية مميزة في المستقبل  لأنه يعرف ما يريد. والأهم من كل هذا أن الطفل رأى بشكل ملموس أن في الحياة ربحاً وخسارة، فهناك أطفال ليست لديهم فكرة عن معنى الخسارة، بل إنهم لا يقبلونها، وبرامج كهذه تساعدهم في فهم المعنى وقبوله، وتسمح للأهل بإجراء حوار