أول طبيبة صمّاء د. فادية عبدالجواد: لا أعترف بالمستحيل

فادية عبدالجواد,طبيبة,صماء,موسوعة «غينيس»,المستحيل,تفوق,الإعاقة,موسوعة «غينيس ريكوردز»,طبيبة صمّاء

جمال سالم (القاهرة) 06 أغسطس 2017

الدكتورة فادية عبدالجواد، أول طبيبة صمّاء، وتستعد لدخول موسوعة «غينيس ريكوردز» للأرقام القياسية. التقتها «لها» فتحدثت عن كيفية تحديها إعاقتها وإصرارها على تحقيق حلمها، وتكلمت عن تعاملها مع المرضى خلال الفترة التي كانت فيها صماء، وكشفت عن إحساسها بعد أن غادرت عالم الصم لتسمع الأصوات للمرة الأولى في حياتها.

- هل كانت هناك مؤشرات لفقدك السمع وأنتِ في الحادية عشرة من عمرك، أم حدث ذلك فجأة؟
حدث ذلك بدون أي مؤشرات، فبعد احتفالنا في المرحلة الابتدائية بعيد الأم مباشرةً، وبالتحديد في 23 آذار/مارس من عام 1973، فوجئت بفقداني حاسة السمع، وكانت صدمة كبيرة بالنسبة إليّ. وقتذاك تمرّدت على الواقع، خاصة أنني كنت متفوقة في دراستي، وكان والدي يناديني منذ صغري بـ«الدكتورة»، مما غرس هذا الحلم في نفسي. كنت طفلة نشيطة في كل شيء، والأولى في الدراسة والرقص والغناء ومختلف الأنشطة، ورغم الصمم الذي أُصبت به، حصلت على مجموع 95% في الشهادة الابتدائية، وكانت الدرجات الناقصة بسبب عدم قدرتي على قراءة حركة الشفاه وكذلك الإملاء، وقد تعاطفت معي لجنة المراقبة وأعطتني نص الإملاء حتى أنقله، لكنني رفضت الغش بإصرار. وفي الشهادة الإعدادية كنت الأولى بمجموع 96%، وفي الشهادة الثانوية كنت الأولى بمجموع 97.5%، مع العلم أنني رفضت دخول مدرسة ذوي الاحتياجات الخاصة، وتعلّمت في مدارس عادية، وأتقنت تدريجاً قراءة حركة الشفاه، وكنت أنظر في وجوه الناس وأقرأ حركة شفاههم، وبالتالي أجدتُ اللغتين الإنكليزية والفرنسية بمجهودي الخاص.

- حدّثينا عن تفاصيل أصعب مرحلة في حياتك وكيف صمّمت على الالتحاق بكلية الطب؟
رغم فقداني السمع، قررت أن أبقى مصدر فخر لأسرتي، وكنت أبذل قصارى جهدي في تعليم نفسي، وأتابع كل المحاضرات. ورغم الصعوبة البالغة التي كنت أجدها في فهم الشرح باللغة الإنكليزية، ومتابعة حركة شفاه الأساتذة، لم يتأثر حلمي الكبير، بل ازددت إصراراً على تحقيقه وتخطي الصعاب، فكنت أمضي معظم أوقاتي في الكلية والمستشفى، أحاول فك شفرات المناهج والاستماع إلى آلام المرضى منذ بداية الدراسة إلى نهايتها.

- كيف كنت تستخدمين السمّاعات الطبية وأنت عاجزة عن السمع؟
كانت هذه أصعب مشكلة واجهتها منذ دخولي كلية الطب، وخاصة عندما قرأت من خلال حركة شفتي أحد كبار أساتذة الكلية عبارة «هي الكلية ناقصة طرشان»... فزاد تصميمي على إكمال دراستي وتخطي الصعاب مهما كانت، وكان الله رؤوفاً بي لأنني لم أنجح في البداية في استخدام السمّاعة الطبية بخلاف زملائي، لكن في ما بعد قرأت في إحدى الصحف أن هناك سمّاعة طبية مخصصة للكشف عن الأجنّة، وتكبّر نبض القلب 480 مرة، فراسلت الشركة وحصلت على السمّاعة، وكنت أعتمد على نسبة إحساسي بالسمع، حيث كنت أشترى شرائط أصوات القلب من الكلية وأمسك السمّاعة المكبّرة، وأوجّهها نحو شريط التسجيل لتحديد نوع المرض، وبعون الله أتممت دراستي بتفوق ولم أرسب في أي مادة، وعُيّنت في وزارة الصحة، ومن ثم سافرت إلى خمس دول عربية وأفريقية، هي السعودية واليمن وأوغندا وتنزانيا وأثيوبيا وزائير ونيجيريا، ومارست مهنة الطب بصورة طبيعية، وتغلبت على صعاب اختلاف اللغات واللهجات.

- كيف كنت تتعاملين مع المرضى وأنت لا تسمعين أصواتهم؟ وهل تقتصرين في الكشف على نوعية معينة من المرضى؟
التخصص في الأمراض الجلدية لا يتطلب الاستفاضة في الحديث بين الطبيب ومرضاه، ثم إن الطبيب في العادة هو الذي يبادر في سؤال مرضاه، ومن خلال متابعتي لحركة شفاه المرضى أتعرف على كل ما يقولونه، وقد نجحت في ذلك، حيث كنت أعالج جميع المرضى وليس فئات معينة كما يظن البعض.

- يقال إنك لا تنامين إلا ساعات معدودة يومياً وقد اعتدتِ على ذلك منذ الصغر... فهل هذا صحيح؟
نعم، ولعل هذا من نِعم الله عليَّ منذ الصغر، حتى أن والدي كان يشفق عليَّ حين يستيقظ لتأدية صلاة الفجر ويجدني أذاكر دروسي، فكان يطفئ النور ليجبرني على النوم، إلا أنني أعود لإنارته من جديد لمواصلة المذاكرة وتحقيق هدفي... كما بقيت شهوراً عاجزة عن المشي بمفردي باتزان، لأن العصب المسؤول عن السمع تأثر بالحمّى، وهو مرتبط بالعصب المسؤول عن الاتزان، وكان هذا أول تحدٍ بالنسبة إليّ، حيث تدرّبت على المشي في غرفتي لأسابيع عدة، وقد فوجئت أسرتي بقدرتي على المشي بمفردي من دون الاستناد إلى الحائط، ذلك أنني في طبعي أرفض أن أكون مثاراً للعطف والإشفاق، وقررت أن يكون العلم هو سلاحي في الحياة.

- وكيف عادت إليكِ حاسة السمع؟
أمضيت 33 عاماً من عمرى في صمم كامل، ومارست مهنة الطب خلال 20 عاماً، وفي عام 2006 خضعت لجراحة زرع القوقعة الأولى، وسمعت الأصوات للمرة الأولى في حياتي. وفي عام 2014 زُرعت القوقعة الثانية، وأصبحت أسمع بكلتا الأذنين، وودّعت نهائياً عالم الصمت الموحش الكئيب، ولا يمكنني وصف ما شعرت به بعد 41 عاماً من الصمم.     

- تستعدين لدخول موسوعة «غينيس ريكوردز» للأرقام القياسية، فهل تأكدت من معلومة أنك أول طبيبة صمّاء في العالم؟
نعم، حيث عرفت أن هناك طبيباً أميركياً خضع لعملية زرع القوقعة، ومن ثم تخرج في كلية الطب، والولايات المتحدة وفّرت له كل الإمكانيات واحتفلوا به، وقد تواصلت مع المجلة التي كرّمت هذا الطبيب، ومع شركة القوقعة التي وزعت ابتكارها في غالبية دول العالم، وبعدما أجروا أبحاثهم أكدوا أنني الطبيبة الوحيدة في العالم التي تخرجت في كلية الطب وهي صمّاء تماماً.

- من هو مثلك الأعلى في تحدي الإعاقة وقهرها؟
كنت أُحدّث نفسي بأنني لا أقلّ أهمية عن الدكتور طه حسين أو هيلين كيلر، فكلاهما كانت معاناته أكبر من معاناتي، ومع ذلك حققا إنجازاً عظيماً وسطّر التاريخ اسميهما بحروف من نور. ولهذا فهما مثلي الأعلى في الإيمان بعدم وجود مستحيل، وكان شعاري في الحياة: «انطلق نحو القمر... فحتى لو أخطأت فسوف تحلّق بين النجوم».

- لم تتفوقي في الدراسة، بل تفوقت في تربية أربعة أبناء وصلوا إلى مراكز مرموقة رغم افتقادك التواصل الصوتي معهم، فكيف كان ذلك؟
رغم أنني تزوجت وأنجبت ابنتي الكبرى «جهاد» وأنا على مقاعد الدراسة، تحديت نفسي وظروفي في رعايتها، وهي اليوم مديرة في أحد المصارف الكبرى، ومن ثم رُزقت بابنتي «سندس» التي تفوقت في الثانوية العامة، والتحقت بكلية الصيدلة، وهي تعمل حالياً في إحدى شركات الأدوية العالمية، وابني «محمد»، وهو خريج كلية التجارة وإدارة الأعمال، وآخر العنقود المهندس محمود، وهو يملك شركة برمجة، وكلهم متفوقون في عملهم.

- ما هي نصيحتك لمن هم في مثل حالتك وأصابهم اليأس؟
أنصحهم بألا يلقوا بالاً لمعاول الهدم، وأن يبتعدوا عن ذوي النفوس الشريرة المليئة بالحقد والحسد، التي عندما ترى تميزاً وإنجازاً ونجاحاً تحاول هدمه وهدم صاحبه، لأنها لا تستطيع القيام بمثله.

CREDITS

تصوير : أحمد الشايب