الفنان التشكيلي الدكتور نزار ضاهر يجاهر بنشيد البصر وبألوان الطبيعة

الفنان,التشكيلي,الدكتور,نزار ضاهر,نشيد,البصر,ألوان,الطبيعة

إسماعيل فقيه - (بيروت) 11 فبراير 2017

بألوان الطبيعة وانسيابها في المجرى، مجرى الجغرافيا والنظر، يحاول أن يتلو نشيد البصر ويعزف مشهد الحضور الطيب. يرسم كمن يكتب، كمن يغني، كمن يرقص... وتراه فراشة في اللون، وزهرة في الإطار، وومضة عبير في الظلال المحتملة بعد كل إنجاز لوني. إنه الفنان التشكيلي الدكتور نزار ضاهر الذي يتحدث لـ«لها» عن زمانه ومكانه وألوانه في هذا الحوار.


- ماذا ترسم ولماذا ترسم؟ وما الذي تحاول قوله في لوحتك وألوانها الكثيرة؟

لا بد من العمل والإنجاز. الفنان مجبر على الإنجاز والانتقال الى مراحل إبداعية متتالية. ففي كل لوحة أُنجزها أقول جديداً للآخر، أقدّم له صورة ملونة كي يتعرّف إلى ما يعتمل في داخلي وداخل الزمن الذي أعيشه، ولكنني لا أقول جديداً بالنسبة الى أعمالي وما أسعى اليه فنياً، بل أرسم وألوّن ما هو قائم في ذاتي، ما هو صاخب وهادئ في كياني الانساني والعاطفي. أحاول الانتقال من ضفة الى أخرى وأكرر المحاولة، وهكذا تستمر المسافة الفنية اللونية التشكيلية ولا تتوقف أبداً.
تهدف لوحتي الى بناء الصورة الأوضح على «شاشة» الوعي، كي تبقى صورة الحياة نابضة.

- هل هذه المحاولات كافية... كأنك تقول إن اللون هو الشكل والمضمون.
التفسير أوسع وأكثر شمولاً في هذا السياق. يمكن القول إن اللون هو المساحة التي تبرز في اللوحة وخارجها، ويمكن ترسيم حدود اللون في شكل غير مُحدد، غير ثابت في دلالة أخيرة. يشكّل اللون حالة وجود مفتوحة على تنوعات شتى، ليس أقلها تنوعات المضمون الذي يعطي الانسان ألق الحياة والجمال. انطلاقاً من هذا المعنى، نستطيع القول إن اللوحة هي فعل لوني شامل، يمكن عبره بناء الوعي الجمالي في كل لحظة. وعلى هذا الأساس، تبرز خصوصية اللون. وكل فنان يمكنه توظيف هذا الوعي الفني وفق ما يرى ببصره وظنونه وحركته اليومية. المضمون والشكل هما أساسيان في مساحة اللون. الشكل صورة مفتوحة على كل الاحتمالات، وكذلك المضمون، ولا تعارض بينهما في انسيابهما الجمالي.

- هل ترى أن للوحة عيناً أيضاً، هي ليست عين الفنان وحدها التي تبني مشهد اللوحة وألوانها وحتى أطيافها؟
بالتأكيد، العين هي جزء هام وفعال من الهيكل الكبير الذي يحتوي على «حواس» الجمال والسحر والبهاء. انها المدخل الأول للشكل وللإطار الواسع، ومن ثم هي تُراصف «الحواس» وتتناقلها. يلعب الفنان دوراً كبيراً في تأصيل هذه الحواس. لجسم الفنان دور فاعل في تركيب المشهد اللوني، كذلك عقله وخياله وروحه. كلما كانت هذه الأدوار فاعلة، أدوار الحواس في هيكل الفنان بما يمثل من قدرات اجتراحية وتوصيلية، عكست حيوية النفس وحيوية «النار» المتأججة في داخلها. العين تهندس النفس وتأمرها، وفي المقابل تتحرك الذات وفق شروط الوعي الجمالي الذي تتقاسمه مع العين. وهنا يولد أو يتوالد التكامل المعرفي التركيبي للوحة.

- الفنان نزار ضاهر جزء لا يتجزأ من الطبيعة، هل ستبقى الطبيعة هاجسك في اللوحة؟
بالتأكيد، الهواجس الجمالية ليست ثابتة ولا هي قائمة على أساس لا يتغير. الطبيعة ليست هاجسي بقدر ما هي لغتي التي أكتب عبرها التفاصيل الحياتية. الطبيعة هي الحياة، وهي مكان الإنسان وأحواله. لا يمكن الخروج من الذات أو المكان إلّا في الغياب الذي ينتظرنا وننتظره. ربما يكون الهاجس الأهم في حياتي هو السؤال في اللون، كيفية استخراج اللون من بين المساحات والمسافات والأمكنة المتنوعة والمفتوحة على اللانهاية، وعلى الاسئلة المتوالدة من ذاتها. والطبيعة ليست حكراً على الجمال أو الأحاسيس الجيّاشة، بل هي أيضاً مدار بحث واستقطاب لكل الظنون الجميلة والاحتمالات.

- تزداد ألوان لوحتك جنوحاً نحو التفجّر كأنك تسير في اتجاه لوني معين، ما هي حدوده، وما هي المشقّة لبلوغه؟
المشقّة قائمة في أساس الوعي، وهذه المشقة هي قدر كل فنان. أما لوحتي فتسير في اتجاه لونيّ كبير، لون الحياة، وهذا التفجّر هو مرحلة من المراحل التصاعدية في لوحتي، مرتبطة عميقاً بالجذور الانسانية التي عبرتها. وستظل هذه المراحل متعاقبة حتى اللاوصول، ذلك أن الوصول الى لون نهائي، يعني الوصول الى نبض أخير في القلب والروح. ما دامت الذات متحركة وناشطة وقابضة على الأسئلة النارية، الأسئلة القلقة والضاجة بأجوبة الحب والتعب والأزهار والغيوم، يبقى اللون على موعد يومي، أزلي، مع التفجّر والانبهار.

- الطبيعة في لوحتك تبدو متعبة رغم جنوح ألوانها الى الحرية والتحرر من قيود الجغرافيا؟
الطبيعة ككل كائن حي، تتعب وتهلك وربما تموت. ربما يكون التعب في لوحتي هو هذا الجمال الذي يرسم الأجنحة التي تحملها الى حريتها، الحرية الكبيرة والمريحة والتي تقدم الطمأنينة والسعادة للعين والقلب. هو تعب لذيذ حتماً، يعطي صورة ناصعة للمعنى الوجودي الذي يسعى إليه الانسان في كل لحظة. ربما تكون الطبيعة الوجه الآخر لتعب الجسم. وأعتقد أن جسم الانسان يكمّل جسم الطبيعة. وربما أيضاً هما جسم واحد في كيانين نظن أنهما منفصلان.

- ثمة أحاسيس صعبة قد تواجه اللون بصعوبات، هل يتجسّد الحزن أو الفرح في لوحتك، وكيف يتم هذا التشابك بين همس الحزن وسواه من الأحاسيس وصورة الشكل؟
لا شك في أن التطرق الى هذا الأمر الحسي الجامح يفرض وعياً في صورة المتخيل والمنتظر. حتماً، للشعور دور فاعل في بناء اللوحة. الدافع الأساس للوحة هو موضوعها، والموضوع الذي يولد من الواقع، ومن الحياة، هو جواب مباشر عن أسئلة القلب والروح والجسم، وبالتالي لا يمكن الحالة إلّا أن تبني معناها، بكل أبعادها وأسسها، وتأثيراتها في حساسية الإنسان. يمكن الخيال أن يلتقط ذبذبات الأحاسيس مهما كانت قاسية أو العكس، والفنان هو الخيال، وهو الذي يلعب دور الذبذبات، فيلتقط ما يساهم في توفير الشكل، وتقديمه للنظر، وطبعاً لا يقدمه للعين فقط، بل لكل الحواس.

- بعد التجربة والإبحار في اللون، هل تغيّر إيقاع الزمن في حياتك؟
كل شيء الى زوال، وفق النظرية والواقع والقناعة البشرية لمفهوم الوجود. بالنسبة إليّ، ما زلتُ مواظباً على أيامي التي اخترتها لفني، وطقوس العمل والإبداع هي نفسها، ولحظة الإبداع لا وقت محدداً لها، كل موعد له خصوصية. توقيت لحظة الإبداع ممكن أحياناً ومستحيل في أغلب الأحيان، ولذلك أترك للحالة أن تأتي من دون موعد، واذا جاء الموعد، أحتفظ بوقائعه، وأدوّنها وفق أصول أنطلق منها دائماً.