كاظم الساهر يحقق حلم طفل يرى بقلبه لا بعينيه

كاظم الساهر,يحقق حلم طفل,يرى بقلبه,لا بعينيه,الاستعداد للقاء,لحظات مؤثرة,كارم مع المرض,مركز سرطان الاطفال,حلم,مصدر فرح للجميع,المرض,CCCL

كارين اليان ضاهر 02 يوليو 2016

 لا يشبه حلم كارم (9 سنوات) أحلام أطفال في مثل سنّه. فعندما سُئل عن أمنية كبيرة يحلم بتحقيقها، كانت حماسته لا توصف وهو يعبّر عن حلمه بلقاء الفنان كاظم الساهر. في اللحظة التي عرف فيها أن أمنيته هذه ستتحقق قريباً، بدا وكأن النور قد عاد إلى عينيه اللتين غاب عنهما من سنوات طويلة، لشدة حماسته لهذا اللقاء الذي انتظره سنوات.
كان كارم قد فقد نظره وهو في سن الـ 7 أشهر على أثر إصابته بورم سرطاني في الدماغ. ومن ذاك الوقت بدأت رحلته الطويلة مع المرض والتي لم يشهد لها نهاية حتى اليوم. قد تبدو تلك القصة في غاية القسوة بالنسبة إلى طفل تعرّف إلى الألم قبل أن يتعرف إلى جمال الحياة. إلا أن من يلتقي كارم لا يرى في هذه القصة إلا فرحاً وحيوية وسعادة ودفئاً لديه ولدى من حوله من أفراد العائلة الذين يحيطونه بكل ما يحتاج إليه من العطف والحنان. فقد اختار كارم الفرح عنواناً لحياته، وأبعد شبح العذاب عنه، فنشر السعادة من حوله.
وكأنه رسم في مخيلته عالماً كلّه سعادة ومرح ليحارب به ظلاماً فرض فقط على عينيه. ها هو يطير فرحاً في اللحظة التي أخبرناه فيها أننا عملنا على تحقيق حلمه، فدبرنا له لقاء مع «القيصر» الذي بدأ عشقه له من 4 سنوات، فصار من ذاك الوقت يشكل جزءاً لا يتجزأ من حياته، يعيش معه بفنه وموسيقاه وحتى بتفاصيل حياته التي يتابعها والتي نجهل الكثير عنها.


الاستعداد للقاء
ما إن أخبرنا الفنان «كاظم الساهر» بحلم كارم بلقائه، حتى سارع إلى تلبية الطلب. لم يتردد ولو للحظة، بل بدا على أتم الاستعداد لهذا اللقاء. أما كارم فبدا عاجزاً عن الانتظار اليومين اللذين يفصلانه عن التعرف إلى كاظم. حماسة هذا الطفل الذي يعني له لقاؤه بفنان يعشقه الكثير لحظة عرف بأن اللقاء صار قريباً، زادت من عبء المسؤولية علينا، خصوصاً أن ظروف كارم تقتضي الكثير من الحرص والوقاية نظراً الى العلاج الكيماوي الذي يتلقاه في انتظام.
في اليوم المحدد، وبعد تحضير اللقاء من خلال التواصل مع كاظم من جهة، ومع مركز سرطان الأطفال في لبنان CCCL حيث يتلقى كارم علاجه، وصل الأخير إلى موعده باكراً مع عدد من أفراد عائلته ممن أصروا على مرافقته في هذه اللحظات المميزة له. بدا كارم متحمساً عاجزاً عن الانتظار لوقت أطول. هي لحظات تفصله عن هذا اللقاء الذي حلم به طويلاً  وكأنه لم يتوقع أن يتحقق في يوم من الأيام فكانت مفاجأته كبيرة بتحقيقه، وفرحته أكبر لا يتسع لها قلبه. ولم يكن كارم متأثراً بجلسة العلاج التي خضع لها قبل يومين، فالألم لم يكن مهماً بالنسبة إليه في مقابل أهمية تلك اللحظات المميزة في حياته. فمن يقابل كارم ويستمع إلى حديثه عن الفنان كاظم الساهر، لا يراه مجرد طفل معجب بفنان... فاطلاعه على أدق التفاصيل المتعلقة بحياة كاظم العائلية والمهنية وفنه وموسيقاه لا يمكن إلا أن يثير إعجاب أي كان. خلال السنوات الأربع الماضية التي بدأ عشقه لكاظم ينمو ويكبر أكثر فأكثر، لم يترك زاوية في حياته من دون أن يتعرف عليها حتى بات كاظم يشكل جزءاً من يومياته. أما عشقه لأغانيه فينبع مما فيها من معانٍ وأحاسيس. في انتظار اللقاء، بدا كارم متحمساً يتكلم عن حبه لكاظم وعن متابعته لأغانيه وعن تلك المفضلة لديه، وعن أغنية «إنت الخاسر» التي لا يحبها لأنها حزينة. كما راح يخبرنا عن تفاصيل خاصة بعائلة كاظم وحفيدته. وكم فاجأني أنه لم يكتف بحفظ أغانيه، بل قاده ذكاؤه الحاد وأذنه الموسيقية إلى تحليل جمل في أغاني كاظم، وإلى المقارنة ما بين حالات معينة يمر بها الفنان فيبدو فيها سعيداً، وأخرى تبدو فيها الجمل حزينة فتختلف حالته وطريقته في التعبير.
حتى أنه يميز من الصوت الذي يسمعه ما بين الأغاني القديمة لكاظم وتلك الحديثة. كما يميز الآلات التي يتم استخدامها في الموسيقى، ويعرف أن الفنان كاظم الساهر يعزف على العود، وأن الآلة الأولى التي عزف عليها هي «الغيتار»... وراح يسأل عن بعض الكلمات في أغانٍ يحبها ويجهل ما قصد فيها الفنان. فمتابعته لفن كاظم ليست متابعة عادية كأي مستمع آخر، إذ يغوص في تحليلات تبدو أكبر من سنه بكثير، فينشغل بها محاولاً تفسيرها بشتى الطرق. ويفسر كارم حبه هذا بقوله إن أغاني كاظم تتميز بمعانيها العميقة التي لا يمكن التغاضي عنها. هو يركز على معاني تلك الأغاني التي يعشقها وإذا به يردد إحدى الجمل التي لفتته فيها «لا تشكُ للناس جرحاً انت صاحبه/ لا يؤلم الجرح إلا من به ألم».

لحظات مؤثرة
بعد دقائق من الانتظار، وبعدما تم إبلاغ كاظم بقدوم ضيفه الصغير، سارع إلى استقباله. بداية اللقاء كانت مؤثرة تدمع لها العيون في اللحظات التي تحقق فيها حلم كارم الذي انتظره طويلاً. بدا وكأنه طفل مشتاق إلى والده الذي غاب عنه طويلاً.
فباشر مفاجئاً كاظم بسؤاله عن حفيدته «سنا»، فأوضح له أن والدها «وسام»، أي ابنه، موجود في الغرفة أيضاً. ولأن كارم يردد أغنيات كاظم طوال الوقت ويحفظها، أراد أن يُظهر ذلك ليعبر عن حبه الكبير له بأغنية «هذا اللون» التي يعشقها كثيراً، إضافةً إلى أغنية «يا دنيا» التي دخل صوت الـViolin فيها، ثم أضاف أنه يعزف الموسيقى مما أثار دهشة كاظم وإعجابه. فكما تؤكد والدة كارم «رويدا»، هو ليس مجرد معجب بكاظم فحسب، وإنما عاشق للفن والفنون والموسيقى. فأدهشني أن أعرف طفلاً في مثل سنّه يعشق بيتهوفن وأندريا بوتشيلي وكارم محمود. تستهويه الموسيقى الكلاسيكية عامةً، ويتأثر بها، وكان قد بدأ العزف على الأورغن، لكنه اضطر إلى التوقف بسبب تأثير المرض في أطرافه، إلا أنه يعزف على آلات إيقاعية وقد شارك في حفلين موسيقيين ويحلم بالمزيد...
في هذا اللقاء المؤثر، تحدث كاظم وكارم وكأنهما صديقان يعرفان بعضهما بعضاً من زمن بعيد، وكأن الأعوام لا تفرّق بينهما، فكانت السعادة واضحة على وجه كارم والارتياح ظاهراً عليه، فراح يؤكد فخره بلقاء كاظم وحماسته لإخبار أصدقائه بأنه التقاه وحقق حلمه وتحدث معه، مؤكداً بكل ثقة أنه سيلتقيه مرة ثانية، ولا يشكك بذلك أبداً، خصوصاً أن كاظم نفسه أخبره بأنه ينوي لقاءه مرة أخرى، مما أثر فيه كثيراً وزاده حماسةً. كما نصحه أن يشارك في برنامج The Voice وتمنى له التوفيق. وكم كانت فرحته كبيرة بإطراء كاظم فيما كان يردد على مسامعه عبارة «ما احلاك»، فعلقت في ذهنه وراح يرددها فخوراً. وتعود إلى ذاكرته أيضاً اللحظة التي أمسك بها كاظم يده فور وصوله وعرّفه عن نفسه. «قلت لكاظم انها اجمل ليالي حياتي، فتمنى لي أن تكون كل لياليّ جميلة كهذه».

كارم مع المرض... قصة حزينة يزيّنها بفرحه الدائم!
عندما تم تشخيص إصابة كارم بسرطان في الدماغ، كان طفلاً في سن الـ 7 اشهر يجهل حلو الحياة ومرّها ولا يفهم شيئاً مما يحصل حوله. ففي سن الـ 5 أشهر، كانت حركة عينيه سريعة وبدت غريبة لوالدته، لكن لم يُشخص المرض لديه مباشرة، بل اعتُبرت مسألة عادية لعدم اكتمال العصب. كان من الصعب اكتشاف أي مشكلة في هذه السن المبكرة التي لا يعتمد فيها الطفل كثيراً على عينيه. شاء القدر أن يضطر إلى مواجهة كل الصعاب في هذه السن المبكرة ففقد بصره بسبب الورم الذي كان ضخماً وضاغطاً على عصب عينيه وخضع إلى عملية جراحية تم فيها استئصال جزء من الورم الدماغي لعدم إمكان استئصاله كاملاً، لأنه موجود في موضع خطر تتجمّع فيه الأعصاب. هي رحلة صعبة لا يعي كارم تاريخ بدايتها ولا يعرف لها نهاية حتى الآن. خضع ثانيةً إلى عملية جراحية بعدما عاد الورم يكبر عند وقف العلاج، وهذا ما يحصل في كل مرة يتوقف فيها العلاج.
هذه القصة قد تبدو في غاية القسوة على طفل، لكنها تبدو أقل وقعاً على كارم نفسه الذي استطاع أن ينشر الفرح الذي يملأ قلبه في من حوله، لدى أهله وكل عائلته، وكأن الألم لا يعرف مكاناً في حياتهم. يقول كارم: «أحضر إلى مركز سرطان الاطفال كل أسبوعين، وتحديداً يوم الثلاثاء، ولا يزعجني ذلك، بل افرح بمحبة المحيطين بي وأسلوب تعاملهم معي. حتى ان المرض لم يؤثر في دراستي، بل أتابعها كأي ولد آخر. كما أدرس الموسيقى، وأفهم اللغتين الروسية والإيطالية».
اليوم تبدو حالة كارم مستقرة فيما هو يخضع للعلاج الكيميائي، والورم ثابت لا يزداد نمواً. لكن تلفت والدته الى أنه يعاني المزيد من الأعراض اليوم فيما لم يكن العلاج يسبب له هذا الانزعاج النفسي والجسدي، علماً أن هذا هو رابع نوع من العلاجات الكيميائية التي يتلقاها. وعن تفاعل كارم مع العلاج، تقول السيدة رويدا والدته: «يعاني كارم الآن الآثار الجانبية للعلاج كالتقيؤ وآلام المعدة، لكن اللافت أيضاً أنه يعاني حالة نفسية سيئة واكتئاباً بعد العلاج مباشرةً فيما لم يكن يحصل ذلك في السابق. كانت حالته النفسية أفضل، أما اليوم فهو متعب ويتألم أكثر وكأنه كبر وأصبح يدرك تماماً ما يحصل له، وأن الدواء يفوق قدرته على التحمل. لكن في الوقت نفسه يبقى كارم ولداً متفائلاً بطبيعته على الرغم من كل ما واجهه من صعاب. هو في غاية الإيجابية وفرح وضحوك يدخل البهجة إلى قلوب كل من حوله فينعكس وجوده إيجاباً على عائلته. حتى أن كونه كفيفاً لا يؤثر فيه أبداً، بل هو نفسه يحاول طمأنة أخيه الأكبر فيقول له «أنت ترى بعينيك، أما أنا فأرى بقلبي». أما عائلته فتتعامل معه أيضاً بإيجابية وتدعمه ليصل إلى مراكز مهمة في المجتمع ويحقق ذاته. يتابع كارم اليوم علاجه الى مرحلة معينة حتى يتخذ القرار التالي بالمتابعة أو تغيير العلاج، فيما يبدو احتمال العلاج بالأشعة وارداً بعد بلوغه سن الـ 10 سنوات بسبب موضع الورم الذي قد يؤثر في مستوى ذكائه وفي قدراته الاخرى قبل هذه السن. اكثر من يحتاج اليه كارم عندما يتألم ويشعر بالتعب هي أمّه، فيجد الراحة معها. أما خالته فهي رفيقته الدائمة في جلساته العلاجية، فمعها يتسلّى ويرفّه عن نفسه ويمرح ويمضي أجمل الأوقات. خصوصاً أنه قد يقوم معها بأمور لا يقوم بها مع أمّه وهي تضحكه وتسلّيه.

كارم ...مصدر فرح للجميع!
وعن الفرح الذي أحضره إلى حياة العائلة فتقول والدة كارم: «عندما دخل كارم إلى حياتنا جلب لنا فرحة لا توصف. فقد أصبحنا نحلل الأمور بموضوعية ونتقبل المشاكل بسهولة ونستمتع بكل لحظة نعيشها. نراه وقد علّمنا التفاؤل حين يقول «هذه هي الحياة» ويساعد أخاه على تقبّل الأمور كما هي ويهدئه محاولاً إرضاءه. هو يشعر بالراحة والاطمئنان في البيت. ليس كارم بيننا ولداً ضعيفاً مهزوماً يحتاج إلى من يرعاه، بل على العكس هو الذي يقوّينا. حتى أنه يتمتع بحاسة سمع حادة نظراً الى قدرته الفائقة على التركيز على السمع بسبب فقدانه البصر، وهو ينتبه إلى أمور كثيرة لا ننتبه لها نحن. فيلفت نظر والده أحياناً إلى عطل في سيارته بسبب صوت غريب فيها، ويصيب في ذلك عندما يتحقق من الأمر. كما يتميز بشكل خاص بعشقه للموسيقى، وقد شارك حتى الآن في حفلين موسيقيين على آلات إيقاعية، ويتابع دراسته بشكل عادي، ويذهب إلى المدرسة بانتظام، إضافة إلى تلقيه دروساً خاصة تناسب حالته».

اليوم بعد لقاء كاظم... أي حلم هو التالي؟
في ظل الظروف التي يعيشها كارم، قد تبدو أحلامه محدودة وفق ما تسمح له حالته، لكن في الواقع تبدو أحلامه كبيرة وطموحه لا يقل عنها. اليوم بعد لقائه كاظم، حلم كارم الكبير هو أن يصبح مشهوراً ويعمل جاهداً على تطوير نفسه لتحقيق ذلك في يوم من الأيام. وبعد مشاركته في الحفلين الموسيقيين، يأمل بمزيد من الحفلات التي تجعله أكثر شهرةً، فيبدو هذا الأمر هاجساً لديه إذ تتجه أمانيه كلّها نحو الفن والموسيقى ليحقق هذه الشهرة التي يحلم بها. فكما بدأ عشقه للفنان كاظم الساهر، تمكن من نقل هذا العشق إلى عائلته. ويؤكد اليوم أنه يحب فنانين آخرين، لكن ليس بمدى حبه لكاظم الذي حقق حلمه بلقائه وعاش معه اجمل أيام حياته، خصوصاً بعدما وجده محترماً يتعامل مع الأطفال كما لو كانوا كباراً، وفق قوله.

عن مركز سرطان الاطفال في لبنان CCCL

✼ مركز سرطان الأطفال في لبنان (CCCL) هو مركز إقليمي رائد يعالج الأطفال المصابين بالسرطان من دون أي مقابل.
✼ ولد «مركز سرطان الأطفال في لبنان» نتيجة اتفاق ثلاثي بين المركز ومستشفى السان جود للأبحاث في ممفيس في ولاية تنيسي  الأميركية والمركز الطبي للجامعة الاميركية في بيروت.
✼ يصل معدل الشفاء في مركز سرطان الأطفال الى 80 في المئة.
✼ تأسس مركز سرطان الأطفالِ في لبنان في 12 نيسان/أبريل 2002.
✼ في مجلس الأمناء نحو 50 عضواً.
✼ عالج المركز أكثر من 1200 طفل حتى الآن.
✼ قدّم المركز حوالى 4000 استشارة طبية حتى الآن.
✼ حوالى 300 مريض يتلقون العلاج الآن في CCCL.
✼ متوسط ​​مدة العلاج في المركز هو 3 سنوات.
✼ معدل تكلفة العلاج السنوي هو 50,000 دولار للطفل الواحد.
✼ يعالج المركز الأطفال من حديثي الولادة حتى سن الـ 18 عاماً.
✼ معالجة المرضى من دون اي تمييز شرط ألا يكون الطفل قد بدأ علاجاً في مستشفى آخر.
✼ يستقبل المركز المرضى بغض النظر عن العرق أو الدين أو الجنس أو القدرة     على تغطية التكاليف.
✼ يُقدم المركز العلاج للأطفال بالمجان.
✼  يعتمد المركز كلياً على التبرعات، بميزانية سنوية تصل إلى  15 مليون دولار أميركي.


يمكن التبرع للمركز من خلال:
عنوان المركز
: مركز سرطان الأطفال في لبنان، الجامعة الأميركية في بيروت، بناية 56، الطابق الخامس، شارع كليمنصو
أو عبر شبكة الإنترنت : www.cccl.org.lb
أو من طريق حسابات المركز في معظم المصارف.
أو فروع الـ OMT في لبنان.
أو عبر المشاركة في برامج وحملات متعددة يقدمها المركز.