قلق الامتحان... صعوبةٌ حلُّها يبدأ من المنزل

المنزل,قلق,العلامات المدرسية,الشكل الصحيح,الأهل,الخوف,اختصاصي,علم نفس الأطفال,الامتحان,الطفل,التلميذ,القلق,التوتر

ديانا حدّارة 12 يونيو 2016

ها قد حان موعد امتحانات نهاية السنة الدراسية، ورغم أن نديم قد اعتاد المسابقات الأسبوعية والشهرية، فإنه يشعر بالقلق والتوتر . فهل هذا الشعور طبيعي؟
يرى اختصاصيو علم النفس التربوي أن من الطبيعي أن يشعر التلميذ بالقلق تجاه الامتحان المدرسي، فهذا يحدث للراشد فكيف بالطفل ! ولكن من المهم أن نعرف أسباب القلق والتوتر من الامتحان كي نفهم ما يشعر به التلميذ .
عمومًا كل تلميذ يمر بمرحلة معيّنة ويشعر خلالها بالقلق والتوتر من الامتحان، خصوصًا إذا كان شفهيًا، فضلاً عن أن لسن التلميذ دورًا مؤثرًا في هذا القلق . فإذا كان التلميذ في سن صغيرة جدًا، أي لم تتكوّن شخصيته بعد ولا يثق بنفسه بالشكل المطلوب، فإنه سيشعر بالخوف من الامتحان .


كيف يمكن الأهل معرفة ما إذا كان ( ابنهم أو ابنتهم ) يعاني قلق الامتحان؟
غالبًا ما يأخذ القلق الشديد شكلاً مرضيًا كأن يشعر الطفل بآلام في المعدة أو ارتفاع في الحرارة أو غثيان أو انقطاع الشهية... إذا حدثت هذه الأعراض مرة، فلا داعي للخوف.
أما إذا تكرّر الأمر في كل مرة يريد أن يخضع فيها التلميذ للامتحان، فهذا مؤشر الى معاناته مشكلة نفسية تظهر عبر الأعراض الجسدية التي ذُكرت، وقد يصل الأمر إلى حد يرفض الطفل الذهاب إلى المدرسة كليًا. وكل هذه الأعراض تعبّر عن ألم كبير داخلي يشعر به الطفل.
فالتلميذ لا يفهم لمَ يحدث معه هذا الخوف، وفي الوقت نفسه لا يستطيع أن يسيطر عليه. هنا دور الأهل كبير، لأن ابنهم صغير جدًا ولا يعرف كيف يحل مشكلته، لذا من الضروري أن ينتبهوا إلى ذلك ويعملوا على إيجاد الحل في أسرع وقت ممكن.


ما هي أسباب قلق الامتحان؟
هناك أسباب عدة ويمكن حصرها في ثلاثة:

1 شخصية التلميذ والبيئة الاجتماعية التي يعيش في كنفها
إذا كان الأهل يولون أهمية كبيرة للامتحانات ويتعاملون مع ابنهم على أساس أن علاقتهم به مرتبطة بعلاماته وتفوّقه المدرسي، يشعر الطفل بأن عليه أن يحصل على أعلى العلامات وأن يحوز المرتبة الأولى في الصف كي يكسب محبة أهله ورضاهم عنه.
ويسبّب له هذا الشعور قلقًا وتوترًا دائمين وخوفًا من أن يخيّب ظن أهله فيه، لأن التوقعات عالية جدًا. وهذا خطر لأن الأهل لا يأخذون في الاعتبار طاقة ابنهم وقدراته الذهنية، فلكل طفل قدرة تحمّل محدّدة، وإذا كان المطلوب منه ما هو فوق طاقته ولا يحترم نمط استيعابه، عندها تظهر أعراض القلق الجسدية.

2 المنهج المدرسي المتّبع
للمدرسة دور في قلق التلميذ من الامتحان، فإذا كان المنهج التربوي المتبع فيها صارمًا، يشترط في التلميذ أن يكون على مستوى عالٍ من الأداء المدرسي يفوق قدراته، فذلك يسبب توترًا دائمًا له طوال السنة المدرسية.
بينما إذا كان المنهج مرنًا يأخذ في الاعتبار قدرة كل تلميذ على الاستيعاب ويسمح له بالانفتاح على أمور أخرى كالنشاطات الرياضية أو الفنية، أي الموسيقى والمسرح... فإنه يساعد التلميذ على تفريغ خوفه ويجعله أكثر انفتاحًا وأقل توترًا.

3 شخصيّة المعلمة
للمعلمة دور كبير في تخفيف وطأة الخوف عند التلميذ أو زيادته. فإذا كان تصرّفها قاسيًا، تتعامل مع تلامذة الصف كلهم على أنهم جميعًا لديهم مستوى الاستيعاب نفسه، ولا تتفهّم أن لكل تلميذ نمطًا وقدرة محددة على الاستيعاب، فإنها تؤثر سلبًا في التلميذ.
مثلاً حين توجه نقدًا لاذعًا إلى تلميذ حاز علامة متدنية مقارنة بأقرانه من دون أن تحاول معرفة سبب إخفاقه، أو أنها تستهزئ به لأنه لم يتمكن من نسخ الجمل التي كتبتها على اللوح لأنه بطيء في الكتابة، فإنها تعزّز قلقه، وبالتالي سيشعر بالخوف والارتباك في كل مرة يمتحن فيها المادة التي تدرّسها رغم أنه قد تكون لديه الإجابات. فالخوف من رد فعل المعلّمة يسبّب له توترًا يجعله يرى الأسئلة في ورقة الامتحان كأنها لغة غامضة تحتاج إلى خبير لفك رموزها. لذا مطلوب من المعلمة أن تكون صبورة مع التلميذ وتتفهّم نمطه الخاص.

كيف يمكن الأهل مساعدة ابنهم على التخلص من قلق الامتحان؟
دور الأهل مهم جدًا. فهم المثال الذي يحتذي به الطفل، وهم في الغالب من يساعدونه في واجباته المدرسية، لأنهم يريدون الأفضل لأبنائهم. ولكن الذي يحدث أحيانًا، أن يعمل بعض الأهل على تحقيق الأماني أو الأمور التي لم يستطيعوا هم أنفسهم تحقيقها عندما كانوا في سن ابنهم، فيسعون الى تحقيقها فيه ويحمّلونه فوق طاقته.
وبالتالي إذا كانوا قلقين جدًا فمن المؤكّد أن يتحول هذا الشعور إلى الطفل، فهو في لا وعيه، لا يكون مرتاحًا لأنهم لا يحترمون نمط تفكيره وقدراته، وكلما تقدّم يطلبون منه المزيد، ومهما فعل لا يشعرون بالاكتفاء، مما يشعره بخيبة كبيرة وبصدمة قوية، لأنه مهما فعل يحس بأن هذا ليس كافيًا.
فالأهل غير مدركين لما يحصل لابنهم، وفي المقابل يصبح الطفل ضحية هذا التوتر ويدخل في حلقة مفرغة، لا يمكن تخليصه منها إذا لم يدرك الأهل هذا الأمر ويحاولون السيطرة على انفعالاتهم وتوتّرهم.
فهناك الكثير من الأمور المهمّة للطفل كاللعب والخروج في نزهة، ليتمكن من إفراغ التوتر الموجود عنده. فالطفل الذي ليس متاحًا له اللعب أو الخروج، يكون معرضًا أكثر من غيره للتوتر المدرسي.
أما إذا لم يكن الأهل على الصورة التي ذكرناها في التعامل مع ابنهم، فعليهم أن يتحرّوا هذه الصعوبة. لماذا يخاف ابنهم؟ وما الذي يحصل له؟ إذا كان يقول لهم لا أعرف سبب خوفي، وهو فعلاً لا يكون مدركًا سببه، عندها عليهم لقاء المعلمة ليتعرّفوا عن كثب إلى الطريقة التي ستعتمدهاالمعلمة في الامتحان والتحضر الأمثل له.

ماذا على الأهل القيام به إذا عاد التلميذ إلى البيت حزينًا لأنه كان يعرف أجوبة الامتحان ولكنه وجد نفسه عاجزًا عن تذكّرها؟
قد تشعر الأم بخيبة أمل عندما يرتكب ابنها أخطاء بسيطة، خصوصًا إذا كانت قد أمضت الليل بطوله وهي تدرسّه. فيكون رد فعلها أحيانًا لومًا شديدًا، وذلك نتيجة شعورها بأنها مسألة شخصية، لأن فشله يعني فشلها هي.
ولكن علينا أن نفهم أن الطفل يستيقظ أحيانًا صباحاً ويشعر بالتعب، أو قد تحدث أمور في المدرسة تؤثر فيه سلبًا وبالتالي لم يستطع التركيز خلال الامتحان.
من الضروري أن نعرف أسباب خوفه. لذا من المهم أن تطمئن الأم إلى أن الفكرة قد استوعبها ابنها، وإذا أخفق في هذا الامتحان لسبب ما، فإنه سيتفادى الخطأ في المرة المقبلة. فدور الأم مختلف عن المدرسة وعليها أن تعرف كيف تسانده.
واللافت أن بعض الأمهات يعترضن على توتر ابنهم، وعن حسن نية وظنًا منهن أنهن يخففن بذلك من وطأته عليه، يعلقن بالقول: «لا تخفِ لماذا تشعر بالتوتر فلا داعي لذلك»، في وقت لا يمكن الطلب من الطفل أن يهدأ فهو لا يعرف كيف يتخلص من توتره.
هنا يكون دور الأهل مساعدته على إيجاد الطريقة، إما بعرض الأمر على اختصاصية أو بتعليمه التقنيات التي تساعده على التخلص من التوتر، كأن يشجعوه على ممارسة الرياضة أو تأمين جو استرخاء قبل يوم الامتحان.

ماذا لو علم الأهل أن مدرّسة المادة هي سبب توتّره؟
إذا اكتشف الأهل أن المدرسة أو المدرّسة هي سبب خوف ابنهم من الامتحان، فعليهم تحديد موعد مع الإدارة أو المعلّمة وشرح الأمر، والتعاون لمساعدة التلميذ على تخطي خوفه.
أما إذا لم يتمكن التلميذ من التخلص من خوفه رغم هذا التعاون الذي حصل خلال العام الدراسي، فعلى الأهل أن يطلبوا مساعدة اختصاصي نفسي فقد يكون سبب الخوف مشكلة نفسية أو صعوبة تعلمية يعانيها الطفل. وعندها يجدر التعاون بالتنسيق بين الأهل والمدرسة والمعلّمة والاختصاصي.

هل يمكن أن يكون الخوف من الامتحان عدوى يصاب بها الطفل من زملائه في المدرسة؟
عدوى الخوف من الامتحان موجودة بالفعل. فالتلميذ يتفاعل مع أقرانه في الصف. ولكنْ هناك حلول عدة لهذا الخوف، مثلاً أن يكون الامتحان كأي مسابقة ترفيهية، وكذلك أن تمهد المدرّسة للامتحان وتهيئ تلامذتها نفسيًا لمواجهته. وفي المقابل يترتب على الأهل دور في تخليص ابنهم أو ابنتهم من الشعور بالخوف.
فعلى سبيل المثال، يمكن أن يدرب الأهل طفلهم على مواجهة الامتحان بواسطة إجراء تجربة الامتحان داخل المنزل في أجواء مريحة، ما يجعله يعتاد الفكرة. في حين يعترض بعض اختصاصيي علم نفس الطفل على هذا التدبير، لأن الطفل يدرك تمامًا عدم جدية الأمر، وأنّه ليس حقيقيًا. لذا فهم يؤكدون دور الأهل في دعم الطفل معنويًا ومدّه بالمحبة والعاطفة اللتين يحتاج اليهما، ومنحه الثقة بنفسه وبقدراته والتأكيد أن محبتهما له غير مرتبطة بأدائه المدرسي. ولكن لكل قاعدة استثناء.
وهنا يجب الانتباه: إذا لم يكن هناك مصدر للخوف، لا في الأسرة ولا في المدرسة، عندها يجب التفكير في استشارة الاختصاصي. وفي حالات الخوف الشديد وغير المبرر الذي لا تزيله محبة الأهل وحرص المدرسة، من الضروري أن يلجأ الأهل إلى اختصاصي في علم نفس الأطفال، فقد يكون الطفل يعاني اضطراباً في الذاكرة أو أنه يمر بتجربة مخيفة لا يستطيع التعبير عنها في شكل مباشر، فيصير الامتحان المنفذ الوحيد الذي يعبّر به عما يعتريه من مخاوف.

إرشادات عامة يمكن الأهل اتباعها لتخليص ابنهم من الخوف من الامتحان :
الإصغاء إلى الطفل. فمثلاً إذا عاد التلميذ إلى البيت باكيًا بسبب عدم إتقانه الامتحان، فمن المهم أن تسمعه والدته وتعرف ألمه وتطمئنه إلى أنها مرحلة عابرة وستنتهي.

  • عدم الاستخفاف بشخصيته والقول إنه غير بارع وإنه لا يقوم بأي مجهود. بل تقول له إن تصرفاته ليست كما كانت ويمكنه تقويمها ليعود إلى ما كان عليه قبل فترة.
  • من المهم السماح للطفل بالترويح عن نفسه. كأن يكون له نشاط رياضي يمكّنه من تفريغ طاقته حتى يرتاح مساء.
  • أن يجعلوا الأخطاء التي يرتكبها الطفل في الامتحان تجربة يتعرف من خلالها إلى خطئه، ويتعلم أمرًا إيجابيًا.
  • دعمه معنويًا لإعطائه الثقة بقدراته، والتأكيد له دائمًا ضرورة أن يكون واثقًا بما لديه من معلومات، وأن يقرأ أسئلة الامتحان بتمعّن ورويّة وعدم التسرع في الإجابة، وألا ينظر إلى رفاقه أثناء توزيع الأسئلة، فكثيرًا ما تؤثر ردود فعلهم خصوصًا السلبية عليه مما يجعله خائفًا ومتوترًا، فلا يتمكن من الإجابة في الشكل الصحيح.
  • أن تكون الأم مرنة، وأن تجعل جو المنزل قبل الامتحان مرحًا يساعد الطفل على الاسترخاء. فعندما يستيقظ الطفل صباح الامتحان ويشعر بآلام في المعدة أو الرأس، من الضروري أن تسأله أمه عما إذا كان خائفًا من الامتحان وتطمئنه وتعمل على تحسين مزاجه من طريق تحضير فطور طيب في المنزل أو المرور بمطعمه المفضل ليشتري الفطور المفضل لديه، أو توصله إلى المدرسة بالسيارة إذا كان معتادًا على الذهاب بباص المدرسة.


أمور يجب تفاديها :

  • من المهم ألا ينصبّ اهتمام الأهل على العلامات المدرسية، فهذا يُشعر الطفل بالألم الداخلي وكأن حياته كلها تتوقف على نجاحه المدرسي.
  • عدم قراءة المادة التي سيمتحن فيها التلميذ قبل ذهابه إلى المدرسة صباحًا. هناك دراسة تقول إن قراءة التلميذ لامتحانه قبل النوم تكون كافية، لأن كل المعلومات ستخزّنها الذاكرة خلال النوم وبالتالي لا يجوز إطلاقًا إعادة قراءة الدرس عند الصباح قبل الذهاب إلى المدرسة. فهذا يزيده توترًا.
  • عدم الاستخفاف بإحساسه وفي المقابل عدم تضخيمه.