أجهّز لكتاب عن قصّة حياتي أصالة: تمنّيتُ زيارة اللاجئين وأتقنُ ثقافة الاعتذار
لفلسفتها في الحياة ونظرتها إلى العائلة، النجاح والموسيقى أبعادٌ مختلفة، فهي تلك الشخصية العفوية، الصادقة والحساسة، التي لم تنل منها التهديدات ولا المتاعب والمطبّات والصعوبات، ولم تهزمها، بل جعلتها صلبةً قويّةً، تقول كلمتها بدون خوفٍ وتردّد. قبل أيام من ذكرى ميلادها، تحدّثت عن العمر والأمومة والصداقات، تحدّثت عن سوريا، فلسطين، مصر والدول التي كوّنت لها شخصيتها وبنت لها كيانها. إنّها أصالة، أو «صولا» كما يحلو للكثيرين مناداتها، اعترفت بالخطأ، أشادت بفضل الكثيرين وفتحت قلبها لـ«لها»، وسردت تفاصيل رحلتها الأخيرة إلى بيروت التي ملأها الخوف والتهديد، كما تكشف سبب تأخّرها في زيارة اللاجئين حتى اليوم.
- فنلتحدّث بدايةً عن الزوبعة التي أثارها رد فعل أحلام على مباركتكِ لعمرو أديب بالسلامة، كيف وجدتِ الرد؟
هناك العديد من الأمور التي لا أعرف الطريقة المثلى للردّ عليها، وإن أردتُ الرد فسيكون ردّي ديبلوماسيّاً بعض الشيء، وقد قطعتُ وعداً على نفسي بألّا أدخل في متاهات مع أي شخص. قرأتُ تعليق أحلام وسلسلة التعليقات بعده. كان عاديّاً، وهي ربما تكون قد سخرت من كلمة «ضميره»... لها الحرية بأن تُعلّق ولي الحرية بأن أكتب.
- أحلام صديقتكِ... كيف تعاملتِ مع الموضوع؟
قلتُ لكَ، تهكّمت على كلمة «ضميره»، كأنّها في باطن ضميره وحكمُها هو الأصدق، تخيّل أنّني حذفت كل الردود والتعليقات المسيئة الى أحلام، لأنّ ما يُزعجني ليس فقط التعليقات المسيئة إليّ، بل لأصدقائي أيضاً، وحتى لو اختلفتُ مع الأشخاص في آرائهم، أحترم الإنسان مهما كان انتماؤه ورأيه ومبدأه.
- لنتحدّث عن عمرو أديب وأصالة وتلك الصداقة الوطيدة...
عمرو أديب شخص مهمّ جدّاً على المستويين الاجتماعي والشخصي، فهو بمثابة أخ وصديق مقرّب جدّاً، أتابعه دائماً، وقد لا أتفق معه في آرائه ولكنّني أحترمه كثيراً، وهذه حرّية شخصية. نجحنا كثيراً في اختبار علاقة الصداقة رغم أنّنا نختلف في أمور سياسية وإنسانية، وفي نظرتنا الى السياسة والواقع، ولكنّني أحترم كثيراً أنّه يضحّي بشخصه وصحته ليُدافع عن وجهة نظره التي يقتنع بها.
- أنتِ معروفة بصداقاتكِ لأشخاص تختلفين معهم في أمور كثيرة...
هذا صحيح... لي أصدقاء مقرّبون جدّاً، ولكن نختلف في الرأي السياسي والإنساني، وأقول «الإنساني» لأتجنّب التحدّث في أمور الثورة والسياسة والموت والدمار. هم أعزّ أصدقائي، ولكننا ارتقينا إلى مرحلة أنّ لا خلاف قد يهزّ صداقتنا.
- حلقتكِ مع عمرو أديب كانت محط اهتمام الجميع، ما رأيكِ بالتضخيم الذي اعترى بعض المواضيع والتركيز في أمور عادية وعفوية في الحلقة مثل موضوع قُبلة زوجكِ أو حتى أمور التقليد من دون أن يُركّزوا في ما تضمنته من إنسانية... هل تتعمّدين أن تكون تصريحاتكِ دائماً على هذا النحو أم أنها تأتي عفوية؟
هذا صحيح، ركّزوا في أمور عادية جدّاً وقد تكون مضحكة وخفيفة، ولكنّهم نسوا جوهر الحلقة وما تضمنته من جانب إنساني مهم... بالنسبة إليّ الأمر طبيعي جداً، لأننا ننظر دائماً إلى ما يُضحكنا، حتى المقرّبون منا والمحبّون يركّزون في ما يُسيء إلينا أو يكون دون إنجازاتنا أهمية، فنحن بطبيعتنا الإنسانية نبحث عن أمور تسلّينا ونهتم بـ«الحركشات» التي تُحدث بلبلة، ولكنّ الزمن كفيل بإثبات العكس.
- ماذا عن مشاركته في «عيش سكر وطن»؟
«يا الله شو حلو»... قلتُ لكَ إنها حلقة مليئة بالإنسانية، ومشاركة عمرو في الأغنية كانت حقيقية وصادقة ونابعة من رغبةٍ في إضافة بصمته الخاصة إلى الأغنية والحلقة وإلى إطلالتي معه. فيكفي أنه لعب دوراً لا يجيد القيام به، ألا وهو الغناء، ولكنّه أصرّ على هذه الإضافة، فنحن نغض الطرف مراراً عن الإيجابيات، ولكن مع مرور الزمن تختفي السلبيات وتطفو الأمور الحسنة والذكريات الجميلة على السطح.
- تحدّثتِ عن سعد لمجرد، بالنسبة إليكِ ما هي العبرة التي يجب استخلاصها من هذه القضية والبلبلة المُثارة حولها؟
سعد لمجرد إنسان حصد نجاحاً ساحقاً، وحقّق أرقاماً ومتابعات خيالية، سواء على «يوتيوب» أو مواقع التواصل الاجتماعي. وصل إلى مرتبة من النجاح لم يصل إليها أي فنان، وأقولها بالفم الملآن، لم يسبقه أحد في تحقيق النجاح، سواء أنا أو غيري من النجوم، ولو كان لنا ألف عدوّ فلدى سعد مليون. الجمهور أحبّه حبّاً جارفاً وجعل منه ظاهرةً، وأظنّ أنّه من الأشخاص الذين تركوا بصمة. العبرة ليست في نظرية المؤامرة، ولا أريد التحدّث عن القضية، ولكن أتمنّى له الفرج القريب.
- ماذا تعنين بنظرية المؤامرة؟
لا أؤمن بأنّ ما حدث كان له طرفان، هذا الأمر جعلني أشكّك في اعتقاداتي، فهناك من تضايق كثيراً من نجاح سعد لمجرّد وجعله ضحية هذا النجاح. على العموم أنا أحترم البشرية والإنسانية، وأقول إنّ لا أحد أكثر وفاءً منه، أؤكد دائماً أنّه يجب الاستثمار في الإنسان ولكن ما حدث لسعد جعلني أغيّر رأيي في الموضوع.
- بحكم صداقتكِ لسعد لمجرد وقربكِ منه، كيف ترين شخصيته وكيف كانت العلاقة معه؟
سعد صديق مقرّب مني وفخورة به وبنجاحاته وما وصل إليه، اجتمعنا مرّات كثيرة، سافرنا وتناولنا العشاء والغداء معاً، وبحكم خبرتي الطويلة في التعامل مع الناس، لا أرى أنّ سعد قد يتصرّف بطريقة مسيئة الى الآخرين، أو ينظر لأي فتاة نظرة خاطئة. أنا متأكدة من أنّ أعداءه مجرّدون من الإنسانية ويفتقرون إلى الضمير، والدليل أنّه حتى اليوم لم يستطع الخروج من القضية، وفي كلّ مرّة يقع في شركٍ جديد. والمضحك أنّنا رأينا الفتاة في مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام قد خرجت بعد فترة وجيزة ولكنّها على خير ما يُرام... «أنا حرّة بدّي دافع عنه... بحترمه كإنسان وصديق»، معروفة أنّني أقف مع أصدقائي في أوقات الشدّة، وسأدعم سعد حتى آخر لحظة.
- تحدّثتِ عن الأرقام التي حقّقها لمجرد، وقد تحدثتُ سابقاً مع نوال الزغبي عن الأرقام ونجوم اليوتيوب وقالت إن كان للفنان 20 مليون متابع وهي لا تعرفه فهو ليس مشهوراً...
(تقاطعني)... بالتأكيد ليس سعد لمجرد!
- طبعاً نحن لا نتحدّث هنا عن سعد، ولكن ما رأيكِ بظاهرة الأرقام؟
ظاهرة الأرقام على السوشيال ميديا لا ترتبط بالمشاهير فقط، فهناك أشخاص عاديون يشترون المشاهدات والمتابعات، وحدث لي ذات يوم أن فتحت حساب إحدى صديقاتي على «إنستغرام»، وهي شخصية غير معروفة، وتفاجأت بأنّ لها متابعين أكثر منّي، الأمر ليس غريباً، وهو منتشر بكثرة.
- هل الأرقام في رأيكِ، نجومية زائفة أم ضرورة لنجوم اليوم؟
الحكاية تشبه تماماً قصة حمل العديد من النساء حقائب من دور عالمية ولكن FAKE، فالأرقام لا معنى لها وهي ليست مهمّة، والأدهى أن تكون غير صحيحة ومشكوكاً فيها، فلا تجعل الشخص مرتاحاً في قرارة نفسه، ولكنّه يتباهى بها أمام الآخرين، وفي النهاية الكذب دائرة مغلقة، سواء في الموضة أو الأرقام أو طريقة التصرّف.
- في الحلقة أيضاً تحدّثتِ عن سميرة سعيد وقلتِ إنّكِ قلّدتها، ما حقيقة الأمر؟
سميرة سبّاقة في الأداء وجريئة جدّاً، وتكاد تكون الوحيدة في الوطن العربي التي تغيّر في أدائها وصوتها ويكون أقرب إلى النجوم الأجانب في غنائهم. هم أحرار في أصواتهم وطريقة إخراج الصوت. أعرف تماماً كيف أغنّي وأؤدي وأغيّر صوتي بطرق مختلفة ولكنّني لستُ جريئة، فأخاف من الانتقادات إذا صرختُ، أو كان صوتي عالياً في إحدى الأغنيات، ففي الغرب يصرخون ويرفعون أصواتهم في الجمل التي تستدعي ذلك... هم عكسنا، يملكون الحرّية في الغناء.
- ماذا يعني ذلك؟
غناؤنا كلاسيكي، وفولكلورنا مخيف، ونخشى الخروج عن الفولكلور، ونريد دائماً الغناء «مثل زمان»، فإذا غيّرنا قليلاً ندخل في متاهات واستطرادات كثيرة. أكرّر لك أن الغربيين أحرار، وسميرة لحقتهم وباتت حرّة مثلهم، ويجب أن نفيها حقّها في التجدّد والتميّز.
- في الحديث عن الغناء والتجديد... هل سنرى ذلك في ألبومكِ الجديد؟
في الحقيقة، بدأتُ العمل على ألبومي المصري الجديد، وكان يجب أن أنجزه منذ فترة، وغيرةً من الذين جدّدوا في أعمالهم، أريد التجديد في الأغنيات والألحان والأداء وفي خامة صوتي، ولكنّني أحتاج الى التفرّغ بما يقارب العشرين يوماً، أو الشهر كحد أقصى.
- تعيشين في عزلة خلال فترة تسجيل الألبوم...
أكره العزلة، وأنا بطبعي لستُ شخصاً انطوائياً، فلو كنتُ أعيش فترات على هذا النحو لوجدتني أغيّر في منزلي وأرتّب نفسي وكأنّني خارجة. خلال فترة تسجيل الألبوم، أجلس وحدي أفكّر في أدائي وأطوّر نفسي مع نفسي.
- كيف سيكون التجديد في العمل؟
على قدر استطاعتي، سأجدد في التعاونات والأسماء، ولدي أغنيتان جديدتان تماماً، وستكون هناك مفاجأة في العمل أقدّمها للمرّة الأولى، ولكن لن أكشف عن تفاصيلها الآن.
- قلتِ إنك تتحدّثين مع نفسكِ ومعروفة بالحوار «على العالي مع حالك»... هل هذا أجرأ من التحدّث مع النفس بصوت منخفض؟
كنتُ أقول ذلك في السابق، ولكن في الحقيقة أنّني أحدّث نفسي منذ صغري، وعندما أبحث عن أغراضي في المنزل أسأل نفسي عنها على الدوام، وتطوّر ذلك ليُصبح حواراً ذاتياً، أشعر بأنّ ذلك يُريحني كثيراً... فمن المريح أن أحدّث ضميري. هذا نوع من أنواع العلاج، ويُشعرني بأنّ ردود فعلي مع الناس باتت أقلّ حدّةً، وبالحوار مع الذات أصحّح كل المفاهيم الخاطئة بالنسبة إليّ.
- في الحديث عن سوريا، هل تُعوّض العائلة اليوم لأصالة غربتها عن الوطن؟
أعشق سوريا كثيراً وأكثر من أي شخص يُحبّها، فهي بلدي الذي وُلِدْتُ فيه، وأشعر بالانتماء نفسه للبنان الذي أعشقه كثيراً، وحتى السعودية التي ساهمت في تكوين شخصيتي الفنّية، ولديّ الانتماء نفسه الى البحرين التي منحتني جنسيتها منذ حوالى العشر سنوات، ومصر كذلك. قد تكون ظروفي ساعدتني في تعزيز قدرتي على المحبة والوطنية لتشمل أكثر من مكان وأكثر من بلد، وربما يظن البعض أنّ شعوري الوطني قد تراجع نحو سوريا. ففي كلّ بلد يشعر أهله أنّني منهم، وفي نهاية المطاف ماذا تعني الجنسيات والأوطان... نحن نعيش في وهم الأوطان الصغيرة.
- هذا كلام مثير للجدل...
هذا لا يعني أنّ حبّي لسوريا أقل ذرّة من حبّ أي شخص لها. أعشقها كثيراً، وأنتمي أيضاً الى أماكن ساهمت في بنائي وتكويني، وأقل حقوق هذه الأماكن والبلدان أن أُشعرها بالانتماء إليها. نحنا كلّنا واحد... بلد واحد نعيش في حارات صغيرة.
- في الحديث عن الغربة... في غنائك المباشر لـ«عيش سكّر وطن» لاحظتُ أنّكِ تتفادين قول عبارة (في ناس الغربة كرهاها) وتكتفين بعبارة (في ناس الغربة كسراها)، لماذا؟
لا أحب كلمة «كره»... هناك كلمات أتجاوزها خلال غنائي على المسرح مثل الموت والكره، لا أعرف كيف أنطقها وأقولها، وأفضّل أن أتفاداها... لستُ شخصاً كاملاً ولكنّني مخزون أفكار وأشخاص وضعوا فيّ ثقتهم وفكرهم وحبّهم، كلّ ما وضعوه فيّ أشبعني حبّاً واهتماماً. وفي المقابل، عليّ أن أكون مهتمّةً بهم أيضاً، «لو كنت حجر... كنت حسّيت».
- هل تعتبرين «عيش سكّر وطن» كفاً «صحّى» العرب؟
«مش عارفة»... في نهاية المطاف، نحن نُعبّر عن غضبنا وعن حرقة قلوبنا ووجعنا كلٌّ على طريقته والباقي على الله. أنا أضع صوتي وفكري وكل ما أستطيع تقديمه في الحياة في خدمة مختلف القضايا... لا أظنّ أنّ الأغنية كفّ، هي صرخة فقط... صرخة من قلب يتألّم، وأظنّ أنّ الصحوة تأتي بعد رؤية صور الأطفال الأموات والمشوّهين.
- تزورين لبنان دائماً، ولكن ألم تفكّري في زيارة مخيمات اللاجئين السوريين هناك؟! ألم تتأخري إن صحّ التعبير؟
في الحقيقة وبكلّ صراحة، لم يبادر أحد الى تأمين سلامتي لدخول المخيّمات. تخطر في بالي كثيراً زيارة المخيمات وأتوق للقيام بهذه الخطوة، ولكن قالوا لي «أصالة على مسؤوليتك... ما حدا بيضمن شو بيصير». للاجئين مشكلتهم ولي مشكلتي الكبيرة، و«أنا نفسي مش عارفة ليه كبّروا المواضيع وعملوها مشكلة»... لستُ استشهادية!
- عبارة خطيرة...
قلتُ العبارة وما زلتُ متمسكة برأيي، أتمنى أن أزور هذه المخيّمات ليس لساعة أو اثنتين بل لفترة أطول، أود أن أجلس معهم وأن أكون إلى جانبهم، ولكن عندما أشعر بأنّ هناك خطراً على حياتي، أبتعد... أريد أن أتابع حياتي وأكون لأولادي، ولا أريد الخوض في أي أمر قد يشكّل خطراً على حياتي، وأنا أَوْلى الناس بهذه الزيارة ولكن الناس أقلقوني!
- إذاً، نزعت الفكرة من رأسكِ اليوم...
قلتُ لكَ إنّ لا جهة مسؤولة أمّنت لي دخولي وخروجي بسلامة، عندما أحصل على هذا التأكيد ستراني في المخيّم بين اللاجئين.
- بعيداً عن سوريا والسياسة، قلتِ إنّك تحبّين المصريين لأنّهم «غلابة» مثلكِ، ماذا يعني ذلك؟
المصريون «غلابة» وأحبّهم، فهم مثلي يتعايشون مع كلّ الظروف. «الغلب» لا يأتي من الفقر، ولا يعني أن يكون الشخص بسيطاً، بل أن تعاود الوقوف على رجليكَ بعد السقوط، فهم يُرتّبون أمور حياتهم بأقلّ ما يمكن في كلّ الظروف ليعيشوا ويتابعوا حياتهم، وهم يُشبهونني في ذلك.
- هل خفّفت السوشيال ميديا من وقع هذه «الغلابة»؟
طبعاً خفّفت من «الغلابة»، وسبق أن قلتُ لكَ إنّ هاجس الأرقام والمتابعات يُلاحق العديد من الناس، سواء كانوا مشاهير أم لا، ولكنّني على يقين بأنّه سيأتي يوم يرمي فيه الناس أجهزتهم الخليوية بعد أن يكونوا قد تعبوا وملّوا منها. السوشيال ميديا تسرق سعادتنا، لا بل تسرق أجمل لحظات حياتنا، ولا أتنكّر هنا لوجود إيجابيات كثيرة لها، ولكن في حال استخدمناها بمنطق، ولكنّنا للأسف لسنا منطقيّين في التعاطي معها، تخيّل أنّه كلّما جلس شخصان مع بعضهما البعض لا يتحدّثان مباشرةً، بل يلهوان بتطبيقات عديدة مع أشخاص افتراضيين وغير موجودين معهما.
- برأيكِ، على من يقع اللوم في ذلك؟
على كلّ شخصٍ بيننا... أتمنّى أن يأتي اليوم الذي أقطع فيه الإرسال عن الهواتف في منزلي، وكذلك خدمة الـ WIFI، عندها من يزورني أو حين يكون أولادي في المنزل، نتفرّغ للجلوس مع بعضنا البعض ونتحدّث ونمضي الوقت ونحن نمرح ونتسلّى، ولكن تبقى هذه أمنية...
- وما الذي يحول دون تحقيقها؟
قد لا يُحبّذ طارق زوجي الفكرة، لأنّ معظم عمله يُنجزه من خلال الهاتف ويمضي وقتاً طويلاً خارج المنزل، وخلال الوقت الذي نمضيه معاً في المنزل يكون منهمكاً في تخليص بعض الأمور العالقة... أتمنى أن يكون منزلي مقطوعاً عن الإرسال وعن السوشيال ميديا لفترة.
- ما هو المبدأ الذي تربّت عليه أصالة، وترفض أن يرثه أولادها، ولا سيّما علي وآدم؟
لا علاقة للمسألة بالمبدأ، بل أن تكون أيامهم أجمل من الأيام التي عشتها، وأنا أشعر أنّنا كأهل جئنا بهؤلاء الأولاد إلى هذه الدنيا بملء إرادتنا وليس بإرادتهم هم، وهذا «عمل صعب كتير» معهم، فالحياة صعبة وقد لا تكون عادلة في معظم الأحيان. والدتي دائماً تخالفني في معتقدي إذ إن الشعور بالذنب نحو أولادي يجعلني أبالغ في تدليعهم وأرضخ لطلباتهم، فهذا نابع من قناعتي بأنّهم أتوا إلى الدنيا ليس بإرادتهم وبقرارهم، وبالتالي عليّ أن أحميهم ما أمكن من أي مكروه أو أذى أو صعوبة، وأعاملهم بلطف ومحبّة شديدين، وأنا Over (أبالغ) قليلاً بمشاعري.
- ماذا يعني أن تكون أصالة Over؟
أتعلم... عندما كتبوا تعليقات تقول إنّني أبالغ، كانوا على حق... فعندما أحب، أحبّ إلى أقصى الدرجات، وعندما أحزن، أبتعد كثيراً، المشاعر دمّرت حياتي، ولا أعلم إلى متى سأبقى قادرة على التعامل مع الأمور، فهي تأخذ منّي الكثير وتتبعني. لا أقسو على أولادي، أبالغ في الحنان أثناء تعاملي معهم، أبالغ في حمايتهم أيضاً وأبذل قصارى جهدي حتى يكونوا سعداء... الأسلوب أتت نتائجه إيجابية مع شام ولودي (خالد)، وسأنتظر النتيجة مع آدم وعلي.
- ولكن والدتكِ تخالفكِ الرأي في التربية...
تعاملي مع شام ولودي على هذه القاعدة حقق نتائج فاقت توقعاتي، وقد يكون ذلك بالصدفة، فوالدتي تُخالفني الرأي، وهناك أناس كثيرون يؤمنون بالحزم والصرامة في تربية الأطفال، كما أنّ هناك من يُحارب أولاده ويتشاجر معهم، ولكنّني لا أنتهج هذا الأسلوب. أقوم بأمور «شكلها غريب شوي» مع أولادي، وعلى العموم أريد أن تكون حياتهم جميلة وأنا إلى جانبهم، ولكنّ والدتي تُحاول إيجاد التوازن في شؤون التربية.
- سأعود إلى صفة «المبالغة- Over» في شخصيتكِ وردود فعل الناس على ظهوركِ في Arab Idol وما تبعه من تساؤلات... سأنتهز فرصة الحوار لتوضحي لنا ماذا حصل في ذلك اليوم.
أنا أخطأت بكلّ بساطة... قرّرتُ يومها اصطحاب علي وآدم في إجازة قصيرة إلى بيروت، وقد سبق لهما أن زارا معي بيروت مرّتين أو ثلاثاً، ولكن لم أكن يومها مرتبطة بعمل فكنّا معاً طوال الوقت. ولكن في Arab Idol هناك جمهور كبير، وكنتُ أريد اصطحابهما أيضاً إلى الاستوديو، ولكنني غيّرتُ رأيي في اللحظات الأخيرة وتركتهما في الفندق.
- ما قصّة التهديدات؟
سأكمل لكَ الحكاية... تلقيت تهديدات «دمها تقيل»، وقد يكون ذلك لأنّني على الهواء مباشرةً، وهناك أشخاص يعارضون مبادئي، وللأسف باتت للناس قدرة على الشتيمة تفوق قدرتنا على الاستيعاب، وكانت شام ابنتي معي في الاستوديو، وخفتُ عليها من أن تمسك بـ«موبايلي» وتقرأ الرسائل والشتائم والتهديدات فتنهار، وأنا أعلم تماماً أنّ الأمر سيكون وقعه صعباً عليها، فكنتُ أمسك بالهاتف طوال الوقت وأحذف الرسائل والتهديدات، وكما قلتُ لكَ، شام تخاف عليّ أكثر من أي شخص آخر، كذلك خفتُ على طفليّ في الفندق.
- لنعد إلى تبريركِ أنّكِ أخطأتِ... هل لكِ أن تشرحي أكثر؟!
أخطأتُ لأنّني قمتُ بأمور تتعارض مع مبادئي وشخصيتي، فكنتُ متوتّرة، ناهيك عن أنّني ارتديتُ ثلاثة فساتين وغيّرت ثلاث مرّات إطلالاتي وندمتُ على ذلك، وشعرتُ أنّني لم أكن مرتاحة، فكان الأجدر بي أن أطلب من إدارة المحطّة أن أقدّم مرّة واحدة ما لديّ من أغنيات وأخرج من دون تبديل، وكان عليهم أن يقرروا، فإما الموافقة أو الرفض. كنتُ متضايقة من نفسي ومن تصرّفاتي، ووجود أولادي معي زاد من توتّري. لو كنتُ وحدي، لاختلف الوضع، فقد اعتدتُ على وجود أشخاص جبناء بلا أدب، يختبئون وراء الرسائل ويوجهون الشتائم. مع العلم أنّني لم أخطئ في حق أحد، ولم أصف أحداً بالمجرم أو أشتمه أو أسئ إليه. حتى لو كانت وجهات نظرنا مختلفة تماماً، أتمنى أن يبقوا أصدقائي بعيداً عن الخلافات... في العودة إلى ذلك اليوم، فلم يكن يومي!
(تتابع)...
سأُنهي هذا الموضوع وللمرّة الأخيرة... تاريخي طويل معكم، ويُسمح لي لمرّة واحدة على مدار 22 عاماً أن أكون متعبة وغير مرتاحة، فأنا مثلكم إنسانة ولديّ قدرة على التحمّل... سامحوني إن لم أكن على خير ما يُرام، وها أنا شرحتُ لكم ظروفي، ولكنّني في تلك اللحظة التزمتُ وصعدتُ إلى خشبة المسرح وهذه بطولة منّي، فأي شخص غيري كان قد اعتذر بعد كل هذه الرسائل المسيئة. والأدهى، كنتُ متعبة لدرجة أنّني بكيتُ بين الأغنية والأغنية، لأنّني لم أتخيّل أن يكون هذا الإنسان الذي أدعمه دائماً وأتعاطف معه بهذه القسوة، ولكنّني أتذكّر مشاهد القتل والدمار وأقول إنّ هناك أشخاصاً بلا قلب... عندما أغنّي أكون في قمّة مشاعري، وأي كلمة صعبة قادرة على تدميري وإزعاجي، فمشاعري تكون مرهفة، لأنّني عندما أغنّي أتخيّل دنيا أخرى، وكما قلتُ لك لا أتفوّه بأي عبارة سلبية في أغنياتي.
- الحرب صعبة إذاً على أصالة نصري الإنسانة أكثر من الفنانة، صحيح؟!
طوال حياتي واجهتُ حروباً وشروراً، والحمد لله استطعتُ تجاوزها لأنّ الشر موجود ولكنّ الخير يغلبه. هناك من حارب اسمي وكلمتي ووجودي، ولكنني من الأشخاص الذين يعبّرون ويتحدّثون بصوت عالٍ، فهذا يوقعني كثيراً في شرك التعامل معي كإنسانة وليس كمجرّد فنانة أو موهبة أو صوت جميل، فقد استطعتُ الحفاظ على إنسانيتي، حتى أنّ كل علاقاتي مع الناس هي إنسانية وليست مبينة على كوني فنانة أو صاحبة صوت جميل.
- مفيد فوزي مدح صوتكِ وقال إنّه يُسلطن خلال الاستماع إليك، ووصف شيرين بأنّها تعاني اضطراباً في الثبات الانفعالي، ما هو تعليقكِ على ذلك؟
لم أفهم قصده حتى أعلّق على الأمر... استمعتُ إلى المقابلة ولم أفهم ما يقصده، وأعتقد أنّ طريقة سماع الشخص للصوت هي وجهة نظر. وفي ما خصّ شيرين عبدالوهاب، فهي مرهفة الإحساس ولا نختلف على الفكرة، أمّا في ما يتعلق بالثبات الانفعالي، فهي تتمتع بثبات قوي وقادرة على التحكم بمشاعرها وتصرّفاتها، فهي تذوّبني وتأخذني إلى دنيا ثانية. الفكرة فيها وجهة نظر مختلفة ولا ترتكز على قاعدة ثابتة. وهناك أشخاص كثيرون يختلفون على حبّي، حب شيرين وأنغام ونجوى كرم وأم كلثوم وفيروز... الفن ذوق.
رسالتي الإنسانية
- هل توافقين على مبدأ مصارحة الفنان لجمهوره بكل تفاصيل حياته الخاصة والنفسية لتقليص الهوّة بينهما، أم أن يبقى هناك حدود بين الفنان والجمهور؟
المبدآن صحيحان. اليوم هناك مدرستان في هذا الصدد، عمرو دياب وأنا، فعمرو يرى الشهرة بطريقة مختلفة تماماً عن رؤيتي لها، وأنا أحترمه وأعشق ما يُقدّم، وكذلك أُحب طريقة تفكيره وصناعة نجوميته، كما أن لديه رسالة خاصة مختلفة عن رسالتي، وهنا ليس المقصود فقط عمرو دياب، بل هناك فنانون كثر مثله، فهناك أيضاً كاظم الساهر الذي يعتبر أنّ حياته الشخصية وأفكاره هي ملكه، وفنّه هو الشيء الوحيد الذي يملكه الناس منه، وهذا أمر صحيح أيضاً.
- من هو صاحب وجهة النظر الأصح والأكثر استمرارية، أصالة أم عمرو وكاظم؟
أعود وأكرّر أنّ رسالتي هي فعلاً مختلفة، فالناس يرون فيّ أصالة الإنسانة قبل أصالة الفنانة، فيحبّون أن يجالسوني ونتحدّث، وأنا من الذين يحبّون العلاقات الاجتماعية، ولطالما أردتُ أن أحفر لأصالة الإنسانة مكانةً بين الناس قبل أصالة الفنانة، وأظنّ أنّني نجحتُ في ذلك بعد مضي 22 عاماً.
- هل لهذا المبدأ سلبيّات على حياتكِ؟
طبعاً له سلبيات كثيرة، فهناك أشخاص كثر يحشرون أنوفهم في أمور لا دخل لهم بها، في محاولةٍ لإفساد حياتي الشخصية، وبذلك أكون قد آذيت أولادي، ولكن أحبّ أن أشارك الناس بما أنا فيه دائماً. شكّلتُ نفسي في وجدان الناس بهذه الطريقة وهذا ما أريده، تحمّلت مساوئ التدخّلات في حياتي من تهديد وشتيمة وأعداء كثر لأنّني كلّما خطرت في بالي فكرة، أتحدّث عنها مباشرةً وأناقشها، كما أنّني لا أخبّئ شخصية أخرى، فعندما أنفعل أمام الكاميرا، تكون الطريقة نفسها التي أنفعل بها مع «تيتو» زوجي، وأنا سعيدة بذلك.
- دخلتِ أخيراً عالم الإنتاج والأعمال...
(تقاطعني)... لم أدخل الإنتاج كما أُشيع، سأروي لكَ القصة لنختصر على أنفسنا الحديث ولا «نتفشخر ونكون Fake»، لأنّ هذا نوع من التعالي... طارق زوجي أراد أن يُقدّم لي هديّة، فوضع اسمي في خانة إنتاج الفيلم إلى جانب اسمه، لكوني زوجته التي يحبّها، وبعد عرض الفيلم أعطاني جزءاً من العائدات وكأنّني شاركتُ في عملية الإنتاج، ولكنّني على الصعيد الشخصي لم أتدخّل في أي تفصيل إنتاجي... أعمالي لا أتولّى إنتاجها، فكيف لي أن أدخل في مجال لا أعرف عنه شيئاً!
- ولكنّكِ دخلتِ عالم الأعمال وتواجهين اليوم مشكلة مع إحدى شركات العقارات، هل لأنّكِ شخص تتحكّم به المشاعر لم تتقني فنّ الأرقام؟
لا أفكر بهذا المنطق، ولكن كلّ ما في الأمر أنّ حالي كحال الكثيرين الذين دخلوا في استثمارات مع إحدى شركات العقارات وواجهنا المشاكل، والموضوع مضى عليه حوالى العشرة أعوام، وعندما نشرت القضية عبر حسابي على «إنستغرام» لا يمكنك أن تتخيّل عدد التعليقات التي أيّدتني وشاركتني قصصاً مشابهة، وطولبتُ بأن أتحدّث بلسان الآخرين عن مشكلتهم مع الشركة، ولكن هذا ليس من شأني. تلك كانت الخسارة الوحيدة في حياتي، أمّا الأمور الأخرى فهي على خير ما يُرام.
- هل ستعود أصالة إلى كرسي «الحَكَم» بعد تجربة برنامج «فنان العرب»؟
تجربتي في برنامج «فنان العرب» كانت لطيفةً وجميلة، ولكنّها صعبة في الوقت نفسه، فأنا لا أحبّ أن أكرّر كلامي في التعليقات والحلقات، لأنّ ذلك يُشعرني بـ«عذاب الضمير»، وأبحث دائماً عن مفردات جديدة، فتجربة التحكيم صعبة و«أتدلّل عليها»، ولكن من الممكن أن أكرّرها إذا عُرِضَت عليّ، لكن شرط أن تتوافق مع متطلّباتي الكثيرة، لأقوم بها على أكمل وجه.
- هل تعتبرين أنّ ألبوم «أعلّق الدنيا» قد ظُلِم؟
لا على العكس، ففي هذا الألبوم أغنيات كثيرة نجحت، من بينها «ذاك الغبي» التي حقّقت نجاحاً خليجيّاً ساحقاً، وكذلك أغنية «كان يهمّني»، فكانتا ضمن قائمة أكثر 10 أغنيات نجاحاً في مسيرتي الفنية. سعيدة جدّاً بهذا الألبوم و«طايرة بنجاحه» وأحبّه حبّاً جنونيّاً. هناك العديد من الأغنيات الكلاسيكية التي لا تحقّق انتشاراً بعد صدور الألبوم، ولكنّها تعرف نجاحاً في ما بعد مثل «قد الحروف»، «لو تعرفوا» وغيرهما من الأعمال، حتى أنّ أغنية «أعلق الدنيا» و«لن تكون» للشاعر الأمير عبدالرحمن بن مساعد هي أعمال ناجحة في تاريخي الفنّي وأؤرّخ من خلالها ألبوماتي ويُطلب منّي تقديمها في الحفلات.
- أنتِ من الفنانين القلائل الذين زاروا فلسطين، هل تتمنّين العودة إليها، وما هي أجمل ذكرى تحملينها من الزيارة؟
أمنيتي «فوق ما تتخيّل» أن أُحيي حفلات غنائية في فلسطين، ليتني أستطيع زيارتها كلّ شهر، ردود فعل الناس هناك مختلفة، لديهم طاقة غريبة وعظيمة، لديهم إحساس عالٍ ومرهف ومشاعر مختلفة. لدى الفلسطينيين الذين يعيشون على الأراضي الفلسطينية قومية عربية لم نرها في حياتنا ويتمتعون بثقافة واسعة ولطف ومحبة، وتركيبة شخصيتهم نادرة جدّاً، فقد بُنِيَت بتراكم المعاناة على اختلاف أشكالها، لديهم طريقة تعايُش غريبة، اكتسبوا من الحياة إيجابية كبيرة وأتمنى أن تتكرّر زياراتي إلى فلسطين.
- عندما كنتِ على المسرح هناك، قُلتِ إنّهم يُشبهونكِ...
هذا صحيح، لديّ من مفاهيمهم للحياة الكثير، منها البساطة واللطف وحب الحياة. كم من الفتيات والشبان الفلسطينيّين لديهم أفكار تخصّ الوطن العربي والقومية العربية لا تسمعها إلّا من فلسطينيين، وطنيّتهم فوق كلّ اعتبار.
- في الختام، سؤال يُراودني دائماً، مع كلّ هذه المعاناة والنجاحات، ألم تفكّر أصالة في تحويل قصّة حياتها إلى فيلم، مسلسل أو كتاب؟
سأقوم بذلك في وقتٍ لاحق...
(ممازحة).. يُمكنني أن أقدّم قصة حياتي على شكل أفلام مجزّأة، فمثلاً تكون «فيلم رعب»، «فيلم حب ورومانسية»، «فيلم كفاح»... مع كلّ ما أعيشه منذ 22 عاماً وحتى اليوم.
أتمنّى أن تكون لدي الجرأة لأحكي قصّة حياتي بصدقٍ بالغ، فأسرد على الناس التفاصيل، وأتمنّى يومها أن يكون كلّ من سأتحدّث عنه على قيد الحياة... لقد سامحتُ الجميع، لأنّني شخص متسامح، ولو لم أكن كذلك لما عرفت كيف أغنّي، أحب وأنجح... أتمنّى أن أقوم بهذه الخطوة.
- لو خُيِّرْتِ بين الأشكال الثلاثة (فيلم، مسلسل، كتاب)، ماذا تختارين؟
أفضّل أن أؤلّف كتاباً، لأنني أملك القدرة على التعبير الكتابي، ولي فلسفتي الخاصة في هذا الموضوع، أتمنّى أن أبدأ العمل على المشروع قريباً جدّاً، وأتوقّف في سرد الأحداث عند هذه المرحلة، لأتيح لنفسي في وقتٍ لاحق كتابة مذكراتي، ذكريات حياتي التي مضت في الكفاح والحب والتعب... أتمنّى أن أملك الجرأة الكافية حينها لأكتب بالتفاصيل.-
عن العمر والعلم
- تحتفلين الشهر المقبل بيوم ميلادك...
(تقاطعني)... لا أحتفل بيوم ميلادي!
- تمزحين طبعاً...
احتفلتُ مرّةً واحدة بيوم ميلادي وندمت بعد ذلك. أجد أن ليس منطقياً أن يحتفل المرء بيوم ميلاده. أنا أحبّ الحياة، فكيف لي أن أحتفل بيوم أودّع فيه سنة من حياتي! فلا شيء يدعو للفرح، ناهيك عن أنّني أتقدّم في السن، وهذا أيضاً لا يدعو للاحتفال.
- وفي المنزل، كيف يحتفلون بيوم ميلادكِ؟
نطفئ الشمعة معاً ونقطع قالب الحلوى، ولكن على العموم لا أحبّ هذا اليوم، وأتمنّى أن يمرّ دائماً بدون صخب.
- بأي مقولة تؤمنين: «كلما ازددتُ علماً ازددتُ جهلاً»... أم «كلّما تقدمت في السنّ ازددتُ قلقاً»؟!
أؤمن بالمقولتين معاً، ولكنّ المنطق يقول إنّه عندما تقرأ توسّع أفقك المعرفي، ولكنْ هناك أمور معيّنة عندما تبحث عنها تضيع أكثر. ما يُساعدني في التعامل مع الناس هو قراءاتي، وحتى خلال وجودي في الاستوديو، أتعلّم من أي شخص وأي ملحن، وأنا مطيعة أكثر ممّا تتصوّر. أحب التعلّم وأكتسب، ولكن مثلاً في موضوع الثورة الشائك راهناً هناك «لخبطة» حول كلّ ما يُكتب ويُقال، فـ«كلّ ما عم نقرا أكتر عم نضيع أكتر».
أسرار الزواج الناجح
- فلنبق في أجواء المنزل والعائلة ونتحدّث عن الزواج بعد نضج وعمرٍ متأخر، ما هي حسناته وسلبيّاته؟
في الحقيقة، تزوّجتُ من طارق عندما كنتُ في الرابعة والثلاثين من عمري تقريباً ولم أشعر حينها بأنّني متقدّمة في السن، وكنتُ أتمنّى منذ مراهقتي أن أتزوج في هذه السن، ولكنني تزوجت للمرّة الأولى وأنا في سنٍّ صغيرة. كنتُ أتمنّى أن أتأخر في الزواج حتى أبلغ الثلاثين من عمري لأعيش حياتي، أنجز مشروعي الفنّي، أتمتع بصداقاتي، أسافر وأتعرّف إلى أشخاص جُدد و«شوف الدنيا». والأهمّ لدي هو أن أقرأ وأتعلّم، ولو لم أتزوّج في المرّة الأولى لكان هذا العمر هو المثالي للزواج بالنسبة إليّ. وفي العودة إلى سؤالك عن السلبيات، فهو مبني على الوعي في العلاقة، ولا أجد ذلك أمراً سيئاً إطلاقاً، بل تكون العلاقة قد تجاوزت مرحلة الطفولة، فتصبح مبنية على حسابات وفهم ودراية. سواء أنا أو طارق مررنا بتجربة زواج سابقة، وعندما ارتبطنا قرّرنا أنّه يجب ألا نفشل.
- وهل هذا القرار صائب؟
نعتمد دائماً القليل من الحذر حتى لا نفشل، وقد تكون هذه إحدى السلبيات، فهناك العديد من المشكلات التي لا نعالجها من جذورها، وخاصةً عندما يكون هناك سوء تفاهم، لا تلجأ الى حلّه مثلما تحلّه عندما تكون في سنٍّ أصغر، فتصارع وتعاكس ليكون الأهم هو الوصول إلى حلّ فتُصحّح الوضع، زواجنا أتى عن قرار عاقل وناضج، ويكون هنا التجاوز هو الحل الأكبر في المشاكل. لا تبحث عن الحلول بل تتجاوز المشاكل لتُكمل حياتكَ مع الشريك.
- هل هذا يُحفّز الانكسار للشريك والتنازل؟
أنا شخصية تقليدية الطباع بعض الشيء، أحبّ أن تكون المرأة عموماً هي من يُصلح الأمور في نهاية المطاف، وأكاد أكون من الناس القلائل الذين يتبنّون ثقافة الاعتذار، فتراني أقول «آسفة و Sorry» كثيراً لأعتذر عن أي سوء أو تصرّف مزعج صدر عنّي، وأعتبر هذه الكلمة مثل حبّة الدواء، فمن شأنها أن تشفي وتحلّ المشاكل... على العموم أنا إنسانة لا تُحب المشاكل وتخاف منها.
- لماذا نشعر أحياناً أنّ شام (ابنتك) هي والدتكِ ولستِ أنتِ والدتها؟
شام هي ابنتي البكر، وحين وُلِدَت كنتُ لا أزال صغيرة في السنٍّ، فكبرنا معاً و«تخاوينا»، وأنا كنتُ المسؤولة عنها على كلّ الصعد، فمنذ أبصرت شام النور كنتُ لها الأم، الأب، الشقيقة والرفيقة... علاقتنا وطيدة وقويّة. شام تفهمني كثيراً، وهناك أشخاص كُثُر أشعر معهم بالعطف. فهناك أصدقاء أصغر منّي سنّاً يُشعرونني كشام أنّهم مسؤولون عنّي، وهذا يُسعدني كثيراً.
شارك
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1077 | آب 2024