دريد لحام: الأعمال العربية المشتركة ليست ظاهرة فنيّة جديدة

دريد لحام,الأعمال العربية المشتركة,ظاهرة فنيّة,المنظمات الدولية,النجوم العرب,أفلام,الرقابة,نجوم الكوميديا,مسلسل

لها (دمشق) 03 يوليو 2016

يعود في عراقته الفنية إلى خمسينات القرن الماضي أيام المسرح الجامعي، وعاصر الخطوات الأولى لانطلاق التلفزيون العربي السوري عام 1960 ، فكانت له بصماته في الفن السوري منذ ذلك الحين واستمر في العطاء مشكّلاً حالة فريدة واستثنائية ... إنه الفنان الكبير دريد لحام الذي حُفرت له في الذاكرة أعمال متنوعة سينمائياً ومسرحياً وتلفزيونياً، إضافة إلى ما أنجزه من أعمال لا تُنسى ضمن إطار « الاسكتش » والأغنية والتقديم، كما كان له دور على الصعيد الإنساني والتوعوي ... معه كان لنا هذا اللقاء :


الأعمال العربية المشتركة

- تابعنا في السابق أعمالاً عربية مشتركة، ولكن ظهرت في الآونة الأخيرة أعمال صُنفت ضمن هذه الفئة، فكيف تراها؟
الأعمال العربية المشتركة موغلة في القدم، وفي تاريخنا السينمائي أنا ونهاد قلعي أعمال مشتركة مع فنانين من لبنان ومصر، وبالتالي هذه المشاركة ليست جديدة.
أما الأعمال التي تُنجز اليوم فمشكلتها أنها تبحث عن البهرجة أكثر من اهتمامها بالمضمون، لذلك نجدها وقد أقلعت عن تصوير واقع الطبقات الفقيرة والحارات المظلومة وبيوت الصفيح، لتسلط الضوء على حياة القصور المترفة وساكنيها.

- وصفت مسلسل « الخربة » بأنه الكوميديا التي تقف بين الدمعة والضحكة ... كيف تقرأ مشاركتك فيه؟ وهل تدخلت في شخصية ( أبو نمر ) التي قدمتها من خلاله؟
المسألة تتعلق بالنص، فعندما تقرأ نصاً للدكتور ممدوح حمادة، تجسد بكل سهولة الشخصية، ولا تتعذب في البحث عن مفرداتها لأنه يرسم ملامحها بوضوح تام. وكما قرأت شخصية (أبو نمر) على الورق، لعبتها كما هي، ولم أُضف إليها شيئاً من عندي.

- ثمة من انتقد شخصية اليهودي ( يوسف آغا النحاس ) في السياق الذي قُدمت فيه في مسلسل « أبواب الريح »... فإلى أي مدى كانت ملاصقة للواقع؟
المسلسل يحكي عن مرحلة تعود إلى عام 1860، وأنا عشت مرحلة الأربعينات التي عرفت انسجاماً تاماً بين مكونات الشعب السوري، فكان المواطن سوري أولاً، ثم مسيحياً أو مسلماً أو يهودياً، وكان اليهود مواطنين سوريين ويمثلهم نائبان في البرلمان، وكان هناك تآخٍ بين الأديان. وأذكر طبيباً يهودياً اسمه طوطح، كان إنسانياً جداً في تعامله مع الآخرين، وعندما توفي، خرجت نصف الشام في جنازته.

- بمن تتوسم خيراً من نجوم الكوميديا في سورية والوطن العربي؟
أتوسّم خيراً بالكوميديا الجماعية، ويخطر في بالي فوراً مسلسل «بقعة ضوء»، فهو كوميديا جماعية تضم نجوماً لا يمانع أحدهم في قول جملة واحدة فقط في اللوحة التي يشارك فيها، وهذا قمة الإخلاص للعمل. لذلك، لا يزال «بقعة ضوء» مستمراً في عرض أجزائه لأنه جدير بالاحترام.


بعيداً عن الرقابة

- كيف تصف الجرأة التي كنت تتناول فيها الموضوعات على خشبة المسرح؟
لقد فتحنا لأنفسنا الهامش الذي رأينا أنه ينبغي أن يكون فعالاً، فالفن من خلال رسالته، يجب أن يعبر عن مكنونات الناس. وأذكر على سبيل المثال، عندما قدمت مع الراحل عمر حجو مسرح الشوك، طرحنا فيه كل الأسباب التي أدت إلى هزيمة عام 1967، وكان النص جريئاً جداً، ولا يمكن أن توافق عليه الرقابة، وكنا حينها قد أسسنا نقابة الفنانين، فأقمنا مهرجان دمشق المسرحي، ودعونا إليه فرقاً عربية من تونس، مصر، الأردن، العراق، فلسطين، والجزائر...، إضافة إلى الفرق السورية، حيث قدمنا حينها لسعد الله ونوس مسرحية «حفلة سمر من أجل خمسة حزيران»، ومسرحية «الفيل يا ملك الزمان»، وكل ذلك فعلناه لنتسلل في مسرح الشوك، ففي المهرجان لن يقول لنا أحد من الرقباء: نريد أن نقرأ... وبالفعل عُرض العمل على خشبة مسرح القباني، وعندما انتهى العرض ضجّت الصالة... فكل الفنانين والصحافيين والمثقفين العرب الذين كانوا مدعوين الى المهرجان، حضروا العرض على اعتبار أنه تجربة جديدة في المسرح، وكلهم كانوا إلى جانبنا ودافعوا بقوة عن المسرح.


دعوة للمحبة والسلام

- قلت في لقاء سابق : « يُعتبر المسرح في العالم العربي الابن العاق، بينما التلفزيون الابن الرضي المدلل »... ألا يزال هذا القول ينطبق على يومنا هذا؟
بالتأكيد... لأن كل من يصعد إلى خشبة المسرح يهاجم أخطاء السلطة... فهذه هي لعبة المسرح، وكل المسرحيات التي قدمناها من قبل تضمنت نقداً لاذعاً لأخطاء السلطة («ضيعة تشرين»، «غربة»، «كاسك يا وطن»، «شقائق النعمان»، «صانع المطر»)، ولكن السلطة تحب من يقف إلى جانبها وليس من يشتمها.

- كيف تصف معاناتك مع الرقابة إن كان في سورية أو خارجها في الدول العربية؟
لدى عرض مسرحياتنا، كنا نحرص على أن يأتي الرئيس ليحضرها، وقد حضر حينها افتتاح («غربة»، «ضيعة تشرين»، «كاسك يا وطن»)، فحضوره بمثابة جواز سفر يحمينا... أما خارج سورية فعندما يسمحون بعرض أعمالنا، فإنهم يستندون في قرارهم الى أنها فرقة سورية تحكي عن الأوضاع في سورية ولا علاقة لهم بذلك، ومن هذا المنطلق كانوا يتعاملون مع مسرحياتنا، رغم انها تجسد واقعاً يشبه واقع المجتمعات العربية، كما كنا نخترع دائماً جغرافيا افتراضية، ولكن الرسالة كانت تصل كما نريد.


سينما

- كيف تقرأ مرحلة ستينات القرن الماضي وسبعيناته على مستوى ما قدمته سينمائياً؟
طالما أن هناك كماً فهناك نوع، وأفلام «نخب أول ونخب ثانٍ ونخب ثالث»، وكانت هناك أفلام جيدة وأفلام مقبولة وأخرى سيئة، وقد أنجزنا أفلاماً إن نظرنا إليها اليوم لن نكون راضين عنها، ولكن كان يسيطر علينا هاجس الانتشار في ذلك الوقت، وكانت تعتبر السينما وسيلة للتسلية فقط، وتشهد حضوراً جماهيرياً كبيراً، حتى أنه في أحد الأعوام أُنتِج في سورية 21 فيلماً، وكانت الصالات السينمائية منتشرة في ذلك الحين، أما اليوم فلم يعد هناك أي صالات للأسف، باستثناء صالة واحدة في دمشق يذهب اليها الناس العاديون كرسم دخول، فجمهور السينما الأساسي هم الناس البسطاء، ومتوسطو الدخل هم الذين يبقون الصالات مضيئة، لأنه عندما يكون ثمن بطاقة الدخول مرتفعاً تظل الصالة فارغة، فمن المهم أن يكون ثمن البطاقة معتدلاً... لذلك عندما عرضت آخر أفلامي «الآباء الصغار»، بحثت عن صالة يكون سعر بطاقة الدخول اليها متدنياً، فوفّقت في ذلك وبقي عرض الفيلم مستمراً في الصالة نفسها لمدة أربعة أشهر، وكانت تتسع لألف وخمسمئة شخص، فالسينما ليست فيلماً رائعاً فقط وإنما صالة محترمة وبطاقة دخول بسعر مقبول يناسب متوسطي الحال.

- لماذا كانت غالبية أفلامك من إنتاج نادر الأتاسي؟
أكثر أفلامنا أنا ونهاد أنتجها نادر الأتاسي بالاشتراك مع تحسين قوادري، فالصداقة كان دور في الوسط الفني، وبما أننا صديقان، كان من المنطقي أن يتعاملوا معنا، لذا تجد مخرجاً يتعامل مع الممثلين أنفسهم بحيث تجمعهم علاقة صداقة ومحبة.


فنانون سفراء

- ما الفائدة التي تعود على الشعوب العربية من خلال انتقاء فنانين سفراء للأمم المتحدة؟
المنظمات التابعة لهيئة الأمم المتحدة والتي يهتم جزء منها بالشأنين، الإنساني (اليونسيف) والثقافي (اليونسكو)، لكي تكون فاعلة في المجتمع، تعيّن شخصاً له أثر في مجتمعه سفيراً ليساعدها في القيام بمهماتها، فتختار أحياناً نجماً رياضياً أو فناناً أو كاتباً... وقد ساعدت اليونسيف بقوة في ما يتعلق بملف الطفولة من المغرب إلى المشرق العربي.

- هناك مجموعة من النجوم العرب استقالوا بعد فترة من مناصبهم كسفراء وكنت أوّلهم؟
هذه المنظمات لا تريد وجهاً وطنياً للسفير، وإنما تفضل وجهاً لا ملامح وطنية فيه بالمطلق، يساعدها في تنفيذ مهماتها من دون أن يكون له موقف وطني، فقلت لهم إن كنتم تخيّرونني بين جوازي الديبلوماسي وخياري الوطني، فجوابي أنني لا أريد جواز سفركم هذا وأعدته اليهم، لتنتهي علاقتي معهم بعد عمل امتد على مدى سبع سنوات.

- عطاء الفنان على الصعيد الانساني، هل يرتبط بأنشطة المنظمات الدولية؟
لا يرتبط بها أبداً، إذ يمكن الفنان أن يكون فاعلاً في أي ميدان إنساني، سواء أكان سفيراً أم لا.

                                       
الأحفاد والفن

- هل ورث أحد أحفادك السبعة الفن منك؟
أبداً، وقبلهم أولادي الثلاثة... فلم يكن بينهم من يهوى مجال الفن.

- هل حلمت بأن يكون أحدهم فناناً؟
لا أحلم بذلك، ولكن إذا وجدت أحدهم يميل الى الفن، أشجعه على ذلك، لأن على الابن أن يتحمل مسؤولية خياراته، ولكن إذا أجبرته فسأتحمل عندها مسؤولية فشله...