التوائم: خدع ومعاناة وأحاسيس خاصة

التوائم,خدع,معاناة,أحاسيس,خاصة,تقليدية,استفزاز,الثلاثي المرح,صدمة,المهندس محمد حسنين,مصطفى السيد,أحمد السيد,أسامة عبدالسميع,تحذير نفسي,الدكتورة فيوليت فؤاد,العلاقات الخارجية,الدكتورة عنان محمد

محمد سالم - (القاهرة) 11 ديسمبر 2016

حياة التوائم ليست عادية أو تقليدية، فإذا كان الشبه يميزهم ويفيدهم أحياناً، فإنه قد يكون سبباً في معاناتهم أيضاً... «لها» تقتحم عالم التوائم لتعرف كيف يعيشون ويتعاملون مع من حولهم، وكيف يستغلون الشبه لمصلحتهم، ولتعرف ما يعذبهم أيضاً.


وردة كمال، محاسبة في أحد المصارف المصرية، تحكي قصتها مع ابنتيها التوأم فرح وفريدة، 16 سنة، فتقول: «في فترات الحمل الأولى طلبت من الطبيب أن يقوم بعمل أشعة للجنين للتأكد من سلامته، فقال لي: «انظري إلى الشاشة الآن وأخبريني ماذا ترين»، لم أستطع ترجمة ما رأيته في الصورة، فأكد لي أن هناك نبضين في بويضة واحدة، وفي اللحظة نفسها شاء الله أن تنقسم البويضة إلى بويضتين، وكان ذلك ظاهراً في الصورة الشعاعية، وأوضح لي الطبيب أنه توأم وينفصل الآن.
وتضيف: «شعرت بفرحة غامرة عندما علمت أنني سأنجب توأماً، خصوصاً أنني رأيت هذا التوأم وهو ينفصل أمام عيني. كانت فرحة لا توصف، وعلى العكس كان إحساس والدهما، إذ شعرت أنه أُصيب بصدمة كبيرة، وطلب من الطبيب أن يتأكد أكثر، لكن شعوره اختلف بعد ولادتهما، وفرح كثيراً بهما، وفي الأشهر الأولى، كان الأقارب والأصدقاء يطلبون مني تحديد علامة مميزة في كل منهما، لكنني كنت أؤكد لهم أنهما ليستا متشابهتين بنسبة مئة في المئة، وحاولوا أكثر من مرة ممازحتي بإبدال أماكنهما وملابسهما، إلا أنني كنت أفرّق بين «فرح» و»فريدة» من النظرة الأولى».
«فرح» و»فريدة» تدرسان الآن في الصف الثاني الثانوي، وفي المدرسة نفسها، وتجلسان في المقعد نفسه، تقول فريدة: «نشعر بسعادة بالغة لكوننا أختين توأماً. ومن المواقف الطريفة، عندما خدعت و»فرح» إحدى المعلمات، التي كانت قد طلبت من «فرح» أن تنقل الدرس عن اللوح وهي واقفة في الصف بجوار الباب كنوع من أنواع العقاب، فكتبت فرح بعض الجمل، لكن المعلمة وبّختها بسبب سوء خطها، فكتبت بسرعة ما هو موجود على اللوح على دفتري، وتناقلته الزميلات حتى أوصلته لأختي، ولما رأته المعلمة تعجبت كثيراً وقالت لها كيف كتبت بهذا الخط الجيد، وسألتها: أأنت فرح أم فريدة؟ فأجابتها أنا «فريدة»، لأن اسمي كان مكتوباً على غلاف الدفتر.

استفزاز
«آية» و«شروق» عاطف، تدرسان الحقوق، وتبلغان من العمر21 عاماً، تتذكر» شروق» التي تعمل في إحدى شركات الاتصالات في مصر إلى جانب دراستها، طفولتهما المبكرة، قائلة: «كنا لافتتين للنظر في كل مكان نذهب إليه، إلى جانب أنني كنت أنتظر دائماً تعليقاً من أي شخص يرانا للمرة الأولى. كنت أشعر بالاستفزاز عندما يحاول البعض تحديد الفروق بيننا وكأننا لعبة».

تقول آية: «كنت أعيش وأختي كأننا شخصية واحدة، كنا لفترة طويلة نشتري الملابس نفسها، ولنا أصدقاء مشتركون، وندرس في المدرسة نفسها... كان كل شيء متطابقاً، إلى أن وصلنا إلى الجامعة، وقررنا أن ننفصل من تلك اللحظة، فصرنا نشتري ملابس مختلفة تماماً، ونبدّل بعض الأصدقاء، ونُحدث تغييرات شاملة في حياتنا، لكن بما أنني أكبر من «شروق» بثوانٍ معدودة، أشعر دائماً بأنني المسؤولة عنها».
وتضيف: «نحب الآن أن نعيش حياة مختلفة، فكل منا تختار ما يناسبها ويحلو لها، خصوصاً «شروق»، فهي تحب أن تختار شيئاً مختلفاً عني، فمثلاً عند انتهائنا من المرحلة الثانوية، قررنا أن ندرس الحقوق، فقالت لي أختي إنها تحب أن تدرس في جامعة القاهرة، وظلت تحدثني عن مميزات جامعة القاهرة حتى أقنعتني بها، وبالفعل اخترت أن أدرس في هذه الجامعة، إلا أنني اكتشفت بعد ذلك أنها اختارت أن تدرس في جامعة أخرى، وبالفعل اخترنا التخصص نفسه لكن في جامعتين مختلفتين».
وعن تعامل والديهما معهما، تقول آية: «عانى والدانا الكثير بسببنا، فكنا دائماً نتشاجر لأتفه الأسباب، وبصورة يومية، والطريف أننا كنا إذا تشاجرنا في غرفتنا مثلاً وخرجنا نشتكي بعضنا البعض لوالدينا، كان كلٌ منهما ينحاز لإحدانا، وينتقل الشجار اليهما، وبعد دقائق معدودة نتصالح أنا وشروق وكأن شيئاً لم يكن، ونتركهما يتشاجران».

الثلاثي المرح
يقول المهندس محمد حسنين، والد التوائم الثلاثة: منة الله وحبيبة وسهيلة، وأعمارهن 15 سنة: «رزقني الله قبلهن بابنتي الكبرى نورهان، وقررت وزوجتي، وهي معلمة في إحدى المدارس القريبة من المنزل، أن ننتظر فترة حتى يكون هناك فارق زمني بين نورهان والمولود الثاني، ومرت الأيام وبعد 4 سنوات حملت زوجتي، وفي الشهر الرابع من الحمل ذهبت معها إلى الطبيب للاطمئنان الى الجنين، وكنت على معرفة سابقة بهذا الطبيب، فلما سألته زوجتي عن أمور الحمل قال لها إنه سيبلغني عبر الهاتف، وبالفعل اتصل بي وقال لي حرفياً: «كان الله في عونك، فقد رأيت أيادي وأرجلاً كثيرة في الأشعة، وغالباً سيكونون ثلاثة توائم»، وبعد ما سمعت لم أهتم بمعرفة جنس الأجنّة وتركتها لمشيئة الله».
وعن رد فعل والدتهن عندما علمت بالأمر، يقول محمد: «شعرت بأنها فرحت فرحاً شديداً، وكانت متشوقة جداً لموعد الوضع حتى تراهنّ، رغم معاناتها الكبيرة في الحمل، إذ ظلت أكثر من شهرين لا تستطيع النوم على السرير، فتنام وهي جالسة خوفاً عليهن، وتتحمل أوزان الأجنّة الثقيلة، أما أنا فرغم شعوري بالفرح والرضا، شعرت أيضاً بمسؤولية كبيرة أُلقيت على عاتقي، فقد أصبحت في فترة وجيزة أباً لأربع بنات».
تؤكد حبيبة، والتي تعتبرها أختاها القائد والمتحدث باسميهما، أنها تشعر بأنها مسؤولة عن أختيها وتدافع عنهما إذا حدثت لهما مشكلة، وهي سعيدة جداً بوجود نسختين منها، ولا تغار منهما، فهنّ جميعاً روح واحدة في ثلاثة أجساد، كما تفتخر بأنها شخصية مشهورة ومعروفة في المنطقة وفي المدرسة، لكونها عضواً من أعضاء التوأم الثلاثي».
وتحكي منّة عن أبرز المواقف التي ظهر فيها الشبه الكبير بينها وبين أختيها، فتقول: «في أحد الاختبارات، تم الفصل بيننا في لجان مختلفة حتى لا يحدث أي خلط، وقد توترت كثيراً أثناء الاختبار وشعرت أنني لا أستطيع كتابة أي شيء في ورقة الإجابة، فطلبت الذهاب الى دورة المياه، وفوجئت بحبيبة وقد أتت إليَّ وقابلتني في الخارج، مؤكدةً لي أنها شعرت بأنني في أزمة، فنحن نشعر ببعض أكثر من الأشقاء العاديين».
أما سهيلة، والتي تريد الدخول في مجال الفن التشكيلي، فتقول: «كثير من الناس يحارون في التمييز بيننا، ففي بعض الأحيان، وأثناء سيري في الشارع أجد فتاة وقد أتت لتسلّم عليَّ وتتحدث إليّ من دون أن أعرفها، ويظهر بعد ذلك أنها صديقة لإحدى أختيَّ، وقس على ذلك مواقف طريفة كثيرة نتعرض لها في المدرسة، لكن حياتنا في الحقيقة مثيرة ومسلية، كما كان الشبه الكبير بيننا سبباً في ظهورنا في عدد من الأعمال التلفزيونية، مثل «صاحب السعادة» و»إمبراطورية مين».

صدمة
التوأم مصطفى وأحمد السيد، 21 سنة، يدرسان نظم المعلومات، ويقول أحمد: «لم نلحظ في سنوات عمرنا الأولى أننا توأم، ولم نهتم بهذا الأمر أبداً. نعلم أننا توأم، لكننا لا نركز على مسألة الشبه بيننا من عدمه، لكن عندما وصلنا الى الصف الثالث الثانوي، بدأنا نفكر في الإفادة من أوج الشبه بيننا، لنصبح مميزين عن باقي الناس، فصرنا نعيش وكأننا نسخة من شخص واحد، نشتري الملابس نفسها وندرس في المجال نفسه، ونعتمد قصة الشعر نفسها... وهكذا».
وعن أطرف المواقف التي تعرّضا لها، يقول مصطفى: «كنت أتحدث مع فتاة على الإنترنت، وقررنا أن نتقابل وأتعرف إليها، ومن ثم نتزوج إذا اتفقنا في الصفات. وبالفعل قابلت هذه الفتاة للمرة الاولى وتحدثت معها وضربنا موعداً للقاء آخر، وكان عليَّ في هذه المقابلة أن أخبرها بأن لي أخاً توأماً، لكنني لم أملك الكلمات المناسبة للتعبير. اتفقنا على الموعد وحددنا المكان، واتفقت مع أخي أن نذهب معاً للقاء الفتاة، وكنت أتحدث معها عبر الهاتف، وطلبت من أخي أن ينتظرها في المكان المتفق عليه، ولدى وصولها اندهشت كثيراً، فكيف أتحدث إليها وأنا أمامها لا أمسك هاتفاً! وعندما ذهبت إليها بدوري، أُصيبت الفتاة بصدمة كبيرة في البداية، ثم دخلنا جميعاً في نوبة ضحك هستيري، وقلت لها إنه توأمي، وتقبّلت الأمر برحابة صدر».

أبو التوائم
يروي أسامة عبدالسميع، 35 عاماً، قصته مع إنجابه للتوائم قائلاً: «تزوجت في سن مبكرة، وكانت زوجتي أيضاً في سنّ صغيرة، حيث كانت تصغرني بست سنوات، وبعد عام من الزواج، رزقنا الله بابني الأول «عادل»، وبعد ثلاث سنوات تقريباً، حملت زوجتي وذهبت الى الطبيب لترى الجنين، فقال لها إنها سترزق بتوأم، لكنهما من جنس مختلف. فرحت زوجتي بالنبأ وسارعت إلى إخباري، لكنني قررت الذهاب الى طبيب آخر للتأكد من صحة الكشف الطبي، فأكد لي الطبيب الثاني أن زوجتي ستنجب توأمين مختلفين، وبعد أشهر عدة، وضعت زوجتي ولديَّ التوأم «أحمد» و«إياد»، وكانت صحتهما جيدة».
ويضيف أسامة: «وجدت نفسي أباً لثلاثة أبناء رغم سنّي وسن زوجتي الصغيرة، وأشعر بالفرح طبعاً، لكن أشعر أيضاً بمسؤوليات كبيرة أُلقيت على عاتقي، لا سيما المسؤولية المادية والتربوية، وكنت أعمل حينها في القطاع الخاص وراتبي بالكاد كان يكفينا، لكنني عاهدت نفسي منذ ولادتهم ألا أدخر جهداً في سبيل الإنفاق عليهم وتربيتهم، وكان لزوجتي فضل كبير في هذا الجانب، إذ أكدت لي أن رزق الأبناء يأتي فور ولادتهم، وفكرنا بعدها في افتتاح محل تجاري إلى جانب عملي حتى نستطيع الإنفاق عليهم، وأؤمن بأن رزقهم يأتي من حيث لا ندري، والآن نعيش حياة كريمة».

تحذير نفسي
تقول الدكتورة فيوليت فؤاد، أستاذة علم النفس في جامعة عين شمس: «يفرح كثير من الآباء والأمهات بعد إنجابهم للتوائم، ويسعون إلى تحقيق التشابه بينهم في كل شيء، فيشترون لهم الملابس نفسها ويتعاملون معهم على أنهم شخص واحد، وهذا الأمر قد يبدو جميلاً إلى أبعد الحدود ومسلياً بالنسبة الى الآباء والأمهات، لكن من الناحية النفسية أحذّرهم من أن تحقيق التطابق بين التوائم يسبب لهم مشكلات كبيرة في المستقبل، خصوصاً مع تنامي عادة لفت الأنظار بالتشابه التام، وبعدها تتحول إلى ترابط قوي جداً يصعب فصله في المستقبل، لأن كلاً منهما لا بد من أن تكون له حياة مستقلة ومختلفة عن الآخر بعد ذلك، وسيصبح له أبناء مختلفون، وسيواجهون صعوبة في التأقلم مع هذا الوضع إذا لم يتم العمل على استقلال شخصية التوائم».
وتضيف الدكتورة فيوليت: «على الآباء أن يحاولوا التفريق بين الأبناء، ليس في أسلوب المعاملة أو التمييز بينهم، بل في معاملتهم على أساس أن لكل منهم أسلوب حياة مختلفاً، ويعتمد الواحد منهما على نفسه في كل شيء، لأن شعور التوأم بأن له نصفاً آخر يولّد في داخله إحساساً بالاعتماد على الآخر، كما أنصح بالابتعاد عن اختيار أسماء متقاربة للتوائم، واختيار ملابس مختلفة، وتنمية المهارات الفردية لكل توأم بعيداً عن الآخر».

العلاقات الخارجية
ومن ناحية أخرى، تشير الدكتورة عنان محمد، أستاذة علم الاجتماع في كلية البنات- جامعة عين شمس، إلى أن وجود التوأم في أي أسرة يأتي بالطبع بصورة مفاجئة، حيث يكون الأبوان قد حضّرا نفسيهما لاستقبال طفل واحد، سواء من الناحية المادية أو النفسية، ويجد كل منهما نفسه فجأة أمام مسؤولية مضاعفة، وهو ما يحتاج الى استعداد نفسي خاص.
وتوضح الدكتورة عنان، أن هناك شيئاً هاماً جداً يجب أن يركز عليه الأبوان ويضعاه في الاعتبار في تربية التوأم، وهو ضرورة إدماج التوأم مع جميع أفراد الأسرة، وبشكل متساوٍ، بحيث لا يكون التوأم فريقاً وباقي الأبناء فريقاً آخر، فثنائية التوأم تجعله في أوقات كثيرة في غنى عن العلاقات الخارجية، إذ يعتاد دائماً على أنه يعيش حياة واحدة مع نسخته الثانية، إلى جانب ضرورة إعطاء كل من الأب والأم وقتهما لكل من التوأمين بالتساوي، بحيث لا يكون اهتمام الأم بابن واهتمام الأب بالابن الآخر، فيجد كل من التوأمين نفسه مرتبطاً بأحد الوالدين بصورة كاملة، لكن كلا التوأمين يحتاج الى الوالدين معاً، هذا فضلاً عن ضرورة العمل على دمج التوائم في المجتمع.

CREDITS

تصوير : أحمد الشايب