«سواقي القلوب» في طبعة ثانية عن دار الجديد: إنعام كجه جي ترسم الذات العراقية المتشظية

الكتاب: سواقي القلوب,في طبعة ثانية,عن دار الجديد,إنعام كجه

مايا الحاج 04 يونيو 2016

 

تنطلق انعام كجه جي في «سواقي القلوب» (2005)  من عودة مفاجئة إلى العراق المنكوب، ليجدوا أنّ حلمهم الدائم بأرض الوطن قد استحال كابوساً مخيفاً لا مجال للحياة فيه.
تأتي مناسبة الحديث عن رواية كجي جي الأولى  «سواقي القلوب»، بعد صدورها بطبعة ثانية عن دار الجديد. ومع أنّ الرواية صادرة قبل عقد تقريباً، لكنّ شيئاً لم يتغيّر في أسلوب التلقّي، لأنّ الأحوال ما زالت على حالها، إن لم نقل إنّ جرعة العنف غدت أكبر بعد تمدّد داعشي شهده الوطن العربي خلال السنوات الخمس الأخيرة. «تحولت عيناي الى كاميرتين تدوران لالتقاط كل الغبار والهوام والسيارات المحطمة واللافتات الصدئة والصور العملاقة الملوثة بالوحل وأكياس النايلون المتطايرة مع الريح والشوك الكالح على جانبي الطريق، وكأنّ القيامة قد قامت على هذا الجانب من الدنيا». مشهد البداية يوحي بنهاية عالم، بجحيم تلتهم ألسنته البشر والحجر. هذا الشعور يترسّخ في ذهن الراوي الرئيس، العائد إلى موطنه الأصلي (العراق) مع اثنين من أصدقائه، كي يدفنوا جثّة سارة، العالقة على الحدود. ولكن بدلاً من أن يُسهب في حديثه عن هذه العودة «المشتهاة» وآثارها النفسية عليه، يجد الراوي نفسه عائداً إلى منفاه الباريسي. يخاطب «زمزم»، صديقه البعثي القديم الذي أبى أن يعود معه إلى العراق، يتخيله بجانبه فيسترجع ذكرياته معه لينقل إلينا من العراق الجانب الآخر من حياته في فرنسا. يستذكر أسباب هجرته، سيرته، يومياته، شركائه في الغربة ( كاشانية خاتون، سراب، زمزم، ساري الذي غدا سارة في ما بعد).
هكذا تغدو الرحلة من فرنسا إلى العراق عكسية، مما يكشف عن حالة التمزّق التي يعيشها الراوي- ومن خلفه، كلّ الشخصيات العراقية- بين عالمين مختلفين، إن لم نقل متضادين.
لكلّ شخصية من الشخصيات «المتكدسة» في سيارة الأجرة في بغداد، حكايتها الخاصة. هم ثلاثة ركاب أحياء، وجثة. الجثة ممدة فوق سطح السيارة، فكأنها حمل ثقيل  يضغط فوق رؤوس الركّاب الأحياء.  ضابط الحدود يرفض إدخال الجثة إلى أرض الوطن، فتتحوّل رحلة الدفن إلى رحلة عذاب وضياع مأسويين. «وبغداد ما زالت بعيدة... خذ مني نصيحة مجانية يا زمزم. إشبع من تراب الأرض التي تطلع روحك فيها. إنّ الأكفان لا تحمي من شرطة الحدود».
تحمل «سواقي القلوب» موضوعات كثيرة وكبيرة تتنوع بين الحبّ والحرب والوطن والمنفى والحلم والخيبة والصداقة والمثلية الجنسية.  موضوعات يصعب أن تُعالج كلّها وبعمق في رواية واحدة لا تتعدى صفحاتها الـ150 صفحة. لكنّ كجه جي حاولت أن تمرّ عليها لعلها تستعرض تيمات الإنسان العراقي (العربي) المأزوم والتائه بين خياراته حيناً، وهوياته أحياناً.
كاشانية خاتون، امرأة عراقية مسيحية ربّتها عائلة مسلمة بعدما وفدت إلى الموصل مع الناجين من المذبحة الأرمنية، تزوجت عالم آثار فرنسياً، قضت معه حياة بورجوازية وظلّت في فرنسا وفيّة لذكراه، قبل أن تدخل في فرقة «العراقيين» المؤلفة من جارها الراوي، وصديقه زمزم وسراب وسارة. لكنّ شخصية خاتون تثير في نفس القارئ رغبة في أن يُسجّل فيلماً وثائقياً عنها، تطلّ منه كأنها وجه العراق وذاكرته. أمّا الراوي، ويظلّ بلا اسم، فهو شيوعي سابق هرب إلى باريس بعد ملاحقة الأجهزة الأمنية له، ليعمل مترجماً، غير أنه ظلّ خائفاً من فكرة ملاحقته. أمّا ساري فهو ابن حبيبة الراوي القديمة، قصد فرنسا لإجراء عملية تحويل جنسه، بأمر من الحكومة، بعد التأكد من «لخبطة» في هورموناته، فيصير هو سارة، الشابة الواثقة من نفسها قبل أن توجد جثة مرمية في إحدى الغابات الباريسية.
ليست سارة أو ساري هي الشخصية الوحيدة المتحولة في الرواية، لكنّ شخصيات كجه جي جميعها متحولة، حزبياً أو وطنياً أو عقائدياً، إمّا بفعل الحرب أو الهجرة. 

                                                                               زر