أحمد ابراهيم أحمد: كنت من سكان جبل الأكراد... لذلك تحمست لإخراج «زوال»

أحمد ابراهيم أحمد,جبل الأكراد,الأكراد,إخراج,مقابلة,دراما,سورية,الشام,مسلسل

لها (دمشق) 14 أغسطس 2016

في كل عمل يتناوله يترك وراءه جدلاً واسعاً، إنه المخرج أحمد ابراهيم أحمد الذي قدم في هذا الموسم أحدث أعماله تحت عنوان «زوال» محاولاً من خلال مسلسله الدرامي الجديد الغوص في عوالم المهمّشين في المناطق العشوائية طارحاً مجموعة من القضايا الحارة والجريئة... المسلسل من تأليف كل من يحيى بيازي وزكي مارديني، أما البطولة فتتصدى لها كوكبة من نجوم الدراما السورية، نذكر منهم: سلوم حداد، فادي صبيح، باسم ياخور، شكران مرتجى، وهو من إنتاج مؤسسة الإنتاج الإذاعي والتلفزيوني.  حول خصوصية عمله الجديد «زوال»، وما أثاره مسلسله «عناية مشددة» من جدل، إضافة إلى قضايا فنية أخرى، كان لنا معه هذا اللقاء. 


الجرأة ضرورية

-  انتقادات كثيرة طاولت بعض مشاهد الشخصية التي أدتها الفنانة لينا كرم في «عناية مشددة»، فهل باتت الإطلالات الجريئة ملح الدراما السورية وعنصر التشويق فيها، أم هي ضرورية للحدث الدرامي؟
غريب أن تنجز عملاً مؤلفاً من 1200 مشهد ويضم مشهدين في هذا الإطار، فينسى الناس كل ما قدمته ويقفون عند هذين المشهدين! ما قُدم كانت له دلالاته الدرامية المرتبطة بواقع  الحرب. 
سعينا من خلال مشهدين الى تقديم دلالة درامية عن هذا الجانب، حول غياب الزوج عن البيت، أو عندما يتزوج الكهل بفتاة تصغره سناً، فإلى أين يمكن أن تتجه الأمور، لم أقصد التشهير بتاتاً وأنا أبعد ما يكون عن ذلك.

-  رد الفعل على هذين المشهدين ربما مرده لأنهما جاءا في وقت كانت توجّه فيه انتقادات حادة الى أعمال بعينها تقدم الجرأة الفاضحة من ألفها إلى يائها...
هناك أعمال تدور كلها حول هذا الجانب، إلا أنني لم أُظهر ما هو مُخجل على الصعيد البصري، وقدمت المشهدين كما جاءا في النص، ولكن مما لا شك فيه أن «عناية مشددة» عمل يحمل قيمة فنية عالية جداً، ومن المعيب أن نتوقف عند مشهدين ونقيّمه من خلالهما، فقد تناول المسلسل الأزمة السورية بجرأة، وطرح الموضوع بشكل حيادي، وسلّط الضوء على حياة المواطن السوري بكل صدقية.


بين العاطفة والقسوة

- ما الفرق بين «زوال» والعمل الذي سبقه  «عناية مشددة» الذي حمل كماً كبيراً من القسوة؟ 
«زوال» يتضمن جرعة عاطفية كبيرة، وهو الوجه الآخر لمسلسل «عناية مشددة»، كما يظهر «زوال» محبة الشام، الأمر الذي نلمسه من خلال حوارات تدور حول قيمة الشام التي تشمل كل مكونات المجتمع السوري.

- ما الرمزية التي حملها عنوان العمل «زوال»؟  
هو للدلالة على زوال الفترة المشرقة التي كنا نعيش فيها بمحبة ودخولنا في زمن له علاقة بالربيع العربي. 

- ما هو الزمان الذي تدور فيه أحداث المسلسل؟
تدور أحداث المسلسل قبل الأزمة، وتبدأ مع الثورات العربية عام 2010  والثورة في تونس، ونعود (فلاش باك) إلى عام 1998 وننتهي بالعودة إلى عام 2010.


عوالم المهمشين

- إلى أي مدى استطاع «زوال» الغوص في عمق عوالم المهمشين؟
تناول العمل عوالم المهمشين في العشوائيات، فالمنطقة التي تدور فيها الأحداث هي منطقة جبل ركن الدين (حارة الأكراد) التي تطل على دمشق، حيث بدأت في منتصف القرن الماضي الهجرة من الأرياف إلى مدينة دمشق، فوجد القادمون مكاناً مناسباً لهم في مناطق العشوائيات. لقد أتوا من كل الأرياف والمناطق السورية، وبالتالي سكن في هذه المنطقة مختلف مكونات المجتمع السوري، فعاشوا مع بعضهم بعضاً بمحبة وسلام. 
وهو أمر لمسته منذ طفولتي، فقد وُلدت وعشت مراهقتي في هذه المنطقة، لذلك فإن العوالم التي أظهرها يحيى بيازي كانت قريبة مني، فنحن ننتمي الى الحارة نفسها، والشخصيات التي كتبها يحيى أعرفها جيداً، الأمر الذي جعلني أتحمس للنص وأقوم بإخراجه.

 - عن أي مهمشين يحكي العمل؟
قصدنا بالمهمشين الأشخاص الذين وصل مستواهم المعيشي والاقتصادي إلى حد الوسط وما دونه. فالفقر والحاجة يفرضان أحياناً على بعض العائلات أن تكون العلاقات في ما بينها متّسمة ببعض القسوة، مما يستدعي ردود فعل غير متوقعة، ولكن هذا كله لا يؤثر في أجواء المحبة والألفة التي تجمعهم، فعلى سبيل المثال قد تُرتكب جريمة قتل ونجد أهل القاتل والضحية يقفون مع بعضهم بعضاً، وهي حالة قد تكون غريبة ولكنها موجودة.

-  تناول منطقة جغرافية بعينها  له محاذيره، فكيف سرت بين ألغام ما قدمت؟
لم أسمِّ الحارة كاسم، ولكن المنطقة التي تدور فيها الأحداث هي منطقة جبل قاسيون المُطلة على مدينة دمشق، وبالتالي يدور حدثنا في المسلسل ضمن إحدى الحارات في هذا المدى الواسع، فلا نذهب باتجاه التوثيق وتسمية الشوارع والحارات بأسمائها، حتى أن في النص لا يُقال «جبل الأكراد» وإنما يُقال «الجبل» فقط، ودائماً نرى مدينة دمشق من خلاله ، فهي حارة مطلّة على المدينة.


«كاراكتر» غريب

-  تم اللجوء إلى كاراكتر خاص للشخصية التي يؤديها الفنان سلوم حداد (عنز)... أهو للإبهار وجذب الجمهور وسرقة عينه أم لدواعٍ فنية؟
لم نقدم شكلاً غريباً ليُبهر الناس، وإنما أتى كاراكتر (عنز) ليحقق الشرط الفني للشخصية وله وظيفة درامية لخدمة الدور.

- نادراً ما نرى عملاً يتطرق إلى الاكراد بالذات ليقدم حياتهم، فما هي المحاذير التي واجهتها؟
نحن لا نتطرق إلى توصيف مكونات المجتمع السوري أو توصيف كل مكوّن منه وكيف يعيش، وإنما ندخل إلى الحياة الاجتماعية التي لها علاقة بالدراما، فالتهميش ليس فئوياً وإنما طبقياً عاماً، إذ تجد في الحارة عائلات من أماكن متنوعة، وبالتالي التهميش له علاقة بالجانب الطبقي.

- الإصرار على وجود هذا التنوع في المسلسل: عائلات درزيّة، شركسيّة، كرديّة، مسيحية، فلسطينيّة... يمكن أن يظهر في إطار متحفي شعاراتي لتأكيد تنوع المجتمع وغناه، ويمكن أن يظهر في الإطار الحياتي الذي ينقل النبض الحقيقي للمنطقة... فإلى أي الجانبين انتصرت؟
لقد نشأت في هذه الحارة، وما نطرحه في المسلسل سبق ولامسته بشكل حقيقي، ولكي أكشف هذا الأمر، كرّست ما يعطي هوية لكل بيئة من خلال بعض المفردات المألوفة لتكون صبغة أو دلالة على انتماء عائلاتها.
وهذا ما أقصده بأنهم أتوا في منتصف القرن الماضي وعاشوا مع بعضهم بعضاً، ولكن حصل لاحقاً تباعد بين فئات المجتمع، فحدثت الفجوة وهو ما لمسناه في الأزمة عام 2011.


الأمل والسوداوية

- هل تميل لأن يستسلم العمل في نهايته إلى سوداوية المشهد أم ينتصر للأمل؟ 
بصفتي أحد صنّاع الدراما، ليست مهمتي منح الأمل أو تقديم الحلول، وما قمت به هو رصد هذه الحكايات وتجسيدها. 

- مصطلح «دراما العشوائيات» هل هو مصطلح سليم ومناسب ويعبر عن مضمون هذه الدراما؟
بعضهم يقول «عشوائيات»، وآخرون يقولون عنها «دراما القاع»، ويحق لك أن تُطلق التسمية التي تريد.
وحتى في الدراما الشامية هناك من يطلق عليها «فانتازيا شامية»، وآخرون يسمّونها «تاريخ شامي»، ولكن في النهاية الدراما تبقى دراما، ولا علاقة لها بالمسمّيات، ولا أهتم لذلك أصلاً، لأن الأحداث التي نتناولها في العمل يمكن أن تدور في منطقة راقية عوضاً عن البيئة الفقيرة.

- دراما البيئة الشامية اليوم هي الموضة الأكثر رواجاً وإنتاجاً... فكيف ترى المشهد الشامي على الشاشة الصغيرة؟ 
هناك استجرار للحدث والحكاية، فدائماً البيئة الشامية تعطي نمطاً للشخصيات يكون أسطورياً غير منطقي وغير موجود، ولكن هناك بعض المسلسلات التي تجاوزت هذه الحالة وذهبت باتجاه الدراما الشامية التاريخية، وفي العموم تُقدم الأعمال الشامية الاجتماعية من مبدأ الربح المادي لشركات الانتاج، فهي الأكثر رواجاً، خاصة في منطقة الخليج والمغرب العربي، وبالتالي انتاجها لا يأتي من باب عشقها وإنما من باب الكسب المادي...