رشيد عساف: أحبّذ الأعمال الشامية التي لا تقدّم رموز التخلّف

رشيد عساف,الأعمال الشامية,الدراما البدوية,الأعمال البدوية,المسلسل,موسم رمضاني واحد,البطولة,دريد لحام,أعمال الجرأة,عمل بيئي,الحارة الشامية,مسلسل

لها (دمشق) 24 يوليو 2016

من أهم نجوم سورية والعالم العربي، شهد العهد الذهبي لصناعة الدراما السورية... واشتهر بمهاراته الفنية وبمقدرته اللغوية، وخصوصاً العربية الفصحى، ممّا أهّله ليكون من أبرز من قدّم الدراما التاريخية والبدوية والأعمال الفنتازية.
هو الفنان السوري رشيد عساف، ذو الملامح القوية والمعبّرة التي جعلته ممثلاً مناسباً لأدوار البطولة والقوة، مثلما رأيناه ناجحاً ومحبوباً في الكوميديا أيضاً، ولعلّ مسلسل «الخربة» أكبر دليل على حسن أدائه الكوميدي.
نشأته في حوران ساعدته على تجسيد الكثير من الشخصيات البدوية، وفي مقدّمها دوره في المسلسل الشهير «رأس غليص» الذي أًصبح من أهم الأعمال البدوية عربياً.
وفي السنوات الماضية، انضمّ إلى سلسلة الأعمال الشامية البيئية، ومن أهم ما قدّمه، مسلسل «طوق البنات» بأجزائه الثلاثة.
أخيراً التقيناه في كواليس تصوير مسلسل «عطر الشام» ليحدّثنا بالتفصيل عن مشاركته في هذا العمل، وباقي أعماله للموسم 2016. وبالإضافة إلى أعماله الفنية، تناولنا الدراما السورية ومشكلاتها على اختلاف أنواعها، والدراما العربية، وكان هذا الحوار...


دخول الحارة الشامية

- نبدأ من « عطر الشام » ، ما الذي يميّز هذا العمل عن غيره من الأعمال البيئية التي شاركتَ فيها؟
مسلسل «عطر الشام» من إنتاج الشركة ذاتها التي أنتجت مسلسل «طوق البنات»، وهو مكوّن من جزءين، ويتناول واقعاً افتراضياً عن مرحلة ثلاثينيات القرن الماضي وأربعينياته، أيام الاحتلال الفرنسي لسورية.
وكما نلاحظ، فإنّ مجمل الأعمال البيئية تتشكّل من معادلةٍ، أحد طرفيها مؤلف من الشعب، والطرف الآخر يمثله الاحتلال الفرنسي، وكل عمل يتناول تلك المواجهة بين الطرفين من وجهة نظره ومن خلال أدواته الفنية الخاصة، مثلما يخوض في إشكالات الشخصيات والجهات المؤلفة لهذا العمل وصراعاتها على هذه الخلفية.
في «عطر الشام»، أنا «أبو عامر» زعيم «حارة القصب»، وهي شخصية محورية، كما الكثير من الشخصيات في هذا العمل، ولكل شخصية رونقها الخاص ولكل فنان دوره المحدد، مما يشكل منافسة شريفة في العمل، وبالتالي يحفز الفنان على بذل المزيد من الجهد لتقديم الأفضل.

- العمل مؤلف من جزءين، وكذلك « طوق البنات » ، أمّا « رأس غليص » فمن ثلاثة أجزاء . كثيراً ما يتخوّف الفنانون من فكرة الأجزاء، ما الذي يغريك فيها؟
عموماً لا أخاف من أعمال الأجزاء إذا كان النص مكتوباً سلفاً ليعرض في عدد محدد من الحلقات، فيمكن أن يكتب المسلسل على أنه ستون حلقة مثلاً، لكن بسبب العرض الرمضاني يقسّم إلى جزءين ويصبح كل جزء ثلاثين حلقة.
طالما أنّ النص قد كُتب ليكون في ستين حلقة فلا خوف منه ولا بأس عليه، أما إذا كُتب الجزء الثاني بعد إنهاء الجزء الأول، فيصبح الوضع مختلفاً.
مسلسل «طوق البنات» مثلاً، حقّق نسب مشاهدة عالية، مما جعل القائمين عليه ينتجون جزءاً جديداً، بعد مطالبة الجمهور بذلك. وبالنسبة إليّ، لا أعدّ «طوق البنات» مسلسلاً شامياً بقدر ما هو عمل معاصر، فهناك الكثير من العلاقات الإنسانية الشفافة، مما يجعل هذا العمل مختلفاً عن باقي الأعمال البيئية الشائعة، والتي تتضمن في غالبيتها القتل والضرب وما شابه، وقصة العمل كانت مشوقة و«شدّت» الجمهور لمتابعتها، وهي تتمحور حول رجل أضاع ابنته وبقي عشرين عاماً ينتظرها، إضافة إلى العلاقات المشوقة داخل الأسرة الواحدة... كل تلك المقوّمات جعلت من النص عملاً متابَعاً ومطلوباً.
ومسلسل «عطر الشام»، كذلك يحوي الكثير من عناصر التشويق من خلال الأحداث التي تدور بين العائلات في إطار العلاقات الجميلة. لذا، أنا لا أخاف فكرة الأجزاء ما دامت هذه الأجزاء تحقق المتابعة، والناس يحبون تلك الأعمال الطويلة، فكيف يتابع إذاً المشاهدون الأعمال التركية المؤلفة من 120 حلقة، معظمها عبارة عن حشو أحداث بدون تسلسل منطقي يحكمها، علماً أنها في النهاية تقودنا الى الملل من متابعتها!

- من أول عمل بيئي « رجال العز » ، إلى « عطر الشام » ، ما الذي طورته من شخصياتك في الأعمال البيئية؟
في الحقيقة لم أكن من هواة الأعمال الشامية، وأولى مشاركاتي كانت من خلال مسلسل «رجال العز»، وهو عمل مهمّ منحني حضوراً قوياً في هذا النوع من الأعمال، مما شجعني على المشاركة في العمل الثاني، وهو مسلسل «زمن البرغوث»، وهذه الأدوار المتكررة جعلتني أرغب كثيراً المشاركة في أعمال البيئة، وشعرت أكثر بالتميز في بناء شخصيات هذه الأعمال وعلاقاتها مع من حولها، خصوصاً أن زمن تلك الأعمال يكاد يكون واحداً، فأحداثها تدور إما في العصر التركي لمصطفى أتاتورك، أو خلال فترة الاحتلال الفرنسي، أي فترة الضياع.
أما عن طبيعة أدواري في تلك الأعمال، فكل شخصية تختلف عن الأخرى. في مسلسل «طوق البنات»، أنا إنسان يعاني ويبكي، وقلبه على ابنته الضائعة وعائلته فيما هو قابع في السجن. أما في مسلسل «عطر الشام»، فألعب دور رجل متزوج من ثلاث نساء، ويعيش صراعاً شرساً بينهن، وهو دائماً في حالة استنفار ضمن عائلته وخارجها، مما يعرّضه للكثير من المشكلات.

- أبو عامر في « حارة القصب » يتزوج من أربع نساء، ألا يشجع ذلك في رأيك على تعدد الزوجات؟
نعم، يتزوج أبو عامر زعيم «حارة القصب» بأربع نساء، لكن الغرض من زواجه كما سنرى من خلال الأحداث، ليس تعدد الزوجات والتباهي بهن، وإنما كما نعلم، في تلك الحقبة كان الأهم هو تأسيس عائلة «وَجاهة»، تمنحه بكبرها وكثرة أولادها العزّ والجاه، فيتزوج أبو عامر بالزوجة الأولى ولا تنجب له، ليتزوج بالثانية، التي بدورها لا تنجب الأولاد، مما يجعله يتزوج بالثالثة التي تنجب له ولداً واحداً هو «عامر»، أما الرابعة فتموت... وتتعقّد الأحداث من خلال العلاقات المتشعبة بين تلك الشخصيات، علماً أننا لم نأت بأمثلة خارجة عن مجتمعنا، فحتى اليوم تعدد الزوجات موجود في مجتمعنا.
وسنرى من خلال العمل الكثير من الصراعات المشوّقة والجميلة بين نساء العائلة وأبو عامر. وكما هي عادتها، الدراما السورية تعتمد على عنصر التشويق، وهذا ما جعل المشاهد العربي منذ بداية شهرتها يتابع أعمالها وينتظر المزيد منها ليشاهدها بشوق وشغف، فيما نرى حالياً بعض الأعمال السورية المعروضة تفتقر الى عنصر التشويق، فتخرج من السباق الدرامي وتصبح متابعتها فاترة.

- هل من شروط لعملك في الدراما الشامية، وما هي أنواع هذا اللون من الدراما البيئية؟
أحبّذ الأعمال البيئية التي تقدّم شيئاً جديداً وتلفت الجمهور وتُعجبه. أما الأعمال المجانية التي لا تضيف شيئاً، فلست معها، لأن من الضروري أن توثّق تلك الأعمال للتاريخ الذي تتناوله، فيجب على الكاتب أن يسجّل الأحداث بالتاريخ والوقائع، وفي الوقت ذاته يطرح الصورة المطوّرة للمرأة ودورها في المجتمع، مِنْ طلبها للعلم، وأحوال المدارس، وكل المظاهر التي تعكس تطور المجتمع آنذاك، بعيداً عن التخلّف الذي تقدمه بعض الأعمال الشامية كمصدر للتسويق فقط من دون الوقوف على حقيقة تلك الفترة.

                      
أعمال الجرأة بين الواقع والإباحية

- اعتذرت عن المشاركة في الأعمال الجريئة، لكن البعض يرى في تلك الأعمال كشفاً للمستور، وتسليطاً للضوء على الواقع بدون تعديل؟
ليست بعض الأعمال الشامية هي التي تقدم دلالات التخلف فقط، وإنما تلك الأعمال التي يقال عنها زوراً «أعمال الجرأة»، ترتكز أيضاً على التخلف، فعندما نقدّم أعمالاً تقوم كلياً على فكرة الباطل، وتحريك غرائز الجمهور، فهذا يعني أنها أعمال إباحية وليست منطقية، إذ لا حدود للجرأة فيها، وبالتالي فهي تخدش الحياء.
لكنني في المقابل أؤيد الأعمال التي تعرض قصة شاب أو فتاة ينحرفان تحت ظرف اجتماعي معيّن مثلاً، فهذه الأعمال تكشف فعلاً عن حقائق موجودة في مجتمعنا وتستلزم تسليط الضوء عليها، ليكون فيها درس لفئة من مجتمعنا لتجنبها أولاً ولمعالجتها ثانياً.
وفي رأيي، الأعمال التركية هي أول من قدّمت الإباحية ضمن أعمالها الدرامية، وحذا حذوها بعض المنتجين العرب، لكون المنتج في النهاية يسعى وراء الربح، وهذه الأعمال تسوَّق إلى حدّ كبير عربياً وتدرّ الربح الوفير.
شخصياً، أرفض تماماً المشاركة في هذه الأعمال الجريئة، أو قل المجانية، وأشترط في العمل أن تكون الجرأة ضمن سياق الأحداث وتهدف الى إبراز خطأ مجتمعي معين وبالتالي معالجته، فهذا الدور لا أرفضه لأنه من الواقع المُعاش.


« الخربة » والنقلة النوعية

- كيف تصف مسلسل « الخربة » ، وهل يشكل نقلة نوعيّة في حياتك الفنية؟
أتمنى أن أعيد المشاركة في مسلسل كـ«الخربة»، وهذا الدور هو من أهم النقلات النوعية في مسيرتي الفنية، سبقته نقلة أولى من خلال مشاركتي في مسلسلات: «البركان»، «الكواسر»، و»دائرة النار»، والعديد من الأعمال التي قدمتها أيضاً، ومنها المسلسل البدوي «رأس غليص».

- ماذا عن تقاسمك البطولة مع الفنان دريد لحام، وهل يمكن أن يتكرر هذا الثنائي في عمل جديد؟
أتمنى أن تتكرر مشاركتي مع الفنان القدير دريد لحام، وأن تعاد هذه التجربة مع جميع النجوم الذين شاركوا في العمل، فمخرج العمل الليث حجّو كان حقاً مبدعاً وضابطاً مميزاً لإيقاع العمل، أما الدكتور ممدوح حمادة، فهو كاتب استثنائي، فالعمل كان جاهزاً على الورق، ونحن بدورنا كفنانين وهبناه روحاً وكسوناه لحماً، لأنّ كل شيء كان معدّاً من جانب الكاتب، ومتخيلاً... وفي النهاية كلّ ممثل استطاع باجتهاده أن يُخرج شخصيته بالشكل الذي رأيناه على الشاشة.
وبالنسبة إليّ، عرض «الخربة» كان من أجمل العروض، والدليل أنه ما زال يعاد حتى اليوم على أكثر من محطة عربية ومحليّة، وفي كل مرة يعاد عرضه فيها يظهر من يقولون إنهم يشاهدونه وكأنه يعرض للمرة الأولى، حتى أن بعض الأصدقاء قالوا لي إنهم قبل ذهابهم الى العمل كانوا يتابعون إحدى حلقات المسلسل صباحاً، ليخرجوا إلى عملهم بطاقة إيجابية وبابتسامة صباحية.
وبالطبع لمست هذا النجاح الجماهيري لمسلسل «الخربة» من خلال ردود فعل الناس في الشارع، حيث صاروا ينادونني باسم شخصيتي في العمل، وأنا سعيد بذلك ولست منزعجاً أبداً من هذا اللقب، لأنه دليل على أن الشخصية تلقى صدىً لدى الجمهور... وبعض المتابعين للعمل، كانوا يقولون لي إن شخصيتي «أبو نايف» تشبه أقرباءهم أو أناساً من مجتمعهم، فهي حقيقية من لحم ودم، متمثلةً بضحكته الخاصة، وبشاربيه المميزين، ومِشيته وأسلوب حديثه. حتى ابنتي الصغيرة، صار رفاقها ينادونها «أبو نايف».


الظهور المتكرّر

- يمكن أن نراك في أكثر من عمل في موسم رمضاني واحد، ألا يضع ذلك الجمهور في حيرة، لكون تلك الأعمال تعرض في الوقت نفسه وخلال شهر رمضان؟
أصبح شهر رمضان المبارك بمثابة معرض للأعمال الدرامية العربية، ومنها السورية، حيث نجد الممثل يشارك في أكثر من عمل، ممكن أن يكون اجتماعياً أو تاريخياً أو بيئياً، ومن الممكن أن يمثّل أحياناً عملين بشخصيتين وبالملابس ذاتها، وهنا يقع المشاهد في حيرة بين ما يتابعه من أعمال وممثلين.
والمشكلة هنا ليست في الممثل لكونه مضطراً للمشاركة في أعمال عدة خلال العام، وإنما تكمن في عرض الأعمال كلها في توقيت واحد.
لذا فلا يد للممثل في ذلك. ومن ناحية أخرى، قد يطرح المنتج في السوق على مدار العام مجموعة من الأعمال، لكنها تعرض كلها في شهر رمضان لكون الأرباح وفيرة في هذا الموسم، فهو يريد أن يجني أرباحاً مضاعفة، أقلّها ليغطي التكلفة الإنتاجية لتلك الأعمال.

- ماذا عن مشروع العمل الذي من المفترض أن تجسد فيه شخصية صدام حسين؟
لا يزال متوقفاً ولم يطرأ عليه أي جديد.


« غليص »... واللهجة البدوية

- هل بت مطالباً بجزء ثالث من المسلسل البدوي « رأس غليص » ؟
بالفعل العمل مطلوب جماهيرياُ، وبالأخص خليجياً، مما جعل شركة الإنتاج «المركز العربي في الأردن» تعمل على إنتاج جزء ثالث، وهو من تأليف مصطفى صالح.

- لكن في نهاية الجزء الثاني شهدنا موت « غليص » ، فكيف ستشارك في جزء ثالث؟
نعم... انتهى الجزء الثاني من العمل ما يوهم بأن غليص مات، لكننا تركنا علامة استفهام حول رحيل الشخصية، وذلك من خلال يده التي تحركت قليلاً في المشهد الأخير من الحلقة الأخيرة... ليبقى الباب مفتوحاً أمام المفاجآت في الجزء الثالث من العمل.


الأعمال البدوية

- هل عملك المتكرر في الدراما البدوية، هو بسبب إتقانك للهجة العمل، أم لعشقك لتلك الأعمال؟
أحب الأعمال البدوية وأحافظ على وجودي الدائم فيها، لما تحمله من قيم الأصالة والكرم التي اشتهرت بها منطقتنا العربية، فهي صفات أجدادنا التي نسعى للحفاظ عليها، ولعل الأعمال البدوية من أكثر الأعمال التي تعرّف الجيل الجديد بتلك الخصال النبيلة والأخلاق الحميدة، هذا إضافة الى أنني من منطقة حوران جنوب دمشق، ويتحدث أهلها باللهجة البدوية، لذا فأنا على علم بكل مفرداتها وخباياها..