40 لوحة في معرض «مقام الأخضر» حسن عبدالله يرسم الطبيعة بنقاءٍ شعري

لوحة,معرض,مقام الأخضر,حسن عبدالله,يرسم,الطبيعة,نقاء,شعري

مايا الحاج 17 ديسمبر 2016

«كيف يمكن فناناً أن يخفي موهبةً بهذا الحجم كلّ تلك السنوات؟»... هذا السؤال يغدو بديهياً حين تجوّل في «مقام الأخضر» المعرض التشكيلي الأول للشاعر حسن عبدالله. تولّد فينا اللوحات مشاعر العودة إلى الفطرة، الأصل، الصفاء، كأنما اختار الشاعر/ الفنان أن يهرب عمداً من صورٍ عنيفة ومعقدة باتت تُحاصرنا في الواقع كما في الفنّ، وعوالم التواصل والاتصال.


اختار حسن عبدالله لمعرضه التشكيلي الأول- الذي لا يحمل عثرات البدايات- تيمة الطبيعة، فقدّمها بتجلياتها وألوانها المختلفة. وليس جديداً على حسن عبدالله، ابن الجنوب والطبيعة الخلابة، أن يتغنّى بالطبيعة التي ترسخت في معظم قصائده ودواوينه الشعرية من «الدردارة» الى «راعي الضباب» و«ظلّ الوردة». وحين خاطب الأطفال في أدبه الموجّه اليهم، كانت الطبيعة دوماً عنصراً من عناصر كتابته الأساسية.
أربعون لوحة تُشكّل «مقام الأخضر»، رسمها عبدالله بشعرية لا تقلّ عما نقرأه في قصائده. يرسم بواقعية لا تخلو من سوريالية حيناً ومن الفنتازيا أحياناً. وقد لا تلمس هذه السوريالية والفانتازية في المشهد نفسه وإنما في الألوان التي استخدمها الشاعر بحرفية مدهشة.
الشجرة في لوحة «شجرة الغيم» لا تختلف عن أشجارٍ رأيناها في قرانا، غير أنّ لونها الأبيض اللؤلؤي يجعلها مختلفة لتبدو كأنّها شجرة أحلامنا. الوردة البنفسجية أيضاً في «زهرة الخطمية» تستمدّ غرابتها، وبالتالي جماليتها، من لونها «الحالم» البديع.
يتضمن المعرض لوحة بديعة بعنوان «من جنة الذاكرة»، ولو أردنا التدقّيق في مجمل اللوحات ومقارنتها بأشعار حسن عبدالله لوجدنا أنّها آتية فعلاً من جنّة الذاكرة. البراري، السواقي، الزهور، الحقول، التلال، الوديان... مشاهد كلّها طالعة من مرج الخيام الذي تغنّى الشاعر بأصيافه الباردة وبنباته وطيره وحيوانه، حيث الجميع يُشكّل هناك «أمّة واحدة».
لا تزدحم لوحات حسن عبدالله بغير الألوان والخطوط والعناصر الطبيعية في اللوحة تبدو والعمرانية القليلة جداً. وحين تتأمّل هذه اللوحات تجد أنه لا يمكن أيّاً منها أن تكتمل من دون هذا الخط أو ذاك اللون.
المشهد ماثل داخل لوحات صغيرة نسبياً. لكن المساحات الطبيعية أكبر من مساحة الورق أو القماش. المشهد يقود بصرك إلى آفاقٍ مفتوحة، وإن كان موجوداً داخل إطار ضيّق ومحدود.
يهتمّ حسن عبدالله برسم الخلفيات كاهتمامه بالمقدمة والصورة. وهذا ما نستدلّ عليه في لوحات مثل: «مدى، إلفة، فضاء الأخضر، الشجر العالي، عناق...». وقد تُمثّل هذه الميزة خصوصية اللوحة عند حسن عبدالله.
تتميّز اللوحات أيضاً بلعبة الظلّ والضوء، الأمر الذي يمنع تحديد الوقت بدقة. الليل والنهار يتقاطعان حتى تبدو «زمنية» اللوحة عالقة بين الفجر والشفق. وهذا الانطباع تُرسّخه ألوان تطغى على معظم اللوحات مثل الليلكي، البنفسجي، الأرجواني، الفيروزي... يحوي «مقام الأخضر» ثلاث لوحات فيها أبنية يرسمها حسن عبدالله بأسلوب «التنقيطية» التي تُقسّم اللون الى نقاط صغيرة متمازجة تُعطي إحساساً بأنها في طور التزعزع والتهاوي. وليست هذه الأبنية إلاّ وجهاً آخر من وجوه الحرب التي قضت على الطبيعة والحجر والبشر، فلم تترك غير الخراب والدمار. وفي لوحتين عنوانهما «غياب»، يرسم الشاعر بيتاً مهجوراً وسط طبيعة تُشعرك بشيء من الوحدة، كأنما أراد تقديم جانب آخر من الطبيعة القروية التي هجرها أبناؤها، نزوحاً الى المدينة.
حسن عبدالله يرسم بنقاء الشاعر وشفافيته. لا يُشوّه الطبيعة ولا يُفكّكها، لا يتوسّل «الفذلكة» التشكيلية كما لم يتوسلها يوماً في الشعر. العالم لا يحتمل مزيداً من التشوّه والتفكّك والغموض، وهذا ما نقرأه في لوحات «مقام الأخضر» للشاعر حسن عبدالله... عساه يكون أوّل الغيث في مسار تشكيلي لا بدّ من أنه يُضيف إلى رصيده الشعري الكبير.