توماس دارييل في «بنتهاوس» أزرق: ترسيم الحدود بين التقليدي والمعاصر!

توماس دارييل,بنتهاوس,ورق جدران,الشقة,الصالة,المساحات العامة,السقف,الجدران,الوظائف التقليدية,الأحجام الأصلية,النمط الفرنسي,سقيفة,الاسترخاء,موتيفات,الصالون,المطبخ,صالة الطعام,غرف النوم,المكتب,صالات الحمام

نجاة شحادة (باريس) 16 يوليو 2017

إنجاز منزل عائلي مكتمل الوظائف وعملي، وفي الوقت نفسه جذاب وفريد يشكّل تحدياً لكل مهندسي الديكور. توماس دارييل قبِل التحدي ونجح.
بعد أشهر عدة من عمليات التجميل والتحديث، استطاع دارييل تحويل المساحة الى «بنتهاوس» (أو سقيفة) رحب وحديث وذي بيئة متطورة.


تبعاً لتمنيات المالك، بحيازة مكان للراحة، فإن الشقة التي تقع في الدور الأخير من برج سكني، تتمتع بنطاق آمن ومجرد، مما يشكل ضمانة لها في مواجهة ضوضاء المدينة وغبارها في الأسفل. لذا فقد عمل دارييل على أن يكون تصميمه انعكاساً لرغبات المالك والتي يتم تلبيتها من خلال مساحات انسيابية، وتناظر متكرر للزخارف على النمط الفرنسي... أبواب خفية – غير مرئية – لئلا تعيق إيقاع الفضاءات، وقد اختار اللون الأزرق لخاصيته المهدّئة ومواصفاته الإيجابية في حالة الاسترخاء. وهذه كلها عناصر أساسية لترسيخ الهدوء والراحة.

وللوصول الى هذا، أراد المصمم في البداية كسر كل الأحجام الأصلية، وذلك من أجل انفتاح أكبر على المساحة. فكانت النتيجة صالوناً بفضاء هائل، يثير شعوراً مفعماً بالعمارة والمعاصرة، عبر تعريضه الى الحد الأقصى للضوء الطبيعي من خلال واجهات زجاجية كبيرة... وذلك بعد ضمّ الشرفة القديمة الى المساحة الداخلية، من أجل زيادة الإحساس بالحجم، مما يسمح بفضاء إضافي للراحة والرفاهية.

وحين ننظر الى أعلى المساحة، نجد حجماً مكعباً معلّقاً قد تم ابتكاره لجعله مكتباً للمالك، من ناحية، ومن ناحية ثانية لتأكيد الأشكال الهندسية و«غمزة» للدلالة الأصلية لكلمة «بنتهاوس» والتي تعني باللاتينية «المعلّق».
كما أن لهذا المكعب وظيفة بارعة حيث يتيح للمالك – أثناء عمله - «حراسة» منزله وعائلته في الوقت نفسه.

أيضاً، أراد دارييل تعديل طريقة اتصال المساحات ببعضها البعض، ومن أجل تحقيق هذه الغاية، نقل مكان السلّم المؤدي الى المساحات العليا، الى وسط الشقة. هذا السلّم هو بحد ذاته «تحفة» تنفتح وتتصل وتقود الى كل الغرف.
إنه نواة الهيكل المكاني وقلب التصميم. ولتأكيد هذا المفهوم فقد تم وضع السلّم على «موتيفات» رخامية من الأبيض والأسود... مشهد «غرافيكي» معاصر يخلق تناقضاً لطيفاً مع كل ألواح التلبيس والقوالب الخشبية والمسبوكات الكلاسيكية المنتشرة حوله في الشقة.

السلّم والجدران والأرضيات تم تصميمها كلها بأشكال دائرية، من أجل تعزيز الحركة وانسيابيتها وتحقيق الانسجام.
المخطط القيادي لهذا الـ«بنتهاوس» يوفر الوظائف التقليدية: المطبخ، الصالون، صالة الطعام، غرف النوم، المكتب، وصالات الحمام.
ومن الواضح أن كل هذه المساحات قد تلقت عناية خاصة من أجل تحرير الأسلوب والطابع والهوية. وصالة الطعام تقدم تعريفاً معيارياً للشقة، حيث الألواح الخشبية الأنيقة التي تم تلبيس الجدران بها، منحت، بإيقاعها الأزرق-الرمادي الحار، لمجمل الفضاء هويةً بالغة الوضوح تشير الى براعة خاصة في معالجة الفضاءات والتعامل مع المساحات المفتوحة.
لعب دارييل على أشكال غرافيكية بديعة في السقف والجدران من أجل خلق التوازن بين الأطر الكلاسيكية والخطوط المعاصرة. في وسط الصالة، طاولة طعام في منتهى الجمال الهندسي بتوقيع «بي أند بي» مُحاطة بمقاعد مريحة تميل الى التقليدية من تصميم «فيليب هيريل» وتستجيب لفكرة التوازن بين الكلاسيكي والمعاصر.

في الركن القريب «كونتوار» خشبي بديع، تم تخصيصه للفطور حيث يجتمع صباحاً كل أفراد العائلة. وهو أيضاً عنصر عملي وأنيق.
وهكذا فإن الدور الأول من هذا الـ»بنتهاوس» يوفر المساحات العامة وفضاءات الخدمات، أما الدور الثاني فيتضمن المساحات الخاصة والحميمة.

في غرفة النوم الرئيسة، تم دمج صالة الحمام بشكل كامل مع الفضاء. هي صالة حمام بقاعدة كلاسيكية، بواجهات زجاجية ملونة من جهة الصالة ولكنها تحافظ على شفافية ملحوظة تسمح بتأمين الإضاءة الطبيعية للمكان وتمنح الشعور باتساع مساحة الغرفة والانفتاح على فضائها.
ومن الـ«بانيو» يمكن مشاهدة التلفزيون، كما لعب دارييل على العناصر الزجاجية العاكسة في غرفة الملابس. قطع فنية حقيقية، حيث كل باب في هذا القسم الحميم جداً، تم تصميمه بطبقتين، طبقة من الزجاج بخطوط محفورة وفوقها مرايا تعكس «موتيفات» الزجاج.

في غرف نوم الأطفال، استُخدم ورق جدران تم تصميمه بواسطة فريق عمل «دارييل أستديو» خصيصاً لهذا المشروع. وهو يشير الى الثقافة والشاعرية والمرح.
انتباه فائق وعناية متفردة بالتفاصيل الصغيرة، أثاث وإضاءة بتوقيع كبار المصمّمين وتجهيزات بمواصفات قياسية وتكنولوجيا متقدمة، كل العناصر تجعل من هذه الشقة جنّة حقيقية للعيش.
وإذا أمكننا اختصار عمل توماس دارييل بكلمتي «مفهوم ورؤية»... غير أننا سنحتاج الى قاموس وافر من أجل شرح هاتين الكلمتين في العمل الزخرفي.

ذلك أن هذا المهندس الفرنسي الذي غادر فرنسا مباشرة بعدما أنهى دراسته عام 2006، وتوجّه الى الصين في سن الـ 24 ليفتتح مكتبه الخاص «دارييل أستديو» في شنغهاي حيث استقر، تصعب الإحاطة بعالمه الخاص، والذي شكّلته عناصر وظروف بالغة الفرادة، كما استحق وبجدارة العديد من الجوائز العالمية التي تؤكد موهبته وبراعته.

استطاع دارييل أن يمنح هوية شخصية لأسلوبه المبدع، ولجرأته في دفع الحدود ولقدرته على الإثارة وخلق المفاجآت. ولكي يستمر في ترحاله الجميل، أطلق، هذا المسافر الذي لا يتعب، عام 2014 خطّه الخاص من الأثاث والإضاءة والأكسسوارات.