التطريز الفلسطيني التقليدي... هوية وطنية مقاومة

التطريز,الفلسطيني,التقليدي,هوية,وطنية,مقاومة,معرض,مشاريع ثقافية,الباحثة,رايتشل ديدمان

مي غلاييني 23 يوليو 2016

 بُعيد افتتاح أبواب المتحف الفلسطيني أمام الزوار في بيرزيت في 18 أيار/مايو 2016، يقدم المتحف الفلسطيني والذي يعدّ أحد أهم المشاريع الثقافية المعاصرة في فلسطين معرض «أطراف الخيوط: التطريز الفلسطيني في سياقه السياسي» في دار النمر للفن والثقافة في بيروت من 26 أيار حتّى 30 تموز/يوليو 2016 ليكون باكورة فعاليات المتحف خارج فلسطين وتحت إشراف القائمة على المعرض والباحثة في فن الشرق الأوسط البريطانية رايتشل ديدمان التي ترى أن التطريز الفلسطيني مادة غنية واستثنائية، تجمع ما بين البصري والملموس، وبين الحميمي والسياسي والشاق. وتشير ديدمان أيضاً إلى تحدي المعرض للارتباطات التقليدية للتطريز بكل ما هو قديم وهامشي، إذ يفتح آفاقاً جديدة للتوسع والتعمق في مقاربة تاريخ فن التطريز الفلسطيني ما بين أواخر القرن العشرين وأوائل القرن الحادي والعشرين.

يضم المعرض باقة متنوعة من أعمال وداد قعوار وملك الحسيني عبدالرحيم، ويلقي نظرة نقدية على دور التطريز في صياغة أو تشكيل الثقافة والسياسات الفلسطينية التاريخية والمعاصرة. كما يبحث في تاريخ التطريز الفلسطيني ما قبل عام 1948 وبعده، مستكشفاً الدور الذي لعبه في المقاومة الوطنية وتمثيل الهوية الفلسطينية أدائياً وصورة فلسطين في أعين العالم وتأثير أدائها، خصوصاً مع تعرضه إلى مخاطر من جانب الاحتلال الإسرائيلي الذي يحاول سرقة التراث الفلسطيني بمختلف أشكاله وألوانه، والادعاء أنه تراث إسرائيلي، إضافة إلى استعراض المواد والمنسوجات الفلسطينية والأشكال المعاصرة والحديثة على مدى 60 عاماً. ومن بين الأشياء التي يسلّط المعرض الضوء عليها، الأثواب الفلسطينية ما بين القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين من طريق الحوارات والصور والرسومات والمحفوظات والتصاميم العصرية، ومن خلال تقديم مواد قليلة التوثيق ونادرة العرض، حيث تدرّج البحث، في هذا السياق، من مفهوم تاريخ المادة الملموس إلى مفهوم الكيفية التي تعكس بها المنسوجات وبشكل حساس التغيرات في المشهد السياسي والاجتماعي الذي أُنتجت خلاله. إذ اشتهر الزي الفلسطيني تاريخياً بكثرة الألوان اعتماداً على المحيط وجغرافية المكان الذي تعيش فيه النساء المطرِّزات، فالثوب القروي تزين أكثر بالورود والطيور وأوراق الشجر، بينما تلونت أزياء مناطق بئر السبع بألوان الصحراء، والثوب المقدسي بلون الكمون، والثوب الساحلي باللون الأزرق والأحمر، أما الثوب الأحمر فكان مشتركاً لدى الجميع.
كما اعتمد المعرض على بحث استمر لسنوات، بالإضافة إلى العمل الميداني المكثف، وإنتاج فيلم وثائقي حديث عن المعرض، من انتاج «ميف بيرنان»، يتيح المجال لإبراز أصوات النساء اللواتي ما زلن يمتهنّ التطريز في فلسطين ولبنان والأردن، واللواتي نادراً ما يؤخذ بذكرياتهن، أو حتى يُستفاد من خبراتهن وآرائهن في هذا السياق. هذا وسيشهد المعرض أيضاً إطلاق موضوع بحثي جديد وبرنامج تثقيفي تفاعلي عام في بيروت.
جاءت الفكرة الأصلية لهذا المعرض من المرحومة ليلى المقدادي القطان (١٩٣٤-٢٠١٥)، رغبة منها في تكريم صديقتها ملك الحسيني عبدالرحيم، واحدة من الشخصيات الريادية في الحفاظ على تراث التطريز الفلسطيني وإحيائه، ومن أهم المصممين في ذلك المجال، وقد تطورت فكرة المعرض منذ ذلك الحين، ليصبح اليوم أوسع من ناحية المواضيع التي يتناولها. واليوم، يؤكّد هذا المعرض رؤية المتحف الفلسطيني وطموحه في الوصول إلى الجماهير الفلسطينية أو المهتمة بالشؤون الفلسطينية في الوطن والمهجر.
وعن معرض «أطراف الخيوط» والتحديات التي واجهت التحضير له، كان لنا هذا اللقاء مع رايتشل ديدمان:


- عرّفينا بنفسك ولماذا أنت في بيروت؟
أُقيم في بيروت حيث أعمل كقيّمة فنيّة مستقلة وكاتبة على مدى السنوات الثلاث الماضية. وقد تخصصت أكاديمياً كمؤرخة في فن منطقة الشرق الأوسط، وأعمل على مجموعة متنوعة من المشاريع القائمة على البحوث في لبنان والعالم.

- ماذا يعني لك الحفاظ على التراث الفلسطيني، وبشكل خاص الزي التقليدي الفلسطيني؟
خلال سفري إلى جميع أنحاء فلسطين ولبنان والأردن لإجراء مقابلات مع النساء والرجال الذين يمتهنون التطريز، اتضح لي أن التطريز هو حرفة نشطة وفعالة وليست تراثاً نقرأ عنه فقط في كتب التاريخ. في الواقع، يشكل استمرار هذه الحرفة فعلاً سياسياً مقاوماً للكثير من الذين يمارسونها، إذ يجسد لهم التطريز ثراء فلسطين قديماً وقوتها المستقبلية.

- هل للزي الفلسطيني هوية خاصة ضمن تراث المنطقة؟
لكل دولة من دول المنطقة كسوريا ولبنان والأردن ولبنان تاريخها الخاص ولباسها التقليدي المميز بتطريزه الفريد، إلا أن التطريز الفلسطيني معروف بتنوعه الجغرافي وثرائه، مما منحه شهرة خاصة بسبب تحوله إلى رمز قوي للتراث الفلسطيني منذ عام 1948 حيث تمّ الترويج له من خلال الرسوم والملصقات.

- تحاول الدولة المحتلة مصادرة التراث العربي الفلسطيني ونسبه إليها، هل تستطيع المعارض كالذي تنظمونه مواجهة عمليات المصادرة والسرقة التي تقوم بها سلطات الاحتلال الاسرائيلي؟
آمل ذلك! فبالنسبة الى العديد من النساء اللواتي أنشأن مؤسسات منتجة للمطرزات على أنواعها، أو اللواتي يمتهنّ التطريز، تشكل محاولات المصادرة هذه حافزاً أساسياً لإنتاج المزيد من هذه المطرزات. ونحن اليوم من خلال معرض «أطراف الخيوط: التطريز الفلسطيني في سياقه السياسي» نحتفل ليس فقط بالتاريخ العريق لهذه المطرزات، بل أيضاً باستمرارها القوي في الوقت الحاضر في مواجهة الاحتلال والسرقة.

- ما هو الدور السياسي الذي يلعبه الزي التقليدي الفلسطيني؟
بالنسبة إليّ شخصياً، أعتقد أن التطريز الفلسطيني يلعب دوراً سياسياً على مستويين: أولاً، أعتبره سياسياً بشكل مطلق لأنه مصنوع ومشغول من جانب الناس، كثوب يومي، هذا بالإضافة إلى أنه يتقاطع أيضاً وبطرق رائعة ومثيرة وغير متوقعة في بعض الأحيان مع صورة الأحداث السياسية منذ القرن الماضي. ولعل أوضح الأمثلة هو تأثّر التطريز بالحركة الفلسطينية المقاومة في السبعينيات عندما برز التطريز وعلى نحو متزايد كرمز للقضية الفلسطينية والانتفاضة الأولى، إذ تزينت المطرزات الفلسطينية حينها بالشعارات القومية، وبرزت خصوصاً على الفساتين التي ارتدتها النساء اللواتي تقدّمن التظاهرات والاحتجاجات. لقد ساهم التطريز في جعل هذه الفساتين منابر نشطة وفعالة للتعبير عن المواقف السياسية الرافضة للاحتلال والمؤيدة للمقاومة والانتفاضة. هذا وتجدر الإشارة هنا إلى أن طبيعة التطريز البطيئة، أي التي تتطلب وقتاً طويلاً لإنتاجها، تجسد قوة الانتفاضة نفسها وصمودها.

- ما الصعوبات التي واجهتك في التحضير لهذا المعرض؟
لقد احتاج هذا المعرض إلى نحو ثلاث سنوات من العمل المتواصل والبحث والأرشفة، وبذلنا جهداً كبيراً في التحضير له وإنجازه. فالتطريز مادة حساسة للغاية وعلى قدر كبير من الأهمية العاطفية المرتبطة به، مما فرض علينا إنصاف تاريخه الطويل وإرثه العريق، بالإضافة إلى تسليط الضوء على معنى التطريز كجزء هام من التراث الفلسطيني العريق الذي يجذر الهوية الفلسطينية الوطنية ويعزز ملامحها وتميزها. هذا كله شكّل تحدياً كبيراً. أما على المستوى الإداري، فلم يكن من السهل أبداً تنظيم شحن المطرزات إلى لبنان. إلا أننا نعتبر أنفسنا محظوظين جداً لإمكانية اقتراضنا العديد من هذه المطرزات من مجموعة وداد قعوار في عمان.

-  هل تخططين للانتقال بهذا المعرض إلى مكان آخر غير بيروت؟
طبعاً، نحلم ونأمل أن ينتقل معرض «أطراف الخيوط» إلى جميع أنحاء المنطقة وأوروبا والولايات المتحدة، والأهم من ذلك كله إلى فلسطين.