في شقة على الريفييرا الفرنسية: فخامة عابرة للأمكنة والأزمنة!

شقة,الريفييرا الفرنسية,فخامة,الأمكنة,الأزمنة,الفخامة,ستيفاني كوتاس,الجنوب الفرنسي,الأخشاب الثمينة,الشقة,المشهد الزخرفي,الإضاءة,الرخام,المرايا,اللمسات الذهبية,المدفأة,الجدار

نجاة شحادة (باريس) 26 فبراير 2017

قد يكون من المدهش حقاً أن شقة، بمساحة 330 متراً مربعاً، يمكن اعتبارها مثالاً لما ينبغي أن يكون عليه التصميم الداخلي . غير أن هذه الدهشة ستجد ما يبررها حين نعرف أن مهندسة الديكور « ستيفاني كوتاس » هي صاحبة الأفكار والتصورات التي جعلت من هذه الشقة مرجعاً متفوقاً للعمل الزخرفي وتنسيقاته وخياراته المُحكمة .


تقع الشقة في الدور الأخير من مبنى جديد على الريفييرا في الجنوب الفرنسي، حيث يحظى بموقع رائع وطلّة مميزة على البحر الأبيض المتوسط، غير أن السقوف المنخفضة قليلاً، كانت الدافع لاهتمام خاص بزخرفتها بعناية فائقة والتنبه الى خيارات الإضاءة بشكل خاص.
على أن التحدي الحقيقي تمثّل في الحفاظ على روحية الخفة التي تتحلّى بها هذه الشقة، وأيضاً في تكريس «الجو البحري» الذي يعتبر أحد خصائصها اللافتة. وفوق هذا وذاك كانت تلبية متطلبات مالك الشقة في حيازة أجواء فخمة تشبه فنادق الخمس نجوم، وجهاً آخر للتحدي الذي خاضته «كوتاس» بنجاح تصعب مقارنته.
لذا فإن خيارات مواد نبيلة مثل الرخام، المرمر، الأخشاب الثمينة والجلود، ومن ثم استعمالها بطرق حديثة وأساليب معاصرة، شكلت النواة الصلبة لديكور داخلي بالغ الفخامة والترف والرفاهية بالطبع. تقول «ستيفاني كوتاس»: «لقد عملت على تصميم هذه الشقة وفي ذهني فكرة محورية تدور حول تأمين الراحة القصوى لأركان ومساحات الجلوس».

وحين نتحدث عن الاستخدام الحديث والمعاصر للمواد النبيلة المختارة، فإن ذلك يعني أن البراعة ليست في المزاوجة بينها فقط، ولكن في ذلك الإتقان البالغ لمنحها أدواراً أكثر حيوية في صياغة المشهد الزخرفي.
ويتجلى هذا الأمر في المدخل الرحب والمضيء للشقة حيث الرخام والمرمر يلعبان دوراً رئيساً في منح المكان ملامح الفخامة والأبهة من خلال استخدامهما الباذخ في الأرضيات، غير أن ذلك لا يلغي الأدوار الأساسية للمواد الأخرى، على أن أكثر ما يلفت النظر هنا هو الإضاءة التي بدت مثل اللآلئ فوق تطريزات السقف وزخارفه.
وقد استطاعت «كوتاس» وبتفوق أن تمنح المكان أبعاداً جديدة تجاوزت بعض معاناته من انخفاض الأسقف، وذلك عبر اختيارها اللون الأبيض للأرضيات والجدران والأسقف، ومثل هذا الأمر يتطلب جرأة كبيرة ودراية عميقة بخصائص اللون الأبيض، وبالتالي إغراقه بالإضاءة، مما يمنحنا الأحساس بأننا نقف على مكان ما من الشاطئ في يوم صيفي مشمس.
وينطبق هذا على كل مساحات الشقة وأركانها، حيث تبدو العناصر والأشكال وقطع الأثاث وكأنها تسبح في بحر من الضوء المبهر. ولعل أكثر ما يجذب الاهتمام هو تلك النغمات من الأزرق الفيروزي أو «الماتيسي»، والذي سنجده في كل مكان وبجرعات مدروسة تمنح أناقة المشهد قيماً مضافة.

ولم تغب المرايا بأدوارها اللافتة عن مساحات وأركان الجلوس، فكانت تعكس البياض المحيط لتُضاعف سحر المكان وتمنحه مزيداً من الوضوح والتفاؤل والصفاء. وهي تشكل مع قطع الأثاث وعناصر الإضاءة والأكسسوارات المرافقة وحدة جمالية بالغة التفرد، من دون أن تتنازل عن أدوارها الوظيفية التي تؤكد على الراحة القصوى.
بعض التفاصيل الصغيرة - وهي كثيرة هنا رغم تكتمها على المشهدية – مثل تلك اللمسات الذهبية التي توشّي عناصر الإضاءة وتجد مقابلاً لها في «توشيات» الوسائد فوق الكنبات البيضاء، أو في ورق الجدران في ركن الاستقبال «الفيروزي» البديع. على أن التطعيمات بلون «التركواز»، والتي تشمل كل مساحات الشقة وأركانها، تمنح هذا اللون الجميل دور البطولة من دون مبالغة أو تعقيد.

صالة الطعام لا تختلف عن مساحات وأركان الجلوس، حيث الطاولة بقواعدها البيضاء وكراسيها المريحة الفاخرة المنجّدة بالجلد الأبيض، وقد تم اعتماد الخشب كمسطّح للطاولة، ليضفي لونه الطبيعي بعض الحرارة على جو خاص تدعمه المدفأة بتصميمها الحديث، والألوان المحيطة التي تنتمي الى نطاق «الحميمية» في الستائر والجدار حول المدفأة.
ولعل المدهش في هذه المساحة، اختيار سجادة تجمع كل نغمات اللون الأزرق المستخدمة في الشقة، وهذه البادرة لم تكن فقط لمجرد تأكيد الانسجام والتواصل مع باقي أركان الشقة، وإنما لتلبية شروط التحدي في المناخ «البحري» وحضوره المطلوب.
ولا شك في أن دور المرايا هنا، وعلى الأخص تلك التي تغطي الجدار، المقابل للمدفأة، بكامله، قد منح المكان سحراً مستحباً، من خلال الانعكاسات التي تشمل كل موجودات الصالة. وبدا المطبخ بتنسيقاته البسيطة والأنيقة، واحة هدوء لتناول الوجبات المختصرة.

على أن اندماج المدخل مع صالات الاستقبال وأركان الجلوس، قد منح المساحة امتداداً بالغ الأناقة، ليس على المستوى البصري والجمالي فقط، وإنما على مستوى المشهد الزخرفي العام للشقة، من ناحية الاتساع الافتراضي أو حرية الحركة والتنقل، فلم يعد من الضروري التوقف عند الأحجام والأشكال لمحتويات هذه المساحة الرحبة من قطع أثاث وأكسسوارات بديعة، بل تحول الأمر الى تأمل وإعجاب بالتنسيق العام وتوازناته، بخطوطه وألوانه، ومن ثم بالمدى الذي يوفره من الراحة والرفاهية.
في القسم الليلي من هذه الشقة، جناح النوم الرئيس، مع ممرّه اللافت وصالة الحمام وغرفة الملابس. بالإضافة الى ثلاث غرف نوم للضيوف وصالات الحمام وغرفة الملابس.

الغرفة الرئيسة تتميز بأثاث جذاب وألوان تستدعي البحر الى داخلها... وتشهد صالة الحمام زواجاً بديعاً للرخام والمرمر والجلود، ويغلب على هذه الصالة اللون الأسود الموشّى ببياض أخّاذ يضفي على المكان، الى جانب الفخامة، جواً من الغموض الآسر.
على أن التفاصيل الكثيرة التي تمت حياكة مشهدية هذا الجناح من خلالها، تستحوذ على الإعجاب نظراً لدقتها والبراعة في تنسيقها وتراكيبها المتقنة.
غرف النوم الثلاث لا تقل بذخاً وأناقة عن الجناح الرئيس، فكل غرفة اختير أثاثها وأكسسواراتها لتُرضي أذواقاً ورغبات مختلفة، بل يمكن القول إنها هنا لضيوف لا يختلفون بتطلّبهم عن سيد المكان. ... فالقول بأن هذه الشقة تشكل مرجعية «جمالية ووظيفية» للعمل الزخرفي، هو قول يستوفي مرجعيته من تلك التصورات المتفردة لـ«ستيفاني كوتاس» والتي تم تنفيذها بدقة تصعب مقارنتها.