كايت بلانشيت Cate Blanchett خارج صورة إنستغرام تعمّ الفوضى حياة كلٍّ منّا

كايت بلانشيت,عطر,Si,Giorgio Armani,الثقة,الكبيرة,مجالات,الحياة,متواضعة,المصاعب,الصمود,الحدس,مسيرتك,المهنية,الدرس,الفوضى,الخوف,المسرح,العزيمة,الحظ,التجارب,الأنانية,Elizabeth,المجازفة مهمة,النجاح,الفشل

لندن - (ليلى حمداوي 30 نوفمبر 2016

حين قيل لي إنني سألتقي الجميلة كايت بلانشيت في مقابلة خاصة، تحمست واستعددت لمقابلتها في هذه المناسبة النادرة، تزامناً مع الترويج للعطر الآسر Si الذي تعاونت فيه مع Giorgio Armani. تشدد الممثلة المقيمة في لندن على أهمية الثقة الكبيرة بالنفس في مجالات الحياة والتمثيل والعطور. وبالرغم من شهرتها وأدائها أدواراً مميزة في أفلام Elizabeth ، وThe Aviator وBlue Jasmine، لا تزال متواضعة جداً، وعائلتها محور أولوياتها. هنا، تتحدث كايت عن أهمية الصمود في وجه المصاعب وضرورة الوثوق بالحدس.


- خلال مسيرتك المهنية الطويلة ما كان الدرس الأكثر صعوبة الذي تعلمته؟

في مهنة التمثيل، الإخفاقات شائعة جداً. لذا، تعلمت سريعاً من يجدر بي الإصغاء إليه، ومن يجدر بي تجاهله. والأهم من كل شيء، تعلمت الوثوق بحدسي وعدم الاعتماد على شخص آخر لأصنع مهنتي.
في البداية، كنت أقبل بالكثير من الأدوار التي رفضتها ممثلات أخريات، لأن الدور صغير جداً أو غير مهم. لكنني اعتبرت الأمر يومها بمثابة فرصة.
صحيح أن الشخصية التي أؤديها قد تموت في الصفحة التاسعة من السيناريو، لكنني كنت أقول لنفسي: «لم أؤدِّ أبداً مثل هذا الدور من قبل». حصل أحياناً أن عرض عليّ دور أكبر قليلاً، لكنني كنت أقول: «لا، هذا هو الدور الذي أريد تأديته». وكنت أتخذ تلك الخيارات لوحدي.
اقترح عليّ بعض الأصدقاء «ضرورة التوقف عن ذلك» و«ضرورة تأسيس مهنة»، و«ضرورة القيام بأدوار البطولة». ظنّ العديد من الأشخاص أنني مجنونة، لأنني عدت إلى شركة المسرح في أستراليا مع زوجي. لكن تلك العودة بدّلت حياتي فعلاً، إذ أكسبتني الكثير من التجارب المذهلة.
فلو كنت مصرّة منذ البداية على القبول بأدوار البطولة فقط، لما اتخذت ربما هذا القرار. لذا، أعتقد أنني تعلمت من البداية ألا أكون منفردة، وأن أصغي إلى الآخرين، وأن أثق دوماً بحدسي. إلا أن الأمر يتطلب الكثير من المهارة...
عليك أيضاً أن تعرفي متى أخطأت ومتى اتخذت القرار غير الصحيح. قد يظهر الخطأ إلى العلن، لكن ارتكاب الخطأ يعلّمني ضرورة تفاديه في المرة المقبلة. لا يتعلم المرء كثيراً من النجاح، وإنما يتعلم من الفشل، وهذا مؤلم. لعل أصعب ما في الأمر هو رؤية الأشكال المتنوعة لمفهوم معين في مهنتك (والإذعان للاستثناء). في هذه الحالات، عليك المجازفة فعلاً وإلا تبقين مكانك.

- ما هو سرّ صمودك في وجه المصاعب؟
لا أصمد. ومن منا يفعل؟ باستثناء صورة الـ«انستغرام»، تعمّ الفوضى حياة كل واحد منا. شاهدت أخيراً برنامج Lady Dynamite التلفزيوني على قناة  Netflix، وبعض كلمات الأغنية في الحلقة الثانية تقول: «لا أعرف ما الذي أفعله معظم الوقت»، وأوافق تماماً على ذلك. لكن يجب أن يبقى الشخص متفائلاً ومنفتحاً ومصغياً إلى تجارب الآخرين.
لهذا السبب، أجد الانترنت مذهلاً. يمكنك بناء شبكات مع الأشخاص، وبالتالي لا تشعرين بأن إخفاقاتك أو مشاكلك خاصة بك وحدك. فثمة أشخاص آخرون يعيشون الشيء نفسه في مهن أخرى وصناعات أخرى.

- هل عرفت الخوف؟
دوماً. مهما كانت إنجازاتي السابقة، ومهما كان عدد الأعمال التي شاركت فيها، أشعر دوماً بالخوف حين يصمت الجمهور في انتظار وصولي إلى المسرح.
أقول حينها لنفسي «هيا أخرجي، قولي أول سطر وانتظري ردود الفعل». لا أنسى الخوف، أتجاهله بل أتحداه وأؤدي الدور.

- هل ينطبق الشيء نفسه على الحياة العادية؟ هل أنت شجاعة مثلما تبدين على المسرح؟
الخوف الوحيد الذي ينتابني فعلاً هو الخوف على أولادي. لكن ليس في وسعي إلا الصلاة. فلا بد من أن يقعوا ويرتكبوا الأخطاء.
صحيح أن الأهل لا يرغبون في أية حوادث، لكن ابني أراد ذات مرة الذهاب إلى التزلج، وقلت له: «لكنك لا تملك الخوذة المناسبة». لكن عليك في النهاية إفساح المجال لهم لاختبار الأشياء والتعلم من أخطائهم.

- هل تشعرين أن العمل الجدي والعزيمة القوية يثمران فعلاً؟ أم أنه الحظ في الحياة والعمل؟
أعتقد أن الاحتمال الثاني هو الصحيح. فقد يبذل المرء كل ما في وسعه ويقدم أروع الأعمال، ويثني عليها جميع المسؤولين، لكنها في النهاية لا تحظى بالقبول أو الموافقة.
غير أن هذا العمل الكبير لا يضيع هباء. صحيح أنك لم تبلغي النتيجة المنشودة، لكنك عشت التجربة على الأقل. تجربة ألا يتم اختيارك. قد يكون الأمر مؤلماً ويدفعك إلى القول: «حسناً سأفعل ذلك إذاً». صحيح أن الثمار لا تُجنى على المدى القصير، لكنها ستُجنى حتماً على المدى الطويل.

- هل تؤمنين بالحظ؟
طبعاً. الحظ، التوقيت والظروف. لكنني عشت أحياناً بعض التجارب التي تعرضت فيها للتدمير الذاتي، بحيث كنت أرى الحظ أمامي من دون أن أعرف ما يجدر بي فعله.

- هل تخبريننا عن قصة حالفك فيها الحظ؟
افترقنا، أنا وزوجي، كثيراً عن بعضنا. التقينا، وفي غضون ثلاثة أسابيع كنا نتحدث عن الزواج. قلت لنفسي يومها «هذا جنون. عمّ نتحدث؟» لكن شجاعة الوثوق بالحدس هي التي دفعتنا إلى الاستمرار. هذا ظرف شخصي. لكن هناك الكثير من الظروف المهنية التي لا أستطيع تذكرها كلها.
على سبيل المثال، نملك شركة مسرحية، وعندما أتيحت لنا فرصة شرائها، نظرنا إلى بعضنا، أنا وزوجي، وقلنا: «حسناً فلنفعلها». لم نفكر حتى في العواقب. اتخذنا القرار بكل بساطة. المجازفة مهمة، وإنما بحكمة.

- نعيش ثلاث مراحل في حياتنا. في فترة المراهقة، نركز على أنفسنا، وتكون الأنانية كبيرة جداً. في متوسط العمر، يركز المرء على نفسه ويُشبع رغباته. ثم يصبح مستعداً لمنح نفسه للآخرين. تقولين إن أولادك هم محور اهتمامك الأساسي. هل كانت لديك تلك الاحتياجات الأنانية؟
أؤكد لك أنني أعيش تلك الحالات التي وصفتها خلال ساعة واحدة. فالحياة أشبه بحوض دينامي يضم الأشياء التي أردت القيام بها بطريقة خاصة.
نموت جميعاً لوحدنا، لكننا محاطون مبدئياً بالناس الذين نحبهم. أحب العلاقات الاجتماعية، وأخشى كثيراً ما يحصل في العالم على الصعيد البيئي والسياسي والأخلاقي. لذا، أشعر بأنني منخرطة في العديد من الأمور.
لا أعتقد أن حياتي كانت يوماً مضطربة أكثر مما هي اليوم. لكنني لا أعتقد أنني شعرت قبلاً بهذا المقدار من الالتزام. ثمة تحدٍ كبير في الأمر. كلما قلت «نعم» مرات كثيرة، توجب عليك المراوغة أكثر، وإنما تصبحين في الوقت نفسه أكثر التزاماً.

- كيف تختارين أدوارك؟
لا يهمني الدور أبداً. يهمني دوماً من هم الممثلون الآخرون، ومن هو المخرج، ومن هو مدير التصوير السينمائي، ومن هي شركة المسرح التي يتم التعامل معها. ثم تأتي مسألة الوقت، وموعد الإجازة المدرسية، ومدة التصوير، وإمكانية عودتي إلى عائلتي خلال أسبوعين... لكنني أؤكد لك أن الدور لا يشغلني أبداً، فهو يصبح وظيفتي ضمن المشروع. ثمة أشخاص تقضي وظيفتهم بتوفير الإنارة للفيلم، أو تصميم الملابس، أو إعداد الطعام، فيما وظيفتي أنا هي التمثيل.
قد يكون السيناريو جيداً وقد يكون مريعاً. لا أحسم المسألة قبل أن أتحدث إلى المخرج وبقية الأشخاص المعنيين. فحتى لو توافرت كل العناصر في العالم وأفضل العناصر في الدور، لا يمكنني أن أحسم القرار إلا بعد لقائي بالأشخاص المعنيين.

- في هذه المرحلة من حياتك لأي دور تولين الأهمية أكثر؟ المرأة، الأمّ أم الممثلة؟
لا أعتقد أن هذه الأدوار تنفصل عن بعضها بعضاً. وجزء من مشكلتنا نحن النساء هو ميلنا إلى حصر تفكيرنا.
نميل إلى القول إنه إذا أردت أن أكون أماً، عليّ أن أقول لا لهذا. وإذا أردت متابعة مهنتي، عليّ أن أقول لا لأولادي. أو لا يمكنني إقامة علاقة عاطفية صحيحة والتركيز في الوقت نفسه على مهنتي.
لقد سُمح لنا بأن نكون معقدين. أما أنا فلا أقيّد حياتي من أجل عملي. أحاول دمجهما مع بعضهما.
لطالما أردت حياكة الصوف. ويذهب ابني حالياً إلى مدرسة «ستاين» حيث الجميع يحيكون الصوف. ها هو يعلّمني الآن كيفية الحياكة، وأصبحت منخرطة في ما يفعله ابني في المدرسة. عندما يقول المرء نعم لشيء ما، فإنه بذلك يفتح أبواباً للعديد من الأشياء الأخرى.

- كيف تصفين نفسك اليوم في هذه المرحلة من الحياة؟
لا أعتقد أنني فكرت مسبقاً في الأمر. أنا سعيدة جداً في العمل في المسرح. اعتقدت في السابق أن أكثر ما يمكن أن يصبو إليه الإنسان هو إنتاج واحد في السنة والعمل في مطعم.
لذا، أجد نفسي مذهولة دوماً بما وصلت إليه. لكن بالنسبة إلى ما يجب فعله لاحقاً، أعيش حالياً مرحلة أشعر فيها بضرورة تخصيص وقتي الثمين لأولادي.
الأعوام القليلة الماضية كانت صعبة جداً. افتقدت دوماً التوازن. ركزت كثيراً على دوري كأم. ينطبق ذلك على أي أب وأم حنونين. أنا حالياً في وضع لا أرغب فيه باتخاذ الكثير من القرارات.

- حدثينا عن العطر وما يعنيه لك أن تكوني ضعيفة!
أوافق على المفهوم الياباني أو الشرقي للجمال والهشاشة، وأعتقد أن السيد أرماني لا يزال منجذباً نحو الأسلوب الشرقي في التفكير والجمال. لا يمكن الشيء أن يكون جميلاً إلا إذا تدفقت الطاقة فيه.
تنظرين إلى شجرة بونساي، وتجدينها هشة جداً وعليك معاملتها بدقة كبيرة. لكن هذه الشجرة عمرها 700 عام.
عندما تتعرفين إلى مخاوفك وتعالجينها بالطريقة الصحيحة، تصبحين أقوى وأكثر قدرة على امتصاصها. أعتقد أن الأمر شبيه بالرجولة والأنوثة. أنا أنثى لكنني أستطيع ارتداء بذلة. لست مضطرة لارتداء اللون الوردي. تستطيع الهشاشة التعايش مع القوة.
أجد غرابة حين يقول الناس إنني أؤدي أدوار النساء القويات. لا أفهم قصدهم. في النهاية، أعتقد أنهم يحاولون القول إنني أسيطر على السوق!