مغامرة

أقلام لها,هالة كوثراني,مغامرة

هالة كوثراني 19 أكتوبر 2016

ليتني أستطيع أن أفهم الحروف المرسومة مفكّكة مستقلّة غير مترابطة كأنها رسوم مصغّرة للبيوت التي أبحث عنها بين أبنية طوكيو الشاهقة. لا يمكن ألا يحرّكك لطف مَن تلتقيهم في المحال أو الشوارع. البعض يكلّمك همساً، فتحاورك قسمات الوجه الهادئة من دون أن يرتفع الصوت. لا أدري لمَ أفقد الإحساس بالزمن إذا انسجمت في الحوار الهادئ. هذا ما كنت أحتاج إليه، أن أجد نفسي بين صفحات روايات يابانية قرأتُها وتخيّلت أمكنتها. كأنني رأيت هذه البنايات الشاهقة من قبل، هذه الشقق المغلقة على قصص جميلة لأبطال الأيام العادية الذين يفهمون معنى التطوّر ويعيشونه ويعانقونه من دون أن يفقدوا الصلة بماضيهم وحضارتهم العريقة. وليس سهلاً إيجاد التوازن بين إرث الأجيال الماضية وتبنّي المستقبل. هذا ما تحكيه بعض الروايات التي قرأتها لكتّاب يابانيين... وفي شوارع طوكيو لم يتسنّ لي أن أغوص في الحديث مع صبية ساعدتني في أن أجد طريقي إلى الفندق بعد نزهة قررت أن أتيه خلالها. كانت في منتهى اللطف، وقد رافقتني إلى مدخل الفندق لتتأكد من أنني فهمت أي اتجاه ينبغي أن أسلك. تصرخ ألوان الحقيبة المعلّقة بكتفيها، كأنها تنادي ألوان الجوارب التي تلبسها تحت فستان أسود. أما شعرها، فهو قصير من الأمام وطويل من الخلف. فكرت في أنها هي أيضاً تريد أن تعبّر عن أسلوبين ومزاجين عبر اعتمادها هذا المظهر اللافت. ما زالت مغامرتي في أولها، أتنقل بين حدائق عمرها أربعمئة عام وبين شوارع تردّني متاجرها بأسمائها المعولمة إلى الحاضر الاستهلاكي المستنسخ. طوكيو مدينة تفتح للغريب ذراعيها، نظيفة ومريحة ومعقّدة وعميقة، فما نراه واضحاً ليس سوى المستوى الظاهر الذي يقدم إشارات إلى مشاهد مختلفة تماماً، ويدفعك إلى اكتشاف روح المدينة... ستنقل صفحاتنا مغامرة يابانية في موعد قريب.