لطفي بوشناق: المرأة لم تغب عن حياتي يوماً

محمود الرفاعي (القاهرة) 27 أغسطس 2017


عندما غنّى قصيدته الشهيرة «أنا المواطن» أبكى الجمهور العربي كله، خاصةً في مقطع «خدوا المناصب بس خلولي الوطن»، لكنه يرفض تفسير تلك القصيدة بأنها تعكس حالة يأس من الوطن العربي، ويعتبرها رسالة من مواطن يحب تراب بلاده.
الفنان التونسي الكبير لطفي بوشناق التقته «لها» أثناء وجوده في القاهرة، فتحدّث عن أغنياته، وما فعله تامر حسني معه، والمرأة في حياته، كما كشف عن رأيه في السياسة وفي مواقع التواصل الاجتماعي، وأدلى باعترافات جريئة في حوارنا معه.


- هل كنت تشعر باليأس حين تغنّيت بقصيدة «أنا المواطن»، وبالتحديد في جملة «خدوا المناصب بس خلولي الوطن»؟
هذه الكلمات لا تدل على اليأس أو الضعف أو الهزيمة، إنما هي رسالة من مواطن عربي يحب تراب بلده، ويطلب من كل المتحكمين والانتهازيين أن يستمتعوا بمناصبهم وبالمكاسب التي حققوها، لكن بعيداً عن بيع أوطانهم أو أراضيهم، فحياة الإنسان ليست مديدة، لكن الأرض هي مستقبل أولادنا وأحفادنا، وعلينا أن نحافظ عليها مثلما حافظ السابقون عليها، لكي ننعم نحن فيها، وكذلك الصغار مستقبلاً، وإن حاول هؤلاء الانتهازيون سرقتها أو بيعها فنحن لن نتركها تضيع منا، فالأرض بالنسبة الى المواطن العربي كالمياه والهواء اللذين لا يمكن العيش بدونهما.

- لماذا ترفض أن تطلق عبارة «ثورات» على ما شهده الوطن العربي خلال السنوات الماضية؟
لم أرفض لقب «ثورة»، لكنني لا أهتم بالمسميات، فأنا لست ضليعاً في السياسة لكي أحلّل ما حدث في المنطقة العربية وأُثبت صحة كلامي بالأدلة والبراهين، فسواء كانت ثورة أو انتفاضة أو مؤامرة، تبقى مسميات تختلف من إنسان لآخر، باختلاف المجتمع الذي نشأ فيه، والعناصر المحيطة به، إنما ما يهمني هو أن ننسى ما حدث طوال الفترة الماضية، سواء كان إيجابياً أو سلبياً، ونبدأ التفكير بالمستقبل، ونحاول أن نسعى جاهدين لرسم خريطة جديدة لحفظ كرامة المواطن العربي وإعادته لتعمير أرضه وبناء مستقبله.

- لماذا لم تتغير أحوالنا كعرب بعد مضي سنوات على الثورات العربية؟
السنوات الست أو السبع التي مرت علينا منذ انفجار هذه الثورات، ما هي إلا ثوانٍ في عمر تاريخ العالم، ربما نشعر بأنها فترة طويلة لكوننا نعيش كل يوم بيومه، لكن حين نقارنها بالثورات السابقة التي اندلعت في مختلف دول العالم، نجد أنفسنا أمام ثوانٍ ولحظات مرت، فالثورات الأوروبية استغرقت قروناً لكي تظهر نتائجها، كما أن الأوضاع في الوطن العربي مرتبطة ببعضها البعض، فما يحدث في السودان يؤثر في مصر وتونس، وما يحدث في سوريا يؤثر في لبنان والأردن، لكن لا بد من أن نعترف هنا بحقيقة واحدة، وهي أننا نشهد أسوأ فترة زمنية في تاريخ الوطن العربي.

- ما سبب تقديمك أغنية «أخويا الإنسان» للبوسنة والهرسك؟
أنا إنسان، وفي يوم الحساب سأقف أمام الله عزّ وجل ويسألني عما قدمته في حياتي، وعندها لن يفيدني جواز السفر الذي يحمل اسمي وجنسيتي بشيء، إنما أعمالي الصالحة هي التي ستنفعني، ولذلك فإن ما رأيته من مآسٍ ودمار وقتل لأطفالنا وإخواننا في البوسنة والهرسك، دفعني لأن أغنّي للإنسانية، فسلاحي هو صوتي، وأنا مسرور لأن هذه الأغنية، وبعد سنوات من طرحها، تم اختيارها اليوم بين أهم 12 أغنية للإنسانية ضمن منظمة اليونيسيف، وكلّما أشاهد عملاً غير إنساني سأحاول أن أدافع عنه بصوتي، وما يحدث لمسلمي بورما يدفعني دائماً للتفكير في الغناء لهم.

- هل أنت من نوعية الفنانين الذين يلجأون لتقديم الأغنية الوطنية في الأزمات السياسية؟
إطلاقاً، فأنا لم ولن أؤدي الأغنية السياسية، وكل أغنياتي هي إنسانية، كما أرفض فكرة الغناء الوطني بدون سبب، لأننا جميعاً نعشق أوطاننا، والوطن لا يحتاج منا الغناء بمقدار ما ندافع عنه بالفعل وليس بالكلام، وأنا أغنّي للإنسان في أي مكان وزمان، وسأظل أغنّي له مهما كلّفني هذا الأمر، ومن يقول إنني أقدّم أغاني وطنية فهو لا يفقه شيئاً، وأحمد الله أن جمهوري يسمع كل أغنياتي.

- من هم الفنانون الذين ترى أن أعمالهم تناقش مشاكلنا العربية؟
لكل فنان سياسة وخطة مختلفتان عن الآخر، وليس من حقي مناقشتهم أو تحليل أدائهم وأغنياتهم، فربما هم يفكرون بأسلوب مغاير لأسلوبي، لكن علينا جميعاً أن نعترف بأن الفنان هو المرآة التي تعكس مشاكل وهموم المجتمع الذي يعيش فيه، وأغنياته ابنة البيئة التي كان يعيش فيها، ولو أحببت أن أذكر أسماء فنانين شعرت بأنهم عكسوا في أغنياتهم صور المجتمعات التي كانوا يعيشون فيها، فربما أذكر مارسيل خليفة ونصير شمّة وعبادي الجوهر، وأيضاً الفنان اليمني أحمد فتحي.

- ما القضية الإنسانية التي ستتناولها في أغنياتك المقبلة؟
فلسطين، لأنني لم أعطها حقها في الغناء بعد، فأي مواطن عربي، تبقى لفلسطين مكانة قوية في قلبه وعقله وتفكيره، ولذلك سأستمر في الدفاع عنها حتى أرى أنها أصبحت محررة من هؤلاء الطغاة. فلسطين ليست مجرد قضية إنسانية تمس كل عربي ومسلم، بل هي قضية دينية وعقائدية... هي أرض المسجد الأقصى، الذي أتمنى أن أصلّي يوماً فيه.

- هل ترى أن وسائل الاتصال الحديثة كانت سبباً في انهيار الوعي الثقافي لدى الشباب العربي؟
سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام قال: «خير الأمور الوسط»، فالإنترنت والشات ومواقع التواصل الاجتماعي لها إيجابيات رائعة، لكنها ضارة أيضاً، لذلك علينا أن نستخدمها بالحد المعقول، ولا نُكثر منها، فاليوم نرى جميع أفراد الأسرة الواحدة منهمكين في استخدام تطبيقاتهم ولا يتحدثون مع بعضهم بعضاً، فالإنترنت سلاح ذو حدين، وعلينا أن نستخدمه بشكل إيجابي، مثلما يتعامل معه الغرب، فنحن كعرب دائماً لا نتعامل مع الأشياء الوافدة الينا من الغرب بشكل إيجابي، بل نركز على الجوانب السلبية فيها.

- ما سبب عدم تعاقدك طوال مسيرتك الغنائية مع أي شركة إنتاج؟
أعشق الحرية والعمل بدون قيود لذلك أحبّذ أن أطرح أغنياتي بعيداً من الإنتاج الخارجي، فأجمع المال من أجل أن أصرفه على الفن، ولكي أُحقق عملاً متكاملاً أرضى عنه.
لكن في المقابل إذا وجدت شركة إنتاج لا تضع قيوداً وتوفّر لي كل عوامل النجاح فلن أرفض التعاقد معها، بل سأُرحّب بالعرض من أجل تنشيط الصناعة.

- لماذا اختفت الأغنية الطربية من ساحتنا الغنائية خلال الفترة الماضية؟
الأغنية العربية الطربية موجودة، ولم تختفِ أو يخفت وهجها، إنما المشكلة في الإعلام الذي أصبح يبتعد عن إذاعتها بسبب الرأسمال، فوسائل الإعلام والصحف والمجلات والبرامج المرئية عليها مسؤولية الدفاع عن الفن والغناء الطربي والحفاظ عليه، ومهاجمة الفن المبتذل والهابط، فمهما انتشرت الأغنيات التافهة ستأخذ وقتها وتنتهي مع الزمن، بخلاف الأغنية الطربية التي تبقى خالدة أبد الدهر.

- كيف رأيت استعانة تامر حسني بجزء من أغنيتك «أنا حبيت» في أغنيته «رسمي فهمي نظمي»؟
استمعت الى الأغنية، ولم أتضايق أبداً مما فعله تامر، فهو ابني، وأنا دائماً أشجع الشباب، وأتمنى أن يكون مستقبلهم باهراً وناجحاً، والبعض هاجم تامر لأنه لم يذكر أن الاقتباس كان من أغنيتي، وأنا لا أشغل بالي بهذا الأمر، فذكره لاسمي من عدمه لن يضيف إليّ شيئاً، وأنا لست ضد أن يعيد أي فنان غناء إحدى أغنياتي.

- أين المرأة في حياتك؟
لم تغب المرأة يوماً عني، فهي الأم والأخت والحبيبة والزوجة والابنة والصديقة.

- ماذا عن أسرتك؟
عندي ثلاثة أولاد وبنت واحدة، وكلهم يتمتعون بمواهب فنيّة مختلفة، فمنهم من يعمل في مجال التمثيل والإخراج، ومنهم من يعزف على الآلات الموسيقية.