دانييل عربيد: السينما هي الحياة الثانية
تنطلق دانييل عربيد مخرجة فيلم «بيروت أوتيل» وكاتبته من واقع حياتها الخاصة لتترجمه فيلماً يحمل اسم «باريسية». في «باريسية»، تسعى «لينا» بطلة الفيلم الى بناء حياتها بعيداً من زوج خالتها الذي حاول التحرش بها، فتتعرف في الجامعة إلى بعض الأصدقاء الذين يساعدونها، ومن خلالهم تلتقي بـ«جان مارك» المتزوج وتعيش معه قصة حب تعيدها إلى الحياة، لكن يدمرها لاحقاً تخليه عنها. بعدها تتعرف إلى شاب يعمل في مقهى، وهو كان موسيقياً ويعشق الحرية، لكنه يتركها ويهاجر إلى أميركا، لتلتقي بشاب ثالث يحبها أكثر مما تحبه، فيعرّفها إلى عائلته وتصبح جزءاً من تلك العائلة. أستاذتها في الكلية تساهم في تعيين محامٍ لها لإلغاء ترحيلها من باريس ولتكمل حياتها في مدينة تعشق ضواحيها وبيئتها... وفي ختام الفيلم، ترسم «لينا» ابتسامة سخرية وانتصار من باريس التي ظلمتها، اذ تتحدّاها بقوانينها وحريتها، فتسجل انتصاراً ساخراً وثميناً لكي تبقى في مدينة صدمتها وبنت شخصيتها في آن واحد. في هذا الحوار، تتحدث الكاتبة والمخرجة اللبنانية دانييل عربيد عن فيلمها «باريسية» وعن أعمالها المستقبلية...
- لماذا اخترت تصوير فيلم «باريسية» في فترة عام 1993؟
لأنني عشت تلك الفترة، والموضة الرائجة حالياً هي موضة التسعينات، بالإضافة إلى الموسيقى. لقد حاولت أن أبعده عن المرحلة التي نعيشها. أود أن أنقل واقعاً عايشته، اذ إن طرق ووسائل التواصل باتت اليوم مختلفة عن السابق، لذلك حاولت أن أنقل تلك المرحلة بكل تفاصيلها.
- أين يشبهك الفيلم؟
انطلقت من شخصيتي في هذا الفيلم لألاقي كل فرد يشاهد الفيلم وأشبهه، كما استوحيت الشخصيات من تلك التي عشت بينها ومن الأصدقاء والمقربين وربما من أشخاص صادفتهم في حياتي. أستوحي أفكاراً سمعتها، أتابع حياة الناس وتصرفاتهم، كما أستوحي أحياناً من الأفلام.
- أي أن فيلمك واقعي؟
كل الأفلام واقعية أو تنطلق من أحداث واقعية. السينما هي الحياة الثانية وتشبه الحياة الأولى ولكن بطريقة مثالية أكثر، أي واقع مثالي.
- ولكن الفيلم لم يكن مثالياً بل سوداوياً!
هل وجدته سوداوياً؟! على العكس، أردته إيجابياً. على الرغم من المصاعب التي عاشتها «لينا» بطلة الفيلم، لكنها خرجت وتعرفت إلى الناس ووقعت في الحب، وتعايشت مع هذا الواقع. وعلى الرغم من بعض المصاعب التي واجهتها مع هؤلاء الأفراد، ولكن هذه العلاقات بنت لها شخصيتها. ففي فرنسا كانت تتعلق بأي شخص تتعرف إليه لأنها كانت وحيدة. فكرة الفيلم تتركز على كيف يبني هؤلاء الأشخاص شخصيتك، ويعطونك فرصة لتصلي إلى ما وصلت اليه في حياتك.
- الرجل الفرنسي الأول الذي التقته «لينا» هو «جان مارك» المتزوج، والذي حاول الايقاع بها وهي بالتالي تعلقت به، ولكنه تركها لاحقاً وعاد إلى زوجته... هل قصدت من خلال هذا الشخص أن تصوري ان الرجل هو الرجل نفسه، إن كان عربياً أو فرنسياً؟
بالفعل، وأحببت أن أسلط الضوء على الواقع الفرنسي وحقيقة الفرنسيين، وأعتقد أن بعد مشاهدة الفيلم ستتغير أفكارك عن واقع فرنسا. دخلنا إلى قلب البيئة الفرنسية. أردت أن أوضح أن الفرنسي يشبهنا كثيراً في أسلوب عيشه، وثمة طبقية في المجتمع، ويسار ويمين.
- حتى أن «لينا» تعرفت إلى الرجل الأول وكان رأسمالياً، والثاني يتعاطى المخدرات والثالث شيوعي...
الثالث كان يعاملها بطريقة جيدة، وكل واحد منهم بنى جزءاً من شخصيتها وكان ذلك بمثابة هدية. ورغم الجوانب السيئة، لكنها عاشت مع كل منهم مرحلة جميلة، فالأول عبّر عن إعجابه بها ووصفها بالجميلة، وكان هذا الوصف بمثابة هدية، وعزز ثقتها بنفسها. والثاني جعلها تشعر بالحرية أكثر، لأنه حرّ وفنان، لكنه ترك كل شيء وهاجر إلى الولايات المتحدة الأميركية. أما الثالث فوثّق علاقتها بالواقع وأحبها أكثر مما أحبته، كما ضمّها الى عائلته. إذ لا تساهم كل العلاقات في الحياة في بنائنا، وإنما بعضها يقتلنا.
- شاب عنصري سأل «لينا» في إحدى الحفلات من قبل، عن بلدها وإن كانت عربية، فردّت عليه بأن لبنان ليس بلداًعربياً ولكن فيه بعض العرب، هل ترفضين من خلال هذا الجواب هوية لبنان العربية؟
بالتأكيد لا، لكنها حاولت استفزازه، وجوابها لا يعني أنها تؤمن بأنها فينيقية، وحاولتُ أن أوجه منال عيسى الممثلة التي أدت دور «لينا»، لتقول العبارة بأسلوب أكثر استفزازاً واستهزاء لكنها لم تفلح.
- ماذا عن التعاون مع منال عيسى في تجربتها التمثيلية الأولى؟
منال تعشق الحرية، وقد جاءت من مجتمع محافظ نوعاً ما، وهي المرة الأولى التي تزور فيها باريس، أي العاصمة، لكنها تسكن في ضواحي باريس، كما أنها المرة الأولى التي تلعب فيها دوراً سينمائياً، وتتعرف إلى هذا الكم من الناس. استوحيت قليلاً من شخصيتها، فهي تسكن في ضواحي باريس، وبالتالي على الشخصية أن تكون على علاقة بفرنسا، علماً أنني أجريت اختبارات للتمثيل في لبنان، ولكن على الرغم من أدائهم التمثيلي الجيد، إلا أنهم لم يزوروا فرنسا من قبل، ويحلمون ربما بالوهم الذي سمعوه عن فرنسا، وكانوا بحاجة لأن يعتادوا على الحياة هناك، وبالتالي منال كانت معتادة على الصدمة التي تلقتها عندما تعرفت إلى فرنسا عن قرب، وكانت في الوقت نفسه تود أن تنفتح على الحياة.
- ماذا عن صعوبة الحياة في فرنسا؟
أعيش هناك منذ 25 عاماً، الحياة صعبة ولكن ثمة قيمة للإنسان والفنان وللعمل. هناك احترام للإنسان في فرنسا، كما أنهم يقدرون الجهود التي يبذلها الفرد في عمله. في لبنان نشعر بالراحة أكثر، ولكن نظرة المجتمع ضيقة.
- انخرطت «لينا» بسهولة في المجتمع الفرنسي... علماً أنها عانت كثيراً!
لم تسع لينا للانخراط في المجتمع الفرنسي، بل ذهبت إلى فرنسا لتبحث عن نفسها. وهي عانت في لبنان أيضاً. وأعتقد أن الشباب في سن الثامنة عشرة يفكرون بطريقة مختلفة ويسعون للبحث عن أنفسهم. وفي فرنسا، على المرء أن يعتمد على نفسه أكثر ويتحمل مسؤولية أكبر، و«لينا» اعتمدت على نفسها.
- الفيلم جريء، هل يتقبل الجمهور اللبناني هذه الجرأة؟
أفلامي بشكل عام جريئة. في فرنسا يعتبرون هذا النوع من الأفلام عادياً، بينما نعتبره نحن جريئاً. كما التزمت الحدود التي من المفترض أن أقف عندها. أعيش في فرنسا منذ 25 عاماً، وتسعدني ملاحظات الناس على الفيلم وتعليقاتهم والاستماع إلى آرائهم، وأعتقد أن الجرأة ليست للجرأة فقط. أخاطر كثيراً في أفلامي ولا أعتمد على جماهيرية الفيلم، وعندما نقدم فيلماً لا نفكر باحتمال نجاحه أو فشله، أو أن يحصل إجماع عليه. بالنسبة إليّ، أعتمد الجرأة لأقدم صورة ترغيبية للعالم عن الوطن العربي.
- هل من خلال الجسد نقدم صورة جيدة عن الوطن العربي؟
السينما هي تصوير أشخاص وأجسام، وذلك نلمسه في أفلام هوليوود التي وُلدت من رحمها السينما. حاولت أن أوضح أن في لبنان نساء جميلات.
- هل صورت منال عيسى دورها أم استعنت بممثلة بديلة في المشاهد الجريئة؟
لا أستعين بممثلات أخريات، فأنا أصور حالة حب، كما لا أتعمد أن أخدش حياء المشاهد، بل أفكر كيف يمكن أن أجمّل الممثلين وكيف يرى المشاهد نفسه من خلالهم. أود من المشاهد أن يغوص في عمق الشخصية التي أقدمها، لا أن يفكر بها.
- من يزعجك نقده أكثر: الصحافي أم الذي يمارس مهنتك؟
الصحافة اللبنانية لم تنتقدني يوماً ولا حتى في فرنسا. الصحافة واضحة معي دائماً، باستثناء بعض الصحافة الصفراء التي لا أقرأها، بينما الصحافة الاساسية كانت أول من دافع عن «بيروت أوتيل». الصحافة بإمكانها أن تنتقدني من خلال المقارنة بين الأفلام مثلاً، أو من خلال إجراء مقابلات، لكن يزعجني أولئك المخرجون الذين ينتقدون من دون أن يتمكنوا من تقديم شيء.
- ألا تشعرين بالرضى لأنك استطعت أن تحوزي إنتاجاً فرنسياً في حين أن هناك 200 مخرج ينتظرون هذه الفرصة أيضاً؟
ربما، فالنجاح بالنسبة إليّ هو من خلال الفيلم، فبعد أن يخرج مشاهد من صالة السينما ويقول لي هذه قصة حياتي، حينها أشعر بالنجاح. نجاح المخرج يحققه عندما يصل الى المشاهد. أنا أقدم سينما لكي أعيش حياة أخرى، ولأكون على تماس مع الجمهور من الناحية الإنسانية. فالسينما عمل إنساني، لا لأجمع المال أو أجنيه. بالطبع، أريد أن أكون مرتاحة مادياً ولكنني لا أصنع فيلماً سينمائياً لأغتني منه، بل أقدم الأفلام التي أقتنع بها.
- ألا تعتقدين أن ثمة إطالة في الفيلم تبدأ من الفترة التي تركت فيها «لينا» لبنان بعد زيارتها لعائلتها وعادت إلى فرنسا، ثم التقت شاباً جديداً وعاشت معه حياة مختلفة؟
ربما، ولكنني حاولت أن أقدم صورة متكاملة عن حياة «لينا».
- أين تكمن المراحل التي مرت بها دانييل عربيد في حياة «لينا»؟
كل شيء يشبهني ولكن ليس كل شيء أنا. الأشخاص الذين التقت بهم «لينا»، تعرفت إليهم في فرنسا ولكن لم تجر الأمور كما سارت في الفيلم. مثلاً الشخص الثاني الذي التقت به «لينا»، بالفعل التقيت بشخص يحمل الصفات نفسها، ولكنني لم أقع في حبه بل تناولت معه العشاء لمرة واحدة، حدثني حينها عن الموسيقى وكان لحديثه تأثير كبير فيّ. حتى الشاب العنصري الذي التقت به «لينا»... هذه الحادثة حصلت معي بكل تفاصيلها.
- هل وجدت صعوبة في التعامل مع ممثلين فرنسيين؟
لا بالعكس كان التعامل معهم مريحاً.
- في ختام الفيلم، استندت إلى فكرة الحرية في فرنسا لكي تلغي «لينا» ترحيلها من باريس...
حاولت أن أسلط الضوء على الحرية في فرنسا، وأن أذكّر الفرنسيين بألا ينسوا ذلك من خلال الكاميرا.
- ماذا عن أصداء الفيلم؟
من استمعت إليهم، أكدوا أنهم أحبوا الفيلم. وأتمنى من الجمهور أن يجد الجانب الانساني في الفيلم، وأن يستعيدوا مراحل حياتهم أو تجارب مرّوا بها من خلاله.
- ماذا بعد «باريسية»؟
كتبت فيلماً وسأبدأ تصويره قريباً، وهو فيلم فرنسي يتناول قصة حب امرأة أربعينية، ويتحدث عن البيئة الفرنسية. والقصة مأخوذة من رواية Passion Simple للكاتبة Annie Ernaux.
- هل ستبقين في فرنسا؟
حالياً، نعم. لأنني أود أن أنتهي من الفيلمين الفرنسيين الذين أحضّر لهما.
- ماذا عن الأفلام اللبنانية؟
كما أخبرتك، احتجت الى 3 سنوات حتى وجدت جهة إنتاج لفيلم «باريسية».
- ماذا عن الإنتاج للأفلام الفرنسية؟
تنبهوا الى أنهم أخطأوا في حقي في «باريسية»، علماً أنني أخبرتهم بأن الفيلم واقعي وفرنسا بطلة فيه. وهم عندما شاهدوه فهموا. }
الأكثر قراءة
إطلالات النجوم
نور الغندور تضج أنوثةً بالأبيض: صيحة 2026...
إطلالات النجوم
نجمات السعودية ومصر ولبنان وسوريا يتنافسن في...
أخبار النجوم
رحمة رياض وأحمد سعد وناصيف زيتون يريدون لقب "ذا...
إطلالات النجوم
ميريام فارس تتألق بفستان أنيق بتفاصيل جريئة
إطلالات النجوم
مي عمر وريم سامي تخطفان الأنظار ببريق معدني على...
المجلة الالكترونية
العدد 1090 | تشرين الأول 2025
